Skip to main content

الفصلُ الثالِث نُبُوَّةُ عامُوس

كانَ عامُوس جاني جُمَّيز وراعٍ، من قريةٍ صغيرةٍ إسمُها تَقوع، تبعدُ حوالي عشرينَ كيلومتراً جَنوبي أورشليم. دُعِيَ عامُوس من الله للذهابِ شمالاً والكِرازَةِ في مملكة إسرائيل الشماليَّة، قبلَ أن يأتيَ عليها السبي الأشوري بِحوالي خمسين سنةً. من المَعرُوف أنَّ عامُوس خدَمَ في أيَّامِ حُكمِ الملك عُزِّيَّا في المملكة الجنوبِيَّة، الذي إزدَهَرت أُمَّةُ يهُوَّذا في ظلِّ حُكمِهِ، على الصعيدَين العسكَري والمادِّي. لقد كانَ الشعبُ مُقتَنِعاً آنذاك أنَّهُ لم يكُن أيُّ عدُوٍّ يلُوحُ في الأُفق، ولا أيُّ نوعٍ من التهديد. ولكن نُبُوَّةَ عامُوس سوفَ تتكلَّمُ ضِدَّ كُلٍّ من أُمَّة يهُوَّذا المُزدَهِرَة، إلى جانِب مملكة إسرائيل الشمالية.


دينُونَة الله قادِمَة

بدأَ عامُوس نُبُوَّتَهُ ناطِقاً بكلماتٍ أحبَّ سُكَّانُ المملكة الشمالية سماعُها، أنَّ اللهَ سيدِينُ أعداءَهم (1: 3- 2: 3). وبَينَما يُعدِّدُ عاموس هذه الأُمَم ويعظُ عن دينونةِ الله الآتِيَة عليهم، يبتَهِجُ الشعبُ بِسماعِ رسالَتِه. لقد سُرُّوا بأن يسمَعوا عن الدينونة  التي سيُنـزلُها اللهُ بأعدائهم. ولكن سُرعانَ ما يجذِبُ عامُوس إنتباهَهُم بوعظِهِ، حتَّى أخبَرَهُم بالأخبار السيِّئة: إسرائيل ويهُوَّذا كانتا ستُدانانِ أيضاً (2: 4- 8). لقد لامَ عامُوس يهوَّذا على رفضِها نامُوسَ الرَّب وعدم حفظِ وصاياه، ولامَ إسرائيل على الطمع، وإنعِدام العدالة الإجتِماعيَّة، واللاأخلاقِيَّة التي دنَّسَت إسمَ الرَّب.

ويُتابِعُ عامُوس نُبُوَّتَهُ ضِدَّ إسرائيل مُتنبِّئاً عن السبي الأشُّوري فيقول:

"ويبيدُ المَناصُ عن ِالسريع والقَويُّ لا يُشدِّدُ قُوَّتَهُ والبطلُ لا يُنجِّي نفسَهُ. وماسِكُ القوسِ لا يثبُتُ وسريعُ الرِّجلَينِ لا ينجو وراكِبُ الخَيلِ لا يُنجِّي نفسَهُ. والقَويُّ القلبِ بينَ الأبطال يهرُبُ عُرياناً في ذلكَ اليوم يقولُ الربُّ." (2: 14- 16).

عندما وعظَ عاموس بهذهِ الرسالة لمملكةِ إسرائيل الشماليَّة، إستهزَأوا برسالتِهِ عندما تنبَّأَ بهزِيمتِهم على يدِ الأشورِيَّين، لأنَّهُم كانُوا يعيشُونَ في مرحلةِ ازدِهارٍ. ولقد ذكرَ عامُوس بعض المَهارات العَسكَريَّة التي إشتَهَرَت بها المملكة الشماليَّة. ولكن بعدَ خمسينَ سنةً، هُزِمَت المملكةُ الشمالِيَّة وسُبِيَ كُلُّ شعبِها على يد الجَيش الأشُّوريّ.

لقد حاوَلَ عاموس أن يُحَوِّلَ السبي الأشوريّ بتقديمِ فُرَصِ التوبَةِ لإسرائيل (4: 6- 13). فأرسلَ اللهُ لهم الجُوع، وحبَسَ عنهم المطر، وأرسَلَ اللهُ عليهم الأوبِئة والأمراض، ورُغمَ ذلكَ لم يرجِعوا إلى الله (4: 8، 9، 10، 11). فبما أنَّ إسرائيل لم يُعِرِ انتِباهاً لدعوة الله لهُم للتوبَة، تابَعَ عاموس يعِظُ قائلاً أنَّ دينونةَ الله سوفَ تأتي لا مَحالَة، وهذه الدينُونَة ستكُونُ مُستَمِرَّةً، لأنَّ إسرائيلَ لن يرجِعَ أبداً من السبي الأشُّوريّ.

