Skip to main content

كاتب الرسالة

1بُولُسُ، رَسُولُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بِمَشِيئَةِ اللهِ،

الكاتب يصف نفسه وصفاً مثلثاً:

(1)اسمه "بولس"- وهي كلمة يونانية الأصل, معناها"صغير".

لأول مرة حدثنا لوقا في أعمال 13: 9 أن رسول الأمم عُرف بهذا الاسم بعد تجديده ورجوعه إلى المسيح. وقد كان قبلاً معروفاً باسم: "شاول"- ومعناه "المطلوب" أو "المرغوب فيه". وشتان بين الاسمين. فالاسم القديم يحيطه الزهو, وتحف به الخيلاء. والاسم الجديد مشتق من معدن البساطة والوداعة.

وإذا ذكرنا أن شاول الطرسوسي عُرف باسم "بولس", بُعَيد اهتداء الوالي سرجيوس بولس, الذي قبل الإيمان على يديه (أعمال13: 5-7), جاز لنا أن نستنتج أن بولس الرسول, تقلد اسم أول رجل تجدد على يديه, على مثال ما يتم للفاتحين الظلفرين الذين تُخلع عليهم أسماء المواقع الحربية الحصينة التي يظفرون فيها. يضاف إلى هذا, أن بولس الرسول, بعد أن تجدد ورجع إلى المسيح, تعين عليه أن يحمل اسم المسيح أمام أمم وملوك, فصار من المحتم عليه, والحالة هذه, أن يجتاز مقاطعات وبلاداً يونانية. وبما أن اسمه الأول "شاول" عبري الأصل, فقد أضحى لزاماً عليه, أن يحمل اسماً يونانياً, يتفق والمزايا اليونانية والرومانية التي حصل عليها, فلم ترَ أنسب من اسم "بولس" الذي يذكّره باسم أول رجل اهتدى على يديه.

ويغلب على اعتقاد الأسقف موليه, أن الرسول بولس كان يحمل اسمين منذ الطفولة- أحدهما: "شاول" العبري لغة, لأن الرسول يهودي الأصل والمولد. وثانيهما: "بولس" اليوناني لغة, لأن الرسول يوناني الثقافة. فلما تجدد وأضحى رسولاً للأمم, اُبتلع اسمه اليهودي في اسمه اليوناني, فأصبح معروفاً بثانيهما وحده, فاختفى الطرسوسي شاول في بولس الرسول.

وجدير بالملاحظة أن بولس, في هذه الرسالة وفي رسالته إلى رومية لم يقرن اسماً أخر باسمه- على غير عادته في رسائله الموجهة إلى سائر الكنائس. وغالباً جداً, يرجع السبب في هذا, إلى أن هذه الرسالة عامة في موضوعها, موجهة إلى كنائس أخرى علاوة على أفسس. (ارجع إلى المقدمة العامة).

(2) وظيفته: "رسول يسوع المسيح". كلمة "رسول" تعني إطلاقاً: الشخص المكلف بمهمة ورسالة. ويُفترض فيها أن المرسل أجلّ قدراً من الرسول. وفي هذا يقول المسيح "ليس رسول أعظم من مرسله" (يو13: 16). لكنها استعملت هنا على وجه التخصيص, لتعني واحداً من طبقة ممتازة, منتقاة, مؤلفة من اثني عشر رجلاً, اختارهم المسيح, ودعاهم, وأرسلهم ليكونوا شهود عيان لقيامته, وليحملوا اسمه ورسالة إنجيله إلى البشر وكلهم عاين المسيح بعد قيامته بالجسد. إلا يهوذا الأسخريوطي الذي سقطت راية الشرف من يده.

إن قوله: "رسول يسوع المسيح" يفيد أن بولس نرسل من المسيح, وهو تابع له, ومملوك منه, بل إن المسيح هو علة رسوليته وغايتها, وموضوعها. ولا شك في أن انتساب بولس الرسول إلى المسيح يسبغ على رسالته سلطة, ورفعة, ووداعة. فهو رسول ملك الملوك ورب الأرباب, وفي الوقت نفسه هو رسول ذاك الذي قال عن نفسه: "لأني وديع ومتواضع القلب".

