Skip to main content

سرّ الوجود -1

النص الكتابي: أيوب 1: 1-12

تكتنفنا في السنين الأخيرة من القرن الواحد والعشرين معضلات كثيرة تقض مضجعنا وتجعل من حياتنا حياة مليئة بالأحزان. وقد ذكرنا في مناسبات عديدة أن قرننا هذا امتاز بمظاهر القساوة والهمجية قلّما اختبرتها العصور الماضية. مثلاً، عندما اندلعت نيران الحرب العالمية الأولى وقت على الملايين من البشر تكهّن البعض بأنها آخر حرب كبرى تحدث في هذا القرن. ولكنه بعد عقدين من الزمن اندلعت نيران الحرب العالمية الثانية وكانت أشد فتكاً من الأولى وانتهت بظهور القنبلة النووية على مسرح عالمنا. ولم تنته فواجعنا نحن أهل الشرق الأوسط إذ أننا لم نختبر سلاماً حقيقاً في أي عقد تلا القسم الثاني من القرن العشرين بل كابدنا الأمرين من حروب ضارية قضت على الآلاف وشرّدت آلافاً آخرين مبعثرة إياهم في شتى أنحاء المعمورة.

وعلاوة على الكوارث ذات الأبعاد الهائلة التي حلّت بدنيانا هذه فإن العديدين من الأفراد يختبرون مآس ذات وطأة شديدة. فهذا رجل ذهب إلى الطبيب باحثاً عن سبب علّة حلّت به فإذا يخبر بأن داء السرطان قد تفشّى في جسمه وأن أيامه صارت محدودة. وهذه زوجة كانت تعمل بجد ونشاطك معتنية بعائلتها من الفجر حتى الليل ينقضّ عليها مرض عضال يقعدها عن القيام بواجباتها العائلية. وها شاب كان سبب فخر ذويه لما اشتهر بجده ونشاطه في مرحلة دراسته الثانوية، ما أن ذهب إلى الجامعة ليتخصص في دراسته ويستعدّ لدخول معركة الحياة حتى انهارت أحلامه إذ انخدع من قبل رفاق السوء الذين استدرجوه إلى معاطاة المخدرات فصار عبداً لها فلم يكمل دراسته.

إن  إيماننا بالله وبسيطرته على العالم بما في ذلك الحياة البشرية لا يعني بأن مجرى حياتنا يصبح واضحاً في كل تفاصيله. تبقى هناك معضلات حياتية لا نقدر أن نفهمها. وعوضاً عن أن نقع في بحر اليأس والقنوط، نذهب إلى الوحي الإلهي لنتلقّن عبر حياتية تتعلق بموضوع آلام الحياة الدنيا. وقد وهبنا الله كتاباً خاصاً ضمن كتب الوحي ليعلّمنا أنه مهما صار فإنه لا يترك المؤمنين المعذّبين تائهين في بحر اليأس والقنوط بل يهب إلى نجدتهم في الوقت المناسب. وهذا هو سفر أيوب الصدّيق.

"1كَانَ رَجُلٌ فِي أَرْضِ عُوصَ اسْمُهُ أَيُّوبُ. وَكَانَ هَذَا الرَّجُلُ كَامِلاً وَمُسْتَقِيماً يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ. 2وَوُلِدَ لَهُ سَبْعَةُ بَنِينَ وَثَلاَثُ بَنَاتٍ. 3وَكَانَتْ مَوَاشِيهِ سَبْعَةَ آلاَفٍ مِنَ الْغَنَمِ وَثَلاَثَةَ آلاَفِ جَمَلٍ وَخَمْسَ مِئَةِ زَوْجِ بَقَرٍ وَخَمْسَ مِئَةِ أَتَانٍ وَخَدَمُهُ كَثِيرِينَ جِدّاً. فَكَانَ هَذَا الرَّجُلُ أَعْظَمَ كُلِّ بَنِي الْمَشْرِقِ. 4وَكَانَ بَنُوهُ يَذْهَبُونَ وَيَعْمَلُونَ وَلِيمَةً فِي بَيْتِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي يَوْمِهِ وَيُرْسِلُونَ وَيَسْتَدْعُونَ أَخَوَاتِهِمِ الثَّلاَثَ لِيَأْكُلْنَ وَيَشْرَبْنَ مَعَهُمْ. 5وَكَانَ لَمَّا دَارَتْ أَيَّامُ الْوَلِيمَةِ أَنَّ أَيُّوبَ أَرْسَلَ فَقَدَّسَهُمْ وَبَكَّرَ فِي الْغَدِ وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ عَلَى عَدَدِهِمْ كُلِّهِمْ لأَنَّ أَيُّوبَ قَالَ: [رُبَّمَا أَخْطَأَ بَنِيَّ وَجَدَّفُوا عَلَى اللهِ فِي قُلُوبِهِمْ]. هَكَذَا كَانَ أَيُّوبُ يَفْعَلُ كُلَّ الاَْيَّامِ."

