Skip to main content

المرسل إليهم

إِلَى الْقِدِّيسِينَ الَّذِينَ فِي أَفَسُسَ، وَالْمُؤْمِنِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.

الكاتب يصف المكتوب إليهم وصفاً مثلثاً:

(1): "القديسين". (2) مكانهم: "أفسس". (3) مقامهم: "المؤمنين في المسيح يسوع".

إن كلمة: "القديسين" والعبارة التي بعدها: "المؤمنين في المسيح يسوع" لا تصفان صنفين من الناس, بل تعنيان فريقاً واحداً, فهما وصفان متكاملان لجماعة واحدة. فقوله: "قديسين", يصف المرسل إليهم في سمو دعوتهم. وقوله: "مؤمنين في المسيح يسوع", يصفهم في متانة مركزهم ورفعة مقامهم. الكلمة الأولى تصفهم في موقفهم بالنسبة للعالم الذي اُفرزوا منه, ووقفوا أنفسهم لله ولخدمته. والكلمة الثانية تصفهم في موقفهم بالنسبة للمسيح الذي به يثقون, وفيه يقومون, وله يخلصون ويوالون فالمسيح موضوع إيمانهم, وغاية ولائهم, ومستودع أمانتهم.

"قديسين"- أُستعملت هذه الكلمة في العهد القديم لتصف حالة خارجية, ولطالما أُطلقت على الناس والجماد. ومعناها: "المفرز لقصد أو لشخص معين". وفيها معنى من معاني "التحريم". فالشيء متى خُصص لغرض ما, حُرم استعماله لغير ما أُفرز له. فأواني الهيكل كانت مقدسة منذ الوقت الذي اُفرزت فيه لخدمة الهيكل, فصار من المحرم استعمالها لغير الهيكل والسبت "المقدس" لأنه يوم الرب, وجبل صهيون "مقدس", لأنه جبل قدس الرب. والأنبياء " مقدسون" لأنهم رجال اله. لكن كلمة: "قديسين" أُستعملت في العهد الجديد بمعنى إيجابي. فإذا كانت في العهد القديم تعني اعتزال الإنسان العالم, فهي في العهد الجديد تعني وقف الإنسان نفسه لله. وفي العهد القديم تعني الانفصال عن, وفي العهد الجديد تعني الامتلاء من. في العهد القديم تفيد التطهير الخارجي الطقسي, وفي العهد الجديد تعني القداسة الداخلية الروحية, القائمة بحلول المسيح في قلب المؤمن بروحه الأقدس, وتقديس القلب من كل أدران الخطية بنار الروح المطهر. وقد أجمل بولس هذه الحقائق في قوله: "كيف رجعتم إلى الله من الأوثان لتعبدوا الله الحيّ الحقيقي" (1تس1: 9).

إن كلمة "قديسين" كما وردت في العهد الجديد, ليست منحصرة في طغمة خاصة من المؤمنين, لكنها تعني جميع المؤمنين على وجه التعميم. فهي مرادفة لكلمة مسيحيين. وفي هذا يقول يوحنا فم الذهب: بإطلاعنا على ما جاء في 5: 22, 6: 1 و2 من هذه الرسالة, يتضح لنا أن القديسين المعنيين هنا, هم مسيحيون يشاطرون سائر البشر حياتهم العملية- فمنهم الأزواج والزوجات والسادة والعبيد.

(2) مقامهم: "المؤمنين في المسيح يسوع". الكلمة المترجمة "مؤمنين" معناها في اللغة اليونانية القديمة (الكلاسيك): "الأمناء", أو "الذين يركن إليهم", وقد استعملت في لغة العهد الجديد بمعنى "الواثقين", و" الممتلئين إيماناً", كما في يوحنا20: 27 "ولا تكن غير مؤمن بل مؤمناً", وغلاطية3: 9 "إبراهيم المؤمن", وكولوسي1: 2 "الإخوة المؤمنين", و1 بطرس1: 21 "أنتم الذين به تؤمنون بالله". و(1تي4: 3) "المؤمنين وعارفي الحق".

ويستفاد من إيراد العبارة: "في المسيح يسوع" بعد كلمة "المؤمنين", أن المسيح هو موضوع إيمانهم. وقد ذكرت كلمة "في" للدلالة على ما بين المؤمنين والمسيح من اتحاد حيوي وثيق, في روح واحد. فهو ليس فقط موضوع إيمانهم, بل هو أيضاً حياة إيمانهم, وقوامه. فهو لهم بمثابة الكرامة للأغصان. وليسوا هم مجرد مؤمنين بالمسيح أو عن المسيح لكنهم مؤمنون فيه.

(3) مكانهم: "في أفسس".

إن قوله: "في المسيح يسوع" يصف المؤمنين في مقامهم, وقوله "في أفسس", يصفهم في مكانهم. ومتى ذكرنا ما كانت عليه أفسس من شر وفساد, تحققنا أن وجود مؤمنين في تلك البيئة الموبوءة, ليس سوى معجزة من معجزات النعمة المجانية. لأن وجود مؤمنين في أفسس يعد بمثابة وجود وردة بيضاء في محيط أغبر, أو جذوة من النار في قلب البحر, أو بنفسجة نابتة في قلب صخر.

إن الوصفين: "قديسين", "ومؤمنين في المسيح يسوع" لا يصفان حالة كمال معينة في المؤمنين, بل يصفان كل مسيحي مخلص في إيمانه بالمسيح, فإن لم يكن المسيحي ذلك, وجب أن يكون كذلك.

  • عدد الزيارات: 3720