Skip to main content

سِفرُ الأمثال

عندَما تَقُومُ بمشارِيعَ وأعمالٍ، هُناكَ شَيئانِ يُمكِنُ أن تربَحَهُما – المال والخُبرَة. وعندَما يَقُومُ أهلُ هذا العالم بمَشاريعٍ وأعمال، أبناءُ العالم يَربَحُونَ المال، وأبناءُ اللهِ يكتَسِبُونَ الخُبرَة. لقد أعطانا اللهُ سِفرَ الأمثال لِكَي لا نقضِيَ حياتَنا مُتَعَلِّمينَ كُلَّ شَيءٍ من خُبرَتِنا الذَّاتِيَّة.

إنَّ سِفرَ الأمثال هُوَ أكثَرُ سفرٍ عملِيٍّ في الكتابِ المُقدَّس. كتبَ سُلَيمانُ ثلاثَةَ آلافِ مثَل (1مُلُوك 4: 29- 34). وهُوَ يُشارِكُ معَنا تقريباً ألفاً من أمثالِهِ في هذا السِّفرِ الكتابِيِّ المُوحَى بهِ منَ الله. وكانَ سُليمانُ يُعتَبَرُ أحكَمَ إنسانٍ عاشَ على الأرض. في سفرِ الأمثال، قامَ هُوَ وأكثَرُ مُعاصِريهِ حِكمَةً بإظهارِ كيفيَّةِ العَيشِ في جوانِبِ حياتِنا العمليَّة.

ولقد كتَبَ سُلَيمانُ أكثَرَ من ألفِ نَشيدٍ. في سفرِ الأمثال، نَجِدُ أقَلَّ من ألفٍ من أمثالِهِ، ونجِدُ نشيداً واحِداً من أناشِيدِه مَوجُوداً في الكتابِ المُقدَّس، ألا وهُوَ سفرُ نَشيدِ الأنشاد. ولكنَّ سُليمان لم يَكتُبْ كُلَّ الأمثالِ المَوجُودَةِ في سفرِ الأمثال. بل جمعَ حِكماً كتبَها حُكماءُ غَيرَهُ أيضاً، وقامَ حُكَماءُ آخرُونَ بِجَمعِ بَعضِ أمثالِ سُليمان التي نَجِدُها في هذا السِفر.

الإصحاحاتُ التِّسعَةُ الأُولى تُعَبِّرُ بِوُضُوحٍ عن القَصد منَ السِّفر، الذي هُوَ تعليمُ الحكمة. نَجِدُ أمثالَ سُليمان في الإصحاح 10: 1 والإصحاح 22: 16. وأمثالُ الحَكيمِ نَجِدُها في أمثال 22: 17- 24: 34، وأمثالُ سُليمان التي جمَعَها حُكَماءُ حزقِيَّا، نَجِدُها مجمُوعَةً في أمثال 25- 29. يحتَوِي الإصحاحُ الثَّلاثُونَ على أمثالِ أَجُور، ويحتَوي الإصحاح 31 على أمثل الملك لَمُوئيل، التي سَمِعَها من أُمِّهِ. الإصحاحاتُ 1- 10 كُتِبَت للشُّبَّانِ؛ والإصحاح 11- 20 كُتِبَت لِلعَامَّة؛ والإصحاحات 21- 31 كُتِبَت لِلحُكَّام.

رُغمَ أنَّ سُلَيمان كانَ معرُوفاً كأحكَمِ رَجُلٍ عاشَ على الأرض (1مُلوك 4: 31)، ولكنَّهُ كانَ أيضاً أكبَرَ فاشِلٍ عاشَ على الأرض. وكما أشَرتُ في دراسَتِنا للأَسفارِ التَّاريخيَّة، تُعتَبَرُ المملَكَةُ المُنقَسِمَةُ وحملاتُ السَّبِي المُتتالِيَة عواقِبَ خطايا سُليمان، بدل أن تَكُونَ عواقِبَ خَطِيَّةِ أبيهِ داوُد. فكَيفَ يُمكِنُ لإنسانٍ كانَ فاشِلاً إلى هذا الحَدّ، أن يُعَلِّمَ شعبَ اللهِ كيفَ ينبَغي أن يَعيشُوا؟

تُوجَدُ بعضُ الأجوِبَة على هذا السُّؤال. إنَّ حِكمَةَ هذه الأمثال لا تتعلَّقُ بما إذا كانَ كاتِبُها قد طَبَّقَها على حياتِهِ الشَّخصيَّة؛ فهِيَ تُقَدِّمُ حكمَةً مُوحىً بها منَ الله. أيضاً هذه الأمثال، والمَزمُور 127، وسفر الجامِعة، كُتِبَت من قِبَلِ سُليمان لتعليمِ الشُّبَّانِ أن لا يعمَلُوا كما عمِلَ هُو. فلقد تعلَّمَ سُليمانُ الكَثيرَ من خلالِ أخطائِهِ، وأرادَ أن يُمَرِّرَ حكمَتَهُ التي كلَّفَتْهُ الكثيرَ ليَتَعَلَّمَها، أرادَ أن يُمَرِّرَها للآخرين، ولا سِيَّما للشُّبَّان.

