يقظة المحبة
(لوقا 7: 36- 39 و47)
في هذا المشهد العظيم الذي دارت أحداثه في بيت سمعان الفريسي، نرى يقظة المحبة للمُخلّص في قلب خاطئه. فالرب في كمال طرقه يتنازل بنعمته ليحضر وليمة دعاه إليها الفريسي. وبينما كان متكئاً على المائدة، إذا بضيف غير مرغوب فيه يدخل، قال عنه الرب "أحبت كثيراً". ونحن نسأل كيف استيقظت تلك المحبة في نفسها؟
والمسألة هنا ليست صفات المرأة أو أخلاقها، فروح الله يصفها لنا أنها "امرأة في المدينة كانت خاطئة"، وفضلاً عن ذلك فإن سمعتها الردية كانت معروفة جيداً، وكان سمعان يعرف ذلك أنها "خاطئة"، وكل شخص كذلك يعرف هذا الأمر. كما أنها كانت تنوء بحمل ثقيل، ولعلها سمعت كلمات الرب العجيبة "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم". ومما لا شك فيه أنها رأت في المسيح النعمة التي بها يبارك غير المستحقين. ولذلك فقد جاءت مدفوعة بحاجتها ومُجتذبة بنعمته، وبجرأة الإيمان دخلت إلى بيت الفريسي واتخذت مكانها عند قدمي يسوع.
إن روح الله يلفت انتباهنا إلى منظر جميل يتبع هذا المشهد، وهو اللقاء بين الخاطئ الذي كان مربوطاً بالشياطين مع المُخلّص السماوي المُرسل من الله. ودون أدنى شك فإن المشاهدين قد أصابتهم الدهشة، إذ رأوا هذا المشهد أمام أعينهم يعلن عن نفسه. ولعلهم تساءلوا ماذا سيحدث هل سيُظهر الرب أخلاقها ويدين خطاياها ويطردها من محضره المقدس؟آه، لا. إن الفريسي المتكبر ربما يدين الخاطئة لكي يُظهر نفسه أمام المخلص، أما الرب فلا يدين خاطئاً معترفاً.
إن حكمة طرقه كاملة كنعمة قلبه. ففي البداية لم يتكلم أحد بكلمة. فالضيوف كانوا صامتين متعجبين، والرب كان صامتاً في نعمته والمرأة كانت صامتة في حزنها. ولم يقطع سكون الصمت سوى أنين وتنهدات تلك الخاطئة الباكية. فإن لم يقال شيئاً كثيراً هنا، يكفي أن قلب تلك الخاطئة قد انكسر، وقلبها قد رُبح أيضاً. لقد "وقفت عند قدميه من ورائه باكية". وكانت "تُقبّل" قدميه. ودموعها تتحدث عن قلب مكسور، وقبلاتها تتحدث عن قلب قد رُبح.
فما الذي كسر قلبها وجعلها تُربح؟ أليس بسبب ما رأته من نعمة وقداسة في مخلصها، وفي ضياء مجده تحققت، بما لم يكن من قبل، من شرور حياتها وقلبها، وهذا جعل قلبها منكسراً؟ ولكن ما هو أكثر من ذلك، أنها تحققت أنه على الرغم من أنها خاطئة مملوءة بالخطية، فهو مُخلّص مملوء بالنعمة لمن كان غارقاً في خطاياه.
ومن المفيد لكل منا، إذا كنا في محضره، مُثقلين وبائسين بسبب خطايانا، فنكتشف أنه فيه نجد ذاك الذي يعرف ما هو أسوأ أكثر مما نعرف عن أنفسنا ومع ذلك فهو يحبنا. ولهذا تستيقظ في نفوسنا المحبة للمسيح ونترنم له قائلين:
لقد وجدت صديقاً، وأي صديق
الذي أحبني قبل أن أعرفه
واجتذبني بربط المحبة
فربطني بنفسه إلى الأبد
- عدد الزيارات: 3520