Skip to main content

المَزمُورُ المِئَة

"اهتِفِي للربِّ يا كُلَّ الأرض.

اعبُدُوا الربَّ بفرحٍ.

ادخُلُوا إلى حضرتِهِ بترنُّمٍ.

اعلموا أن الربَّ هو الله.

هو صنعنا ولهُ نحنُ

شعبُهُ وغنمُ مرعاه.

ادخُلوا أبوابَهُ بحمدٍ

دِيَارَهُ بالتسبيح

إحمَدُوهُ بارِكُوا اسمَهُ.

لأنَّ الربَّ صالحٌ.

إلى الأبدِ رحمتُهُ

وإلى دورٍ فَدَورٍ أمانتُهُ."

 

المَزمُورُ المِئة هُوَ مَزمُورُ العِبادَةِ بِدُونِ مُنازِع. فهُوَ يُخبِرُنا عمَّا هِيَ العِباَدة. العبادةُ هي المجيء إلى حضرةِ الله. فهناكَ ما يُسمَّى بحُضُور الله، والمَجيءُ إلى محضرِ الله هو جوهرُ العِبادَة. وكمزمور العِبادَة النموذَجي، لا يُفسِّرُ لنا دَاوُد في المزمور 100 ماهيَّةَ العِبادةِ فقط، بل وأيضاً كيفيَّة العِبادة.

ففي زَمَنِ العَهدِ القَديم، كانت تُوجَدُ أُصُولٌ في البُرُوتُوكول ينبَغي إتِّباعُها، إذا أَرَدتَ مُقابَلَةَ المَلِك. فأوَّلُ أمرٍ تعملُهُ، كانَ أن تدخُلَ عبرَ الأبواب الكبيرة التي تصلُ بكَ إلى قصرِ المَلِك. وإن كان الملكُ الذي ستُقابِلُهُ عظيماً، فسوفَ تمرُّ عبرَ ممرَّاتٍ طويلة مُتَتالِيَة، ثُمَّ تمرُّ عبرَ صفٍّ طويلٍ من الجنودِ على الجانِبَين. وسوفَ تصلُ إلى بوَّاباتٍ مُتعاقِبَة، فتظن أنَّها ستُؤدِّي بكَ إلى حضرةِ الملك، ولكنّها ستقودُكَ إلى ممرٍّ طويلٍ آخر. وأخيراً، سوفَ تجدُ بابينِ كبيرين مُغلّفَين بالذهبِ أو الفضَّة، يُؤدِّيانِ بِكَ إلى حضرةِ الملك. وهكذا إلى أن تكونَ قد وصلتَ إلى حضر ةِ الملك، تكونُ قد كوَّنتَ انطباعاً عن أهميَّتِه.

بما أنَّ داوُد كانَ مَلِكاً،كانَ هذا البرُوتُوكُول مألُوفاً لدَيهِ. فلقد إختَارَ هذا البُروتُوكُول كَصورةٍ مجازيَّةٍ لإيضاحِ تعريفِهِ للعِبادَة، وكيفَ ينبَغي أن نعبُد. فبالنِّسبَةِ لِداوُد، العِبادَة هي أن ندخُلَ إلى حضرةِ الله.

إن مجيئَكَ إلى حضرةِ الله ينبغي أن يبدأَ "بأبوابِ الحمد." (4أ) هذا يعني أنهُ عليكَ أن تبدأَ عبادتَكَ بشكرِ الله على بركاتِه. فالشُّكرُ يُوَلِّدُ العِبَادَة. والقَلبُ الشَّاكِرُ هُوَ "البابُ" الذي يَصِلُ بنا إلى محضَرِ الله.

يُخبِرُنا داوُد في هذه الصورةِ المجازيَّة أن أبوابَ الحمدِ تقودُ إلى دِيار التسبيح. (4ب) فعندَما نبدَأُ إختِبارَنا بالعَبادَةِ معَ التَّسبيح، سُرعانَ ما نَجِدُ نُفُوسَنا نُسَبِّحُ الله. ثُمَّ ننتَقِلُ منَ شُكرِ اللهِ على بَرَكاتِهِ الكَثيرَة، إلى التحدُّثِ معَ اللهِ وتسبِيحِهِ بِسَبَبِ كَونِهِ من هُوَ. وبينما نجتازُ وسطَ "أبوابِ الحَمدِ،" نُرَكِّزُ على يَدِ اللهِ التي نأخُذُ منها الكَثير. ولكن سُرعَانَ ما ندخُلُ إلى دِيارِ التِّسبيح حتَّى يتحوَّل تركِيزُنا على وجهِ اللهِ.

لِقُرُونٍ طَويلَة، رَدَّدَ أبطالُ الإيمانِ أنَّ البابَ الذي يَقُودُ إلى محضَرِ اللهِ هُوَ بابُ التَّسبيح. ولكي نُتابِعَ الصورةَ المجازيَّة المُوحاة التي إستَخدَمها داوُد، فإن البابَ الذي يُؤدِّي مُباشرةً إلى محضرِ الملك هو بابُ الترنيم. فكتبَ داوُد يَقُولُ: "أدخُلُوا إلى حَضرَتِهِ بِتَرَنُّمٍ." (2ب) فداوُد هُوَ الذي دمجَ الموسيقَى مع العِبادَة. فلقد كان لِداود فرقةً موسيقيَّةً وجوقةً مُؤلَّفةً من أربعةِ آلاف لاوي، الذين لم يفعَلوا شيئاً آخر غيرَ التدرُّبِ على الترنيم والعزف على آلاتِهِم الموسيقيَّة التي صنعَها داود لهذا الغَرَض (1أخبار الأيَّام 23: 5).

