Skip to main content

الفصلُ الثانِي رسالة بُولُس الرسُول إلى أهل أفسُس

الصفحة 1 من 5

لقد قضَى بُولُس وقتاً في مدينَةِ أفسُس أكثَر من الوقتِ الذي قضاهُ في أيِّ مكانٍ آخر أسَّسَ فيهِ كنائِس خلالَ رحلاتِهِ الإرسالِيَّة. ففي أفسُس أسَّسَ بُولُس "مدرسة لاهُوت" في مدرسَةِ تيرانُّوس، حيثُ علَّمَ يومِيَّاً من الحادِيَة عشر صباحاً حتى الخامِسة بعدَ الظهر. ولربَّما قامَ تلامذةُ بُولُس برِعايَةِ كنائِس جديدة أسَّستها كنيسةُ أفسُس التي كانَ تيمُوثاوُس قد عُيِّنَ لرِعايَتِها. هذه الكنائِس الجديدة كانت في مُدُنِ سميرنا، برغامُس، ثِياتِيرا، ساردِس، فيلادِلفيا، ولاوُدكيَّة. هذه الكنائِسُ السِّتّ، بالإضافَةِ إلى أفسُس، هي الكنائِسُ السبع التي نقرَأُ عنها في الإصحاحَين الثاني والثالِث من سفرِ الرُّؤيا. لرُبَّما كانت رسالَةُ أفسُس هذه بمثابَةِ رِسالَةٍ شامِلَةٍ قُصِدَ منها أن تُقرَأَ في هذه الكنائِس كافَّةً بالإضافَةِ إلى كنيسةِ كُولُوسي.

لَرُبَّما كانت رِسالَةُ بُولُس إلى الأفسُسِيِّين أعمَقَ رسالَةٍ كتبها بُولُس. إنَّ قلبَ رسالة بُولس هذه نجدُهُ في أفسُس 1: 3: "مُبارَكٌ اللهُ أبُو رَبِّنا يسُوع المسيح الذي بارَكَنا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ في السماوِيَّات في المسيح." يقُولُ لنا بُولُس، "أنتُم لدَيكُم كُلَّ البَرَكاتِ الرُّوحيَّة التي تحتاجُونَها لِكَي تَعيشُوا كمولودِينَ ثانِيَةً، وتحتَ سيطرَةِ الرُّوح." ثُمَّ يُخبِرُنا أنَّ هذه البَرَكات هي، "في السماوِيَّات في المسيح." (عدد 3) يقُولُ بُولُس للأفسُسِيِّين (ولي ولكَ)، أنَّنا لدينا كُلَّ ما نحتاجُهُ لكي نعيشَ كأشخاصٍ رُوحِيِّين في هذا العالم. ولكن، جميع هذه البركات الرُّوحِيَّة هي في السماوِيَّات في المسيح.

لقد كانَت أفسُس وتِلكَ الكنائِس الأُخرى موجُودَةً في ما يُسمَّى اليوم بتُركِيَّا. ففي أيَّامِ بُولُس، كانت المنطَقَةُ المُشارُ إليها بآسيا الصُّغرى تُشكِّلُ النِّصفَ الشَّرقِيّ من الأمبراطُوريَّةِ الرُّومانِيَّة. وبما أنَّ جمالَ أفسُس كانَ خلاَّباً، وكانت مُنتَجَعاً بَحريَّاً، إمتلكَ الأباطِرَةُ وأعضاءُ مجلس الشيُوخ وأغنياءُ رُوما منازِلَ وقُصُوراً فيها. لقد كانَ مجدُ رُوما في أَوْجِهِ عندما كانَ بُولُس في أفسُس.

كانت هُناكَ أُمُورٌ أُخرى في أَوْجِها عندما كانَ بُولُس في أفسُس. اليوم، في أماكِن مثل أفسُس، بإمكانِكَ أن ترى براهينَ من عِلمِ الآثار عن عِبادَةِ الأوثان، وعن اللأخلاقِيَّة، وعنِ الخَلاعة. وهكذا كتبَ بُولُس للمُؤمنينَ في هذا الجزء اللاأخلاقي من الأمبراطُوريَّةِ الرُّومانِيَّة ما معناهُ، "من المُمكِن أن تَعيشُوا كأشخاصٍ مُقدَّسِينَ في الأماكِن السماوِيَّة، في المَسيح، حتَّى في وسطِ الأمبراطُوريَّةِ الرُّومانِيَّة، معَ كُلِّ ما فيها من رذيلَةٍ وفساد."

