Skip to main content

الفصل الثاني: أيديولوجية وتنظيم - صفات العبد ومهامه

الصفحة 2 من 6: صفات العبد ومهامه

صفات العبد ومهامه

إيديولوجية "العبد الأمين الحكيم" أجازت للهيئة الحاكمة الادعاء بأنها قناة الله، فصارت تمرر إلى الشهود تعاليمها الهشة على أنها حق إلهي نقي. حقوق التفسير والتعليم والتوجيه محفوظة للعبد وحده دون سواه. هو يقرأ الكتاب ويستخرج منه الغذاء الروحي للشهود، ولا يمكن الاعتماد على سواه في تفسير كلمة الله وقيادة شعبه. لذلك فإنّ أول درس يلقّن للمنخرط في صفوفهم هو إخضاع العقل والإرادة للعبد كما لله. فمادام المرء يؤمن بأن الله يمرر كلامه للناس عن طريق العبد، فهو بالتالي مرغم على قبول إرشاداته وتعاليمه مع تقديم الطاعة العمياء له من أجل إرضاء ضميره تجاه الله.

من مزاعمهم بهذا الخصوص:

"إذا لم نكون على علاقة بقناة الاتّصال التي يستخدمها اللّه، فلن نتقدّم في الطّريق إلى الحياة، حتى وإن قراءنا بكثرة في الكتاب المقدس". [14]

"جميعنا نحتاج المساعدة على فهم الكتاب المقدس، و لا يمكننا الحصول على حاجتنا من توجيه كتابي خارج صف العبد الأمين الحكيم".[15]

"يهوه لا يتكلم معنا إفرادياً اليوم، بل يستخدم كلمته وممثليه على الأرض ... فنحن نخطئ إلى إلهنا إن تمردنا على أشخاص كهؤلاء". [16]

في قضية Douglas Walsh الشهيرة، التي خاضتها منظمة برج المراقبة بداية خمسينات القرن الماضيأمام القضاء البريطاني في اسكتلندا لانتزاع الاعتراف بشرعية قادتها ومساواتهم للكهنة والقسس في الطوائف المسيحية، استُدعي نائب رئيس جمعية برج المراقبة فريدريك فرانس، والمستشار القانوني للجمعية هايدن كوفينغتون * للإدلاء بشهاداتهم. وفيما يلي مقتطفات من الاستجواب كما رواه الانفصالي رايموند فرانس * في كتابه "صراع الضمير"، وفيه تتجلى أفكارهم بوضوح:

محضر استجواب نائب الرئيس فريدريك فرانس: *

"المدعي العام: ينبغي على كل عضو من شهود يهوه التسليم، بأن كتب الجمعية، التي أشرت إليها أنت هي شبيهة بالكتاب المقدس وتفسيرا حقاً له؟

فرانس: لكنه غير مرغم على هذا الفعل؛ كمسيحي له الحق في فحص نصوص الكتاب المقدس للتأكد بأن الكتاب يوافق تفاسيرنا...

المدعي العام: لا خيار لدى الشاهد إلا بقبول معلومة مجلة "برج المراقبة" أو مجلة "استيقظ" والعمل بما يأتي فيهما من توجيهات؟

فرانس: عليه القبول بهذا ... الرئيس هو القناة الناطقة [باسم الله]. هو يلقي الكلمة التي تطور المعرفة الكتابية ...

المدعي العام: هل هنالك رجاء بخلاص إنسان اسند إيمانه على الكتاب المقدس، لكنه يتواجد في مكان ما من العالم لم تصله منشورات منظمتك ... هل يقدر أن يفسر الكتاب بطريقة سليمة؟

فرانس: لا... "

محضر استجواب المستشار القانوني هايدن كوفينغتون:

"المدعي العام: لقد نشرت جمعيتكم، نبوّات كاذبة.

هايدن: لنقل تصريحات خاطئة أو توقعات خاطئة حول إتمام النبوءات.

المدعي العام: وكان على الشهود القبول بها؟

هايدن: هذا صحيح.

المدعي العام: كل شاهد اقتنع بخطأ النبوّة وقال بذلك تم طرده ؟

هايدن: نعم، فحين تعتمد المنظمة على اعتقاد ما، لا يسمح لأحد بالتشكيك فيه أو تسريب أفكار خاصة بين الشهود، حتى لو ثبت خطأه، لأن ذلك يحدث خللاً في النظام. التغيير ينبغي أن يأتي من الجهة المعنية في الهيئة الحاكمة وليس من أسفل إلى أعلى ... هدفنا هو الوحدة.

المدعي العام: وحدة مهما كان الثمن؟

--------------------------------

* Hayden C. Covington كان من المقربين إلى رذرفورد ومطّلع على معظم أسراره. مثّل المنظمة في الكثير من القضايا أمام المحكمة الأميركية العليا، وكان أحد أعضاء اللجنة الإدارية ثم تركها في نهاية الأربعينيات، مع احتفاظه بوظيفة مستشار قانوني للمنظمة. له يعود الفضل في نجاح معظم قضايا شهود يهوه أمام المحاكم الأمريكية، ومنها المختصة بسماح الكرازة من بيت إلى بيت، وعدم تقديم التحية للعلم.

