Skip to main content

الإصحاح الثامن والثلاثون: إعلان خصائص القوة أو سجاياها - دعوة الله لأيوب

الصفحة 2 من 5: دعوة الله لأيوب

(ع 1- 3) دعوة الله لأيوب.

ليسكت الإنسان فصوت الرب يبدأ التكلم. القدير والخالق ورب الجميع يأتي الآن في المشهد. هو أيضاً مثل أليهو المستمع الصامت سمع شكوى أيوب وثرثرة أصحابه. وانتهى تعبير أليهو العجيب الموحى به من الرب. تهب عاصفة الرعد وبلا شك عاصفة حرفية والسحب الداكنة تتجمع "ثم يأتي من السماء نور ذهبي، الله يظهر في جلال عجيب".

النور الذهبي من وجود الله ومجده يظلل المشهد خارجاً من الزوبعة يسمع صوته. فهذا هو الصوت الذي يصفه داود في مزمور عاصفة الرعد (مزمور 29) هكذا يصف الصوت بصورة عجيبة الذي على الحياة مملوء بالجلال، الصوت الذي يكسر الأرز، الصوت الذي يقسم لهيب النار وعندما يمجد داود هكذا صوت الرب فهو يظهر مطاليب هذا الصوت "قدموا للرب يا أبناء الله قدموا للرب مجداً وعزاً قدموا للرب مجد اسمه اسجدوا للرب في زينة مقدسة".

كما أن ذلك الصوت مهيب في جلاله سيجلب السلام "الرب يبارك شعبه بالسلام" أي مشهد كان هناك في أرض عوص عندما تكلم صوت الرب من الزوبعة – نستطيع أن نتخيل كيف أن أليهو انتحى جانباً وغطى وجهه وأليفاز وبلدد وصوفر فجعوا مفزوعين وسقطوا على وجوههم في التراب بينما أيوب الصامت مأخوذ بالخشية لم يجرؤ النظر إلى فوق. وما تكلم به فهو لقصد واحد هو أن يتضع أيوب ويضع نفسه في التراب.

كان آخر تعبير لأيوب هو هذا "ليجبني القدير" (ص 31: 35) فالله يجيب الآن "من هذا الذي يظلم القضاء بكلام بلا معرفة".

هنا يطالعنا الرب (يهوه) وأول ما نلاحظه أن هذا الاسم الكريم لم يظهر بعد الإصحاح الثاني (فيما عدا ص 13: 9) في القسم التاريخي الذي بدأ بالإصحاح الثالث ولكن الآن بعد أن يختم هذا القسم (إذ كان ختامه الإصحاح السابق) يعود الرب فيظهر ثانية. وهو يطالعنا له المجد متحدثاً بحسب سلطانه المطلق وبحسب علاقته بخليقته، وهذا بالضبط المعنى الذي يدل عليه اسم "الرب" – ليس الله في كيانه المطلق المجرد ولكن الله في علاقته بالإنسان على الأرض، ومن هنا يجاوب أيوب ولكنه يجاوبه من العاصفة لأنه جواب موبخ. "فأجاب الرب أيوب من العاصفة".

لقد كان مقصوداً بالجواب أن يكون توبيخاً وأن يشعر به أيوب شعوراً حقيقياً ويستفيد منه. والواقع أنه شيء رهيب للغاية أن لا يوبخ الله إنساناً على الأرض، فذلك معناه دينونة إلى الأبد، أما الذين لهم علاقة حية بالله فإنهم يختبرون أيضاً تدخله له المجد – ليس مجرد وجود هذه العلاقة بل الدليل على وجودها وهذا ما كان يبينه الله في هذا السفر موضحاً بهذا النور العظيم كيف يتعامل معنا وفقاً لهذه العلاقة وكيف كان ينبغي على أيوب أن يحذر من إقامة نفسه قاضياً على الله.

"مَن هذا الذي يظلم القضاء بكلام بلا معرفة" ولا يقصد الرب من هذا أن أيوب لم يكن يعرفه إطلاقاً ولكنه يقصد أن معرفته كانت محدودة، وإن معرفته لم تكن كاملة فيما يتعلق بمعاملات الله.

"أشدد الآن حقويك كرجل، - كبطل – فإني أسألك فتعلمني".

هذه كلمة عجيبة، فالله كان مزمعاً أن يسأله عدداً من الأسئلة. لقد تساءل أيوب (متشككاً) عن معاملات الله، وها هو الله الآن يرد عليه فيقول ها أنا مزمع أن أسألك أنت فتجاوبني كرجل إن استطعت.