كتبَ بُولُس عن إختِبارِ إختِطافِهِ للسَّماءِ الثالِثة (2كُورنثُوس 12). يعتَقِدُ المُفسِّرُونَ أنَّ هذا حدَثَ لهُ عندما رُجِمَ في لِسترَة (أعمال 14: 19). أعتَقِدُ أنَّ بُولُس إحتفظَ دائماً بإحدى قدميهِ في السماوِيَّات بعدَ هذا الإختِبار. وهُوَ يُخبِرُنا أنَّهُ بإمكانِنا أن نحيا في المسيح، في السماوِيَّات، بينما نعيشُ هُنا على الأرض. فبِما أنَّ المسيحَ أبدِيٌّ، فنحنُ أيضاً أبديُّونَ بمقدارِ ما نعيشُ حياتَنا في المسيح. يُشيرُ بُولُس إلى هذا "بالعيش في السماوِيَّات في المسيح."

وكما في سائِرِ رسائِلِ بُولُس الرسُول، سنكتَشِفُ في هذه الرِّسالة قِسماً عقائِديَّاً وقِسماً عَمَلِيَّاً. تحتَوي رسالَةُ أفسُس على ستَّةِ إصحاحاتٍ. يعتَقِدُ مُعظَمُ المُفسِّرين أنَّ الإصحاحات الثلاثة الأُولى هي القِسم العقائِديّ أو التعليمي، وأنَّ الإصحاحات الثلاثة الأخيرة، أي 4، 5، و6، هي القسمُ العملي أو التطبيقي من هذه الرسالة.

أعتَقِدُ أنَّ القِسمَ العقائِديّ يستَمِرُّ عبرَ الأعدادِ الستة عشر الأولى من الإصحاحِ الرابِع. في هذه الأعداد الستَّة عشر، يُعلِّمُنا بُولُس بعضَ الحقائِق العظيمة عن الكنيسة. في الإصحاحِ الثالِث، يُخبِرُنا عن سرّ الكنيسة العظيم. والسِّرُّ يعني "سِرَّاً سيُعلَنُ عاجِلاً أم آجِلاً." فإلى أن حانَ مَوعِدُ يومِ الخمسين، لم يعرِفْ أحدٌ أنَّهُ يوماً ما، سوفَ يُجعَلُ اليُهُودُ والأُمَمُ واحِداً في المسيح، وسوفَ يجتَمِعُونَ معاً في الكنيسة. ختمَ بُولُس تعليمَهُ عن الكنيسة في الأعداد الستَّة عشر الأُولى من الإصحاحِ الرَّابِع، مُعَلِّماً إيَّانا كيفَ يُفتَرَضُ بالكنيسةِ أن تعمَلَ.

بالإضافَةِ إلى تعليمِ بُولُس المُوحَى بهِ عن طَبيعَةِ وعملِ الكنيسة، هُناكَ مَوضُوعٌ آخر في رسالَةِ أفسُس. فبما أنَّ بُولُس قضى وقتاً طويلاً في أفسُس – ثلاث سنين ونِصف - وعلَّمَ الكثير في "مدرَسَةِ اللاهُوت،" فإنَ الكلمة المِفتاحِيَّة في الإصحاحاتِ الثلاثَةِ الأُولى هي "تذكَّرُوا." أشارَ بُولُس للأفسُسِيِّين الذين سبق وتمَّ تعليمُهم، بأنَّهُم يعرِفُونَ أصلاً الحقائِقَ التي كانَ بُولُس يُشدِّدُ عليها في هذه الرسالة.

بعدَ أن أخبَرَ بُولُس الأفسُسِيِّين أن يتذكَّرُوا ما سبقَ وتعلَّمُوهُ، بدأَ بالقِسمِ التطبيقيّ من الرسالة في الإصحاحِ الرابِع. هُنا الكلمةُ المِفتاحِيَّةُ هي "أُسلُكُوا." كتبَ يقُولُ: "أسلُكُوا كما يَحِقُّ للدَّعوَةِ التي دُعِيتُم بها." (أفسُس 4: 1). علَّمَ بُولُس الأفسُسِيِّين أن يسلُكُوا بِكُلِّ تواضُعٍ ووداعَةٍ وبِطُولِ أناةٍ مُحتَمِلينَ بعضُهم بعضاً في المحبَّة. بكلماتٍ أُخرى، أن يسلُكُوا بطريقَةٍ تُبرهِنُ الحقيقَةَ التي علَّمَهُم إيَّاها بُولُس عندما كانَ في أفسُس.

بينما تدرُسُونَ رسالَةَ أفسُس، أطلُبُوا من الرَّبّ أن يفتَحَ أعيُنَكُم رُوحِيَّاً لكَي تقدِرُوا أن تتعلَّمُوا "أن تعيشُوا في السماوِيَّات" و"أن تسلكُوا كما يَحِقُّ للدعوةِ" يوميَّاً.

أسمالٌ وأثواب
الصفحة
  • عدد الزيارات: 11498