Skip to main content

سِفرُ راعُوث الفَصلُ الرَّابِع قِصَّةُ الفِداء الرُّومانسِي

إذ نُتابِعُ جولتنا في أسفار العهدِ القديم التاريخية، واحداً بعدَ الآخر، وبعدَ أن درسنا سفري يشوع وقُضاة لتوِّنا، نأتي الآن إلى سفر راعوث. إن سفرَ راعوث هو قصةُ حُبٍّ جميلة وصغيرة في الكتاب المقدس، دارت أحداثُها في زمن حُكمِ القُضاة.

إنَّ قِصَّةَ الحُبِّ هذهِ تُصوِّرُ خلاصَنا وعلاقتَنا مع الرب يسوع المسيح. تُخبِرُنا أسفارُ العهدَين القَديم والجَديد أنَّنا مخطُوبُونَ للرَّب. فهو العريس ونحنُ، الكنيسة، عروسُه. نبدأُ برؤيةِ هذا الرمز عندما نصلُ إلى سفر راعوث، الذي هو "قصَّةُ الفداء." وهكذا يُقدِّمُ لنا الكتابُ المُقدَّس قصَّةَ الحُبِّ الجميلة هذهِ:

"حدثَ في أيَّامِ حُكمِ القُضاة أنَّهُ صارَ جُوعٌ في الأرض. فذهبَ رَجُلٌ من بَيت لحم يهوذا ليتغرَّبَ في بِلادِ موآب هو وامرأتُهُ وإبناهُ. واسمُ الرجُل أليمالك واسمُ امرأتِهِ نُعمِي واسما إبنيهِ مَحلُون وكِليُون. أفراتيُّون من بيتِ لحم يهوذا. فأتوا إلى بلادِ موآب وكانوا هُناك. وماتَ أليمالك رجل نُعمي وبقيت هي وإبناها. فأخذا لهما امرأتين موآبيَّتين، اسمُ إحداهُما عُرفَة واسمُ الأُخرى راعوث، وأقاما هُناكَ نحو عشرِ سنين. ثُمَّ ماتا كِلاهما محلون وكليون فتُرِكتِ المرأةُ من إبنيها ومن رجُلِها." (راعُوث 1: 1- 5)

كانَ قد نزلَ أليمالِك، نُعمِي، وإبناهُما إلى أرضِ مُوآب ، وهُناكَ عانُوا الأمَرَّين. وأرضُ موآب لها معنى سَلبِي بالنِّسبَةِ لليَهُودِ الأتقِياء، الذي يجعَلُ منها مثل الكُورة البَعيدة التي ذهبَ إليها الإبنُ الضَّالُّ. وقصَّةُ هذه العائلة هي على مثالِ قصة الإبن الضال. فعندما كانت العائلة الضالة في موآب، ماتَ الإبنانِ، وكذلكَ والدُهما. كانت نُعمي الفرد الوحيد الذي نجا من هذه العائلة التي هاجَرت إلى مُوآب هرباً منَ الجُوعِ في بيت لحم يهُوَّذا.

ومع التشديد على نُعمي، نرى مِثالاً واضِحاً عن المبادئ التي نراها في قصص الضالِّين. فعندما كانت نُعمي في موآب ساءتَ الظروف إلى أسوأ حال. فقبلَ أن يموتَ هذين الإبنين، تزوَّجا بإمرأتين موآبيَّتين، الأمرُ الذي كان ممنوعاً. فلقد ذهبت نُعمِي إلى موآب مع زوجِها وإبنيها، ورجعت بدونِهم، ولكن معها كنتين موآبيَّتين.

وتُتابِعُ القصةُ بالقولِ: "فقامت هي وكنَّتاها ورجعت من بلادِ موآب لأنَّها سمِعَت في بلادِ موآب أن الربَّ قدِ افتقدَ شعبَهُ ليُعطِيَهُم خُبزاً." (راعُوث 1: 6) وهذا ما يحدثُ عادةً للضالِّين. فعندما يكونون في حظيرةِ الخنازير أو بالأحرى في الكورةِ البعيدة في هذا العالم، يسمعون كم هي الأحوال جيِّدَة في بيتَ الآب.