هُناكَ أوقاتٌ في حيَاتِنا نحتاجُ فيها أن نُعبِّرَ عن أشياء لا يُعبَّرُ عنها. لهذا يُعطي المُتَحابُّونَ لبَعضَيهِما أسماءَ أو أَلقَابَ رقيقَةً قد يُحرَجُونَ أو يحمَرُّونَ خَجَلاً إذا ذَكَرُوها فيما بعد. ذلكَ لأنَّهُما يُحاوِلانِ من خلالِ هذه الألقابِ أن يُعَبِّرا عن حُبِّهِما الذي لا يُعَبَّرُ عَنهُ لِبَعضِهِما البَعض. وهذه الحاجَة للتَّعبيرِ عمَّا لا يُعَبَّرُ عَنهُ تظهَرُ في أجلَى صُوَرِها عندَما نَكُونُ في مَحضَرِ الله. فلَقَد أعطَانا اللهُ مُعجِزَةَ المُوسِيقَى لِنُعَبِّرَ عن عِبادَتِنا التي لا يُعَبَّرُ عنها بالكلامِ في محضَرِ الله. فبالنِّسبَةِ لداوُد، المُوسيقَى هي التي تفتَحُ أمامَنا البابَ إلى محضَرِ الله.

عِندَما ندخُلُ إلى محضَرِ الله، بإمكانِنا أن نعرِفَ بالإختِبارِ أُمُوراً لم نعرِفْها مُسبَقاً إلا عقلِيَّاً. أوَّلاً، نعرِفُ بِشَكلٍ مُطلَقٍ أنَّهُ الله. فعندما نعبُدُ، نعتَرِفُ بأنَّ الرَّبَّ هُوَ الله، وأنَّنا نحنُ غنَمُ مَرعاه. (3) قد يَكُونُ هذا ما قصدَهُ بُولُس عندما كتبَ أنَّهُ "لا يستطيعُ أحدٌ أن يَقُولَ أنَّ يسُوع رَبّ إلا بالرُّوحِ القُدُس." (1كُورنثُوس 12: 3).

ثُمَّ نعرِفُ إختِبارِيَّاً أنَّ "الرَّبَّ صالِحٌ." فنَحنُ غالِباً ما نُقاوِمُ تسليمَ نُفُوسِنا كُلِّيَّاً للهِ، وبدلَ أن نعتَرِفَ قائِلين، "الرَّبُّ صالِحٌ،" نَقُولُ من خلالِ أعمالِنا، "الرَّبُّ مُرعِبٌ." يَقُولُ هذا المَزمُورُ أنَّنا في محضَرِ الله، لا نَعرِفُ فقط أنَّ الرَّبَّ هُوَ الله، بل ونَعرِفُ أيضاً أنَّ "الرَّبَّ صالِحٌ." (5أ) فإرادَةُ اللهِ لنا هي إرادةٌ صالِحة، لأنَّهُ هُوَ نفسُهُ صالِحٌ.

وفي محضَرِ اللهِ، نعرِفُ أيضاً أنَّ اللهَ يُريدُ أن يعرِفَ كُلُّ الناس في كُلِّ الأجيالِ وفي كُل الأرض أن اللهَ صالحٌ، وأن يأتُوا بِدَورِهم إلى محضَرِهِ، ليَعرِفُوا ما نعرِفُهُ نحنُ. "يا كُلَّ الأرض،" هكذا ينتهي العددُ الأول من المزمور. والكلمتان الأخيرتان في العدد الأخير من هذا المزمور هما "دورٍ فدور، أو كُلّ الأجيال.". هذا يعني أنهُ في كلِّ جيلٍ وفي كُلِّ الأرض، يُريدُ اللهُ أن يعرِفَ الجميعُ ماذا يعني أن نعبُدَ في حضرتِه. إن أعظمَ المُرسَلِين في تاريخِ الكنيسة، وأعظمَ رِجالاتِ الله في الكِتابِ المُقدَّس، كانوا جميعاً عابِدِينَ لله بِدُخُولِهِم إلى محضَرِهِ، قبلَ أن يُصبِحوا عامِلين لله بِخُرُوجِهِم لأجلِهِ.

نَمُوذَجُ إختِبارِ العِبادَةِ هذا يُعَبَّرُ عنهُ في العددِ الثَّانِي من هذه المَزمُور، الذي يَحُثُّنا، "بأن نخدُمَ الربَّ بفرح." فعِندَما نعبُدُ اللهَ بِحَقٍّ، نخدُمُهُ بِفَرحٍ، وليسَ لكَونِ خدمَتِهِ واجِباً علينا. إن المزمور 100، مَزمُورَ العِبادَة، يُخبِرُنا عن ماهية العِبادة، كيفيَّة العبادة، وماذا ينبغي أن يحدُثَ عندما نعبُد، وماذا ينبغي أن تكونَ نتائج العِبادة.

  • عدد الزيارات: 3476