ويجمل بنا أن نقارن بين الصفة التي تقدم بها بولس إلى قارئيه في هذه الرسالة, والصفات التي تقدم بها إلى قارئيه في بعض رسائله الأخرى:

في رسالتيه الأولى والثانية إلى تسالونيكي قال: "بولس"

وفي رسالته إلى رومية قال: "بولس عبد يسوع المسيح"

وفي رسالته الأولى إلى كورنثوس قال: "بولس المدعو رسولاً ليسوع المسيح"

وفي مطلع رسالته الثانية إلى كورنثوس قال: "بولس رسول يسوع المسيح"

وفي بدء رسالته إلى غلاطية قال: "بولس رسول لا من الناس ولا بإنسان"

وفي مقدمة رسالته إلى فيليبي قال: "بولس عبد يسوع المسيح"

وفي غرة رسالته إلى تيطس قال: "بولس عبد الله ورسول يسوع المسيح"

وافتتح رسالته إلى فليمون بقوله: "بولس أسير يسوع المسيح"

من هذه المقابلات يتضح لنا, أن بولس عندما كان يبعث برسالة إلى أناس لا يشكون في سلطان رسوليته, كان يكتفي في الديباجة بذكر اسمه مجدداً عن كل لقب, أو يكتفي بأن يتسربل بثوب "العبد ليسوع المسيح"- كما في رسائله إلى تسالونيكي, وفيليبي, وفيليمون. ولكنه في مخاطبة الكنائس التي كانت فيها رسوليته موضع شك أو جدل أو منازعة كان يحرص على تعزيز سلطان رسوليته, ضناً منه بكرامو خدمته لا بكرامة شخصه- كما في رسالتيه إلى غلاطية ورومية. ولكن في رسالته التي نحن بصددها الآن, وفي رسائله إلى كورنثوس وكولوسي, اتخذ موقفاً وسطاً وليس بخافٍ أن لاختبارات بولس الشخصية شأناً يذكر في هذا الباب.

هذا هو بولس الذي قال عن نفسه "إنه كان مضطهد الكنيسة", و"أول الخطاة" و"ليس مستحقاً أن يدعى رسول المسيح", لكنه "رُحم لأنه فعل بجهل في عدم إيمان".

على أنه من الجائز أن يعتبر كل مؤمن رسولاً بمعنى عام فلكل مؤمن رسالة يؤديها في حياته, ما دامت حياته مرتّبة بحكمة سامية, لقصد سام.

(3) السلطان الذي تقلد به وظيفته: "بمشيئة الله". لم يتقلد مهام رسالته من الرسل الذين قبله, ولا من الكنيسة, ولا من بشر, ولا بحكم أي نظام بشري, ولا عن تطفل منه, أو حماس شخصي, ولا عن مجرد رغبة منه في خلاص البشر, لكنه تسلم مقاليدها من المسيح نفسه وبمحض مشيئته العلوية. ولئن كانت كنيسة أنطاكية قد أفرزته للتبشير, إلا أنه كان قد دعي قبلاً إلى هذا العمل, فقال الروح القدس: "افرزوا لي برنابا وشاول (بولس) للعمل الذي دعوتهما إليه" (أعمال13: 2). هذا واضح غاية الوضوح في رسالة أخرى كتبت مع هذه الرسالة- هي رسالة غلاطية إذ يقول "لما سر الله الذي أفرزني من بطن أمي ودعاني بنعمته, أن يعلن ابنه فيّ لأبشر به بين الأمم, للوقت لم أستشر لحماً ودماً, ولا صعدت إلى الرسل الذين قبلي ... فإن الذي عمل في بطرس لرسالة الختان عمل فيّ أيضاً للأمم". (غلاطية1: 15-20 و2: 6-8).

هذا هو بولس الذي اختاره المسيح, ودعاه لوظيفة الرسولية وشرفه بأن وضعه في رأس قائمة الرسل, مع أنه قد رضى تنازلاً منه, أن يضع نفسه في رأس قائمة الخطاة (1تي1: 15), وفي ذيل قائمة القديسين (أفسس3: 8), وفي مؤخرة صفوف الرسل (1كو15: 9).

لا مشاحة في أن بولس كان واثقاً من المشيئة السماوية التي قلدته أعباء هذه الخدمة, وكان على اتصال وثيق بهذه المشيئة, يصغي لصوتها ويستمع لدقات ساعتها, وهو شاعر على استمرار بأنه ليس شيئاً في ذاته, لأنه ليس عائشاً لذاته, وأنه متمتع بسلطان المسيح الذي افتداه, وهداه, وأرسله. فهو بذلك في حرز حريز من كل الهجمات البشرية, عزيز إذا أُريد له الذل, كريم إذا أُريد له الضيم, آمن مطمئن إذا أريد به الشر, لأنه متمم مشيئة الله. لا تلويه عن قصده تجربة وإن دقت, ولا تقف في سبيله عقبة وإن جلت, لأنه متمم مشيئة الله. وكذلك شأن كل مؤمن يجدّ في إتمام مشيئة الله في حياته.

  • عدد الزيارات: 4260