Skip to main content

الدرس الثالث والعشرون

"1لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِين الْفَائِقَةِ لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ وَالسَّلاَطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ 2حَتَّى إِنَّ مَنْ يُقَاوِمُ السُّلْطَانَ يُقَاوِمُ تَرْتِيبَ اللهِ وَالْمُقَاوِمُونَ سَيَأْخُذُونَ لأَنْفُسِهِمْ دَيْنُونَةً. 3فَإِنَّ الْحُكَّامَ لَيْسُوا خَوْفاً لِلأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بَلْ لِلشِّرِّيرَةِ. أَفَتُرِيدُ أَنْ لاَ تَخَافَ السُّلْطَانَ؟ افْعَلِ الصَّلاَحَ فَيَكُونَ لَكَ مَدْحٌ مِنْهُ 4لأَنَّهُ خَادِمُ اللهِ لِلصَّلاَحِ! وَلَكِنْ إِنْ فَعَلْتَ الشَّرَّ فَخَفْ لأَنَّهُ لاَ يَحْمِلُ السَّيْفَ عَبَثاً إِذْ هُوَ خَادِمُ اللهِ مُنْتَقِمٌ لِلْغَضَبِ مِنَ الَّذِي يَفْعَلُ الشَّرَّ. 5لِذَلِكَ يَلْزَمُ أَنْ يُخْضَعَ لَهُ لَيْسَ بِسَبَبِ الْغَضَبِ فَقَطْ بَلْ أَيْضاً بِسَبَبِ الضَّمِيرِ. 6فَإِنَّكُمْ لأَجْلِ هَذَا تُوفُونَ الْجِزْيَةَ أَيْضاً إِذْ هُمْ خُدَّامُ اللهِ مُواظِبُونَ عَلَى ذَلِكَ بِعَيْنِهِ. 7فَأَعْطُوا الْجَمِيعَ حُقُوقَهُمُ: الْجِزْيَةَ لِمَنْ لَهُ الْجِزْيَةُ. الْجِبَايَةَ لِمَنْ لَهُ الْجِبَايَةُ. وَالْخَوْفَ لِمَنْ لَهُ الْخَوْفُ. وَالإِكْرَامَ لِمَنْ لَهُ الإِكْرَامُ. 8لاَ تَكُونُوا مَدْيُونِينَ لأَحَدٍ بِشَيْءٍ إِلاَّ بِأَنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضاً لأَنَّ مَنْ أَحَبَّ غَيْرَهُ فَقَدْ أَكْمَلَ النَّامُوسَ. 9لأَنَّ «لاَ تَزْنِ لاَ تَقْتُلْ لاَ تَسْرِقْ لاَ تَشْهَدْ بِالزُّورِ لاَ تَشْتَهِ» وَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّةً أُخْرَى هِيَ مَجْمُوعَةٌ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ: «أَنْ تُحِبَّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ». 10اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَصْنَعُ شَرّاً لِلْقَرِيبِ فَالْمَحَبَّةُ هِيَ تَكْمِيلُ النَّامُوسِ. 11هَذَا وَإِنَّكُمْ عَارِفُونَ الْوَقْتَ أَنَّهَا الآنَ سَاعَةٌ لِنَسْتَيْقِظَ مِنَ النَّوْمِ فَإِنَّ خَلاَصَنَا الآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا. 12قَدْ تَنَاهَى اللَّيْلُ وَتَقَارَبَ النَّهَارُ فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ. 13لِنَسْلُكْ بِلِيَاقَةٍ كَمَا فِي النَّهَارِ لاَ بِالْبَطَرِ وَالسُّكْرِ لاَ بِالْمَضَاجِعِ وَالْعَهَرِ لاَ بِالْخِصَامِ وَالْحَسَدِ. 14بَلِ الْبَسُوا الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَلاَ تَصْنَعُوا تَدْبِيراً لِلْجَسَدِ لأَجْلِ الشَّهَوَاتِ" (رومية 13).

نبحث في الفصل الثالث عشر في واجبات المؤمن تجاه الدولة والمجتمع والنظر إلى هذه الوجبات من وجهة نظر رجوع السيد المسيح إلى العالم في نهاية التاريخ.

1. واجبات المؤمن تجاه الدولة: مع أن الدولة هي مؤسسة لرعاية شؤون هذه الحياة إلا أنها من وضع الله وترتيبه. لأنه ليس سلطة أو سلطان إلا من الله والسلطات أو السلاطين الكائنة هي من الله. هذا هو المبدأ الرسولي الذي يتوجب على كل مؤمن أن يتقيد به تجاه السلطات الحكومية، فالحرية التي ينعم بها المؤمن نظرا لتبنيه من الله لا تعني أنه يصبح بدون أي قيد أو نظام. النظام هو من أساس الكون وهو ترتيب الله لجميع شؤون الكائنات وخاصة للكائنات الحية والعاقلة.