الطريقة التي يتنبَّأُ بها عاموس عن دينونةِ الله هي عن طريقِ تقديمِ خمسِ رُؤىً. فالدينوناتُ التي نراها في أوَّل إثنتين من رُؤاهُ، والتي صوَّرَت وبأَ الجرادِ والنار المُحرِقة، تمَّ تفادِيهِما عندما تضرَّعَ عامُوس طالِباً رحمةَ الله (7: 1-6). ثُمَّ تأتي الرُّؤيا الثالثة للزيج، أو الخيطُ وثَقَّالُ الرصاص، اللذينَ هُما لإظهارِ مقدارِ استقامَةِ الحائط. هذا أظهَرَ لماذا كانَ اللهُ غاضِباً من شعبِهِ: لم يكُن شعبُ اللهِ مُستَقيمين، بل وجدَهُم مُعوجِّين، رافِضينَ لنامُوس الله، ممَّا سبَّبَ غضَبَهُ.

الرؤيا الرابِعة كانت سلَّةَ فاكِهةٍ ناضجةً للإهتراء، الأمرُ الذي أظهَرَ أنَّ دينُونَةَ الله كانَ ينبَغي أن تأتِيَ منذُ زمنٍ طَويل، وأن دينُونَةَ اللهِ عليهِم تُنُبِّئَ عنها في الرُّؤيا الخامِسة، حيثُ وقفَ اللهُ على المذبَح قائِلاً، "إضرِبِ تاجَ العمودِ حتى ترجُفُ الأعتابُ وكسِّرها على رُؤوسِ جميعِهم فأقتُلَ آخِرَهم بالسيف. لا يهرُبُ منهمٌ هارِبٌ ولا يفلتُ منهم ناجٍ." (9: 1). في هذه الرُّؤيا، أظهَرَ اللهُ أنَّ حُكمَهُ على إسرائيل كانَ نِهائِيَّاً. لن ينجُوَ منهُم أحدٌ، ولن يُعفَى عن أحَد. وعلاوَةً على ذلِكَ، فإنَّ دينُونَة الله كانت وشيكَةَ الحُدُوث.


الإمتِيازاتُ الرُّوحيَّة تُضاعِفُ المسؤوليَّة

لم يُحيِّد عامُوس يهوَّذا وإسرائيل من دينُونَة الله على الأُمَم. بدلَ ذلكَ، أخبَرَهُم أنَّ دينُونتَهُم ستكونُ أكثرَ قسوةً من دينُونَةِ الأُمَم الوثنيِّين. فلقد كانت خطاياهُم ذات عواقِب وخيمة أكثَر لأنَّهُم كانُوا يتمتَّعُونَ بإمتِيازاتٍ رُوحيَّة، بسببِ معرِفَتِهِم لكَلِمَةِ الله، ورُغمَ ذلكَ لم يلتَزِمُوا بالعَيش بحسب وصايا وتعاليم كلمة الله. فبِحَسَبِ عامُوس، تُقاسُ المسؤوليَّةُ الرُّوحيَّة بالنسبَةِ للإمتِيازات الرُّوحيَّة، وينبَغي أن تُؤثِّرَ إمتِيازاتُنا الرُّوحيَّة بشكلٍ دينامِيكي على طريقَةِ عيشِنا وحياتِنا.

فالذي نعمَلُهُ حيالَ ما نعلَمُهُ، هو أكثَرُ أهمِّيَّةً ممَّا نعلَمُهُ. نحتاجُ أن نتذكَّرَ أنَّ العَيش بِحَسَبِ ما نعلَمُهُ هو أكثَرُ أهمِّيَّة من إكتِساب المعرِفة. وبينما يظُنُّ العالمُ العِلماني أن المعرِفَةَ بحدِّ ذاتِها هي فضيلة، كرزَ الأنبِياءُ قائِلينَ أن تطبيقَ المعرِفة أو الحِكمة هو الفضيلة.


الوعدُ بالرُّجُوع

لقد وعظَ عاموس، كما فعلَ غيرُهُ من الأنبياء، عن الرجُوعِ النِّهائِي لِشعبِ الله: "في ذلكَ اليوم أُقيمُ مِظَلَّةَ داوُد الساقِطَة وأُحَصِّنُ شُقُوقَها وأُقيمُ ردمَها وأبنِيها كأيَّامِ الدَّهر. لِكَي يَرِثُوا بقِيَّةَ أدُوم وجميعَ الأُمَم الذين دُعِيَ إسمِي عليهِم" (9: 11-12).

تتكلَّمُ هذه النُّبُوَّة عن رُجوعِ شعب إسرائيل رُوحيَّاً إلى إلهِهم. إن هذا الرُّجوع الروحِي بمعنى التوبة، لم يتحقَّق بعد، وهو أكثَرُ أهمِّيَّةً بنظَرِ الله من العودَةِ الجُغرافِيَّة.

  • عدد الزيارات: 9115