الفَصلُ الأوَّل
نجدُ في الفصلِ الأوَّل والمشهد الأوَّل اللهَ والشيطان يتحادثانِ عن هذا الرجُل الذي يُدعَى أيُّوب. يُعَلِّمُنا الفصلُ الأول من هذه الدراما حقيقَةً عظيمَةً عنِ المَعرَكَة بينَ الخَيرِ والشَّرّ. ونجدُ أن الشرَّ مُجسَّدٌ في الشيطان، الذي يتحدَّى دوافِعَ هذا الرَّجُلِ الصَّالِحِ أيُّوب، لكَونِهِ بارَّاً إلى هذا المِقدار. ولقد تجاوَبَ اللهُ معَ هذا التَّحدِّي بما يُسمِّيهِ اللاهُوتِيُّونَ "إرادَةَ اللهِ السَّامِحَة." فلقد سمحَ اللهُ للشَّرِّ أن يعمَلَ في الحُدُودِ التي وضعَها اللهُ، وذلكَ بسَمَاحهِ للشَّيطانِ أن يأخُذَ كُلَّ ما لأَيُّوب، بما في ذلكَ أولادَهُ العَشرة. لقد إتَّهَمَ الشَّيطانُ أيُّوبَ بأنَّهُ بارٌّ لأنَّ اللهَ بارَكَ بِرَّهُ بمَنحِهِ غنىً جَزيلاً. ولقد أعلَنَ أيضاً أنَّهُ لو سمحَ لهُ اللهُ أن يسلُبَ من أَيُّوب كُلَّ بركاتِهِ، فإنَّ أيُّوبَ سيَلعَنُ الله.
نتيجَةً لإرادَةِ اللهِ السَّامِحَة، ولِفِخاخِ إبليس المَشؤُومَة، نقرأُ أن أيوب خسِرَ سبعةَ بنين وثلاث بنات، و سبعة آلاف من الضأن، وثلاثة آلاف جمل، وألف ثور، وخمسمائة أتان، وعبيداً كثيرين.
رُغمَ أنَّ الخسائِرَ الفادِحَة حطَّمَت أيُّوبَ تماماً، إلا أنَّهُ لم يَلعَنْ ولم يُجَدِّف على إسمِ اللهِ وسطَ كُلِّ آلامِهِ. بل أعلَنَ قائِلاً: "عُرياناً خرجتُ من بطنِ أمي وعُرياناً أعودُ إلى هُناك. الربُّ أعطَى والربُّ أخذَ فليكُن إسمُ الربِّ مُباركاً." (أيُّوب 1: 21، 22). قالَ كونفوشيوس، "إننا نأتي إلى هذا العالم بيدين قابِضَتين لأننا نُريدُ الحصولَ على كُلِّ شئ، ونترُكُ هذا العالم بيدين مفتوحتين لأننا لا نأخُذُ معَنا شيئاً." عندما تجرَّبَ أيُّوبُ هُنا، قال، "عندما جئتُ إلى هذا العالم، كانت يديَّ مفتوحتين. كُلُّ ما كان في يديَّ، اللهُ وضعَهُ هُناك. فالكُلُّ كان لهُ عندما وضعَهُ هُناك، والكُلُّ كان لهُ عندما بقي هُناكَ طوال الوقت، وبُرهانُ كونِ الكُلِّ لهُ هو أنهُ يأخُذُهُ ساعةَ يشاء. فلقد أخذَ اللهُ كُلَّ أولادي، وكل مُقتنياتي، ولكن الكُل كان لهُ ليأخُذَه. فليكُن إسمُ الربِّ مُباركَاً."
إجتازَ أيوبُ هذه التجربةَ الأُولى بنجاح. ومنَ الجَديرِ بالذِّكرِ أنَّ أيُّوب كانَ مُخطِئاً جزئِيَّاً بِقَولِهِ أنَّ الرَّبَّ أخَذَ أولادَهُ وكُلَّ مُقتَنَياتِهِ. فنَحنُ نعلَمُ بما أننا دخلنا خلفَ الستار، أنَّ الشَّيطانَ هُوَ الذي أخذَ كُلَّ مُقتَنَياتِ أيُّوب.