ينتج عن مبدأ الرسول بخصوص وجود السلطات الحكومية نظراً لترتيب الله ومشيئته أن من يقاوم السلطات يقاوم ترتيب الله. الفوضوية ليست ضمن مشيئة الله للعالم وكل من يكره النظام الكائن في بلاده ويحاول نشر الفوضى وعدم الاحترام للقوانين المعمول بها لا يقاوم الحكام فقط بل الله الذي وضع الحكام في مناصبهم.

أوجد الله الحكام لمعاقبة الأشرار ولصيانة حقوق الأبرار ولتوفي الشروط اللازمة للحياة البشرية. فالذي يعمل الصلاح لا يخاف من السلطات بل إنما يمدح منها ولكن الذي يعمل الشر فإنه يخاف من السلطات لأنها لا تحمل السيف وهو رمز قوتها عبثاً بل إنما لتعاقب كل من يود العبث بأرواح وحقوق المواطنين.

على المؤمن ألا يهاب السلطات بسبب الخوف بل بسبب الضمير أي أنه كمن ذاق خلاص الرب يعمل على احترام ومهابة جميع الأنظمة التي أوجدها الرب. وهذا ليس فقط من الناحية المبدئية فحسب بل من واجب المؤمن أن يظهر مهابته واحترامه ومحبته لبلاده من الناحية العملية. وهذا الأمر يظهر بشكل خاص في دفع الضرائب أو الرسوم. يعرف المؤمن أن السلطات تحتاج إلى الأموال لتسير أمور الدولة وأن هذه الأموال يحصل عليها بواسطة الضرائب والرسوم فهو لذلك لا يتهرب من دفعها متذكراً قول الرب يسوع: أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله.

2. أما واجبات المؤمن نحو المجتمع الذي يعيش فيه فهو إعطاؤه كل حقه وعدم البقاء في حالة الدين بصورة دائمة أو عدم دفعه كما يفعل ذلك غير المؤمنين. لكن على المؤمن أن يبقى في حالة الدين بالنسبة إلى محبة الآخرين. على المؤمن ألا يظن بأنه بإظهاره محبة لقريبه في يوم من الأيام أنه يكون بذلك قد قام بجميع واجباته نحو الآخرين. كلا، إن المؤمن هو في حالة دين مستمر فيما يتعلق بمحبة الآخرين. لأن محبة الآخرين هي تكميل الشريعة. مثلاً من كان بالحقيقة يحب قريبه محبة مبنية على تعليم الوصايا الإلهية فهل يعمد إلى الزنى أو السرقة أو الشهادة بالزور أو الشهوة؟ شعار المؤمن في جميع علاقاته الاجتماعية هو المحبة للجميع والابتعاد عن إيذاء أي إنسان. وبهذه الطريقة يعلم الجميع أن المؤمن هو إنسان جديد لأن الذين لم يؤمنوا بعد بتدبير الله للخلاص لا يفهمون البشارة ولا تطبيق البشارة في الحياة ولكنهم لا يقدرون إنكار وجود حياة المحبة الحقيقية إن رأوها ضمن حياة المؤمن وهي تظهر بكل وضوح في علاقاته معهم ومع سائر أفراد المجتمع الذي يعيش فيه.

3. على المؤمن أن ينظر إلى الحياة الحاضرة من وجهة نظر رجوع السيد المسيح إلى العالم في نهاية الزمن. طبعاً إن الإنجيل له التطبيقات العديدة لأمور هذه الحياة ولكن الإنجيل لا يعطينا مطلقاً الفكرة بأن هذه الحياة ستدوم على منوالها الحالي إلى ما لا نهاية. لابد للعالم من النهاية عندما يعود المسيح يسوع إلى الأرض لدينونة الأحياء والأموات في يوم الدين. وهكذا فإن أعمال الظلمة والشرور التي يقوم بها غير المؤمنين لابد من أن تظهر على بشاعتها ولابد من أن تأتي بفاعليها إلى دينونة الله العادلة في يوم الرب. ما هو واجب المؤمن تجاه جميع أمور هذه الحياة؟ واجبه هو أن يتذكر دوماً بأن الوقت قد حان للعمل بكل جد ونشاط في سبيل الله وبأن يتمثل بالمسيح في حياته صانعاً الخير ومبكتاً جميع فاعلي الشر مظهراً لهم أن مغبة عدم التوبة هي الموت الأبدي. وإذ يجاهد المؤمن في حياته يقدر أن يقول لنفسه كل يوم أن ساعة خلاصه النهائي هي أقرب مما كانت حين آمن بمخلصه وأن جميع جهوده للحياة حسب إرادة الله ستتكلل بالنجاح بعون الله.

  • عدد الزيارات: 6090