Skip to main content

رب الهيكل في هيكل الرب

فَآمَنَ بِهِ تلاَمِيذُهُ. 12وَبَعْدَ هَذَا

2: 12 – 22

أولاًً: الرب يأتي إلى هيكله 2: 12 و13 ثانياً: رب الهيكل يطهر هيكل الرب 2: 14 – 16. ثالثاً: تأثير حادثة تطهير الهيكل 2: 17 – 22.

عدد 12 و13. أولاًًً: السيد يأتي إلى هيكله([1]) 2: 12 و13. ودعنا الآن أول معجزة صنعها المسيح لنرحب بمعجزة لا تقل عنها شأناً – إذا جاز التفاضل بين المعجزات. بمعجزته الأولى أظهر مجده, وبهذه المعجزة بين سلطان لاهوته. المعجزة الأولى, تمت في قرية – قانا الجليل, وهذه تمت في عاصمة اليهود – أورشليم. في الأولى, رأينا رجل الأحزان يسكب ابتسامة بريئة في كأس العروسين والمدعوين, والآن نرى رب الهيكل يسكب سائل غضبه في كؤوس مدنسي هيكله المقدس.

بمعجزته الثانية ابتدأ خدمته الجهرية في أورشليم, وبمعجزة من نوعها اختتم خدمته, وبهما أظهر سلطان رسالته باعتبار كونه رب الهيكل (ملاخي 3: 1 – 5), وبين طبيعة رسالته – باعتبار كونه المطهر والمقدس (لوقا 19: 45 ومت 21: 12 و13 ومرقس 11: 15 – 19).

ولقد اختار المسيح لهذه المعجزة أقدس مكان, وأنسب زمان – أورشليم في عيد الفصح – حين تكون المدينة مغمورة بسيل من الزائرين, والهيكل مزدحماً بمواكب الحجاج.

انْحَدَرَ إِلَى كَفْرِنَاحُومَ هُوَ وَأُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ وَتلاَمِيذُهُ وَأَقَامُوا هُنَاكَ أَيَّاماً لَيْسَتْ كَثِيرَةً 13وَكَانَ فِصْحُ الْيَهُودِ قَرِيباً

"وبعد هذا" - بعد عرس قانا الجليل, رجع المسيح إلى الناصرة. والظاهر أنه منذ دخوله إلى ربوع خدمته الجهرية, ودّع وطنه الأرضي ميمماً كفرناحوم الرابضة على شاطئ بحر الجليل كما "يربض قطيع الجزائر الصادرة من الغسل" (نش 4: 2). هناك كان يسكن جميع تلاميذه ما عدا نثنائيل. ومن "قرية المعزي" اتخذ الفادي لنفسه وطناً أرضياً آخر, ومركزاً لدائرة عمله العتيد. أما مريم أمه, واخوته وتلاميذه فقد "انحدروا" معه إليها - الانحدار هنا جغرافي. "وأقاموا هناك أياماً ليست كثيرة" - لأن الفصح كان يدنو منهم بخطوات حثيثة, وكان هو ينوي أن يحضر ذلك العيد التاريخي في العاصمة اليهودية. ومع أنه منذ أن بلغ الثانية عشرة, اعتاد أن يذهب كل سنة إلى أورشليم مع الحجاج الجليلين, إلا أن ّذهابه إليها في هذه المرة كان يمتاز عنه في المرات السابقة في أنه صعد إليها الآن باعتبار كونه مسيح الرب, ورب الهيكل- "والصعود" هنا جغرافي أيضاً.

عدد 14 ثانياً: رب الهيكل يطهر هيكل الرب 2: 14-16. سرعان ما بلغ المسيح المدينة أورشليم حتى قصد تواً إلى الهيكل. وهنالك, عند مدخل الهيكل- في دار – الأمم - استوقفه منظر خاص, إذ "وجد الذين كانوا يبيعون بقراً, وغنماً, وحماماً, والصيارف جلوساً". ومع أن الحاجة كانت تقضي بوجود مثل هذه الذبائح في مكان قريب من المذبح - فالبقر لذبيحة الشكر, والغنم لذبيحة الفصح وذبيحة التطهير, والحمام لذبائح الفقراء. وكان "الصيارف" موجودين يبدلوا العملة الأممية "النجسة" بعملة يهودية

فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ 14وَوَجَدَ فِي الْهَيْكَلِ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ

"طاهرة", لتضم إلى خزائنهم "المقدسة". وقد نسوا أن العملة اليهودية لا تقوى على تقديس الجيوب والخزائن التي دنستها أموال الظلم. فليس من المهم أن تكون العملة يهودية أو أممية, بل يجب أن تكون مزكاة نقية.

