Skip to main content

الديباجة

في الْبًدْءٍ كَانَ الْكَلِمَةُ

(1) منشىء الخلق في مشورة الله ع 2

(2) علة الخلق عدد 3

(3) نبع الخلق ومصدره ع 4و5

عدد 1. (أ) الكلمة في جلاله الذاتي 1: 1 "في البدء كان الكلمة"- هذا هو الكلمة في أزليته. "والكلمة كان عند الله" – هذا هو الكلمة في ذاتيته. "وكان الكلمة الله"- هذا هو الكلمة في طبيعته. هذا هو الوصف الثلاثي الذي به يصف يوحنا جلال الكلمة الذاتي في العدد الأول من بشارته

الكلمة في أزليته- "في البدء كان الكلمة". "الكلمة"! ما أعمق هذا الوصف العجيب الذي وصف به المسيح هنا إذ وصف "الكلمة" وفي اليونانية "لوجوس"!

لقد هيأت العناية أفكار البشر، لفهم هذه اللفظة: "الكلمة" قبل أن نطق بها يوحنا. فالعقلية اليهودية كانت قد ألفتها من كتابات "انقيلوس" اليهودي الذي ترجم التوراة من العبرية إلى الآرامية في القرن الثالث قبل الميلاد وفي ترجمته استعاض عن اسم الجلالة بلفظة "ممرا" – وتقابلها في العربية: "الكلمة"- في المواضع الآتية: تك3: 8، 7: 16، 21: 20،28: 20، وخروج 19: 17

أما العقلية اليونانية فقد كانت مشبعة بلفظة "لوجوس" من كتابات فيلو الفيلسوف الإسكندري. غير أن المعنى الذي تحمله "الكلمة" في كتابات

وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ

يوحنا يسمو عن معناها في آداب اليونان. كان اليونان يشيرون بـ "الكلمة" إلى الذهن،والفكر, لكن يوحنا أراد بها الذات والشخصية. فوصفه المسيح "بكلمة الله" لا يقتصر معناه على أن المسيح هو ذات الله المتكلم. فإذا كان الله قد تكلم بواسطة أنبياءه لكنه كلمنا في المسيح. من سمع المسيح قد سمع الله بالذات، ومن رآه فقد رأى الله. أن "الكلمة" في يوحنا هو على الكون (1: 3)، وهو الذي ظهر قديماً لاشعياء (قابل يو12: 41 مع اشعياء 6)، وهو الذي بقبوله يولد المرء ثانية (يو1: 12 و13)، وهو صاحب السلطان المطلق على كل ذي جسد (يو17: 2).

إن "كلمة" شخص ما، هي ما يعبر به عن نفسه، وهي أداة اتصاله بالآخرين، وتفاهمه معهم. بكلمته يظهر فكره، ويلقى أوامره، ويبلغ إرادته. فالكلمة تحمل معها الشخصية بما فيها من ذات وصفات. فهي إذاً ليست مجرد حروف تتصل بعضها ببعض، لكنها صورة، من ورائها العقل، ومن وراء العقل الذات، ومن وراء الذات الجوهر.

في إمكان المستمع أن يعرف المتكلم من كلامه، ولو كان المستمع ضريراً، فكلمة المتكلم هي الرسم الذي أفرغت فيه الذات. "وكل من رأى المسيح فقد رأى الله" فهو كلمة الله، وهو صورة الله غير المنظور، ورسم جوهره.

"وكلمة الله" هو الشخصية المتمثلة فيها قدرة الله. الآمرة والناهية في الكون. لذلك قيل أيضاً فيه "حامل كل الأشياء بكلمة قدرته" (عب1: 1-3).

وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ. 2هَذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ

إن العبارات الثلاث الواردة في العدد الأول تتمشى في ترتيب عكسي مع الثلاث العبارات الواردة في عدد 14:

عدد 1 عدد 14

"في البدء كان الكلمة"-(في الأزل) "الكلمة صار جسداً-(في ملء الزمان)

"الكلمة كان عند الله"-(مستقل في كيانه مع الله) "حل بيننا" – (مع الناس)

"كان الكلمة الله"-(ذو جوهر واحد مع الله) "صار جسداً"-مشاركاً للناس في اللحم والدم

هذا الإعلان المثلث هو أساس بشارة يوحنا، وموضوعها، وهو هو برنامج الفداء: "في البدء كان الكلمة" – هذه حجة دامغة ضد القول بأن المسيح وجد مع الزمن عند التجسد..

"كان الكلمة عند الله" – هذا برهان قاطع على أن المسيح ذو شخصية مستقلة في كيانه، وعلى أن له أقنوماً متحداً بالله من غير امتزاج، مستقلاً عنه من غير انفصال…

كررت كلمة "كان" ثلاث مرات على التوالي مع "الكلمة"، وهي لا تفيد الماضي الذي انقضى بل تعين الكيان المطلق المستمر، المشفوع بالدوام المتواصل-"كان ولم يزل". "كان الكلمة الله" - هذا تعبير يصف المسيح في طبيعته - له طبيعة الله وجوهره.