"وخرجت من المكان الذي كانت فيهِ وكنَّتاها معها وسِرنَ في الطريقِ للرجوعِ إلى أرضِ يهوذا." (راعُوث 1: 7) وهُنا نرى عودة الإبنة الضالَّة. وقبلَ أن ترجِعَ نعمي، إلتَفَتَت إلى كَنتَيها وقالَت لهُما: " اذهبا ارجعا كُلُّ واحدةٍ إلى بيتِ أُمِّها. وليصنع الربُّ معكما إحساناً كما صنعتُما بالموتى وبي. وليُعطِكُما الربُّ أن تجدا راحةً كُلُّ واحدةٍ في بيتِ رجُلِها. فقبَّلتهما ورفعنَ أصواتهنَّ وبكينَ."

وتُتابِعُ القِصَّةُ بالقَول،"فقالتا لها إننا نرجعُ معكِ إلى شعبِك. فقالت نُعمي ارجعا يا بِنتيَّ. لماذا تذهبانِ معي. هل في أحشائي بنونَ بعد حتى يكونا لكُما رِجالاً. إرجعا يا بنتيَّ واذهبا لأني قد شِختُ عن أن أكونَ لرجُلٍ." (راعُوث 1: 11- 12) ونقرأُ أن عُرفَة قبَّلت حماتَها وذهبت بعدَ ذلك. أما راعوث فلَصِقَت بحماتِها.

فقالت نُعمِي لراعوث، "هوذا قد رَجَعَتْ سِلفتُكِ إلى شعبِها وآلهتِها. ارجعي أنتِ وَرَاءَ سِلفَتِكِ." وهُنا تبدأُ القصَّةُ بالتركيزِ على راعوث التي نلتقي فيها الشخصيَّةَ الرئيسيَّة في هذه القصة الجميلة. قالت راعوث، "لا تُلحِّي عليَّ أن أترُكَكِ وأرجِعَ عنكِ لأنَّهُ حيثُما ذهبتِ أذهبُ وحيثُما بِتِّ أَبيت. شعبُكِ شعبِي وإلهُكِ إلهي. حيثُما مُتِّ أموتُ وهُناكَ أندفِن." (راعُوث 1: 16- 18).

لقد أَعطَتنا راعوث مثالاً جميلاً عن الوَلاء، عندما إتَّخَّذت علَناً عهدَ الإلتِزامِ بِنُعمي. يُقدِّمُ هذانِ العَدَدانِ لنا نصَّاً نمُوذَجِيَّاً عن عُهُودِ الزَّواج، لأنَّهُما يُمَثِّلانِ ذلكَ النَّوع منَ الإلتزامِ الذي ينبَغي أن يَسُودَ بينَ الرَّجُلِ وزوجَتِه. فعندما تتزوَّج بشخصٍ ما، فأنتَ تلتزمُ بأن تذهبَ حيثُ يذهبُ الشريكُ الآخر وأن تعيشَ حيثُ يعيشُ الشريكُ الآخر. قد تقولُ في البداية أنكَ لا تتزوَّج عائلة الشريك الآخر، ولكن بعدَ سنوات سوفَ تكتشف أنهُ كان من الأفضل لك أن تقول "شعبُكِ شعبي،" وإلا لعانَيتَ الكثير منَ الصُّعوباتِ في علاقَتِكَ معَ زَوجَتِك.

وأهمُّ ما في الإلتزام هو "إلهُكِ إلهي." فإن لم يكُن لكما النظرة الروحية ذاتها، فلن يكون لكما أساسٌ موحَّدٌ للقيَم. وهذه واحدةٌ من المشاكِل التي تُحطِّمُ الزواج. فعندما لا يكونُ للزَّوجَين طريقة التفكير نفسها، ونظام القِيَم نفسه، وأُسلوب الحياة نفسه، عادةً ينتهون بالطلاق. فعندما يُفكِّران كيفَ يقضيان وقتهما، مالهما، طاقتَهُما، يبدُوَان وكأنَّهُما لا يتَّفِقان على شيء. والأساسُ الذي يُعطيكما فِكراً مُوحَّداً ونظامَ قِيَمٍ مُوحَّداً وأُسلوبَ حياةٍ مُوحَّد هو القول، "إلهُكِ إلهي." فعندما تَحصَلانِ على قِيَمِكُما من علاقَتِكما معَ الله، سوف يكُونُ لديكُما نظامَ قِيَمٍ مُوحَّد.

