المنطق الروحي السليم
(بقلم: فيليب باكت، ترجمها عن الفرنسية القس ميلاد يعقوب)
كيف نعمل مشيئة الله؟، لا شك انك كمسيحي تضع هذا السؤال. فلنفحص تصرف ثلاثة مؤمنين: موريس، لوسي، والبرت. موريس هو مؤمن يسير حسب ما يصادفه، هو مقتنع ان الله يوجّه بالضرورة تصرفه في كل الظروف. وهو لا يتّخد خطوة هامة الا ان حصل على تأكيد واضح أن الله قد تكلّم اليه. لوسي تحب ان تسمع صوت الله وهي تُظهر نضوجا اكثر مِن موريس في حياتها الروحية. قبل ان تتصرّف تبحث عن علامة خارجية (مثلا حدثاً خاصاً او آية كتابية) لتؤكد لها قرارها، لكن للأسف، كثيرا ما خُدعت وايمانها تزعزع بعد أن اتّخدت قراراً سيئاً، مع انها صلّت وطلبت واخذت جواباً وشعرت في سلام. أما ألبرت فيطيع بأمانة قدر الامكان، يعمل حسب فهمه لمشيئة الله ببساطة دون أن يعذّب نفسه ولا ينتظر الى أن يعطي الرب فجأة آية تشير الى قرار يتّخده، والى صوت غامض ليسمعه. بالنسبة له، مثلاً لكي يعرف الى أية جامعة او كلية يلتحق ليتابع دراسته، او مِن اجل عمل او اختيار زوجة، ينتظر الرب ببساطة ويتّخد خطوة بثقة. امران يميزان حياة البرت: الشركة مع الرب والمنطق السليم والبسيط.
مَن تشبه انت؟! موريس الاخ الغامض، لوسي الباحثة عن علامة ام البرت الذي يرغب ان يرضي الله ويستعمل المنطق السليم(الذهن)؟ اسمح لي اولا أن اؤكد انه حسب كلمة الله يمكن لله بسيادته ان يعلن مشيئته لمؤمن في ظرف معين بشكل واضح وبدون غموض. إن كان الامر كذلك، ليس علينا الا أن نخضع لتوجيه كهذا، ولكن يبدو دائما حسب الكتاب انه علينا نحن ان نتّخد قرارتنا بالحري حسب مبادىء الهية معلنة في الكلمة المختصة بمجال عمل او تصرف معين. ان الله بمحبته يمهّد امام كل واحد منا طريقا فيه جدول لا يستهان به من الامكانيات المدهشة، ربما بأقل تقييدات مما يفكر. استطاع ادم في الجنة ان يأكل مِن ثمار كل الاشجار ما عدا شجرة واحدة، نحن ايضا نحيا في حرية كهذه (رومية 14:8 – 17) حرية أولاد الله بقيادة الروح القدس ولكن بدون ان نحيا حسب الجسد (12:8 , 13) . نرغب كوالدين لكل مِن اولادنا حياة سعيدة ومرْضية وطبعا تمجد الله، هل تفرض محبة الوالدين للولد اهدافاً ونشاطات محددة؟. بل يذهب الولد من ذاته الى المدرسة، ولكن هل يفرض عليه ان يقتحم مهنة المحامي او أن يتزوج ابنه معلم بارز في الجامعة؟. ان المحبة الحقيقية للولد هي اولا اظهار الاهتمام به ونرسخ في ذهنه القيم التي تمجّد لله، ونقدّم له مبادىء التصرّف عن طريق نصائح ودودة. يعمل ابونا السماوي معنا بذات الطريقة، يظهر لنا محبته مِن خلال العناية اليومية ويعلّمنا مِن خلال كلامه ما يكرمه في تصرفاتنا ويجعل الروح القدس كلامه عاملاً فينا. بدلا من الشعور بالتعاسة وضيق النفس، الا تفتكروا كأولاد محبوبين حقا انه يمكننا أن نحقّق بفرح وبسرور حرية التصرف المقدّمة لنا ما دمنا متمكّنين مِن تمييز الاشارات الالهية؟.
إن معرفة مشيئة الله هي في السير في شركة مع الله بيقين وتواضع، مسرورين بالرب الذي يريد خيرنا (متى20:28) والايمان انني في يده (و28:10) وان الروح القدس يسكن فيّ (1كو19:6)، ولكن استخدم القوى العقلية اي المنطق السليم المُعطَى لي من الله. ولكي نكون اكثر عمليين، لنفرض انني واثق من جهة ارشاد معين بخصوص شراء سيارة، الا تعتقدوا ان لي حرية اختيار نوعها وشكلها وهكذا باقي الامور؟. يقودني المنطق الروحي السليم لاقرّر واختار حسب حاجاتي وامكانياتي. ألا تعتقد انه يُترك لي الاختيار؟. ان الاختبارات الغامضة الصوفية هي نادرة اليوم ولكن الله يثق باولاده وبناته ككائنات مسؤولة عما يرغبون ما هو افضل. ربما ينقصنا الايمان انه توجد ارادة الهية فريدة وكاملة ومحدّدة لكل ظرف مِن حياتنا، ان الله بنعمته يعطينا حرية التصرّف الذي يمجده في نظرنا، بروح الاتكال وبواسطة المنطق السليم لنتوصل الى قرار. ويحدث ان نفشل, هل تلوم الله؟. بل علينا إعادة فحص علاقتنا مع الله بدلاً مِن النّوح على اخفاقنا، ربما يكون الامر مِن عنده.(1مل24:12)، وما يبدوا قراراً سيئاً، يظهر انه أفضل لنا أخيراً. أن المؤمن ليس انسان آليّ مُشغّل دائماً ينتظر. بل يرغب الله أن نسير معه، ويسرّ أن يعلّمنا الطريق أين نسير. انني مقتنع انه يعطينا حرية القرار والتصرّف الى حيث يمكننا أن نمجّده، مستخدمين ببساطة منطقنا السليم المؤسس على كلمة الله. هل نحن مستعدّون قبول هذه المسؤولية، وايضا هذا الامتياز؟. وقال الرب لموسى: ما لك تصرخ إليّ؟" قُلْ لبني اسرائيل ان يرتحلوا".(خر 15:14).
- عدد الزيارات: 3487