(ب) الكلمة في جلاله النسبي (1: 2-5):

عدد2-(ا) الكلمة من حيث كونه منشئ الخلق في مشورة الله : 1 : 2

-"هذا كان في البدء عند الله".

يلوح لنا أن "البدء" في العدد الول، غير"البدء" في العدد الثاني.

عِنْدَ اللَّهِ. 3كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ.

"البدء" في العدد الأول يشير إلى الأزل المطلق- قبل كون العالم. "والبدء" في العدد الثاني يشير إلى بدء الخليقة- البدء الذي استهل به سفر التكوين. كذلك نجد أيضاً فرقاً بين العبارة "عند الله" في كل من العددين، في العدد الأول تشير إلى المعية المطلقة. وفي العدد الثاني تشير إلى المعية عند الخلق (أمثال 8: 22-31).

عدد3 (2) الكلمة من حيث كونه على الخلق 1: 3 – "كل شيء به كان"- هذا وصف جامع، "وبغيره لم يكن شيء مما كان"- هذا وصف مانع. إن هذا الوصف الجامع المانع ينفي كون المسيح أحد الخلائق، ويهدم المذهب الأفلاطوني القائل بأزلية المادة، وينقض مذهب الغنوسيين المدعي بأن الملائكة هم علة الخلق وأداته…

غير أن كلمة "به" لا تنقص من قدر المسيح كخالق، ولا تجعله مجرد أداة للخلق، فأن هذه الكلمة عينها: "به" قيلت عن الله الخالق (رومية11: 36، غلاطية1: 1، عب2: 10). ألم يقل الله عن ذاته: "بي تملك الملوك" (أمثال8: 15)؟

وقد ذكر هذا الوصف بجانبيه الإيجابي والسلبي من قبيل التوكيد والتوكيد في الوحي له دلالات عدة. فالتوكيد في الصلاة يفيد اللجاجة، وفي النبوة يعني اليقين، وفي المواعيد يراد به التشجيع، وفي الوعيد يقصد به المفاجأة وفي الأسرار الإلهية يدعو إلى التسليم.

4فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ 5وَﭐلنُّورُ يُضِيءُ فِي

ع4و 5(3) الكلمة من حيث كونه نبع الخلق ومصدره 1:4و5 – "فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس، والنور يضيء في الظلمة، والظلمة لم تدركه"

كما أن عددي 1 و 2 مهدا للكلام عن الخلق في عدد3، كذلك عدد 4 يمهد للكلام في عدد 5. وفي هذين العددين 4 و5 نجد تدرجاً من الحياة الذاتية إلى الحياة المنبعث منها النور للخليقة الساقطة. من "به" إلى"فيه" ما أشبهه بالتدرج الوارد في كولوسي 1: 16 و17 "الكل به وله قد خلق..وفيه يقوم الكل" – فالمسيح علة خلق العالم، ومصدر كيانه وبقائه.

يتألف هذان العددان من أربعة مقاطع، كل مقطع منها يبتدئ بالكلمة التي بها ينتهي المقطع السابق، كدرجات سلم تقوم إحداها على الأخرى - "فيه كانت الحياة - والحياة كانت نور - والنور يضيء في الظلمة - والظلمة لم تدركه".

الظلمة المقصودة هنا، هي ظلمة الروح - ظلمة السقوط، بل هي ظلمة البشرية الساقطة. ألم يقل الله "لأنكم كنتم قبلاً ظلمة" (أفسس 5: 28)؟ فالبشر الساقطون ليسوا مظلمين وكفى، وهم مجرد عميان لا يبصرون، بل هم الظلمة المجسمة.

غير أن الله لم يترك نفسه بلا شاهد- حتى في أحلك الأوقات "والنور

الظُّلْمَةِ وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ. 6كَانَ إِنْسَانٌ مُرْسَلٌ مِنَ اللَّهِ

يضيء في الظلمة" ليضيء للذين يريدون أن يروا، وليدين الذين اختاروا العمى الروحي لنفسهم.

كلمة "لم تدركه" تفيد أربع درجات متتابعة: (أ) عدم الاكتراث لوجود النور (ب) عدم فهم كنه النور وسره (أفسس3: 18) (ج) عدم البلوغ والوصول إلى النور لنواله (رو9: 30 وفيلبي3: 13) (د) عدم الانتصار على النور. والعجز عن الظفر به (أفسس5: 4).

