أسلوب عمل إله النعمة
(2: 8- 10)
عدد 8:
8لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ.
-أ-علة خلاصنا- النعمة: "لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان. وذلك ليس منكم هو عطية الله". هذا تقرير وتوكيد وتوضيح لما ذكره الرسول عرضاً في العدد الخامس. فأوضح هنا عقيدة الخلاص بالنعمة إيضاحاً ليس بعده من مزيد. ولئن كان قد سبق فكتب عن هذه الحقيقة بجلاء في رسالتي رومية وفيلبي (رومية 3: 27و 4: 25, في 3: 2- 9) إلا أن كتابته عنها في هذا العدد, أجلى وأوضح. فقد أبان بجلاء لا يأتيه الشك من إحدى نواحيه, إن عملية الخلاص كلها من عمل النعمة وحدها. فهي تبدأ بالنعمة, وتسير بالنعمة, وتُتوّج بالنعمة.فقد شاءت المسرة الإلهية أن لا تترك مجالاً للإنسان في عملية الفداء, لكي يعود كل المجد على الله وحده, كيلا يفتخر أمامه جسد ما. هذه الحقيقة قررها المسيح حين قال على الصليب: "قد أكمل", فالوليمة السماوية أعدت من جانب الله, وما على الإنسان إلا أن يقبل الدعوة, ويتمتع بأفخر أطايب الوليمة –هذا القبول يعبّر عنه بالإيمان. لذلك يقول الرسول: "بالنعمة أنتم مخلصون بالإيمان". فالنعمة هي العامل الأساسي, والإيمان هو العامل الثانوي.
-ب-وسيلة قبولنا الخلاص: الإيمان. لئلا يخطر ببال أحد أن للإنسان فضلاً في إيمانه, فيتخذ منه أداة للفخر ويبني على أساسه صرحاً للبر الذاتي, عمل الرسول على هدم هذا الصرح من أساسه فقال. "وذلك –أي الإيمان- ليس منكم. هو عطية الله". وهل من فضل لمتسول يمد يده ليقبل العطية التي يجود بها عليه محسن كريم؟ ومع ذلك, فإذا جاز للمتسول أن يفخر بيده الممدودة لتناول الإحسان, فلا يجوز قطعاً لإنسان مفتدى بالدم الكريم, أن يفتخر بإيمانه, لأن "الإيمان ليس منه. هو عطية الله". ويمكننا أن نتحقق ذلك جيداً, متى ذكرنا أن الخلاص مقدم للإنسان وهو ميت بالذنوب والخطايا, وأنىّ لميت أن يحرك يداً أو أن يظهر استعداداً وقابلية؟! على إتمام إرادته الصالحة: "لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا...من أجل المسرة" (اطلب 2كو 4: 13, فيلبي 2: 13). ولعل الإيمان عنصر من العناصر المكملة للتوبة الحقيقية التي تقوم بتغيير فكر الإنسان فيرفض إرادته الذاتية ويعتنق إرادة الله من جهته (أعمال 5: 31, 2تي 2: 25).
يعتقد بعض المفسرين –وبينهم كلفن- أن كلمة: "وذلك" تعود على كل الجملة التي بها يبدأ هذا العدد: "لأنكم بالنعمة مخلَّصون", لا على كلمة: "الإيمان" وحدها. والظاهر أن وضع العبارة في اللغة الأصلية يجيز لنا أن نحسبها وصفاً للإيمان أو للخلاص. وعلى كلٍ, فجوهر المعنى في كلا الحالين واحد (قارن هذا بما جاء في رومية 3: 27و 28, 4: 14- 16).
عدد 9:
9لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ.
-ج-غاية خلاصنا- تمجيد الله وحده "ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد". هذا صدى الصوت القوي الذي رفعه بولس عالياً في العدد السابق, وهو قرار الأنشودة التي تغنى بها الرسول في رسالتي رومية (ص 4) وغلاطية (ص 3), فأبان الرسول في هذا العدد, أن الإيمان الخلاصي, أو الخلاص بما فيه الإيمان, ليس ثمرة مجهود بشري, ولا هو أجرة على عمل أتاه الإنسان أو سيأتيه, وإلا كان سبباً للفخر, وداعياً للارتكان على عكاز الاستحقاق الذاتي –بذلك تبطل النعمة, لأن الإنسان لم يعد بعد في حاجة إليها, فتنعكس الآية ويتمجد الإنسان, وينسى إله النعم والخيرات. من أجل ذلك أراد الرسول أن ينتزع هذا الوهم انتزاعاً, فبين حقيقة الحال, إذ قال: "ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد" (قابل هذا بما جاء في رومية 3: 27, 1كو1: 29, 74, غلاطية 6: 14 وفيلبي 3: 3). وفي هذه الأمور مجتمعة معاً, تتجلى لنا غيرة الرسول المتقدة على مجد الله, وجلال نعمته, كيلا يرتفع رأس في حضرة الله, ولكي تكون أنشودة كل إنسان مكونة من مقطعين –أحدهما "لست مستحقاً" وثانيهما: "مستحق أنت".
- عدد الزيارات: 5234