Skip to main content

الفصل الثاني عشر: الاستنارة المظلمة

من عقائد شهود يهوه التي لم يطرأ عليها التغيير هي عقيدة التغيير، أو ما يُسمّى "الاستنارة المستمرة". ولا يُفهم منها استنارة الذهن والقلب، وإنما تجديد التعليم والعقيدة، بإضافة ما هو جديد في إعلانات يهوه وحذف ما تبيّن بطلانه. هذا المعتقد أسسوه على آية تقول: "أما سبيل الصديقين فكنور مشرق يتزايد وينير إلى النهار الكامل" (سفر الأمثال 4 : 18). فلا تعليم ولا عقيدة ولا موقف لشهود يهوه لا يخضع لمبدأ التغيير. والتغيير لا ينسب للبشر، لأن الاعتراف ببشرية التغيير  قد يفقد الشهود ثقتهم بـ "العبد الأمين الحكيم"، فينظرون للطعام المعطى لهم بشك وريبة. لذلك نسبوه لله، وجعلوا الله يعلن اليوم خلاف ما أعلنه بالأمس.

في قضية Douglas Walsh * يعطي فريدريك فرانس لمحة حول نشأة الاستنارة وظهور التطور التعليمي إلى حيز الوجود بواسظة "قناة الله"، أي رئيس جمعية برج المراقبة آنذاك:

"فرانس: ... الرئيس هو القناة المتحدثة. هو يعطي الكلمة التي تطوّر المعرفة الكتابية.

المدعي العام:  قل لي من فضلك، هل يتم التصويت في مجلس الإدارة حول ما تسميه حضرتك تطوراً؟

فريدريك فرانس: لا!

المدعي العام: إذا، كيف تتحول التطورات في المعرفة إلى إعلان رسمي؟

فرانس: توضع أمام لجنة النشر، فأفحصها أنا مقارنةً مع الكتاب المقدس، ومن ثم أحولها للرئيس كنور وهو بدوره يعطي القرار الأخير فيها.

المدعي العام: لكنها لا توضع أمام اللجنة الإدارية؟

فرانس: لا ..."

إنّ المراقب لمنظمة برج المراقبة عبر تاريخها يلحظ كمَّاً هائلا من العقائد والتعاليم والمواقف تغيرت جزئيا أو كليا، منها:

1- رمز الصليب، الذي ملئ كتابات رصل وزيّن غلاف مجلة برج المراقبة، أصبح فيما بعد رمز وثني واستبدل بخشبة؛ ونسأل: إن كان الصليب من الرموز الباطلة، لماذا ترك الرب "عبده" رصل عشرات السنين في ضلال يمد أتباعه بالطعام الفاسد؟ وإن كان رصل قد ضل في هذه أليس من المحتمل ضلاله في تعاليم مسيحية جوهرية؟

-------------------------------

* Frederick William Franz: Evidence of the accuser in the case Douglas Walsh against The Right Honorable

James Latham Clyde, Scottish Court of Sessions, November 1954, pages (348-347).Crisis of Conscience, Raymond Franz

2 - احتفلوا بالأعياد المسيحية كالميلاد والقيامة حتى سنة 1929، ثم جاءت "الاستنارة" لتنسبها هذه الاعياد للوثنية،فبات يقال:"ًما هو أصل عيد الميلاد؟... أصله يعود إلى الأعياد الوثنية القديمة...يُفترض أن الفصح هو احتفال بذكرى قيامة المسيح لكنه في الواقع متجذر في الدين الباطل"[132]وفي هذا التغيير برهانٌ يهدم نظرية "العبد" والطعام الجيد.

3 – جميع المؤمنين بيهوه كانوا قبلاً من سكان السماء، لكن بسبب "الاستنارة" تم تقسيمهم سنة 1935 إلى فريقين، واحد سماوي وآخر أرضي. الحادثة كما أعلنوها: "عُقد محفل لخمسة أيام لشهود يهوه المسيحيين في واشنطن. ... دعي إلى هذا المحفل أشخاص لم تكن لهم آمال سماوية، فكان فرحهم عظيماً في محفل واشنطن، عندما ناقش رئيس جمعية برج المراقبة موضوع الجمع الكثير المذكور في رؤيا 7: 9-17، وأوضح أنّ الجمع لم يكن صفاً روحيّاً أو مولوداً من الروح، بل صفّاً أرضيّاً. وعلى أثر هذا الإيضاح في الرجاء الأرضي، غمرت قلوبهم الحماسة فرحّبوا بهذا الرجاء بتصفيق حادّ". [133]