عدد 6- ثانياً: الكلمة في ظهوره 1: 6-9

في الأعداد السالفة، رأينا الكلمة في كيانه الأزلي، وفي الأعداد التي أمامنا نرى الكلمة في ظهوره، وأول من نادى به وشهد له، يوحنا المعمدان حلقة الاتصال بين العهدين..

"كان إنسان…اسمه…هذا…"- هذا أسلوب خاص بيوحنا البشير. ما أشبهه ببدء الإصحاح الثالث: "كان إنسان…اسمه…هذا.." التعبير "كان…هذا" شبيه بالتعبير عن المسيح في استهلال هذه البشارة "كان هذا.." (1: 1 و2).

تصف لنا هذه الأعداد الشخص الذي أعدته العناية الإلهية ليكون أداة لإظهار "الكلمة" للناس. فهي تصفه في (أ) حقيقة "كان". ما أعظم الفرق بين "كان" المستعملة هنا (ع6) وبين "كان" التي وردت ثلاثاً في العدد الأول عن المسيح. هذه تفيد الوجود الحادث في زمن معين، ومعناها الحرفي "نشأ" أما تلك فإنها تفيد الوجود المطلق الأزلي. يوحنا "مرسل من الله"

اسْمُهُ يُوحَنَّا. 7هَذَا جَاءَ لِلشَّهَادَةِ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ

و"الكلمة" هو الله. هذه شهادة صادقة لأنها جاءت من شخص كان تلميذاً ليوحنا المعمدان قبل أن يكون تلميذاً للمسيح، (فهو عارف بحقيقتهما. في هذا يصدق القول: "وشهد شاهد من أهلها" (ب) اسمه- "يوحنا" ومعناه "الرب يتحنن" وقد تسمى يوحنا بهذا الاسم بعناية إلهية خاصة (لو1: 13). ومما يسترعي الالتفات، أن البشير لم يذكر يوحنا المعمدان بلقبه، بخلاف سائر البشرين الذين احتفظوا في كتاباتهم بلقب "المعمدان" تمييزاً له عن يوحنا البشير، أما البشير، وقد تغاضى عن وجود شخصيته لم يجد داعياً لهذا التمييز حياء منه واتضاعاً، ورغبة منه في إخفاء نفسه. وربما لأن لقب "المعمدان" لم يخلع على يوحنا إلا بعد أن ذاعت شهرته. لكن يوحنا البشير وهو أحد تلاميذ المعمدان الأولين، كان قد عرف أستاذه مجرداً عن هذا اللقب، فاحتفظ بعذوبة هذا الاسم، خلواً من كل لقب.

عدد7-(ج) غاية حياته "هذا جاء ليشهد للنور" 1: 7- إذا لم تكن حياته مجرد أيام يقضيها على الأرض، بل كانت تحمل معها رسالة خاصة لعمل خاص- الشهادة. "الشاهد" لغة هو "اللسان" فيقال "ما لفلان رواء ولا شاهد" ومعناه "ماله منظر ولا لسان". والشهادة هي الخبر القاطع. فالشاهد إذا هو من يرى رؤيا واضحة، ويقتدر على الإفصاح عما رأى بكل دقة وأمانة، بلسانه وبحياته وإن لزم الأمر بموته أيضا. لأن الشهادة والاستشهاد مشتقان من مصدر واحد. وكذلك شهد يوحنا بلسانه الفصيح، وحياته النقية الجريئة، وموته البريء، فأضحى شاهداً وشهيداً…

لِكَيْ يُؤْمِنَ الْكُلُّ بِوَاسِطَتِهِ. 8لَمْ يَكُنْ هُوَ النُّورَ

"ليشهد للنور" – وهل من حاجة للنور إلى الشهادة؟ أليس النور خير شاهد لنفسه؟ بلى. ولكن الناس يحتاجون إلى الشهادة عن النور- المسيح، لأن المسيح لم يأتنا في شكل ممجد بل أتانا في "شبه الناس". فكان من الضروري أن يحتاج الناس إلى من يوجه نظرهم إليه، سيما لأن جل البشرية عائش في وادي الظلمات.

(د) غاية رسالته: "لكي يؤمن الكل بواستطه" والمقصود بهذا، أن الإنجيل العام المقدم لجميع الناس، قدمته كرازة يوحنا بالتوبة الممهدة للأيمان "والكل" هنا هم كل من يؤمن من جميع الطبقات. والهاء في "بواسطته" تعود علة يوحنا المعمدان لا على المسيح. فالمسيح هو موضوع الأيمان، ويوحنا المعمدان هو واسطة البشارة. والطريق الذي رسمه الله للخلاص، قد رسمه لكل الناس سواء بسواء من دون تمييز.