يَقُولُ العددُ الأخيرُ منَ الإصحاحِ الأوَّل، "فرجَعَت نُعمي وكَنَّتُها راعُوث المُوآبِيَّة معَها، وخَرَجَتَا من أرضِ مُوآب. فذهبتا كِلتَاهُما حتى دخلتا بيتَ لحمٍ في أوَّلِ أيَّامِ حصادِ الشَّعير." وكونَ زَمانِ رُجُوعِهما إلى بيتَ لحم في بدايَةِ مَوسِمِ حصادِ الشَّعير هو أمرٌ بالِغُ الأهمِّيَّة. وعند دُخُولِ هاتَينِ المرأَتَينِ إلى بيتَ لحم، كانت نُعمِي صُورَةً عن إبنةِ اللهِ التي ترجِعُ إلى بيتِ الآب. وكانت نِعمَةُ اللهِ بإنتِظارِها لإستِقبالِها، تماماً كما ركضَ الوالِدُ ليستَقبِلَ ويغمُرَ إبنَهُ الضَّالّ الذي رجعَ إلى بيتِ أبيهِ. (لُوقا 15: 20)

في هذه القصَّة ، تُمَثِّلُ راعُوث صورةً عن أولئكَ الأشخاص الذين ليسوا جزءاً من عائلة الله. فراعوث لم تكُنْ عِبرانيَّة، بل كانت أُمَمِيَّة. فهل يوجدُ عندَ الله أيةُ نعمةٍ لشخصٍ لا ينتمي إلى عائلةِ الله؟ بالطبعِ يوجد. فنعمةُ الله المُخَلِّصَة، التي أدرَكَتنا ونحنُ بعدُ خُطاةٌ، هي التي جعَلت منَّا جميعاً جزءاً من عائِلَةِ الله. وكما سنرى لاحِقاً، نعمَةُ اللهِ لنُعمي وراعُوث سوفَ تُوجَدُ في نامُوسِهِ.

فالناموسُ الأول الذي وفَّرَ النعمةَ لراعوث ونُعمي نجدُهُ في لاويين 19: 9-10. هذا الناموس المُتعلِّقُ بالإلتقاطِ أو بتعفيرِ الحقولِ بعد حصادِها، يقولُ، "وعندما تحصدون حصيدَ أرضِكُم لا تُكمِّلْ زوايا حقلِكَ في الحصاد. ولُقاطَ حصيدِكَ لا تلتقِط. وكرمُكَ لا تُعلِّلهُ ونُثارَ كرمِكَ لا تلتقِط. للمسكينِ والغريب تترُكُه. أنا الربُّ إلهُكُم." فقرَّرت راعوثُ من اليوم الأول في بيتَ لحم أن تخرجَ لتلتقِطَ وتُعفِّرَ في الحقول. ونقرأُ أنهُ كان لنُعمي ذو قرابةٍ من ناحيةِ زوجِها، رجُلٌ جبَّارُ بأسٍ ثري، من عائلةِ أليمالِك، إسمُهُ بوعَز. فقالت راعوث الموآبيَّة لنُعمي، "دعيني أذهبُ إلى الحقلِ وألتقط سنابِل وراءَ من أجدُ نعمةً في عينيه. فقالت لها إذهبي يا بنتي. فَذَهَبَتْ وجاءَتْ والتقطَتْ في الحقلِ وراءَ الحصَّادين. فاتَّفَقَ نصيبُها في قِطعةِ حقلٍ لبُوعَز الذي من عشيرةِ أليمالِك." (راعُوث 2: 2- 4)