إن وجود هؤلاء الأشخاص وهذه الأشياء في مكان قريب من الهيكل, شئ, ووجودها داخل الهيكل شئ آخر. ولم يدخلها إلى الهيكل سوى جشع رؤساء الكهنة, الذي كان يختبئ تحت ستار حبهم المصطنع في إراحة الحجاج - وما أقبح الشر إذا كان مموهاً بطلاء من الصلاح الباطل. هذا أشرّ شر, هذا هو الخطية خاطئة. على أن قبح هذه الخطية ينكشف لنا متى ذكرنا أن رؤساء الكهنة كانوا يبيعون تلك الحيوانات وهم عالمون أنها ستعود إليهم ربحاً حلالاً بعد الذبح. هذا ربح خبيث لأنه مركب - فائدته مائة في المائة - هذا هو الخسران المبين.

عدد 15 و 16: المسيح يطرد الجميع بسوط من حبال: رأى المسيح هذا المنظر, وسمع الضوضاء التي تحدثها عادة أصوات الحيوانات المختلفة, تمازجها أصوت البائعين والمشترين, ويتخللها رنين الفضة والذهب, فهاله ما رأى وما سمع, وانبعث من عمق قلبه, غيرته المتقدة على هيكله, الذي كان يحب أن يكون مرفأً هادئاً للنفس تلجأ إليه كلما ضج العالم حولها, "فصنع سوطاً من حبال" - والكلمة الأصلية هي نفس الكلمة العربية الدارجة "فرقلة" التي يستعملها الحارث المصري إلى اليوم - وقد كانت في يد المسيح رمزاً بَقَراً وَغَنَماً وَحَمَاماً وَالصَّيَارِفَ جُلُوساً. 15فَصَنَعَ سَوْطاً مِنْ حِبَالٍ وَطَرَدَ الْجَمِيعَ مِنَ الْهَيْكَلِ اَلْغَنَمَ وَالْبَقَرَ وَكَبَّ دَرَاهِمَ الصَّيَارِفِ وَقَلَّبَ مَوَائِدَهُمْ. 16وَقَالَ لِبَاعَةِ الْحَمَامِ: «ﭐرْفَعُوا هَذِهِ مِنْ هَهُنَا. لاَ تَجْعَلُوا بَيْتَ أَبِي بَيْتَ تِجَارَةٍ».

للسلطان لا سلاحاً مادياً. "فطرد الجميع من الهيكل: الغنم والبقر وكب دراهم الصيارف وقلبَ موائدهم". على أن غضب السيد المقدس كان مشبعاً بالحنو والرفق, لأنه أشفق على الحمام الوديع الهادئ, واكتفى بأن قال للباعة: "ارفعوا هذه من هاهنا. ولا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة". وفد نعجب إذ نرى أن هذا الجمع الحاشد المدفوع بحب المادة لم يقو على الوقوف أمام المسيح. لكن تعجبنا يزول متى ذكرنا سلطان المسيح الذي كان يحف به وجبن مرتكبي الخطايا. إن للحق صولة لا يقوى الباطل على مواجهتها مهما كثر رجاله. وإن الضمير يصيّر جميع الخطاة جبناء.

عدد 17. ثالثاً: تأثير حادثة تطهير الهيكل 2: 17-22 .

(ا) تأثير الحادثة على التلاميذ2: 17 و22 (ب) تأثيرها على اليهود 2: 18-21.

(ا) تأثير الحادثة على التلاميذ: "فتذكر تلاميذه" وردت الكلمة "تذكر" في عدد 17 و22. في أولهما ترينا تأثر التلاميذ من عمل المسيح. وفي الثاني ترينا تأثرهم من كلام المسيح. في الحالة الأولى تذكروا كلمة تنبأ بها نبي قديم عن المسيح. وفي الثانية تذكروا كلمة قالها المسيح عن نفسه فآمنوا. ولا يفوتنا أن نذكر أن إيمان التلاميذ بالمسيح وبكلامه كان يتدرج

17فَتَذَكَّرَ تلاَمِيذُهُ أَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «غَيْرَةُ بَيْتِكَ أَكَلَتْنِي».18فَسَأَلَهُ الْيَهُودُ:

وينمو من حال إلى حال أفضل. وقد أرانا يوحنا البشير في مواضع كثيرة أن التلاميذ لم يفهموا أقوال المسيح إلا بعد مرور وقت على النطق بها ( يو 7: 39 و12: 33 و21: 19). على أن تفّهم التلاميذ لكلام المسيح كان ينمو ويتزايد كلما ازدادوا تعرفاً بشخصه.

عدد 18. (ب) تأثير حادثة تطهير الهيكل على اليهود 2: 18 – 21.

