Skip to main content

شمس البر

تسبق شروق الشمس تباشير الفجر والليل في أحلك ساعاته، أولاً ظلمة شديدة ، ثم بهيق من النور يظهر في الأعالي ، يزداد قليلا قليلا الى ان تظهر الشمس في الأفق ، فتنقشع الظلمات عن جمال فتّان يأخذ بمجامع القلوب ، مالئا السهل والجبل ، ومسبحاً الخالق بما خلق.

ويسبق يوم العرس استعدادات كثيرة كتحضير الولائم وجلب آلات الغناء وأدوات الطرب وتدبير المغنين والمغنيات ، وجلب والراقصين والراقصات، حتى إذا ما جاء العريس ، تبدأ الأفراح و تدوم ما دام العريس معهم.

وعندما يزور رئيس البلاد إحدى المدن ، يستعد أهلها ويزينون طرقاتهم بأقواس النصر الجميلة والاعلام المزركشة البديعة ، ثم تطلق المدافع ايذاناً بوصوله ، وتصطف الجنود ترحيباً وتصدح الموسيقى تأهيلا به ، وتخرج النساء بالزغاريد للقائه والرجال لعناقه، وتنظم المدارس أجوائها للحفاوة به . أفكثير على ابن السماء إذا سبقت مجيئه بشائر من خدامه ، وإذا تقدمه أحد مخلوقاته ليهيء الطريق قدامه؟

كان البشر في ظلام دامس يشبه الليل بحلكته ، وقد امتد الشر في الكون إلى كل جهاته، وعمَّ الظلم العالم في كل اقطاره ومنها اليهودية احدى اقسامه.

فقد ملك عليها هيرودس الأدومي الغاشم ، الذي اشتهر بالقسوة والمظالم ، وزاد على ذلك القبح والحماقة ، مع الاحتيال وسفك الدماء والسفاهة ، حتى عُد أشرّ جميع الملوك ، كبيرها والصعلوك .

فإنه قد اختلس التاج والصولجان ، وأحاط عرشه بالشر والبهتان ، ثم قتل زوجته وابنيه ، ففاق بذلك زمان سيبويه و برزويه ، وفضل القيصر ان يكون احد خنازيره لا أحد بنيه .

أو ليس هو الذي ذبح الأطفال ، فابكي الأطلال ، ورفضت راحيل العزاء ، على أولادها الاعزاء ؟

لكنه إرضاء للأعداء ، فقد تمسك بدين الجدود والآباء ، وجدد بناء الهيكل ، ليصرف القوم عن الأمر الجلل ، وقد تسلط  في الدين ، وعمل كل أمر مشين ، فاتصف ذلك العصر بالارتشاء والنميمة والعهر.

لكن البلاد لم تخلُ من بعض الاصدقاء، والمعاصرين الاتقياء كزكريا واليصابات، وغيرهما من الاصدقاء والصديقات ، وقد اشبه هذان الشيخان ، الملح للطعام ، وكان ابنها ايليا، هو الذي تقدم الرب وطريقه هيا .

و بعد توقف الملائكة عن الظهور ، عصراً من العصور ، ما يقارب الخمسمئة من السنين ، بردت فيه محبة الكثيرين ، تواردت الملائكة ، بسرعة فائقة ، معلنة مجيء اللاهوت ، داخل الناسوت. وقد وصفه دانيال باحسن مقاله سلطانه أبدي ،وملکه أزلي ، وأردف بولس واصفاً إياه ، بأوصاف الله ففي فجر أحد الايام ، ومعظم الناس نيام ، ظهر الملاك جبرائيل ، لكاهن جليل ، داخل قدس الأقداس ، وهو في خدمة الله والناس ، زوجته الشيخة أليصابات ، مثال للأمهات الفاضلات، وبشّره بمولود ذكر ، يأتي العجائب والعبر، ويسبق المسيح الموعود ، من قديم الحقب والعهود ، الذي بمجيئه استنارت الكائنات ، وسرت الأرض والسماوات ، فأشعل فتيلة اليهود المدخنة ، وأحيا آمالهم الميتة وكان زكريا آخر کاهن ، نال استحسان المهيمن ، فجعل الله منه الحلقة الفريدة، والوصلة المحكمة السديدة ، لربط الكهنوت البائد ، بذلك الأبدي السائد ، فانتهى عصر بظهور سيد الآلاء ، فعليه تنطبق النبوات ، وبه تتم الرموز العجيبات ، فهو المتنبأ عنه ، والمرموز إليه وكل امرأة تمنت أن يكون ولدها ، لتنال الفخر والثناء ، فلماذا لا يكون لأحد العظام، أو أحد العلماء الكرام؟ 

لا .. فقد اختار الله المتضعين والفقراء ، لتخجيل الفلاسفة والعظماء ، وانتخب ابنة بسيطة عذراء ، تنتمي إلى نسل داود والأنبياء ، كانت مخطوبة ليوسف الفقير، بل النجار الامير الى تلك الفتاة الطاهرة ، أرسل الله ملاكه ، فالخبر مفرح وغريب ، من سيد الكون العجيب ، أن مريم ستحبل وهي عذراء ، ويأتي من أحشائها ابن رب السماء .

هذان ظهوران ، سبقا النور الفتان ، والظهور الثالث العجيب، كان في حلم غريب ، طمأن الله يوسف الرجل، وأزال من قلبه الخوف والوجل ، أن الذي حبل به فيها ، كان من روح رب مريم وباريها. 

وهذا ظهور رابع وقف فيه الملاك ، ببعض الرعاة وهم يراعون الأفلاك ، كانوا ليلا ساهرين ، وعلى رعيتهم محترسين ، فأضاء مجد الرب حولهم ، ثم أزال الملاك خوفهم ، وبشرهم بمجيء المسيح ، له المجد والتسبيح ، أنه قد ولد في مدينة داود ، بلاد الأهل والجدود .

ثم ظهر ملائكة كرام ينشدون نشيد السلام ، ويرددون التسبيح، للرب المسيح وينادون للناس بالسرور ، وزوال الشرور.

وها ظهور خامس استخدم الله فيه الطبيعة ، لتبليغ أوامره الغربية البديعة ، فأمر نجماً منيراً ، ان يدل ملكاً واميراً ، ويقودهم في حالك الظلام، لزيارة ملك السلام، ثم أنذرهم الكريم، الليل البهيم ، بأن لا يدلوا الاعداء على مذود ملك السماء ، بل يرجعوا الى كورتهم ، بطريق أخرى من طرقهم .

وفي الظهورين التاليين ، أمر الله عبده الامين ، بان ينتقل بالطفل وأمه ، واصلاً ليله بنهاره ، ويقطن مصر وضواحيها من حيث يدعوهم باريها.

فيا أيها الاخوة الاحباء ، وأولاد رب السماء ، هذا موجز

لرواية الطفل يسوع ، له الخضوع واليه الرجوع ، فهو طريق الخلاص ، وليس من ذلك مناص.

فهلاّ فكرنا بالمصير، قبل اليوم الأخير ، وفيما تحيي ذكر يسوع ، فلنسجد بخشوع ، ولنقتد بالمجوس والرعاة ، فننل رضى رب الحياة ، وبينما يقترب مجيئه ، فحمده أولى وتمجيده.

  • عدد الزيارات: 20