عدد8. (هـ) طبيعته: "لم يكن هو النور بل ليشهد لنور" – يستنتج من هذه الآية، ومن سواها مثل 1: 20، 3ك 28 أن يوحنا البشير يجابه ضلالة كانت قد فشت وقتئذ. وكان يرمي مروجوها إلى مساواة يوحنا المعمدان بالمسيح. فقرر البشير أن المعمدان لم يكن هو النور، بل ليشهد للنور وكل ما قيل عن المعمدان في هذا الباب هو أنه "سراج" (5: 35) وشتان بين السراج والنور.

ع9- 11. بعد أن وصف البشير خدمة يوحنا المعمدان أنها شهادة للنور تقدم ليوضح لنا في هذه الأعداد، عمل هذا النور، وتأثر الناس به:

بَلْ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ. 9كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِياً إِلَى الْعَالَمِ. 10كَانَ فِي الْعَالَمِ وَكُوِّنَ الْعَالَمُ بِهِ

عدد9. عمل النور. "كلمة النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتياً إلى العالم". أما إن نعتبر كلمة "النور" خبر كان، واسمها مستتر جوازاً تقديره هو- أي المسيح، أو أن نعتبرها اسم كان، وخبرها "آتياً". فإن أخذنا بالرأي الثاني، كان معنى هذا العدد أن المسيح عند شروع يوحنا المعمدان في تأدية شهادته، كان يتهيأ للدخول إلى خدمته الجهارية في العالم. وقد تحمل إشارة إلى الأدوار المتدرجة في تدبير التجسد. ويجوز- كما في الأصل أيضا – أن نعتبر كلمة "آتياً" صفة لـ "كل إنسان"، بذلك يحمل المعنى على الوجه الآتي: أن جميع الناس الذين يدخلون إلى العالم، يستمدون نور بصائرهم من المسيح وحده- سواء في ذلك من كان منهم مسيحياً مؤمناً مستمتعاً بالإنارة الخاصة، أو من كان غير مسيحي مستنيراً بالإنارة العامة، التي تنير الذهن والضمير لكنها لا تتعداها إلى النفس فتغيرها.

عدد10 في العدد الماضي أرانا البشير عمل المسيح كنور مشرق في العالم، وفي الجانب الأول من هذا العدد يرينا باعتبار كونه على خلق العالم. فإذا كانت الحياة نور الناس (عدد4) فأن النور هو حياة العالم (عدد10) إن في هذا العدد استدراكاً لما يمكن أن يتبادر إلى الذهن من قوله" آتياً إلى العالم" – كأن يفهم خطأ أن حياة المسيح بدئت عند التجسد. لذلك قرر البشير، بقوله" كان في العالم"، إن المسيح كان موجوداً قبل التجسد، وان العالم كون به، فهو الذي خلق العالمين، وهو الذي هدى إسرائيل وعالهم "جميعهم أكلوا طعاماً واحداً روحياً، وجميعهم شربوا شراباً واحداً روحياً، لأنهم كانوا يشربون من صخرة

وَلَمْ يَعْرِفْهُ الْعَالَمُ. 11إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ

روحية تابعتهم. والصخرة كانت المسيح" (1 كو10: 3و4) هذا تؤيده شهادة المسيح أمام اليهود: "أبوكم (إبراهيم) تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح..قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن" (يو8: 57و59)

ثالثاً: الكلمة المرفوض1: 10و11

عدد10(ب) و11 مبلغ تأثر الناس بهذا النور 1:10(ب) و11 "ولم يعرفه العالم. إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله". هنا يتنقل الوصف من التعميم: "العالم" إلى التخصيص: "خاصته"، ويتدرج من الكلام عن التغافل السلبي الناتج عن الجهالة "لم يعرفه"، إلى المقاومة الإيجابية الناتجة عن العناد والتعصب "لم يقبله". إن تهمة تجاهل المسيح منصبة على العالم- أي البشر الذين لم يعرفوا المسيح من الطابع الخاص الذي طبعه المسيح على العالم أي الكون المادي-. ووجه مسئولية العالم في هذا التجاهل هو أن الله أودع نوراً طبيعياً في ضمائر جميع الناس "حتى أنهم بلا عذر" رومية1: 19-23 أما خطية الرفض فهي موجهة إلى اليهود- خاصته – الذين لم يعرفوا المسيح من نور إعلانات العهد القديم ولا من نور شهادة يوحنا المعمدان. الكلمة المترجمة "خاصته"، ترجمتها الحرفية "بيته" كما في (19: 27). وفي العهد القديم استعملت "خاصته" عن الهيكل (ملاخي3: 1)، وهي أيضا تفيد الملكية (مزمور135: 4 وخر19: 5) أليس من المحزن أن اليهود، وهم أهل بيت الله، رفضوا المسيح، وانتهى بهم هذا الرفض إلى صلبه، فأمسى غريباً في بيته، مهاناً من أهله وعشيرته؟ هذا تاج خطية البشرية.

وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ. 12وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللَّهِ

يلاحظ أن عددي 10 و11 يتمشيان معاً في توازن طباقي، وكل منهما يصف حقيقة مثلثة:

عدد10 عدد11

(1) حقيقة حاله: "كان في العالم" "جاء"

(2) مجال ظهوره: "كون العالم به" "الى خاصته"

(3) مآل شهادته: "لم يعرفه العالم" "خاصته لم تقبله"

رابعاً: "الكلمة" المقبول 1:12-18

إذا كان اليهود كشعب، قد رفضوا المسيح، إلا أن أفراداً من المؤمنين – من اليهود والأمم- قد قبلوه. ومحور الكلام في هذا الفصل يستند إلى حقيقتين (1) امتياز قبول الكلمة (1: 12 و13). (2) تجسد الكلمة المقبول (1: 14- 18). أما امتياز قبول الكلمة فالكلام يتناوله من حيث (أ) حقيقته عدد12 (ب) خواصه عدد13.

والكلام عن تجسد الكلمة له جانبان - الجانب الأول: حقيقة لتجسد عدد14 (أ) الجانب الثاني: الشهادة المثلثة لهذا التجسد (14(ب) – 18).

عدد12- أ- حقيقة امتياز قبول الكلمة1: 12. "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنين باسمه" – هذا هو الامتياز من حيث حقيقته - هو سلطان البنوة الله. "وأما" – ذكرت هذه الكلمة استدراكاً لما قبلها،وتحقيقاً لما بعدها. "كل" تفصيلية تعميمية. فهي تعني ما يليها أفراداً لا جماعات فالكلام عن الرفض في العدد السابق

أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ.

يتناول اليهود كأمة، والعالم ككتلة، لكن الكلام عن الأيمان مخصص للمؤمنين أفراداً. غير أن كلمة "كل" ليست قاصرة على المؤمنين من اليهود فقط، بل هي تعميمية تشمل أفراد المؤمنين من كل أمة وفي كل جيل. "الذين قبلوه" هم الذين رحبوا به في قلوبهم فصاروا "خاصته" الروحية الحقيقية وبذلك نالوا امتياز البنوة لله- ذلك الامتياز الذي حرم منه اليهود بسبب عدم أيمانهم. فمع أن اليهود يدعون باطلاً أنهم أبناء إبراهيم إلا أن المؤمنين بالمسيح هم أبناء الله بحق وسلطان، وقد أعطوا هذا الحق والسلطان من الله رأساً. فما أكرم هذا الضيف السخي الذي يحل في قلب من يؤمن به فيمنحه هبتين - أحدهما: نسبة جديدة تربطه بالله - "أبناء الله". والثانية: حقاً جديداً ينال به بركات هذه البنوة- "سلطاناً". ومما يدعو إلى الالتفات أن يوحنا ألبس هذه النسبة الجديدة ثوباً غير الثوب الذي ألبسها إياه بولس. يوحنا يصفها بالقول "أولاد الله" لكن وصف بولس لها هو"أبناء الله" غلاطية (4: 6). ذلك لأن يوحنا يصف هذه النسبة في طبيعتها وبولس يصفها في بركاتها. أولهما نظر إلى جذع الشجرة والثاني نظر إلى ثمرها.

ليست حقيقة التبني قاصرة على معلنات العهد الجديد. فلقد ذكرت في العهد القديم أربع مرات (مز 103: 13 وأشعياء63: 16 وارميا31: 20 وهوشع11: 1). لكنها أطلقت في العهد القديم على الأمة كمجموع وأما في العهد الجديد فقد استعملت للفرد، ويراد بها بذرة الحياة الروحية في قلب المؤمن.

ولكي لا يترك البشير مجالاً للشك في تأويل معنى قبول المسيح، أوضحه بقوله "أي المؤمنون باسمه". فالأيمان هو قبوله في القلب، لأن

13اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُلٍ بَلْ مِنَ اللَّهِ. 14وَﭐلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً

الأيمان هو الذي يرى الفادي، ويثق به، فيفتح له القلب، ليحل فيه ضيفاً، حتى يصير فيه مضيفاً، ثم يضحى ملكاً، ثم يكون فيه رباً.

إن موضوع الأيمان هنا هو "اسم المسيح". "والاسم" هو التعبير الذي يحمل إلى الفكر جوهر المسمى، وذاته، وصفاته. هذا هو موضوع الإعلانات الإلهية، بل هذا هو روح البنوة.

