الفصلُ العاشِر نُبُوَّةُ حَجَّي
جميعُ الأنبِياء الذين درسناهُم حتَّى الآن عاشُوا وكرزوا قبلَ أو إبَّانَ السبي البابلي. أمَّا حجَّي، زكريَّا، وملاخِي، فيُشارُ إليهِم بأنبياء ما بعد السبي، لأنَّهُم كرزوا لليهُود الذين رجَعُوا من السبي البابليّ. إن أسفار العهدِ القديم التاريخيَّة الإثني عشر تُوفِّرُ الإطارَ التاريخيّ الذي فيهِ عاشَ وخدمَ فيهِ كُلُّ الأنبِياء الذين كتبُوا أسفاراً. ولكي تَقدُرَ الخلفيَّةَ التاريخيَّةَ للأنبياء الثلاثة الأخيرين، إقرَأْ سفر عزرا، أو ما كتبتُهُ عن هذا السفر التاريخي (أي الكُتيِّبين رقم 3 و4)، ممَّا سيُذكِّرُكَ بما تعلَّمناهُ عن الحملات الثلاث للعودَةِ من السبي البابليّ.
لقد كرزَ حجَّي وزكريَّا إلى أُولئكَ الذين كانُوا من بينِ المجمُوعَةِ التي رجَعَت في حملةِ الرُّجُوع الأُولى من السبي البابلي. فلقد حدَثَت حملَةُ الرجُوع الأُولى من السبي، بعدَ وقتٍ قصير من سُقُوطِ الأمبراطُوريَّة البابليَّة بيدِ المادِيِّين والفُرُس. لقد كانَ لحملةِ الرُّجوع الأُولى من السبي مُهمَّةً واضِحةَ المعالِم. لقد كانَ خُطَّةُ حملَةِ الرُّجُوع الأُولى هي إعادة بِناء هيكَل سُليمان. إن هدف هذه المُهِمَّة سيكُونُ في صُلبِ رسالةِ النبيِّين حَجَّي وزكريَّا.
تحقيقاً للنُّبُوَّة المُعجِزيَّة للنَّبي إشعياء، قامَ كُورُوش العظيم، أمبراطور مادي وفارس، بإصدارِ قرارٍ يُشجِّعُ ويدعَمُ المسبِيِّينَ من شعبِ يهوذا، ليرجِعوا ويُعيدوا بِناءَ الهيكل. رُغمَ أنَّ الرُّجُوع لِبِناءِ الهَيكَل كانَ مُعجِزَةً مجيدة، إلا أن عودَتَهُم لم تكُن مجيدَةً أبداً. فلقد رجعَ خمسُونَ ألفاً من المسبيِّينَ اللاجِئينَ بِثيابِهم الرَّثَّة لكي يبنُوا الهَيكَل. لرُبَّما كان منظَرُهم يُشبِهُ إلى حَدٍّ بعيد منظَرَ اللاجِئينَ الذين نسمَعُ عنهُم في أيَّامِنا.
في الماضي كانَ لديهِم جيشٌ مُؤلَّفٌ من ستمائة ألف مُحارِب، وكانَ الجميعُ يخشاهُم، كأولئكَ الذين عاشُوا في مُدُنِ كنعان المُحصَّنة (يشُوع 2: 9- 14). أمَّا الآن، فلم يعُدْ لديهِم أيُّ جيش، ولم يعُودوا حتى أُمَّة. إضافةً إلى ذلكَ، الصدمة وخيبَة الأمل عندما إكتَشَفُوا أنَّ أرضَهُم كانت مسكُونَةً من قِبَلِ أشخاصٍ وثنيِّين أضمَروا لهُم الشرّ. بهذا نكونُ قد قدَّمنا إطاراً للخلفيَّةِ التاريخية للتَّحدِّي الذي واجَهَهُ النبيَّين حجَّي وزكريَّا.
- عدد الزيارات: 13030