Skip to main content

قصد الله

عدد 7:

7لِيُظْهِرَ فِي الدُّهُورِ الآتِيَةِ غِنَى نِعْمَتِهِ الْفَائِقَ بِاللُّطْفِ عَلَيْنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.

قصد الله من عمل نعمته, ووقت إعلان هذا القصد, "ليظهر في الدهور الآتية غنى نعمته الفائق".

(أ) قصد الله من عمل نعمته: "ليظهر... غنى نعمته الفائق". لقد أحيانا الله وقدسنا, لا لأننا نستحق شيئاً من هذا, ولا لأننا قمنا من جانبنا بمجهود في هذا السبيل, بل لإظهار غنى نعمته المجانية. وكما أبان الرسول في الأصحاح الأول, أن الله اختارنا "لمدح مجد نعمته" (1: 6), أظهر أيضاً في الأصحاح الثاني, أن الله خلّصنا وأحيانا "ليظهر غنى نعمته الفائق باللطف علينا".

(ب)وقت إعلان هذا القصد: "في الدهور الآتية". يراد ب"الدهور الآتية" العصور والحقب المتعاقبة التي تشهد تقدم ملكوت المسيح ورفع لوائه لا في هذا الدهر فقط بل في الأجيال العتيدة: "الآن وإلى كل الدهور". وليس من شك في أن "ملك الدهور وحده" هو العليم بما تتضمنه هذه العبارة من معان دفينة, يستتر جلها وراء حجب المستقبل الكثيفة. فمع أن الباعث لإله النعمة على عمل نعمته, هو لطفه علينا, إلا أن عمل نعمته ليس مقصوراً علينا. لكنه ذات صلة وثيقة بملائكة, ورؤساء في الدهور الآتية. وليس هو وقفاً على عصر معين لكنه يمتد إلى الدهور الآتية. هذا دليل على أنه عمل حيّ, فعَّال, دائم. وهل نستحق نحن البشر الساقطين أن نكون موضوع إعجاب الملائكة وتعجبهم "عند استعلان أبناء الله" (رومية 8: 19)؟

حقاً إن السموات تحدّث بمجد الله,والفلك يخبر بعمل يديه, وأن "أمور الله غير المنظورة تُرى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته" لكن جلال نعمته الفائقة, لا يُرى ظاهراً جلياً إلا في أشخاص المفديين الذين كانوا عمياناً فاستنيروا, وظلاماً فأناروا. هذه هي "اللوحة الحية" المتحركة التي يُستعرض عليها جلال نعمة الله الفائقة باللطف علينا. بقدر ما تعتبر هذه الحقيقة معظمة لله, ومظهرة جلال نعمته, نراها في الوقت نفسه, مظهرة ضعة الإنسان وحقارته, ومذكرة إياه على الدوام "بالنُّقرة" التي منها أخذ, والصخرة التي منها اقتُطع. وكأن الله يقول باستمرار للبشر "ليس من أجلكم وحدكم قد عملت هذا بل من أجل اسمي الذي دعي عليكم ولأجل مجدي" ..."وكرامتي لا أعطيها لآخر".

(ج)صلة هذا القصد بالإنسان: "باللطف علينا". الكلمة الأصلية المترجمة "لطف" تعني حرفياً "التأهب لإغاثة الملهوف". وقد استعملت وصفاً لنعمة الله المترفقة بنا نحن الجهال, السريعة الخطى إلى المغفرة والصفح. وردت في لوقا 6: 35 وصفاً لجودة الله "المنعم على غير الشاكرين والأشرار" وجاءت في رومية 2: 4 مقترنة "بإمهال الله وطول أناته", وفي رومية 11: 22 مضادة لشدة الله وصرامته. وفي تيطس 3: 4 مرتبطة بإحسان الله ولطفه.

يراد بقوله: "في المسيح يسوع" أن المسيح كان بحياته, وأعماله, وكلماته, ومماته, خير مترجم لنا عن لطف الله نحونا. هذا فضل شهدت به الأعداد: "هذا يقبل خطاة ويأكل معهم" (لوقا 15: 1), "انظروا كيف كان يحبه" (يوحنا 11: 36). نعم إن لطف الله نحو البشر ظهر في الطبيعة, وما أعده الله فيها للإنسان من أسباب التمتع, إلا أن الطبيعة مشوبة بشيء غير قليل من الأمور القاسية التي لا نفهم لها قصداً خيرّاً –كالزلازل والبراكين. وظهر لطف الله أيضاً على لوحة العناية الإلهية التي تُلمَّ بكل شاردة وواردة في حياة الإنسان, لكننا كثيراً ما نرى على لوحة العناية أعمالاً نقف دونها حيارى –كآلام الطفولة البريئة, والمجاعات. لكننا نرى في حياة المسيح وموته عنا لطفاً لا تشوبه قسوة, ومحبة لا يتطرق إليها ظل من الفتور أو التغاضي, وتفانياً لا يعرف الوهن إليه باباً.

  • عدد الزيارات: 3360