وإذ نبدأ اليوم بهذه السلسلة الجديدة من عظات ساعة الإصلاح نذكر أن سفر أيوب هو فريد بين جميع أسفار العهد القديم أي كتب الوحي التي أعطاها الله في أيام ما قبل الميلاد وعددها تسعة وثلاثون سفراً.

لم تتم حوادث سفر أيوب ضمن تاريخ بني اسرائيل بل في القسم الشمالي الشرقي من الجزيرة العربية. وبينما نلاحظ نوعاً من الخصوصية ضمن بقية أسفار العهد القديم نجد أن لسفر أيوب نظرة شمولية غير منحصرة في إقليم واحد أو ضمن شعب واحد. والموضوع الذي يتطرّق اليه هذا الكتاب هو من أعمق وأهم المواضيع الحياتية ألا وهو موضوع آلام وعذابات الحياة.

وصفت لنا فاتحة هذا السفر أن أيوب عاش في أرض عوص وكان من خائفي الله ومن الذين اشتهروا بإيمانهم وبحياة متجانسة مع هذه الايمان. أغدق الله عليه بنعم كثيرة من أولاد وبنات وثروة حيوانية كبيرة. وقلّما يقال عن إنسان  في تلك أو في أيامنا هذه أنه رجل كامل ومستقيم يتّقي الله ويحيد عن الشر. كل شيء في حياة أيوب كان على ما يرام إلى ذلك اليوم الذي انهالت عليه الضربات من كل حدب وصوب فخسر أولاً مقتنياته ثم بنيه وبناته وأخيراً صحته وعافيته. كيف يجوز أن تتمّ هذه الأمور لإنسان  كأيوب؟ يكشف لنا الوحي النقاب عن وجه آخر من عالم الوجود نسيه معاصرونا ألا وهو العالم الروحاني أي عالم ما فوق الطبيعة.

لنعود إلى النص الكتابي فنقرأ ما يلي:

"6وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهُ جَاءَ بَنُو اللهِ لِيَمْثُلُوا أَمَامَ الرَّبِّ وَجَاءَ الشَّيْطَانُ أَيْضَاً فِي وَسَطِهِمْ. 7فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: [مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟] فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ: [مِنْ الْجَوَلاَنِ فِي الأَرْضِ وَمِنَ التَّمَشِّي فِيهَا]. 8فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: [هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي الأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ]. 9فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ: [هَلْ مَجَّاناً يَتَّقِي أَيُّوبُ اللهَ؟ 10أَلَيْسَ أَنَّكَ سَيَّجْتَ حَوْلَهُ وَحَوْلَ بَيْتِهِ وَحَوْلَ كُلِّ مَا لَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ؟ بَارَكْتَ أَعْمَالَ يَدَيْهِ فَانْتَشَرَتْ مَوَاشِيهِ فِي الأَرْضِ! 11وَلَكِنِ ابْسِطْ يَدَكَ الآنَ وَمَسَّ كُلَّ مَا لَهُ فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ]. 12فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: [هُوَذَا كُلُّ مَا لَهُ فِي يَدِكَ وَإِنَّمَا إِلَيهِ لاَ تَمُدَّ يَدَكَ]. ثمَّ خَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ أَمَامِ وَجْهِ الرَّبِّ."

عندما ابتدأت في حديثي ذكرت أن قرننا هذا امتاز بكثرة الفواجع التي ألمت بالبشرية وبطريقة لم يعرف لها مثيل. وقلت أيضاً بأن تعليل حدوث هذه الأمور المفجعة إنما يتوقّف على النظرة الحياتية التي يدين بها الإنسان . ومن البديهي أنني أعالج هذا الموضوع من وجهة نظر إيماني بالله وبوحيه. ثم أتيت على ذكر سفر أيوب حيث نقف على أهمية أخذ الوجود بأسره بعين الاعتبار. وما أعنيه بالوجود بأسره هو أنه يلزمنا أن نأخذ أمور دنيانا هذه بعين الاعتبار وكذلك ذلك العالم الذي هو فوق دنيانا أي عالم ما فوق الطبيعة أو عالم الغيب.