عدد 13- ب – خواص امتياز قبول الكلمة- يصف يوحنا طبيعة هذا الامتياز وصفاً مزدوجاً- سلبياً وإيجابيا. أما سلبياً فعلى ثلاث درجات متصاعدة. (1) "ليس من دم" أي ليس من دم وراثي، كما كان يفتخر اليهود، عادة، أنهم أبناء إبراهيم، فيباهون بسلسلة نسبهم الشريف. وفي الأصل وردت كلمة "دم" بصيغة الجمع إشارة إلى التسلسل الجنسي الذي تجتمع فيه عناصر كثيرة، وكما يقول "ماير" – إشارة إلى التناسل الطبيعي في درجته السفلى- بالجسد. (3) "ولا من مشيئة رجل" إشارة إلى التناسل الإنساني في درجته الراقية- بالإرادة[1] وأما إيجابياً فبكلمة واحدة: "من الله" أي بإرادة الله. تدفعها محبته، وترافقها نعمته.

عدد 14 تجسد الكلمة 1: 14-18 رأينا فيما سبق، حقيقة امتياز الأيمان وطبيعته. وها نحن نتقدم إلى معرفة موضوع هذا الأيمان: تجسد

وَحَلَّ بَيْنَنَا وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ

الكلمة، وفي عدد 14 نواجه حقيقة التجسد في كلمتين – إحداهما: التجسد كحقيقة مطلقة "والكلمة صار جسداً". "صار" لا تفيد التحول. فهي ليست من قبيل القول: "صار الطفل رجلاً" – أي انه لم يعد بعد طفلاً، لكنها تفيد الاتخاذ- أي أن الكلمة اتخذ جسداً وصار انساناً بدون تغير في لاهوته. فاللاهوت ملازم للناسوت من غير انفصال ولا امتزاج. والكلمة "جسد" مستعملة هنا من باب التغليب، فهي تعني الإنسان كله – "جسداً ونفساً" وإنما عبر بها هنا عن الجانب الضعيف في الإنسان (تك6: 3) إن المسيح صار إنسانا كاملاً لكي يفتدي الإنسان كله (7: 23). والثانية: التجسد كحقيقة تاريخية "وحل بيننا". الترجمة الحرفية لكلمة "حل" كما وردت في الأصل هي "خيم" أو "ضرب فسطاطاً". وقد وردت عدا هذه المرة أربع مرات في العهد الجديد، وهي من الكلمات التي طبعت بها كتابات يوحنا (رؤ 7: 15و13:6 و12: 12 و21: 3).

قديماً حل الله بين الأمة اليهودية، في خيمة الاجتماع، في البرية. إلا أن تلك الخيمة كانت ذاهبة زائلة. أما هذه الخيمة الجديدة: "جسد المسيح" فقد تمجدت بعد القيامة، وها هو المسيح بناسوته ولاهوته في السماء الآن. فالتجسد إذاً، هو جواب الله على أشواق البشر، ومحط آمالهم وانتظاراتهم فيه حده تكون للبشر شركة حقيقية مع الله.

الجانب الثاني: الشهادة المثلثة لحقيقة الجسد 14(ب) –18(ا) شهادة يوحنا البشير ورفاقه عدد 14(ب) (2) شهادة يوحنا المعمدان عدد15 (3) شهادة الكنيسة المسيحية ع 16-18

مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ

(1) شهادة يوحنا البشير ورفاقه 14(ب) "رأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوءاً نعمة وحقاً" – فما هو هذا المجد الذي رآه يوحنا ورفاقه؟ أهو مجد المعجزات التي أجراها المسيح "وأظهر بها مجده فآمن به تلاميذه" (2: 11)؟ أم هو مجد صفاته، الذي كان يحف بشخص المسيح مدة خدمته على الأرض؟ أم هو المجد الخاص الذي ظهر في تجلي المسيح على الجبل فشهده يوحنا واثنان من رفاقه؟ أننا نميل إلى الرأي الأخير. وربما تحتمل هذه الكلمات إشارة ضمنية إلى المجد الممتاز الذي تحدث عنه يوحنا في ديباجة سفر الرؤيا. "مجداً" – كررت كلمة "مجداً" بعد كلمة "مجده" على سبيل التوكيد لا الوصف. أنها ترجع بذاكرتنا إلى "نار الشكينا" في العهد القديم، التي كانت في الهيكل رمزاً لحضور الله. وهي إحدى مميزات كتابات يوحنا(2: 11، 11: 40 و12: 41 و17: 5و24 ورؤيا 21: 11). "كما" – ليست تشبيهية، بل وصفية (هوشع4: 4ومز 122: 3). "لوحيد من الآب". كان موسى والأنبياء خداماً وعبيداً لله. أما المسيح فهو ابن الله، بمعنى ممتاز لا يدانيه فيه سواه. وبنسبة رفيعة لا يشاركه فيها إنسان. وقد ذكرت كلمة "وحيد" وصفاً للمسيح، في كتابات يوحنا وحده(1: 14 و3: 16و18و1 يو4: 9)- وهي تميز بنوة المسيح لله عن بنوة المؤمنين له(1: 12). "من الآب"- معناها الحرفي "من حضرة الآب" وهي تفيد الإرسالية التي من قبل الله. "مملوءاً نعمة وحقاً" –"النعمة" ضد الناموس، "والحق" – ضد الطقوس. "النعمة" هي الله جواداً محسناً "والحق" هو الله معلناً ذاته. "النعمة" كما استعملت في الاصل، معناها: "كل ما يجلب الانشراح". وهي تطلق

مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً. 15يُوحَنَّا شَهِدَ لَهُ وَنَادَى: «هَذَا هُوَ

على (أ) كل ما هو مقبول وجذاب (لو4: 22)، (ب) كل ما هو مسر (لو2: 52 وأعمال2: 47) (ج) الفضل المجاني الذي غمر الخطأة. والمعنى الأخير هو الأعمق، وهو المقصود بالذات في هذا العدد.

تختلف النعمة عن المحبة في أن المحبة قد تتجه إلى الأعلى، أو إلى الأدنى أو إلى الند، لكن النعمة لا تعرف إلا اتجاهاً واحداً- من الأعلى إلى الأدنى "والحق" هو النور الذي به نرى الله كما هو. وفي نور الله نرى كل شخص وكل شيء في حقيقته.

فما أغنى المسيح الذي فيه اجتمع هذان الضدان - "النعمة والحق" - الرحمة والعدالة - اللطف والشدة. هذه خلاصة ما أعلنه الله للبشر عن نفسه في العهد القديم (خروج34: 6 ومزمور1: 5 و1يو4: 18)، "فالنعمة" هي الله محبة، و"الحق" هو الله نور. هاتان الكلمتان، مجتمعتين معاً، تصفان المسيح باعتبار كونه منجز الفداء، وخاتمة الوحي الإلهي.

ليس المسيح شخصاً "منعماً عليه" ولا هو مجرد شخص عارف بالحق لكنه مملوء نعمة وحقاً. أو قل: هو النعمة مجسمة، وهو الحق متأنساً. العبارة "مملوءاً نعمة وحقاً"، حالية تصف الكلمة.

ع (15). (2) شهادة يوحنا المعمدان "يوحنا شهد له ونادى قائلاً: "هذا هو الذي قلت عنه أن الذي يأتي بعدي، صار قدامي، لأنه كان فبلي" ظلت شهادة يوحنا المعمدان حاضرة في ذهن يوحنا البشير، وصوتها

الَّذِي قُلْتُ عَنْهُ: إِنَّ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي صَارَ قُدَّامِي لأَنَّهُ كَانَ قَبْلِي».

يؤن في أذنيه، لذلك استعمل في وصفها كلمة تفيد(في الأصل) الاستمرار المتجدد وقد ذكرت شهادته، ثلاثاً في هذا الفصل (ع15، 27، 30). كانت شهادة يوحنا المعمدان، للبشير خير ذكرى، وهي لنا نبراس وهدى.

في هذا العدد يصف البشير شهادة المعمدان في قوتها، وفي موضوعها. أما قوتها فظاهرة من قوله "نادى"- هذه كلمة حماسية، تفيد ارتفاع الصوت والغيرة الملتهبة لأجل الحق (7: 28و37و12: 44 واشعياء 40: 3).

وأما موضوع شهادة المعمدان فهو: شخص المسيح: "هذا هو الذي قلت عنه": - (أ) في ظهوره تاريخياً: "يأتي بعدي". (ب) في سمو رتبته "صار قدامي". (ج) في أزليته: "الذي كان قبلي". الكلمة"قبل" كما وردت في الأصل لا تقتصر على الأسبقية النسبية- كما لو كان المسيح قبل يوحنا فقط، لكنها تعني الأزلية المطلقة.

يستفاد من عدد 30 أن يوحنا المعمدان فاه بهذه الشهادة في غد اليوم الذي أرسل فيه اليهود من أورشليم كهنة ليسألوه عن حقيقته. وهي تصف كل خدمة يوحنا وصفاً مجملاً. وإذا ما رأينا منها أن يوحنا المعمدان الذي يقل عن المسيح في المقام قد صار له سابقاً بالنسبة لزمن ظهوره، فلا عجب، لأن كوكب الصبح يسبق الشمس في الظهور. ولأن المخبر بقدوم الملك يظهر قبل الموكب الملكي. كذلك كان يوحنا المعمدان بالنسبة للمسيح.

