Skip to main content

الخضوع المتبادل

21خَاضِعِينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ فِي خَوْفِ اللهِ.

"خاضعين..." (عدد 21)

يميل كثير من المفسرين إلى اعتبار هذا العدد مطلع استهلال للفصل الآتي. ولكننا نعتقد أنه حلقة اتصال بين الفصل السابق, والفصل اللاحق. ما أشبهه بشهر يناير –ذي الوجهين- الذي يودع العام القديم, ويستقبل العام الجديد! فالخضوع ليس مجرد واجب مفروض على المرأة نحو الرجل, لكنه شارة جميلة يتحلى بها جميع المؤمنين فيما بينهم.

حدثنا الرسول في هذا العدد عن حقيقتين:

(1)نوع الخضوع –"خاضعين بعضكم لبعض" فهو إذاً خضوع متبادل, هو خضوع الندّ للندّ, لا خضوع العبد للسيد. هو خضوع العضو للعضو في الجسد الواحد, لأن روحاً واحداً يتحدهما معاً, وناموساً واحداً يربطهما –هو ناموس المحبة- والمحبة الحقة لا تتنافى مع النظام.

قد يظن من يقرأ الأعداد السابقة التي تكلم فيها الرسول عن "المزامير والتسابيح والأغاني الروحية" أن حياة النهضة والانتعاش مناقضة للنظام والترتيب. لكن هذا خطأ كبير. لأن الحماس الروحي الحقيقي ليس خصماً للنظام, لكنه صديق له, فللكل أن يفرحوا. ولكن ضمن حدود اللياقة والترتيب. فالحرية الروحية مقترنة في كتابات بولس الرسول بالنظام الروحي وفي هذا الباب يجوز القول: "ما جمعه الله لا يفرقه إنسان" لأن إله الحرية هو إله النظام. ورسول الحرية هو رسول النظام. هذا ظاهر من كون الرسول قد استعمل كلمة: "اخضعوا" 23 مرة في رسائله. والنظام المطلوب هنا, هو نظام الخضوع المتبادل, إذ لا نظام بغير سلطان, ولا سلطان بغير خضوعٍ تام.

هذا نظام مستمد من طبيعة الواقع. لأننا أعضاء في جسد حي واحد. فمهما عظم شأن أحد الأعضاء في الجسد, وكانت سائر الأعضاء خاضعة له, فإن عليه هو أيضاً واجباً نحو سائر الأعضاء فالعظيم خاضع للحقير إلى حدٍّ ما. والكبير مدين للصغير على نوعٍ ما. فليخضع بعضنا لبعض. لأن هذا هو ناموس المحبة.

في الكنيسة الواحدة, تخضع الرعية للراعي, فتؤدي خضوعها في شكل ولاء. ويخضع الراعي للرعية, فيؤدي خضوعه في شكل وفاء.

(2)روح الخضوع: خضوع في خوف الله: "في خوف الله".

إن الروح الذي يجب أن يسود هذا الخضوع, ليس خوف العقاب, ولا هو ابتغاء الثواب, بل هو خوف الله أبينا (عدد 20). فالعضو يخضع للعضو الآخر, لأنه يخشى أن تمرّده يجرح قلب الله المحب, "الذي سامحنا في المسيح" (4: 32). فكأن خضوع المؤمن لأخيه المؤمن –وأرواح الأنبياء خاضعة للأنبياء- هو عنصر لازم لتعبدنا لله. فإن كنا لا نحب أخانا الذي نراه فكيف نحب الله الذي لا نراه, وإذا كنا لا نخضع لأخينا في الرب, فكيف نظهر ولاءنا للرب نفسه!!؟

إن خوف الرب يسوع المسيح الذي سوف نقف أمامه لنعطي حساباً يوم الدين, هو خير باعث على الخضوع لمن يستحق الخضوع –أو لا يستحق- لأننا إنما نقدم بهذا الواجب إكرامنا للمسيح.

  • عدد الزيارات: 4617