بينما يُقدِّمُ سُليمانُ القصدَ من كتابَةِ سفرِ الأمثال، كتبَ يَقُولُ ما معناهُ: "أُريدُكُم أن تَتَعَلَّمُوا هذه الحقيقة العَظيمة: أنَّ عملَ الخَيرِ هُوَ أكثرُ حياةٍ تتحلَّى بالحكمة. ... لهذا عليكُم أن تأكُلُوا الثِّمارَ المُرَّة النَّاتِجَة عن سُلُوكِكُم بِحَسَبِ ما تَرتَأُون، وأن تختَبِرُوا أهوالَ الطَّريق التي إختَرتُمُوها. ... لأنَّ مخافَةَ اللهِ وطاعَتَهُ هي أُمُورٌ أساسيَّةٌ للحكمة. ومعرِفَةُ اللهِ تُنتِجُ كُلَّ أنواعِ الفَهم الأُخرى." (أمثال 4: 11؛ 1: 31؛ و9: 10)

بطريقَةٍ ما، إنَّ هدَفَ إرسالِيَّةِ سُليمان هُو مُلَخَّصٌ لإختبارِ حياتِهِ. فلقد عرَفَ أنَّهُ سَقَطَ، ولكنَّهُ أرادَنا أن نعرِفَ أن نتعلَّمَ الحِكمَةَ من خلالِ السُّقُوط وعواقِبِهِ. إحدى أكثَر الطُّرُق فعالِيَةً للتَّعَلُّم، هي بأن نتعلَّمَ من خلالِ رَدَّاتِ الفِعلِ على العواقِبِ الوخيمة لِخَيَاراتِنا الغَبِيَّة والخاطِئة. فعندما نختَبِرُ أهوالَ الطُّرُق التي نختارُها، ندفَعُ ثمناً باهِظاً لنَكسَبَ الحكمَةَ الثمينة، ونتأكَّدُ أنَّ "حياةَ السُّلوكِ المُستَقيم هي الأكثَرُ حِكمَةً."

عندما يُخبرُِنا اللهُ عن شَيءٍ ما أنَّهُ صحيح، يَقُولُ لنا ذلكَ لأنَّهُ يُحِبُّنا. وهُوَ يُريدُنا أن نعملَ المُستَقيم، لأنَّهُ يعلَمُ أنَّ عواقِبَ العمَلِ المُستَقيمِ هِي صالِحَة. عندما يُعلِنُ اللهُ عن أمرٍ ما أنَّهُ خطأ، يُعلنُ هذا لأنَّهُ يعرِفُ عواقِبَ إنزلاقِنا لإقتِرافِ هكذا خطأ.


تحذيراتٌ منَ النِّساءِ المُغرِيات

أمثال 5: 15- 19 هُوَ مقطَعٌ مُوجَّهٌ إلى الشُّبَّان، وهُوَ يُحَذّرُهُم منَ النِّساءِ المُغرِيَات. تُعَلِّمُنا هذه الأعداد أنَّ أفضَلَ دِفاعٍ ضدَّ الإنحلال الأخلاقي والزِّنى، هُوَ زواجٌ ناجِح. فينبَغي أن يشبَعَ الشُّبَّانُ من محبَّةِ زوجاتِهِم طوالَ الوقت. لهذا كتبَ سُليمانُ يَقُولُ للشُّبَّان، "لِيَكُن يَنبُوعُكَ مُبَارَكاً وافرَحْ بإمرَأَةِ شَبابِكَ." (أمثال 5: 18). وهكذا يدخُلُ الشُّبَّانُ إلى العالم، فلا يتعرَّضُونَ لِسِحرِ النِّساءِ المُغرِيات. وهكذا يَكُونُونَ غيرَ سَريعي العَطب، أو غيرَ مُعَرَّضِينَ للسُّقُوط، لأنَّ حاجاتِهم الجسَدِيَّة تَكُونُ قد تمَّت تَلبِيَتُها سابِقاً في المَنزِل. يُعطي سُليمان للرَّجُل الذي ينزَلِقُ إلى حياةِ الزَِّنَى اللاأخلاقِيَّة، يُعطيهِ سُليمانُ التَّحذِيرَ التَّالِي: "الشِّرِّيرُ تأخُذُهُ آثامُهُ وبِحِبالِ خَطِيَّتِهِ يُمسَكُ. إنَّهُ يَمُوتُ من عَدَمِ الأدَبِ وبِفَرطِ حُمقِهِ يتَهَوَّرُ." (أمثال 5: 22- 23).