هناك ناموسٌ آخر مُهمّ من نواميس موسى، الذي يُساعِدُنا على فهمِ قصَّةِ الحُبِّ هذه التي نَجِدُها في الكتابِ المُقدَّس. فلقد كان هُناكَ ناموسٌ في تثنية 25 يُسمَّى "ناموسُ الوليّ الفادي." يقولُ هذا الناموس، "إذا سكنَ إخوةٌ معاً وماتَ واحدٌ منهم وليسَ لهُ ابنٌ فلا تصِر امرأةُ الميتِ إلى خارِج لرجُلٍ أجنبي. أخو زوجِها يدخُلُ عليها ويتَّخذُها لنفسِهِ زوجةً ويقومُ لها بواجبِ أخي الزوج. والبكرُ الذي تلدُهُ يقومُ باسمِ أخيهِ الميت لئلا يُمحَى إسمُهُ من إسرائيل. وإن لم يرضَ الرجلُ أن يأخذَ امرأةَ أخيهِ تصعدُ امرأةُ أخيهِ إلى البابِ إلى الشيوخ وتقولُ قد أبى أخو زوجي أن يُقيمَ لأخيهِ اسماً في إسرائيل. لم يشأ أن يقومَ لي بواجبِ أخي الزوج. فيدعوهُ شيوخُ مدينتِه ويتكلَّمون معهُ فإن أصرَّ وقال لا أرضى أن أتَّخِذَها تتقدَّمُ امرأةُ أخيهِ إليهِ أمامَ أعيُنِ الشيوخ وتخلعُ نعلَهُ من رِجلِهِ وتبصُقُ في وجهِهِ وتُصرِّحُ وتقولُ هكذا يُفعَلُ بالرجُلِ الذي لا يبني بيتَ أخي. فيُدعَى اسمُهُ في إسرائيل بيتَ مخلوع النعل". وكانَ هذا الأمرُ عاراً في حضارَةِ إسرائيل القديمة.

فبما أن راعوث كانت مُتزوِّجةً من رجُلٍ عبراني، كنتيجةٍ لهذا الزواج، دخلت إلى عائلةِ الله، الأُمَّة العِبرانيَّة. والآن فإذ ماتَ زوجُها وليسَ لهما ولد، لم تعُدْ راعوث تنتمي إلى عائلة الله، ولا إلى الشعب المُختار. يَقولُ الناموس أنهُ بإمكانها الذهابُ إلى ذو القرابةِ للزوج المُتوفِّي، وأن تختارَ الأجملَ والأغنى، وتقولُ لهُ، "أريدُكَ أن تتزوَّجَني." وإذا رَفضَها، فعندها تستطيعُ مُقاضاتَهُ في المحكمة. وإن لم يتزوَّجها، يقومُ الشيوخُ بِالإجراءاتِ التي تمَّ وَصفُها في نامُوسِ الفادِي الوَلِيّ.

أما الرجُل الذي كان يُوافق على الزواج من هكذا إمرأة، فكان عليهِ أن يعملَ لها أمرين. أوّلاً، كان عليهِ أن يفيَ كُلَّ دُيونِها، إن كان عليها دُيون. وثانِياً، كانَ على الوَلِيِّ الفادِي أن يتزوَّجَ هذه المرأة. وبإقامتِهِ هذه العلاقة معها، فهو بذلكَ يُرجِعُها إلى عائلة الله. هذا كان رجاءُ راعوث عندما رجعت إلى بيتَ لحم يهوذا. ولهذا يبدأُ الإصحاحُ الثاني بأنَّهُ كان لِحَمِي راعوث المُتوفِّي رجُلٌ ذو قرابةٍ جبَّار بأسٍ ثريٌّ إسمُهُ بوعَز.

وإذ تستمرُّ قصةُ الحُبِّ هذه، سوفَ نرى صُورةً عن نعمةِ الله للإبنِ الضال الذي كان راجعاً إلى بيتِ أبيهِ، ونعمةَ الله للشخصِ الذي يأتي إلى الله طلباً للفداء.

  • عدد الزيارات: 3527