16وَمِنْ مِلْئِهِ نَحْنُ جَمِيعاً أَخَذْنَا وَنِعْمَةً فَوْقَ نِعْمَةٍ. 17لأَنَّ النَّامُوسَ

ع16. (3) شهادة الكنيسة المسيحية 1: 16-18. "من ملئه نحن جميعاً أخذنا نعمة فوق نعمة". إن شهادة المعمدان المذكورة في العدد السابق، تؤيدها اختبارات المؤمنين الذين ينطق بلسانهم يوحنا البشير في قوله "نحن جميعاً". شاهد المعمدان فشهد! والمؤمنون شاهدوا فنالوا. "من ملئه" – الملء هو مجموع الهبات والكمالات الإلهية، ولعله في طاقة كل من يؤمن به أن ينال قسطاً من هذا الملء على قدر إيمانه وقابليته (أفسس1: 3) فهو ملء غير قابل للنفاد. "نعمة فوق نعمة"، وردت في غير هذا الموضع، أربع مرات في العهد الجديد(أ) بمعنى "عوضاً عن" مت2: 22. (ب) بمعنى "عن أو بسبب" (رومية12: 17) (ج) بمعنى "حسب أو بمقتضى" (أعمال13: 22) (د) بمعنى "من اجل" )أفسس5: 31) وهي كما وردت هنا تحتمل معنين: (أ) نعمة مزادة على نعمة (ب) نعمة مكافأة لنعمة. فكل نعمة نقبلها بالشكر ونستخدمها، تمهد الطريق لنعمة أفضل. فنعمة الرجاء تعطى مكافأة على نعمة الصبر. "كنت أمينا على القليل فأقيمك على الكثير".

ع17. مقابلة مزدوجة "لأن الناموس بموسى أعطى: أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا " : الناموس الأدبي- تقابله "النعمة". والناموس الطقسي- يقابله "الحق". في ع16 نجد وصفاً للنعمة، وفي ع18 نرى وصفاً للحق. وعدد17 يكون حلقة الاتصال بين النعمة والحق.

بِمُوسَى أُعْطِيَ أَمَّا النِّعْمَةُ وَالْحَقُّ فَبِيَسُوعَ الْمَسِيحِ صَارَا. 18اَللَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ.

بل في عدد17 نجد خلاصة العهدين القديم والجديد:-

"الناموس بموسى أعطى" – هذه خلاصة العهد القديم

"أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا" – هذه خلاصة العد الجديد

"الناموس بموسى أعطى" – إذاً لم يكن موسى سوى أداة تحمل الناموس إلى الشعب. ولو لم يكن موسى قد حمل هذا الناموس، لحمله غيره "أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا".

إذاً فالمسيح هو مبدع النعمة والحق، وهو نبعها، بل هو حياتهما

"النعمة"- هي خلاصة هبات الله لنا: "الحق" هو خلاصة إعلانات الله لنا".

ع18. خاتمة الديباجة "الله لم يره أحد قط…الابن الوحيد…هو خبر". بهذا العدد اختتم يوحنا ديباجة بشارته بكلمة لها جانبان(1) أحدهما مانع: "الله لم يره أحد قط"، والثاني جامع: "الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر". ومما يسترعي الالتفات أن يوحنا البشير بعد أن حدثنا في عدد14 عن "الكلمة المتجسد" ع14 صار فيما بعد يحدثنا باعتبار كونه "ابن الله الوحيد".

الجانب الجامع "الله لم يره أحد قط"- ولا موسى استطاع ان يراه! وكل المرات التي أعلن الله نفسه للبشر (خروج24: 10و33و23و1 مل19: 13 واشعياء6: 1)، لا تخرج عن كونها تجليات وقتية،

اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ. 19وَهَذِهِ هِيَ شَهَادَةُ يُوحَنَّا

رمزية، جزئية، يصدق فيها القول: "فأننا الآن ننظر في مرآة في لغز" (1كو13: 12). لكن الرؤية المذكورة هنا، هي الرؤية الحقيقية الثابتة التي هي تاج الكمال المسيحي(1 يو4" 12).

الجانب الجامع: "الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر". في هذا الجانب الجامع نجد وصفاً مثلثاً للمسيح (1) في طبيعته: "الابن الوحيد"- الذي له جوهر واحد مع الآب في طبيعته (ع14). (2) في رفعته: "في حضن الآب" هذا تعبير رمزي يكنى به عن مركز المحبة، والتقرب، والسمو، والاطلاع على الأسرار، والسلطان (13: 23). ان حضن الآب هو حالة، لا مكان. (3) في سمو رسالته: "هو خبر" – بما له من الطبيعة الإلهية، قد رأى. وبما له من الطبيعة الناسوتية، استطاع أن يخبر البشر بما رأى. المعنى الحرفي لكلمة "خبر" هو "ترجم عن الإرادة" وهي تستعمل في اللغة اليونانية الفصحى بمعنى "حل الألغاز".


[1] يقول اغسطينوس إن الكلمة "ليس من دم" كلمة إجمالية تعني التناسل الشريف وان الكلمتين-الثانية والثالثة تفصيليتان،تشير أولاهما إلى إرادة المرأة والأخرى إلى مشيئة الرجل.

  • عدد الزيارات: 5870