Skip to main content

الغاية من الاجتماع

ثم قد يحدث أنك تذهب إلى المائدة وترجع بلا تعزية لأنك لم تسمع شرحاً في الكلمة أو خدمة وعظية. ولكن هل هو معقول أنك تذهب للاجتماع لغرض تذكر موت الرب والتخبير به ثم تعود من الاجتماع بمشاعر عدم الرضى؟ وكيف يتأتى هذا؟ أوليس هو ناشئاً من التأثير السائد على المسيحية الحاضرة؟ لا شك أن القلب الطبيعي فيه ما يوافق الذوق الحاضر، وما يحنّ إلى طعام مصر حيث تسأم النفوس المن السماوي وتعتبره طعاماً سخيفاً – نعم لا شك أن لنا في دواخلنا ما يساعد الحركات الخارجية، ولكن الأمر المخجل والمكدر هو أن يكون خطاب ديني ضرورياً لأن يزين كسر الخبز، وأننا نشعر باحتياج إلى خدمات أخرى حين نجتمع حول الرب باسمه الكريم مع الذين يحبونه، وحيث يضع الروح أمام قلوبنا موت الرب! وهل تظن أيها القارئ أنه توجد خدمة أكثر قبولاً لدى الله نفسه من الذكرى البسيطة لشخص المسيح الرب في عشائه المقدس؟

وكيفما نظرنا إلى الموضوع فإن كل الذي ذكرناه قد أصابه النسيان بدرجة أن المسيحيين أصبحوا يمارسون عشاء الرب في أوقات نادرة ندورة لا تجيزها الكتب المقدسة وأكثر من ذلك أن صفته الخاصة قد عبثت بها الأيدي وأصبح الناس لا يكترثون مطلقاً بالحدود العظيمة التي وضعها الرب، وحى أوحت لهم أذواقهم أو يطلقوا على الاحتفال بالعشاء أسماء متعددة زيادة عن الاسم العادي وهو "عشاء الرب". فأصبح البعض يدعوه فريضة، ولكن إذا أطلقنا عليه هذا الاسم فقد يتطرق الشك إلى آخرين في حقيقة كونه عشاء الرب. نقرأ في التاريخ المقدس أن الكورنثيين كانوا قد اعتادوا أن يتناولوا معاً طعامهم العادي في يوم الرب لما كان يشعر به المسيحيون في تلك الأيام من طبيعة تآلف المسيحية – الأمر الذي قد نحزن لضياعه وفقده في زماننا الحاضر. ونقرأ أنهم كانوا بعد تناول الطعام يجتمعون للاحتفال بعشاء الرب. وفي ذلك الزمان سعى إبليس جهده في أن يجلب عليهم العار بالتساهل في هذا العيد حتى قيل عن البعض أنهم كانوا يسكرون. ولا شك أن ذلك إهانة عظيمة على اسم الرب. ولكن لا يجب أن نحدد ألسنتنا بالتعريض وإيقاع الملامة على أولئك القديسين، بل ينبغي أن نحرص الحرص كله متذكرين أنهم كانوا في تلك الأيام قد خرجوا من الوثنية حديثاً، وكان جزءا من التعبد للآلهة الوثن الباطلة أن يشربوا نخبهم، لأن الأمم لم يكونوا يشعرون بفساد هذا الأمر كما يشعر به كل واحد منا في هذه الأيام. فما كان يخطر على بالهم أن التهيج الناشئ عن الخمر أمر لا يليق بهم أثناء قيامهم بشعائرهم الدينية ولا في أي أثناء أخرى. ولذلك كان من المحتمل أن جماعة الكورنثيين الحديثي العهد لم يحسبوا مثلنا أنه من الإجرام أن يتطوح المسيحيون إلى هذا الحد في نسيان شخص الرب في ولائمهم المحبية. والذي زاد الطين بلة أنهم كانوا يخلطون عشاء الرب بتلك الولائم. ولا شك أن مثل هذا التصرف منهم إنما هو قضاء على صفة ذلك العشاء المقدس، وقد حسب عليهم الروح القدس أن من يأكل ويشرب هكذا إنما يأكل ويشرب دينونة لنفسه. ومن سلوكهم نرى أن الذي بدأوه بالروح قد أكملوه بالجسد. وقصدي من الإشارة إلى هذه النقطة هو أن أُظهِر أننا لو أدخلنا الولائم الجسدانية في الاجتماعات المقدسة فإننا نضيع أو بالحري نهدم خواص وأغراض تلك الاجتماعات.

وبعد الذي قدمناه نقول – ونحن لا نقصر كلامنا على طائفة دون أخرى – أن مسألة تعيين موظفين خصوصيين، تكون مهمتهم الوحيدة ومركزهم الواحد أن يكسروا الخبز ويقسموا الخمر على كل مشترك، إنما هي مسألة تتعاكس تمام المعاكسة مع تعليم الكتاب المقدس، ونقف في وجه مقاصد الله الواضحة، كما كان تماماً من سوء تصرف الكورنثيين أنفسهم. إذ ما هو عشاء الرب؟ أليس هو وليمة عائلة الله؟ فإذا كنت تلحق الفوضى بترتيب الآب في وسط أفراد عائلته، أو إذا كنت تُدخِل لبيت الوليمة بعضاً ممن ليسوا أبناءه، فقد أفقدت الوليمة خاصيتها ولم تعد بعد وليمة عائلية. وهب أن خدمة عشاء الرب (كما يسميها البعض) سُلّمَت إلى خادم حقيقي للمسيح، أو لجميع خدامه، وأصبحت امتيازا وقفاً على أولئك الخدام في كل الظروف، فقد استحالت إلى اختراع بشري، ليس فقط لفقدانها سلطة المسيح، بل لمقاومتها الصريحة للتعاليم والحقائق المدونة في الكتاب المقدس. إنني أسلّم بالخدمة تمام التسليم إلا أنه لا دخل لها بعشاء الرب. ولو أننا جعلنا كسر الخبز وتوزيع الخمر وظيفة ضرورية تقوم بها طائفة من الإكليروس، فسوف لا نرى في الخبز والخمر حتى مجرد التشابه الظاهري بعشاء الرب، ولم تصبح المائدة "عشاء الرب" بل سراً من الأسرار وتحريفاً واضحاً وانحرافاً صريحاً كاملاً عما دونه لنا الرب في كلمته. فإن مجرد فكرو وجود شخص معين خصيصاً للشكر على الخبز والخمر كحق موقوف على ذلك الشخص، تغير وتفسد عشاء الرب – ذلك العشاء الذي إذا مارسناه حسب الكتاب لا يترك مجالاً فظهار أهمية الإنسان في ادعاءات القسوس، إذ كان بالأولى أن يحصل ذلك في حياة الرسل – أولئك الذين مع ما ناولوه من الله من بركة وكرامة فإنهم كانوا يوجدون في محضره تعالى حول عشاء الرب كأناس نجوا من الخطية ودينونتها بواسطة موت الرب. وفيما عدا عشاء الرب كان لهم مركزهم الخاص اللائق بالكرامة الرسولية، سواء في ترتيب الكنائس، أو في انتخاب الشيوخ، أو في تعيين الشمامسة، وإن كلمة الله تدل دلالة واضحة تامة على أن الشكر على العشاء بواسطة كنسي إنما هو اختراع وتقليد الناس، ولا يستند على سلطة الكتاب.

  • عدد الزيارات: 2620