Skip to main content

الأصحاح الثاني - عدد 17

الصفحة 15 من 20: عدد 17

فالتقطت في الحقل إلى المساء، وخبطت ما التقطته، فكان نحو إيفة شعير ( ع 17)

سبق ورأينا سمة الجدية والاجتهاد التي كانت لراعوث، إذ كانت تريد أن تمتلك كل ما أتاحته لها النعمة الإلهية. وهنا تستمر في نشاطها، فتعود إلى الالتقاط حتى المساء. فهل نحن لنا مثل هذا الاجتهاد؟

كثيراً ما يظن الشباب أن الدراسة الجادة لكلمة الله هي من اختصاص الإخوة والأخوات المتقدمين، وهذا أكبر خطأ يقعون فيه. فأفضل فترة من العمر لدراسة الكتاب هي ما بين الخامسة عشر والخامسة والثلاثين. لما كنا في مقتبل العمر كان كل شيء جديداً ومشوقاً لنا، وكان تمتعنا بالبركات التي نحصلها من كلمة الله مضاعفاً. كانت حياتنا مازالت تتشكل، وكانت أفكار الله تستطيع أن تؤثر في أعماق قلوبنا وفي حياتنا. علاوة على ذلك كانت الذاكرة مازالت في اتساعها وقابليتها لأن تحفظ ما تقرأه. وكم من المؤمنين الذين يحبون كلمة الله يندمون على ما فاتهم من أيام الشباب التي لم يستغلوها جيداً في دراسة مركزة لكلمة الله.

ثم تخبط راعوث ما جمعته، فالحنطة لا تنضج بغير التبن، ولكن التبن ليس طعاماً للإنسان، فلا مفر من وجود "التبن" في عظاتنا وتأملاتنا. فقد نسوق بعض التشبيهات لتوضيح حق أو مبدأ ما، وقد نضطر أحياناً لتكرار الكلام مرة أو مرتين حتى يصبح مفهوماً ويرسخ في ذهن المستمعين، هذا علاوة على عدم قدرتنا أحياناً أن نعبر عن أفكارنا كما يجب. وقد يعمد المتكلم إلى التبسيط الزائد في كلامه ليكون أكثر جذباً لانتباه السامعين، أو أن يقول ما لم يُقل من قبل، أو أن يأتي بالجديد، وما إلى ذلك من الأمور التي تجعل أمامنا تبناً كثيراً لنفتش فيه على الحنطة.

ولكن هناك سبيلاً واحداً لأن نعطي السامعين حنطة أكثر، وهو «إن كان أحد يتكلم فكأقوال الله. إن كان أحد يخدم فكأنه من قوة يمنحها الله لكي يتمجد الله في كل شيء بيسوع المسيح» (1بط 11:4). والكلمة اليونانية المترجمة هنا «كأقوال» ترد أيضاً في أعمال 38:7، رومية 2:3، عبرانيين 11:4، وهي في اليونانية القديمة تطلق على أقوال الآلهة عندما تُسأل عن فكرها من جهة أمر ما. مثالاً على ذلك أقوال دلفي الشهيرة. من هنا نفهم أن أقوال المتكلم لا يجب أن تكون مطابقة لكلمة الله فحسب، بل أيضاً يجب أن ننطق بها حسب مشيئة الله. فلا نتكلم بها إلا في الزمان والمكان اللذين يريدهما الله، فيكون كلامنا «وحي (أي قول) الذي يسمع أقوال الله، الذي يرى رؤيا القدير» (عد4:24) - اقرأ أيضاً 1كورنثوس 13:2 - هكذا لابد أن نتكلم إذا كان الروح القدس هو الذي يستخدمنا ولسنا نخدم من تلقاء أنفسنا.

لأجل ذلك كثيراً ما نرجع بالتبن فقط إلى بيوتنا. فلا نذكر سوى ضعفات وأخطاء المتكلم، أو ربما نتذكر فقط المظهر الخارجي للخدمة، أما راعوث فلم يكن يهمها التبن، لذلك خبطت الشعير لتستخلص حباته التي تريدها، فهي فقط الطعام الحقيقي، لذلك غربلته ورجعت به صافياً إلى البيت.

في لاويين 11 يذكر أن الحيوانات الطاهرة التي يمكن أن تؤكل تتصف بأنها تجتر. ثم في تثنية 3:18 نقرأ عن معدةالحيوان أنها جزء من نصيب الكاهن. وكأنه على الكاهن أن يجتر على طعامه، وأن يهضمه جيداً. فهل نحن نهضم طعامنا الذي نحصل عليه من قراءة الكلمة أو من التأملات، أو مما نسمعه في الاجتماعات. وهل نحن ننفض التبن أولاً حتى تبقى لنا حنطة صافية، كما كان اسحق «يتأمل في الحقل» كما يذكر في تكوين 63:24.

والآن قد أدركت راعوث قيمة ما التقطته، لقد كان «نحو إيفة شعير». وحسب خروج 16:16،36 فإن الإيفة تكفي طعاماً للفرد لعشرة أيام. كما كانت تكفي كخبز تقدمه لتقديس عشرة كهنة. وهاهي ترجع بهذا الخير الوفير لتشرك فيه حماتها نعمي. فعندما نستوعب ما نلناه ونهضمه بالتأمل الواعي فإننا حينئذ نكون قادرين على أن نفيض بالخير الذي نلناه على الآخرين.

عدد 18
الصفحة
  • عدد الزيارات: 32909