تمهيد إلى السفر
هناك سفران في الكتاب المقدس يحمل كل منهما اسم امرأة؟ هما سفر راعوث وسفر أستير؟ كانت راعوث موآبية؟ أما أستير فكانت يهودية. وكل منهما أظهرت في حياتها ومن خلال ظروفها الخاصة تكريساً وأمانة من نحو الله.
ويذكر اسم راعوث في هذا السفر المسمى باسمها اثنتي عشرة مرة. عدا ذلك فلا يذكر سوى مرة واحدة أخرى في كلمة الله؟ ويا للعجب؟ إذ يذكر بالارتباط بسلسلة نسب الرب يسوع (مت 5:1).
وهذا السفر يكشف بصورة جميلة كيف ينسج الروح القدس ظروف أسرة - هي عائلة نعمي - بطريقة توجه نظرنا إلى حق هام جداً. ويلفت الروح القدس هنا نظرنا إلى واحد من أغلى ألقاب ربنا يسوع؟ ألا وهو «الوليّ»؟ أي الذي له حق الفداء. ويذكر اللفظ العبري «Goel» الذي يُترجم «الولي» تسع مرات في هذا السفر؟ وتتكرر ذات الكلمة كثيراً في سفر إشعياء وأسفار أخرى؟ وهي تترجم حسب القرينة التي ترد فيها «بالفادي» أو «الوليّ» أو «وليّ الدم» بمعنى الذي يثأر لدم قريبه؟ ولكن في أغلب الأحيان تترجم «الفادي». وكما قال أحدهم؟ "هذه الكلمة وحدها تستحق الدراسة".
يقع هذا السفر بين سفري القضاة وصموئيل؟ وهذا له دلالة رائعة. ففي سفر القضاة نرى انحطاط شعب إسرائيل وفشلهم التام كأمة في حفظ شهادتهم للإله الواحد الحقيقي وسط ظلام الوثنية وعبادة الأصنام في كنعان والأمم المحيطة بهم. ونتيجة لذلك كان لابد أن يؤدبهم الله؟ فسمح لأعدائهم أن يذلوهم (قضاة 6:2-23)؟ ولكنه في نعمته كثيراً ما أقام لهم قضاة ليخلصوهم ويعطوهم راحة من مضايقيهم؟ ولكن لم يوجد قاض واحد استطاع أن يجعلهم يتمتعون بميراثهم الذي أُعطي لهم من الله كاملاً؟ وإنما كان يرد لهم هذا الميراث جزئياً. وبالرغم من أن كل قاض كان من زاوية معينة وفي مواقف محددة رمزاً للرب يسوع؟ إلا أن جميعهم أظهروا قصوراً كثيراً؟ حتى أولئك الذين كانوا رموزاً واضحة للرب يسوع؟ كجدعون وشمشون؟ بكل أسف طوحوا الشعب بعيداً.
وهكذا يرتبط سفر راعوث بسفر القضاة بهذه العبارة التي يُفتتح بها «وحدث في أيام حكم القضاة»
على أننا نجد في سفر راعوث من يصلح لأن يكون الفادي الكامل؟ "بوعز" الذي معنى اسمه "الذي فيه القوة". كان «جبار بأس» أي ذا ثروة. وكان أيضاً ذا قرابة ووليَّاً. كان قادراً على أن يفك - أي يفدي - امرأة موآبية كراعوث فكاكاً كاملاً ويأخذها لنفسه؟ بالرغم من أنها بلا حقوق على الإطلاق؟ إذ هي من أعداء شعب الله؟ ولكنه يفدي الميراث؟ وأيضاً يقيم نسلاً ليتمتع تمتعاً كاملاً بهذا الميراث والنصيب.
من هنا يأخذ هذا السفر بأنظارنا إلى داود الذي سيقيم المملكة بالقوة؟ ويدخل الشعب إلى الراحة في ميراثهم الكامل؟ وهكذا ينقلنا هذا السفر إلى سفر صموئيل. فيبدأ هذا السفر بأليمالك تاركاً أرض الله؟ وينتهي باسم داود؟ الرجل الذي بحسب قلب الله؟ وهكذا يكون هذا السفر حلقة الوصل الصحيحة بين سفري القضاة وصموئيل.
إن هذا السفر يرينا أنه حتى في أيام الخراب الشديد؟ وعلى الرغم من انحراف وانحدار الشعب في أيام القضاة؟ فإن الله في عنايته الخاصة بشعبه كان يعمل بطرق مستترة لتكميل مقاصد نعمته الإلهية. لقد قصد الله أن يفيض ببركته على نسل إبراهيم؟ لتتبارك فيه جميع الأمم.
ونحن نجد في هذه الأسفار تاريخ الشعب في مثال؟ ففي القضاة نرى الخراب والانحراف التام «في تلك الأيام لم يكن ملك في إسرائيل؟ كل واحد عمل ما حسن في عينيه» (قضاة 25:21) «رفضوني حتى لا أملك عليهم» (1صم 7:8). وفي سفر راعوث نرى المسيح الذي يفدي ويرد كالولي؟ ويعطي الميراث للبقية المسكينة في إسرائيل ممثلة في راعوث الموآبية؟ التي أتحدت نفسها مع الأمة المتروكة (نعمي) والتي فقدت كل شيء تحت يد الله المؤدبة؟ ثم أخيراً تصبح زوجة لبوعز.
أمَا كان هذا الذي حدث مع إسرائيل إنما هو لتعليمنا؟ لقد كُتب هذا «لإنذارنا؟ نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور» (1كو 11:10). ألم تكن الأسباب التي أدت إلى حالة الخراب في إسرائيل هي نفسها التي سببت خراب الكنيسة؟ أولم تكن النعمة التي تدخلت مرة ومرات في تاريخ إسرائيل هي ذات النعمة التي تتدخل لأجل الكنيسة؟ ألا نستطيع أن نميز التناظر بين الأصحاحات السبعة الأولى من سفر صموئيل الأول وبين الأصحاحين الثاني والثالث من سفر الرؤيا؟ ثم ألا نجد في راعوث ما نجده في كنيسة فيلادلفيا (رؤ 7:3-14).
في ضوء هذه الملاحظات فإننا نأمل أن يتكلم سفر راعوث إلى ضمائرنا؟ لاسيما حين نرى النتائج الخطيرة التي تترتب على ترك المكان الذي اختاره الرب ليكون اسمه فيه؟ فلنصغِ بالقلب إليه ونحن نتأمل صلاح «بوعز» الحقيقي الذي لنا؟ وفي نعمته غير المحدودة التي لا تسقط.
- عدد الزيارات: 4761