لاحِظُوا كيفَ خَسِرَ أيُّوبُ مُقتَنَياتِهِ. لقد فقدَ أولادَهُ العَشرَة نتيجَةً لِعاصِفَةٍ هَوجَاء، أو عاصِفَة صحراوِيَّة قَلَبت المنزِلَ وحطمَتْهُ فوقَ رُؤُوسِهم. وفقد خرافَهُ ورُعاته نتيجَةً لنارٍ نزَلَت منَ السَّماء، الأمرُ الذي يعني بَرقاً. تُسمِّي شَرِكاتُ التَّأمين هذه الأحداث اليوم بأعمالِ الله. ولكنَّنا نعرِفُ أنَّ هذه الأعمال لم تَكُن أعمالَ الله، بل كانت أعمالَ الشَّيطان، بِسَماحٍ منَ الله، ولكن أيُّوب لم يَكُنْ يَعلَمُ ذلكَ.
ثُمَّ نَجِدُ اللهَ والشيطان يتحدَّثانِ ثانيةً حولَ أيوب. وكانَ اللهُ يفتَخِرُ بأيُّوب كمِثالٍ للإنسانِ البَارّ الصِّدِّيق. ومُجدَّداً، تحدَّى الشَّيطانُ دوافِعَ أيُّوب للبِرّ وشَكَّكَ بها. ولقد أَعلَنَ أنَّ أيُّوبَ سوفَ يلعَنُ اللهَ، إذا سمحَ اللهُ لِلشَّيطانِ أن يمَسَّ جسدَهُ. فسمحَ اللهُ للشيَّطانِ أن يَمَسَّ جسدَ أيُّوب، ولكن بِشَرطٍ واحِدٍ، أن لا يأخُذَ نفسَهُ ولا يُنهِيَ حياتَهُ. قد تَقُولُ أنَّ اللهَ سمحَ للشَّيطانِ بأن يُعَذِّبَ أيُّوب، لأنَّ هذا هُوَ تَعريفُ التَّعذيب – إنزال أقسَى العذاباتِ بالضَّحِيَّة، بدُونِ إنهاءِ حياتِه. فلقد أُصيبَ أيُّوبُ بمَرضٍ مُريع. يَقُولُ المُفَسِّرُونَ بأنَّهُ أُصيبَ بنَوعٍ من سَرطانِ الجلد، الذي حوَّلَ جِلدَ أيُّوب إلى ما يُشبِهُ جلدَ الفِيل المُتَقرِّحِ بالبَرَص. وهكذا تألَّمَ أيُّوبُ إلى أقصَى حدٍّ منَ العذابِ الذي يُمكِنُ أن يتحمَّلهُ إنسانٌ، دُونَ المَوت.
ولكنَّ أيُّوبَ لم يتحمَّلْ هذه الجَولَة الثَّانِيَة منَ التَّجرِبَة. فإقتَرَحت عليهِ زوجَتُهُ أن يلعَنَ اللهَ ويُجدِّفَ ويَمُوت. فأجابَها قائِلاً، "أَلخَيرَ نقبَلُ من عِندِ اللهِ والشَّرَّ لا نقبَل؟" (أيُّوب 2: 10) كانَ أيُّوبُ يسأَلُ بطريقَةٍ أو بأُخرى، "ماذا يُمكِنُ للرَّجُلِ البارِّ أن يتوقَّعَ منَ اللهِ أن يضعَ في يدَيهِ لكَونِهِ بارَّاً؟"
الجزءُ الأكبَرُ من سفرِ أيُّوب مُقدَّمٌ لهُ بهذا السُّؤال الذي طرَحَهُ أيُّوبُ على زَوجَتِهِ. ومُباشَرَةً قبلَ أن يُسدَلَ السِّتارُ على خاتِمَةِ الفَصلِ الأوَّل، نجدُ ثلاثَةً من أصدِقاءِ أيُّوب القُدامى يَحضُرُونَ لِزيارَتِهِ (2: 11) لقد جاؤُوا معاً لتَعزِيَتِهِ. ولقد كانُوا مثلَ أيُّوب رجالاً ناضجينَ مُتَقدِّمينَ في السِّنّ، وكانُوا حُكماءَ وأتقِياء. اليَومَ نُسَمِّي هؤلاء بالفلاسِفَة واللاهُوتِيِّين. ولقد صُدِمُوا عندَ رُؤيَتِهِم لمَظهَرِ أيُّوب الخارِجيّ، فجَلَسُوا بجانِبهِ بِصمتٍ سَبعَةَ أيَّامٍ. (لاحِقاً، قالَ أيُّوب لأصدِقائِهِ أنَّ هذا الأُسبوع منَ الصَّمت كانَ أفضَلَ عِلاجٍ لألَمِهِ.) هنا يُسدَلُ السِّتارُ على الفَصلِ الأوَّل، وأيُّوب جالساً في وسطِ حلقَةِ الصَّمتِ، يتحلَّقُ حولَهُ أصدِقاؤُهُ الثَّلاثَة.
- عدد الزيارات: 3081