* رايموند فرانس هو ابن أخت الرئيس فريدريك فرانس، وكان من لجنة التأليف وأحد أعضاء الهيئة الحاكمة. انفصل عن المنظمة سنة 1980 ووضع كتاب "صراع الضمير"، Crisis of Conscience ويعتبر كتابه المرجع الوحيد الذي يلقي الضوء على ممارسات الهيئة الحاكمة.

*محضر الاستجواب:

Evidence of the accuser in the case Douglas Walsh against The Right Honorable

James Latham Clyde, Scottish Court of Sessions, November 1954, pages (348-347). Crisis of Conscience, Raymond Franz

هايدن: وحدة مهما كان الثمن...

المدعي العام: وحدة على أساس القبول ألقسري بنبوءات خاطئة؟

هايدن: أقر بهذا..."

إنها تصريحات واضحة تقودنا إلى جملة من التساؤلات تتعلق بعقيدة "العبد"، منها:

أ - إن كانت المسيحية بجملة كنائسها فاسدة، ممن تألف صف "العبد الأمين الحكيم" في الفترة الزمنية مابين صعود المسيح إلى السماء ومجيء تشارلز تاز رصل؟

ب - إن كان لا يسوغ لبشر فهم الكتاب المقدس أو شرحه بدون "العبد"، كيف تعرّف رصل التائه على الحق الإلهي، وممن استلم المعرفة الروحية الكتابية، لاسيما أن المسيحية، بحسب ماكان يعتقد، فاسدة؟

ت - صرّح رصل قائلا: "بعد أن تركتُ المسيحية عبدتُ الإله المجهول وسعيتُ بحثا عن إعلان إلهي". [17] وتصريحه يقودنا إلى أحد الاحتمالين، إما أن يكون رصل الضال وجد "العبد" ونهل منه المعرفة واستنار بنور الحق، مما يؤكد سلامة المسيحية وتعاليمها خلافاً لمزاعمه، أو أنه لم يجد "العبد"، فانزلق إلى هاوية البدعة والضلال.

قالوا: "يسوع هو رأس الجماعة، أما عبده و كلماته فكانا يقوّيان خدمه خلال القرون الماضية، بحيث غذى صف العبد الجيل التّالي، وهكذا استمرت التغذية- كانت الجماعة المشبهة بالعبد تغذّي رعاياها الحقيقيين بحكمة و أمانة،منذ يوم الخمسين سنة 33 ميلادية حتّى يومنا هذا... والخدم تناولوا طعاماً روحياً أهلهم إلى معرفة النور الذي يزداد إنارة يوماً فيوماً".[18]

نسألهم: ماداموا يعتقدون بوجود عبد غذى أتباع المسيح بالحقائق الإلهية، لماذا يتهمون المسيحية بالارتداد عن الحق؟

جوابهم: "كانت المعتقدات الكتابية الحقيقية قد أصبحت ملتوية جدا خلال فترة الارتداد بحيث غابت معها الرؤية الواضحة لمجيء المسيح الثاني، ولم يكن الوقت المعين من الله لإعادة ترميم العبادة الحقيقية قد حان". [19]

مجرد مراوغة كلامية، فتارة تواجد العبد على مدى العصور وتارة غيرها لم يتواجد. ونعود للسؤال: إن كانت المعتقدات المسيحية الحقيقية قد أصابها الالتواء، من أين أتى رصل بالحق النقي الذي لا تشوبه شائبة؟

جوابهم: "أنشأ رصل فريقاً لدرس الكتاب المقدس اسبوعياً مع شبان آخرين. وبدأوا يحللون تعاليم الكتاب المقدس". وبالطبع درسوا

وشرحوا بدون العبد. وماذا كانت النتيجة؟ "نتيجة لدرسهم الكتاب المقدس وصل رصل وعشراؤه إلى رفض تعاليم العالم المسيحي". [20]

نستنتج مما تقدم أنّ رصل التائه لم يتقابل مع "العبد" ولم يتغذى منه، وإنما جمع حوله زمرة من الناس واستخرج ما لذ وطاب لنفسه من النصوص الكتابية، نابذاً بذلك الإيمان المسلم لأجيال الكنيسة عبر العصور. وهذا ما يؤكده أتباعه بالقول: "كان رصل متشوق لتعلم أي شيء عن الله بدون أن يقيم أهمية للمصدر".[21] وجماعة السبتيين هي إحدى المصادر التي استقى منها رصل تعاليمه، وبالأخص شريكه في "النبوّة" نيلسون باربور، الشراكة التي تضرب برج المراقبة عنها صفحاً، فتكتفي في سردها لتاريخ الحركة ببضعة كلمات تصف فيها انفصال الشريكان: "في سنة 1878 حصل خلاف رئيسي بين رصل وأحد مشاركيه، الذي رفض التعليم أن موت المسيح يمكن أن يكون كفارة عن الخطاة... قطع رصل كل الروابط بمشاركه السابق".[22]نعم،انفصل عنه لكنه احتفظ بأفكاره المختصة بالهرم وبنبوّة 1914، الفكر الذي خصص له رصل أكثر من خمسين صفحة في الجزء الثالث من كتابه "دراسات في الكتاب المقدس".

العبد ونظامه
الصفحة
  • عدد الزيارات: 16156