فإن تركنا على شأننا واكتفينا بالنظر إلى معنى الحياة من وجهة نظر دنيوية محضة فإننا نبقى في ظلمة دامسة لأننا إذ ذاك لا نكون مشاهدين إلا قسم أو طرف واحد من الواقع المعاش. لكن قولي بأنه علينا أن نأخذ الوجود بأسره بعين الاعتبار لا يعني بأننا نصل إلى فهم سبب ومعنى كل شيء. تبقى حياتهم مكتنفة بمعضلات كثيرة وعويصة إلا أن وقعها يكون أقل وطأة عليهم مما لو لم يستعينوا بالحق النابع من الوحي الإلهي.

فإن اكتفينا بالتأمل بكل ما كانت سينهمر على أيوب الصديق من نكبات وفواجع من وجهة نظر دنيوية محضة كما كان يقوم بذلك العديدون من معاصريه ف أيام ما قبل الميلاد، لخلصنا إلى القول بأن الحياة البشرية هي تحت رحمة الأقدار عاتية لا ترحم ولا تشفق. ولكننا ما أن نعترف بالحقيقة المستقاة من الوحي الإلهي ونشهد بأن الله هو المهيمن على مسيرة البشرية في شتى عصور التاريخ حتى نجابه مشكلة عقائدية هامة. إن كان الله هو سيد الكون ومسيّر دفة التاريخ، كيف يسمح لكل هذه الأمور المحزنة بأن تعكّر صفو حياة مخلوقاته العاقلة؟ وتزداد مشكلتنا تعقيداً أن تنكبّ الكوارث على من اتكل على الله وسار على طريقه المستقيم؟ يسهل علينا فهم حدوث أمور مزعجة لمن ثار على الله وارتكب المحرّمات. ولكن أن تنزل بمؤمن أو مؤمنة نائبة حتى ينوء تحت كاهلها ولا يرى منفذاً للخلاص منها، هذا سر لا نقدر أن نفهمه.

ونحن لا نبغي أن نتأمل في موضعنا هذا بطريقة نظرية مجرّدة. نقول ما قلناه منذ برهة وجيزة بعد اختبارات حياتية كثيرة وبعد قراءاتنا ما قلناه منذ برهة وجيزة بعد اختبارات حياتية كثيرة وبعد قراءتنا للآلاف من الرسائل التي وردتنا من مستمعينا الأعزاء من شتى أنحاء المعمورة. تحدث المصائب لخائفي الله ومتّقيه منذ فجر التاريخ. هذا ما نتعلمه من سفر أيوب الذي يصف لنا ما حدث لهذا الرجل الشهم والصبور. فرسالة سفر أيوب لها أهميتها الخاصة لنا نحن أهل السنين الأخيرة من القرن العشرين.

ونرجو أن نذيع هذه العظات المبنية على سفر أيوب لنستقي منها عبر ذات أهمية قصوى. ونكتفي الآن بالقول أن الشيطان عدو الله والإنسان ، أن الشيطان يلعب دوراً هاماً في التصدي للإنسان  وإغوائه لإبعاده عن سبيل الله. هذا لا يعني أن العامل الرئيسي في حياة البشر إنما هو العامل الشيطاني. ما أعنيه هو أن هذا الملاك الساقط يعمل جهده للتنكيل بالإنسان  وجعل حياته حياة بائسة ومليئة بالفواجع. وكما لا حظنا من النص الكتابي يتحدى الشيطان الله ويحاول تدمير إيمان أيوب، لكن أيوب لم فشل في الامتحان الشديد الذي اجتازه بل نجح في النهاية لأنه بقي متعلقاً بالله مهما حدث له.

وإذ نعيش بعد آلاف السنين من أيام أيوب الصديق لا بد لنا من أن نجاهر بأنّ مسيح الله وقد عالمنا لتدمير أعمال إبليس. وقد أتمّ هذا عندما مات عنا مكفّراً عن خطايانا وآثامنا وأعطانا المقدرة على محاربة الشيطان والتغلب على هجماته الشريرة. ومع أن خلاصنا أكيد وأننا ننعم منذ الآن بالحياة الأبدية، إلا أن هذا لا يعني أن حياتنا تصبح خالية من الصعوبات. لا يزال الشر موجودا في دنيانا والشيطان يعمل جهده للتصدي للذين آمنوا بالإنجيل وقبلوا المسيح يسوع مخلصاً لنفوسهم. ومهما حميت الحرب الروحية التي نخوض غمارها كمؤمنين ومؤمنات فإننا متأكدون بأن النصر حليفنا وأن ذلك سيظهر للعيان لدى عودة المسيح إلى عالمنا ليدين الأحياء والأموات ويرسل إبليس وسائر أعوانه الأشرار إلى النار الأبدية، آمين.