تنزل الأمطار على الأرض المخصبة فتزيدها غنى وخصباً, وعلى الأرض المحجرة تزيدها صلابة وتحجراً. كذلك أعمال المسيح بوجه عام, وحادثة تطهير الهيكل بنوع خاص. حادثة واحدة شهدها التلاميذ فزادتهم إيماناً بفاديهم, وشهدها اليهود فكانت مثيرة لشكوكهم الكامنة. "فأجاب اليهود وقالوا له: "أية آية ترينا حتى تفعل هذا". يراد "باليهود" هنا – وفي أغلب المواضع في هذه البشارة – أصحاب السلطة الكهنوتية القيمين على الهيكل وسائر الترتيبات اليهودية الطقسية, وقد نصبوا أنفسهم لمناوأة المسيح. رأى أولئك اليهود أن المسيح, بتطهيره الهيكل, قد اتخذ لنفسه حق "مسيا" الذي تنبأ عنه ملاخي (ملا 3: 1) "ويأتي بغتة السيد إلى هيكله" فطلبوا منه آية يثبت بها مسيحيته.

«أَيَّةَ آيَةٍ تُرِينَا حَتَّى تَفْعَلَ هَذَا؟» 19أَجَابَ يَسُوعُ: «ﭐنْقُضُوا هَذَا الْهَيْكَلَ

عدد 19. جواب المسيح: "أجاب يسوع وقال لهم". لم يرفض المسيح طلبهم, بل أجابهم على الفور, جواباً كالبرق الخاطف فبهرت عيونهم عن أن ترى حقيقة مرماه, إذ استعمل شيئاً من "التورية" – وهي

استعمال كلمة واحدة تحتمل معنيين فأكثر. إذ قال لهم: "انقضوا هذا الهيكل, وفي ثلاثة أيام أقيمه", قاصداً بجوابه هذا أن يريهم أن أقوى آية لمسيحيته هي آية صلبه وقيامته. ومن الغريب أن الكلمتين اللتين استعملها المسيح "انقضوا", "وأقيمه" تستعملان عادة للهيكل المبني بالأحجار, ولهيكل الجسد سواء بسواء (2 كو 5: 1, رو 4: 25). وفي الواقع, ليس من السهل أن يصل المرء بين الاثنين – فكلاهما مرتبط بالآخر تمام الارتباط. لأن نقض هيكل اليهود كان نتيجة صلبهم المسيح. ويؤيد هذا قول دانيال النبي (دانيال 9: 24 – 26) كذلك إقامة جسد المسيح مرتبطة تمام الارتباط بإقامة هيكل جديد غير الهيكل الذي بناه سليمان ورممه زربابل, وأعاد بناءه هيرودس. فنقض جسد المسيح هو نقض الهيكل ولكن بصورة أخرى, ولم تتوسط بين الحادثتين سوى مدة يسيرة, أمست الأمة اليهودية في أثنائها جثة تحوم فوقها النسور (مت 24: 28 ولو 17: 38).

إن نظرة إجمالية إلى جواب المسيح ترينا أنه يقع ي شطرين – يحمل كل منها معنى رمزياً: "انقضوا" – وفيه رمز إلى طبيعة خدمتهم – خدمة هدم, وقتل. وشطره الثاني عائد على نفسه: "وأنا أقيمه" وفيه رمز إلى طبيعة خدمته – خدمة بناء, وإحياء.

وَفِي ثلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ». 20فَقَالَ الْيَهُودُ: «فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً بُنِيَ هَذَا الْهَيْكَلُ أَفَأَنْتَ فِي ثلاَثَةِ أَيَّامٍ تُقِيمُهُ؟» 21وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَقُولُ عَنْ

عدد 20 رد اليهود: "فقال اليهود ... " كان اليهود ماديين فلم يفهموا من كلامه سوى معناه المادي – كذلك كانت عادتهم في كل ظرف آخر. فلما حادثهم عن خبز الحياة ظنوه يكلمهم عن الخبز المادي. وقد لازمهم عدم

فهمهم لكلام المسيح حتى ساعة صلبه, فحاكوا من كلامه هنا خيوط شكوى وهمية قدموها ضده وقتئذ (مت 26: 61 ومر 14: 57 و58).

عدد 21 و22. كلمة تفسيرية: إن عدم فهمهم لكلامه قد أثار فيهم احتجاجاً ينم عن تصديق, يمازجه شيء من السخرية: "في ست وأربعين سنة". كانوا هم يقصدون الهيكل الذي أعاد بناءه هيرودس. "وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده".

ومن المؤسف أيضاً أن التلاميذ أنفسهم – وقد كانوا إلى الآن جسدين وغير ممتلئين من الروح القدس – لم يفهموا قصد المسيح من كلامه هذا إلا بعد قيامته من الأموات. "لأن الروح القدس لم يكن قد أعطى بعد, لأن يسوع لم يكن قد مجد بعد". ولأن الحقائق لا ترى كما هي إلا في نور إتمامها.


(1) لزيادة الإيضاح اطلب "شرح بشارة لوقا" صفحة 497 – 499 للمؤلف.

  • عدد الزيارات: 5522