بركة الخلاص
عدد 13
13الَّذِي فِيهِ أَيْضاً أَنْتُمْ، إِذْ سَمِعْتُمْ كَلِمَةَ الْحَقِّ، إِنْجِيلَ خَلاَصِكُمُ، الَّذِي فِيهِ أَيْضاً إِذْ آمَنْتُمْ خُتِمْتُمْ بِرُوحِ الْمَوْعِدِ الْقُدُّوسِ،
مع أن الرسول فخور بيهوديته, التي خوّلته حقّ الأسبقية على الأمم, في لرجاء بالمسيح, إلا أنه حرص شديد الحرص, على أن لا يغمط الأمم حقهم في المسيح. فما كاد يفرغ من كلامه عن المؤمنين من اليهود, الذين "سبق رجاءهم في المسيح", حتى انتقل حالاً إلى الأممين الذين لهم أيضاً في المسيح رجاء حي, فسرعان ما تكلم عن "نحن" حتى انتقل إلى "أنتم أيضاً" إنَّ في هذا استدراكاً بليغاً لما كان يمكن أن يتبادر إلى أذهان بعض اليهود, فيحسبوا أنفسهم أصحاب الحق الأوحد في المسيح, فيحتكروه لأنفسهم. وفي هذا أيضاً خير تشجيع للأمم: مخافة أن يتوهموا أن لاحق لهم في المسيح, فيحتقروا أنفسهم ويظلموها. فقال الرسول,موجهاً الخطاب إلى المؤمنين من الأمم: "الذي يه أيضاً أنتم ذ سمعتم كلمة الحق إنجيل خلاصكم".
إن الفرصة التي أتيحت للأمم ليسمعوا فيها كلمة الإنجيل, أضحت لكثيرين منهم مصدر خير وبركة, لأنها آلت إلى خلاصهم لذلك استحالت لهم "كلمة الحق" إلى "إنجيل خلاصهم". فهم بشروا أولاً, ثم سمعوا, فصدّقوا, فقبلوا, فختموا.
عبر الرسول عن البشارة التي سمعها الأمم, بكلمتين – أولاهما: "كلمة الحق", وثانيهما: "إنجيل خلاصكم". فالأولى تعبر عن البشارة في جوهرها, ومضمونها, ومصدرها "كلمة الحق". فهي تتضمن "الحق, وكل الحق, ولا شيء إلا الحق" وهي صادرة عن الإله الحق, كما أنها تحدثنا عن المسيح الذي هو "الطريق, والحق, والحياة". وفي الغالب لقبها الرسول بـ "كلمة الحق" مقابل طقوس العهد القديم, ورموزه, وخرافات اليونان وأساطيرهم. فالعهد القديم الذي أُؤتمن اليهود عليه, يتضمن رمز الحق, وظلال الحق, لكن العهد الجديد يتضمن جوهر الحق وقلب الحق. والكلمة الثانية "لإنجيل خلاصكم" – تشير إلى البشارة في غايتها, وثمرها, ونتيجتها الفعالة – لأنها تعلن الخلاص وتقدمه للناس, وهي أيضاً تؤدي بهم إلى الخلاص إذا هم صدَّقوا وآمنوا: "لست أستحي بإنجيل المسيح لأنه قوة الله للخلاص لكل من يؤمن" (رومية 1: 16).
والحقيقة المشتركة في هذين الإسمين, هي – أن هذا الحق الذي تتضمنه كلمة البشارة هو "الحق الخلاصي", الذي ينبئنا بأن الله موجود, وأنه محب, وأنه تجسد في المسيح لكي يصالحنا لنفسه (1 كورنثوس 5: 19). وقد وصف الرسول هذا الإنجيل بقوله "كلمة", لأن الإنجيل يحمل رسالة مقولة ومسموعة وموّحدة القصد والمرمى. وقال فيه أيضاً: "إنجيل", لأنه يحوي بشارة مفرحة. ولاشك في أن بشرى الخلاص, هي أبهج خبر يزَف إلى الإنسان الغارق في لج الخطايا, سواء أسمع الإنسان رسالة الإنجيل بأذنه, أم قرأها بنظره, وتدبرها بفكره, فمن المحقق أن هذه الرسالة ليست من إيحاآت الإنسان ولا هي وليدة تصوراته الداخلية, وإنما هي صادرة عن مصدر خارجي.
- عدد الزيارات: 3671