Skip to main content

تنوّع المواهب ووحدة الغاية

(4: 16-11)

بعد أن عالج الرسول ذلك الاقتباس المأخوذ من سفر المزامير، الذي يعتبر إنجيلاً مركّزاً، شاهداً بكلمات قوية موجزة، لصلب المسيح وآلامه، وموته، ودفنه، قيامه، وصعوده، وإرساله الروح القدس، عاد إلى كلامه الذي تركه في العدد الثامن، مستأنفاً الحديث عن تنوّع هبات المسيح الملك الظافر.

ينقسم هذا الفصل إلى أربعة أقسام رئيسية:

أولاً تنوّع هذه المواهب (4: 11):

11وَهُوَ أَعْطَى الْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلاً، وَالْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَالْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ، وَالْبَعْضَ رُعَاةً وَمُعَلِّمِينَ،

(1) الرسولية (4: 11أ).

(2) التنبّؤ (4: 11ب).

(3) التبشير (3: 11ج).

(4) الرعاية والتعليم (4: 11د).

ثانياً القصد من هذه المواهب (4: 12):

12لأَجْلِ تَكْمِيلِ الْقِدِّيسِينَ، لِعَمَلِ الْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ،

(1) تكميل القديسين (4: 12أ).

(2) عمل الخدمة (4: 12ب).

(3) بنيان جسد المسيح (4: 12ج).

ثالثاً: الغاية القصوى من هذه المواهب (4: 13):

13إِلَى أَنْ نَنْتَهِيَ جَمِيعُنَا إِلَى وَحْدَانِيَّةِ الإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ ابْنِ اللهِ. إِلَى إِنْسَانٍ كَامِلٍ. إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ.

(1) الإيمان الكامل: "وحدانية الإيمان" (4: 13).

(2) المعرفة الشاملة: "معرفة ابن الله" (4: 13أ).

(3) الينبوع: "إلى إنسان كامل" (4: 13ب).

(4) القياس الأعلى: "قياس قامة ملء المسيح" (4: 13ج).

رابعاً: كيفية البلوغ إلى هذه الغاية (4: 14-16):

(1) سلباً:

14كَيْ لاَ نَكُونَ فِي مَا بَعْدُ أَطْفَالاً مُضْطَرِبِينَ وَمَحْمُولِينَ بِكُلِّ رِيحِ تَعْلِيمٍ، بِحِيلَةِ النَّاسِ، بِمَكْرٍ إِلَى مَكِيدَةِ الضَّلاَلِ.

أ ـ عدم الاضطراب: "لا نكون أطفالاً مضطربين" (4: 14أ).

ب ـ عدم الانصياع: "محمولين بكلّ ربح تعليم" (4: 14ب).

ج ـ عدم الانخداع: "بحيلة الناس بمكر إلى مكيدة" (4: 14ج).

(2): إيجاباً:

15بَلْ صَادِقِينَ فِي الْمَحَبَّةِ، نَنْمُو فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَى ذَاكَ الَّذِي هُوَ الرَّأْسُ: الْمَسِيحُ،

أ ـ الصدق في المحبة (4: 15أ).

ب ـ النمو المتكامل (4: 15ب).

ج ـ التعاون المتبادل (4: 16):

16الَّذِي مِنْهُ كُلُّ الْجَسَدِ مُرَكَّباً مَعاً، وَمُقْتَرِناً بِمُؤَازَرَةِ كُلِّ مَفْصِلٍ، حَسَبَ عَمَلٍ، عَلَى قِيَاسِ كُلِّ جُزْءٍ، يُحَصِّلُ نُمُوَّ الْجَسَدِ لِبُنْيَانِهِ فِي الْمَحَبَّةِ.

عدد 11 ـ أولاً: تنوّع هذه المواهب الروحية (4: 11).

(1) الرسولية: "رسلاً" (4: 11أ).

(2) التنبّؤ: "أنبياء" (4: 11ب).

(3) التبشير: "مبشّرين" (4: 11ج).

(4) الرعاية والتعليم: "رعاة ومعلّمين" (4: 11د).

من الجائز أن نعتبر الفصل المبتدئ بالعدد التاسع والمنتهي بالعدد السادس عشر مفسّراً وموضحاً للعدد الثامن. وبالرجوع إلى ذلك العدد، يتبيّن لنا أنه يتضمّن شطرين ـ أوّلهما: عن صعود المسيح: "وأعطى الناس عطايا". فالشطر الأول المتعلّق بصعود المسيح قد شرحه الرسول وأوضحه في العددين: التاسع والعاشر. وها نحن نرى الرسول يشرح الشطر الثاني المتعلّق بهبات المسيح، في هذا الفصل الذي أمامنا (4: 11-16). فالمسيح هو الذي صعد، والمسيح هو الذي أعطى. فالملك الظافر هو الملك الواهب.