من العاصفة، منم السحابة العاصفة الذهبية (ص 37: 22) يجاوب الرب شكوك أيوب الباطلة ومرائيه. ويكفي أن نلاحظ أنه لم يكن رداً على أليهو، الأمر الذي يباعد عنه الفكر بأنه هو الذي كان يظلم القضاء أو المشورة. لقد كان أليهو المتحدث بلسان الله، وكان يمهد لهذا الإعلان أو الظهور الإلهي. وكما كان أليهو يخاطب أيوب في أقواله جميعاً، هكذا سمح الرب أن يلاحق أقوال عبده. مرة قال أيوب "من لي بما يسمعني.. ليجبني القدير" (ص 31: 35) وهاهو الآن يحصل على أمنيته، ولكن ما أشد اختلاف النتيجة! يوم ذاك قال "أدنو منه كشريف" (ص 31: 37). ولكن بعد أن سمع صوته تعالى أجاب "ما أنا حقير" يتسائل الرب "مَن هذا الذي يظلم المشورة" الذي يخفي مقاصد الله والحق "بلا معرفة؟" لقد صب أيوب سيلاً من الأقوال والمراثي والاحتجاجات والاتهامات. وكثير منها كان حقاً عظيماً، لكنه فيما يتصل بما قصد الله قد أتلف وأفسد كل ذلك، حينما رفع بره الذاتي على حساب بر الله. وبدلاً من النور، بدلاً من شعلة الحق الإلهي الصافية، هوذا سحابة مدخنة، سحابة عدم الإيمان، تظلم الشمس في السماء. فمن الفاعل؟ هل هو كائن إلهي، نظير الرب، ذاك الذي يجادله في أعمال غيره؟ أهو ملاك مقتدر، مزود بالحكمة الإلهية، ذاك الذي يجسر على إلى إلصاق التهمة ضد صانعه؟ كلا! بل هو إنسان، زائل، جاهل، خاطئ. ولا ريب في أن تساؤل الرب قد حوّل أيوب من أخطائه الوهمية: إلى ذاته. وهوذا المرنم، وهو يرقب الخليقة السماوية، يتساءل "من هو الإنسان؟". إن إبراهيم وهو في حضرة الله لم تسعه إلا أن يقرر أنه "تراب ورماد". وبولس يسد فم المعترض فيقول "بل من أنت أيها الإنسان الذي تجاوب الله؟" (رومية 9: 20) الإنسان – ذاك المخلوق المحدود، الغير المعصوم، الساقط – أيكون أكثر عدالة من صانعه؟.

هذا هو سؤال الله لكل أقوال الناس الباطلة. قد تكون صرخات من ظلم وهمي، أو مجادلات جوفاء من قبل الذهن البشري لتفسير أحوال العالم من حولنا. وظروف الأسرة البشرية بوجه خاص. ولكن مهما تكن الصورة التي تتشكل إليها أقوالهم، فهي إنما تظلم الحكمة الحقة. وعلى جميع الطرقات التي تؤدي إلى المكتبات الحافلة بمجلدات العلم البشري من تاريخ وفلسفة، مجلدات تستبعد – إن عمداً وإن جهلاً – إعلان الله: على أيوب تلك الطرقات يمكن أن ينقش هذا السؤال الإلهي.

ومع ذلك فإن الله لا يقصد أن يسحق أيوب بل بالحري أن يأتي به إلى معرفة ذاته ومعرفة الله، المعرفة الصحيحة، فليشدد حقويه كرجل. ذلك أن الله لا يعرض أسئلة يستعصي على الإنسان إدراكها. فإذا كان حقواه "ممنطقين بالحق". فإنه يستطيع أن يجيب على هذه الأسئلة، وسيجيب. ومخاطبة الرب لأيوب على هذه الصورة تكشف عن مقاصد رحمته لعبده. هو تعالى يخاطب العقل في أيوب. وبالتبعية الضمير فيه. فيقوده من خلال مشاهد الخليقة الواسعة المألوفة أفيستطيع أن يحل واحداً من ربوات ألغاز وأسرار الخليقة؟ أيستطيع أن يكشف مخبوء أسرار الطبيعة؟ إذا لم يكن هذا ميسوراً له، فلماذا يحاول أن يعلن مشورات الله، ويقتحم دائرة مقاصد ذاك الذي لا يجاوب عن كل أموره، عمن يقول ذلك الرسول الساجد "ما أبعد أحكامه عن الفحص، وطرقه عن الاستقصاء؟".

أسئلة عن أعمال الخليقة
الصفحة
  • عدد الزيارات: 15249