ضَبطُ النَّفس

قالَ سُليمانُ مُعَلِّماً عن أهَمِّيَّةِ ضَبطِ النَّفس: "إذهَبْ إلى النَّملَةِ أيُّها الكَسلان. تأمَّلْ طُرُقَها وكُنْ حَكيماً. التي ليسَ لها قائِدٌ أو عَريفٌ أو مُتَسَلِّطٌ." (أمثال 6: 6- 7) عندما نَكُونُ شُبَّاناً، يرافِقُنا طَيفُ أهلِنا ومُعَلِّمينا، ويُظهِرُونَ لنا ما هُوَ المُتوقَّعُ منَّا، ويُحاسِبُونَنا على هذا الأساس. ولكن عندما ننضُج، يُتَوقَّعُ منَّا أن نُحاسِبَ ونُراقِبَ أنفُسَنا، وأن نُمارِسَ ضَبطَ النَّفس. بِحَسَبِ سُليمان، بإمكانِنا أن نتعلَّمَ ضبطَ النَّفسِ منَ النَّملَة، التي بِدُونِ رَقيبٍ أو عريف، تخزِنُ مَؤُونَتَها زمنَ الصَّيفِ والحَصادِ لباقِي أيَّامِ السَّنَة.


العَطاءُ والأخذُ

يُوجَدُ تعليمٌ في سفرِ الأمثل 11: 24- 25، الذي يُوازِي تعليمَ يسُوع. نقرأُ في ذلكَ المقطَع: "يُوجَدُ من يُفَرِّقُ فَيَزدادُ أيضاً، ومن يُمسِكُ أكثَرَ منَ اللائِقِ وإنَّما إلى الفَقر. النَّفسُ السَّخِيَّةُ تُسَمَّنُ والمُروِي هُوَ أيضاً يُروَى." يُعَلِّمُنا هذا المَثَل أنَّ نُفُوسَنا تتغذَّى عندما نَكُونُ كُرَماء، ويسوءُ تغذِيَتُها عندما نَكُونُ أنانِيِّين. فإذا تمسَّكنا بِكُلِّ ما نملِكُهُ، بإمكانِنا أن نخسَرَ كُلَّ شَيء، ولكن إذا وزَّعْنا وأَعطَينا بِسَخاء، نُصبِحُ أكثَرَ غِنىً. لقد قدَّمَ يسُوعُ هذا المبدأَ نفسَهُ عندما عَلَّمَ أنَّهُ عَلَينا أن نخسرَ حياتَنا لكَي نربَحَها إلى الأبد (متَّى 16: 24- 27؛ أعمال 20: 35). بِحَسَبِ يسُوع، إذا أردتَ أن تَجِدَ حياتَكَ، عليكَ أن تخسَرَها عمداً، أي أن تَسكِبَها، أو تُضَحِّيَ بها لأجلِ اللهِ ولأجلِ الآخرين.

بإمكانِكَ أن تتوقَّعَ أن تلتَقِطَ شذَراتِ الحكمَةِ من سفرِ الأمثال، لأنَّهُ كتابُ حِكَمٍ. تَذَكَّرْ أنَّ هدفَ سُليمان من جمعِ هذه الأمثال كانَ أن يُصبِحَ الحُكماءُ قادَةً حُكماء، وأن يُصبحَ البُسطاءُ أكثَرَ حكمَةً، وأن يُصبِحَ العامَّةُ عالمينَ كيفَ يَعيشُونَ حياتَهُم بإستِقامَة.

بما أنَّهُ يُوجَدُ ثلاثُونَ أو واحِدٌ وثلاثُونَ يوماً في الشَّهر، يتوجَّبُ على الشُّبَّانِ قِراءَةَ إصحاحٍ كُلَّ يومٍ على مدارِ أيَّامِ الشَّهر. وأنا أنصَحُ بأن تَقُومُوا بِوضعِ لائِحَةٍ من إثنَي عشرَ عمُوداً. وفوقَ هذه اللائحة، أي في أعلى هذه العواميد، أكتُبُوا عناوينَ المَواضِيع، مثل: ضَبط النَّفس، النِّساء، تربِيَة الأولاد، وهكذا دوالَيك. وبينما تقرَأُونَ عبرَ هذا الكِتاب، ضَعُوا الشواهِدَ الكتابِيَّة للأمثالِ التي تُعالِجُ هذه المواضِيع. وعندما تنتَهُونَ من ذلكَ، سيَكُونُ لدَيكُم فهرساً موضُوعِيَّاً بالمواضيع الأساسيَّة التي علَّمَها سفرُ الحكمَةِ هذا.

إنَّ كلمات قلب، رُوح، ونفس، مذكُورَةٌ سبعينَ مرَّةً في هذا السِّفر، الأمرُ الذي يُظهِرُ إهتِمامَ اللهِ بقُلُوبِنا، بأرواحِنا، وبِنُفُوسِنا، عندما يُريدُ أن يُعَلِّمَنا كيفَ نعيشُ بإستِقامَةٍ. هُناكَ مثَلٌ واضِحٌ، وهُوَ المُفَضَّلُ عندي بينَ الكثيرِ من أمثالِهِ عندما أقرَأُ هذا السِّفر، وهُوَ: "توكَّلْ على الرَّبِّ بِكُلِّ قَلبِكَ، وعلى فَهمِكَ لا تعتَمِدْ. في كُلِّ طُرُقِكَ إعرِفْهُ وهُوَ يُقَوِّمُ سُبُلَكَ." (أمثال 3: 5- 6).

  • عدد الزيارات: 12255