وجدير بالملاحظة، أن هبات المسيح ليست مذكورة هنا مجرّدةً في ذاتها، بل متّصلة بالأشخاص الذين تقلّدوها ولبسوها بعد أن لبستهم هي: "رسلاً أنبياء، مبشّرين، رعاةً ومعلّمين". مع أن الرسول نفسه ذكر مثل هذه الهبات مجرّدةً بذاتها في رسالته إلى رومية: "نبوة، خدمة، تعليم، وعظ" )رو12: 6-8). لأنّ فكر الرسول في رسالة أفسس كان متّجهاً إلى الأعضاء الذين تمثّلت فيهم الهبات، لكنّه في رسالته إلى رومية كان متّجهاً إلى الهبات التي تزيّن الأعضاء. كذلك أيضاً في 1كو12: 28 ذكر الصفات متمثّلةً في الأعضاء، "وضع الله أناساً في الكنيسة: أولاً رسلاً، ثانياً أنبياء، ثالثاً معلّمين".

(1) الرسولية: "وهو أعطى البعض أن يكونوا رسلاً". الرسل هم تلك الطغمة الخاصة التي أهّلها الله بمؤهّلات خاصة، لتضع بناء الكنيسة على الأساس الأوحد ـ يسوع المسيح. فصاروا هم، على نوعٍ ما، أساساًَ للكنيسة في خدمتهم، ورسائلهم، وتعليمهم. "والرسول" بحصر اللفيظ، هو شخص عاين المسيح بعد القيامة، وشهد لقيامته، وتعيّن لهذه الوظيفة منه رأساً، وأعطى قوة على إتيان معجزات. هذه وظيفة خاصة لم يسمح الله لكلّ إنسان بأن يتقلّدها، بل ميّز بها "البعض". وهي رتبة ذهبت بذهاب العصر الرسوليّ. غير أنّ بعضاً ممن حملوا رسالة الإنجيل إلى بلاد نائية قاحلة، فاقتحموا في سبيلها الأهوال، مستعذبين العذاب، مستطيبين الاضطهاد، أمثال لفنستون، تسالمرس، وهنري مارتن، هؤلاء يحملون "الرسالة" في العصور الحديثة.

(2) التنبّؤ: "والبعض أنبياء" (4: 11ب). هؤلاء قوم ذوو بصائر نيّرة يعلن لهم الله إرادته بإلهام خاص، ليعلنوها هم للآخرين. والنبوّة ـ في العهدين ـ لا تعني بالضرورة التنبّؤ بالمستقبل بالمستقبل، بل قد تكون مقصورة على التعليم بحكمة وسلطان. وقد جاء في كتاب أثريّ جليل عنوانه: "تعاليم الإثني عشر": أن الأنبياء في العهد الجديد، كانوا متجوّلين يفتقدون بعض الكنائس في تجوالهم ويبلّغون كلّ كنيسة رسالتها في حينها. وكان بعضهم مستقراً في بعض الكنائس يعيشون من تقدماتها. وكانوا يرأسون خدمات الكنيسة الخاصة بالشكر، بسلطان خاص، غير موهوب لسواهم من بعد الرسل. وكانوا في أيام يوستنيان الشهيد يلقّبون بـ"رؤساء الكهنة". وكانت أشخاصهم مرفوعة فوق كلّ اعتبار حتى أن من تصدّى لهم بنقد أو حكم، يُعتبر كمن أخطأ إلى الروح القدس. وجاء في كتاب: "راعي هرماس" أن من أهمّ مؤهّلات هؤلاء الأنبياء أن يكونوا متّصفين بالوداعة التامة، منزّهين عن حبّ المال، يترفّعون عن أن يتنبّأوا إجابة الاستشارة أو رداً على سؤال. وكان النبيّ معتبراً مملوءاً "بملاك روح النبوّة". والظاهر أن هذه الرتبة انقرضت بعد انقراض رتبة الرسولية. وهي تليها مباشرةً في المقام.

(3): التبشير: "والبعض مبشّرين" (4: 11ج). الظاهر أن الرسول ذكر هذه المواهب بحسب ترتبيها في الدرجة والمقام. فالرسول أولاً، ثمّ النبيّ، ثمّ المبشّر، ثمّ الراعي المعلّم. هذا الترتيب يُخالف العرف المصطلح عليه في أيّامنا، الذي به يُحسب المبشّر أدنى من الراعي مرتبة، وأحطّ منه مقاماً، لدرجة أن هذه الوظيفة أضحت موقوفة على من لم تقدّم له دعوة، رعوية، أو على من كان راعياً فأخفق. لكن ليس هذا عُرف الكتاب. فالمبشّر أولاً ثم الراعي. المبشّر يقطع الحجر والمعلّم يصقله. المبشّر يضع الأساس، والراعي يُقيم البناء. المبشّر هو المنادي بالأخبار الطيّبة المفرحة. فهو في عمله حامل رسالة ـ كدتُ أقول رسولاً. هو فاتح الطريق أمام الراعي. هو سفير المسيح في البلاد النائية.

  • عدد الزيارات: 3546