وعندما ندرس سفر أيوب نقف على أهمية أخذ الوجود بأسره بعين الاعتبار. وما أعنيه بالوجود بأسره هو أنه يلزمنا أن نتأمل في أمور دنيانا هذه وكذلك في أمور عالم ما فوق الطبيعة أو عالم الغيب.

فإن اكتفينا بالنظر إلى معنى الحياة من وجهة نظر دنيوية محضة فإننا نبقى في ظلمة دامسة لأننا إذ ذاك لا نكون مشاهدين إلا قسم أو طرف واحد من الواقع المعاش. لكن قولي بأنه علينا أن نأخذ الوجود بأسره بعين الاعتبار لا يعني بأننا نصل إلى فهم سبب ومعنى كل شيء. تبقى حياة الناس وحتى المؤمنين والمؤمنات بالله القدير، تبقى حياتهم مكتنفة بمعضلات كثيرة إلا أن وقعها يكون أقل وطأة عليهم مما لو لم يستعينوا بالحق النابع من الوحي الإلهي. ولكننا ما أن نعترف بالحقيقة المستقاة من الوحي الإلهي ونشهد بأن الله هو المهيمن على مسيرة البشرية في شتى عصور التاريخ حتى نجابه مشكلة عقائدية هامة. أن كان الله هو سيد الكون ومسيّر دفة التاريخ، كيف يسمح لكل هذه الأمور المحزنة بأن تعكّر صفو حياة خائفيه ومتّقيه؟ أهذا أمر معقول أن تنكب الكوارث على من اتكل على الله وسار في طريقه المستقيم؟ يسهل علينا فهم حدوث أمور مزعجة لمن ثار على الله وارتكب المحرمات. ولكن أن تنزل بمؤمن أو مؤمنة نائبة حتى ينوء تحت كاهلها ولا يرى منفذاً للخلاص منها، هذا سر لا نقدر أن نفهمه.

ونرجو أن نذيع هذه العظات المبنية على سفر أيوب لنستقي منها عبر ذات أهمية قصوى. ونكتفي الآن بالقول أن الشيطان عدو الله والإنسان ، أن الشيطان يلعب دوراً هاماً في التصدي للإنسان  وإغوائه لإبعاده عن سبيل الله. هذا لا يعني أن العامل الرئيسي في حياة البشر إنما هو العامل الشيطاني. ما أعنيه هو أن هذا الملاك الساقط يعمل جهده للتنكيل بالإنسان  وجعل حياته حياة بائسة ومليئة بالفواجع. وكما لاحظنا من النص الكتابي يتحدّى الشيطان الله ويحاول تدمير إيمان أيوب، لكن أيوب لم يفشل في الامتحان الشديد الذي اجتازه بل نجح في النهاية لأنه بقي متعلّقاً بالله بالرغم من كل ما حدث له. وإذ نعيش بعد آلاف السنين من أيام أيوب الصديق لا بد لنا من أن نجاهر بأن مسيح الله وفد عالمنا لتدمير أعمال إبليس. وقد أتم هذا عندما مات عنا مكفّراً عن خطايانا وآثامنا وأعطانا المقدرة على محاربة الشيطان والتغلّب على هجماته الشريرة. ومع أن خلاصنا أكيد وأننا ننعم منذ الآن بالحياة الأبدية، إلا أن هذا لا يعني أن حياتنا تصبح خالية من الصعوبات. لا يزال الشر موجوداً في دنيانا والشيطان يعمل جهده للتصدي للذين آمنوا بالإنجيل وقبلوا المسيح يسوع مخلّصاً لنفوسهم. ومهما حميت الحرب الروحية التي نخوض غمارها كمؤمنين ومؤمنات فإننا متأكدون بأن النصر حليفنا وأن ذلك سيظهر للعيان لدى عودة المسيح إلى عالمنا ليدين الأحياء والأموات ويرسل إبليس وسائر أعوانه الأشرار إلى النار الأبدية، آمين.

  • عدد الزيارات: 5778