4 - مواقفهم من الحكومات والسياسيين تبدلت خلال العشرين سنة الماضية، بفضل "الاستنارة"، إلى الأفضل. تقول كلمة الله في "لتخضع كل نفس للسلاطين  الفائقة لأنه ليس سلطان إلا من الله والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله" (رومية 13: 1)، فسروها قبلا على أنها سلطات إلهية في منظمة يهوه الثيوقراطية.[134] اليوم يقال: "تتحدث هذه الأعداد عن السلطات الفائقة أي الحكومات الدنيوية"،[135] فبعد أن نسبوا السلطات لمملكة الشيطان، شع نور إعلان جديد وطرأ انفتاح من جانب الشهود على الحكومات العالمية في الآونة الأخيرة وتوشح وصفهم للحكومات بلطف غير معهود مثل: "تقول لنا كلمة الله أن نخضع للحكومات والسلطات".[136] ويكمن خلف هذا التغيير مساعي جمعية برج المراقبة إلى انتزاع  الاعتراف بها كجماعة دينية وانضمامها إلى هيئات الدولة كبقية الكنائس، الأمر الذي يجلب معه فوائد مالية وقانونية جمة. لكن مع ذلك تبقى رومية 13: 1 عسرة الهضم عند برج المراقبة فنقلتها في ترجمتها إلى "والسلطات الكائنة موضوعة في مراكزها النسبية من قبل الله". وفي هذا محاولة لتخفيف مكانة السلاطين. 

5 - خدمة الوطن المدنية كانت تُمنع بتاتا كالخدمة العسكرية، وتوجب على معشر الشهود إطاعة مرشديهم في هذا الأمر حتى لو قاد عصيانهم للدولة إلى السجن، واتخذوا لهم في هذا سند من الآية "قد اشتريتم بثمن فلا تصيروا عبيدا للناس" (1 كورنثوس 7 : 23). لكن سنة 1996 جاءت "الاستنارة" لتغيير هذا الموقف فصارت الخدمة المدنية غير متناقضة مع فكر يهوه ولا مانع من القيام بها شرط أن يوافق عليها الضمير. "في بعض البلدان تطلب الدولة من الذين يرفضون الخدمة العسكرية أن يقوموا بخدمة مدنية...اذا استنتج المسيحي بضمير طاهر أن بإمكانه القيام بالخدمة المدنية بدلا من الذهاب إلى السجن، ينبغي أن يحترم المسيحيون الآخرون رأيه". [137]

6 - مُنع الشهود قبلا من أن يكونوا من المحلّفين القانونيين في أجهزة الدولة. لكن سنة 1997 حلّت "الاستنارة" وأجازوا ذلك.

7 - مُنع الشهود من الاشتراك في الانتخابات بكل أنواعها بحجة أنها شكل من "عبادة أصنام"؛ منذ 1998 سمح لهم بالانتخابات المدنية الغير سياسية في المدارس والجامعات، وأجازت المنظمة أيضا اشتراك الشهود في الانتخاب السياسية في بعض البلدان، حيث التصويت الإلزامي، بل وأوجدوا ما يدعم الفتوى، فقالوا: "إذ يتذكر مثال شدرخ وميشخ وعبدنغو الذين ذهبوا إلى سهل دورا، قد يقرر في ظروف مماثلة الذهاب إلى حجرات التصويت إذا سمح له ضميره". [138]

التغيير جارٍ على قدمٍ وساق، في التعليم والعقيدة والنبوّة. والاستنارة تزداد، وإعلانات جديدة تلوح في الأفق للسنين القادمة، ومنها ما يختص بعقيدة الامتناع عن الدم والانتخاب السياسي. كما أن الأجواء تُهيئ لتحول جمعية برج المراقبة في بعض البلدان إلى هيئة كنسية رسمية ضمن نظام الدولة.

جملة صغيرة للمستشار القانوني لبرج المراقبة تغنينا عن شرح كثير. قال: "توجد أسباب تستدعي التغيير في تفاسير الكتاب المقدس. فنظرتنا تزداد وضوحا، إذ نرى النبوءات تتحقق ... سعينا قبلا إلى التحقق من امتلاكنا للحق قبل نشره، لكننا لا ننتظر حتى نبلغ الكمال في المعرفة، لأن هذا يعني عدم المقدرة على  قول أي شيء". *

-------------------------------

*  Hayden C. Covington   في المرجع السابق

  • عدد الزيارات: 3287