التحية
2نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.
تأتي التحية التي يوجهها بولس في العدد 2 من الرسالة:
(1) مشتملاتها: "نعمة وسلام"
في هذه التحية الرسولية الجامعة, التقت تحية الأمم بتحية اليهود.
"فالنعمة" هي التحية اليونانية. و"السلام" هو التحية اليهودية.
كلمة "نعمة" تعني الجمال وقد كان من الطبيعي أن يتخذ اليونانيون هذه
الكلمة تحية لهم, لأنهم كانوا عائشين في أرض الجمال, ويتكلمون بلغة الجمال, ويعبدون آلهة الجمال. فالفضيلة عندهم هي الجمال.
لكن النعمة المسيحية هي الجمال الروحي, الذي خلعه الله على البشر, إذ أحبهم وأسبغ عليهم أجمل نعمة وأجلّها في شخص المسيح الذي هو أبرع جمالاً من بني البشر, وهو "يجمّل الودعاء بالخلاص".
اهتم اليونان بجمال الجسد, فاستحال جمالهم قبحاً. لكن المسيحية اهتمت أولاً بجمال النفس الذي يشعّ منها على الجسد, فيكسبه بهاء وجلالاً.
والنعمة تختلف عن المحبة, في أن المحبة قد تتخذ اتجاهاً واحداً من ثلاثة- من الأعلى إلى الأدنى, أو من الند إلى الند, أو من الأدنى إلى الأعلى. لكن النعمة لا تعرف إلا اتجاهاً واحداً- من الأعلى إلى الأدنى. والمحبة قد تكون مجرد عاطفة تذهب هباء, لكن النعمة عاطفة محملّة خيرات فهي دائماً عامرة القلب مليئة اليدين. وهي تختلف عن الأجرة, في أن الأجرة تعطى لمستحقيها. لكن النعمة توهب لغير المستحقين.
"والسلام" هو تحية اليهود. وهم يريدون به عادة الأمن الخارجي, .والتحرير من القيود السياسية. لأن أرضهم كانت- ولم تزل- مطمع الأمم القوية, ومطمعاً للقلاقل والثورات. لكن المسيحية تريد سلاماً عميقاً, روحياً, قلبياً, اشتراه المسيح بدمه الثمين- سلاماً لا تقدر الدنيا أن تنيلنا إياه, ولا تستطيع عواصفها أن تنتزعه من عواطفنا- سلاماً هو نعم الاطمئنان القلبي الذي يملك على المؤمن مشاعره, نتيجة مصالحته مع الله, وغفران خطاياه, ونصرته على تجاربه, ويقينه برجاء الخلود, على رغم ما يحيط به من صعاب وآلام, فيظل آمناً ناعم البال ولو هبت الرياح. ويتهلل مترنماً ولو كان في أعمق السجون. ويكون حرّ القلب طليقه ولو كانت يداه ورجلاه ترسف في القيود.
"نعمة وسلام"- اقتبست المسيحية هاتين التحيتين وقرنتهما معاً ثم مسحتهما بمسحتها المقدسة, وطهرتها من كل شائبة مادية أو زمنية.
"نعمة وسلام": النعمة هي رضى الله الذي يحيطنا ويغمرنا والسلام هو بركة داخلية تكون في أعماق قلوبنا كالنبع الفيّاض.
"نعمة وسلام": بمثل هذه التحية استهل بولس رسائله إلى كورنثوس, وغلاطية, وفيليبي, وكولوسي, وتسالونيكي, وفيليمون: لكنه في رسائله الرعوية قد أضاف كلمة "رحمة".
(2) مصدر التحية: "من الله أبينا والرب يسوع المسيح". مع أن الله هو أب الجنس البشري بوجه عام, إلا أنه أب للمؤمنين بنوع خاص, باعتبار كونهم متحدين بابنه يسوع المسيح, لذلك قال الرسول: "الله أبينا". فالضمير "نا" يعود على المؤمنين- وبولس الرسول واحد منهم.
إن في وضع اسم الرب يسوع جنباً إلى جنب مع اسم الله أبينا, واعتبارهما معاً مصدر نعمتنا وسلامنا, أكبر دليل على لاهوت المسيح. من أجل ذلك قال الرسول: "ربنا يسوع المسيح". ومتى ذكرنا أن كاتب هذه العبارة لم يولد في المسيحية, بل نشأ بفطرته وتربيته عدواً للمسيح والمسيحية, وكان يجد لذة خاصة في تحقير المسيح, واضطهاده تبين لنا أن شهادته من أقوى الشهادات للاهوت المسيح, لأنها من قلم عدو, والفضل ما شهدت به الأعداء. وجدير بالاعتبار أن هذه العبارة: "ربنا يسوع المسيح" لم يمهد لها الرسول بكلمة إيضاح, بل صدرت عنه عفواً, بلا جدل ولا منازعة, مثلما تنبعث الأشعة من الشمس بغير كلفة ولا مجهود. ولنا في هذا أكبر دليل على أن الاعتقاد بلاهوت المسيح, كان من المعتقدات الأساسية المسلّم بها لدى الرسل والكنيسة الأولى. ولا شك في أن الاعتقاد بلاهوت المسيح, ليس درساً يتلقنه إنسان عن إنسان, ولا هو علم يتوارثه الأحفاد عن الأجداد وإنما هو إعلان إلهي سماوي يتلقاه المؤمنون من الله رأساً. في هذا الصدد قال المسيح لبطرس "طوبى لك يا سمعان بن يونا. إن لحماً ودماً لم يعلن لك لكن أبي الذي في السموات" (مت16: 17), ويقول بولس الرسول: "ليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس" (1كو12: 3).
(3) مآل التحية: "لكم"- من هم المكتوب إليهم؟ ارجع إلى المقدمة العامة. فقد تجد فيها الجواب على هذا السؤال.
- عدد الزيارات: 9502