الفصلُ الثالِث رسالَةُ بُولُس الرسُول إلى أهلِ فيلبِّي
إذ نبدَأُ دِراسَتَنا لرِسالَةِ الرسُول بُولُس للفِيلبِّيِّين، علينا أن نتذكَّرَ أنَّ الكنيسةَ في فيلبِّي كانت قد تأسَّسَت نتيجَةً لرُؤيا سماوِيَّة رآها بُولُس الرسُول. فلقد رأى رَجُلاً يقُولُ، "أعبُر إلى مكدونية وأَعِنَّا." (أعمال 16: 9). إنَّ إنتِشارَ الإنجيل والحضارَة من الشَّرقِ إلى أُورُوبَّا وباقي الغرب كانَ نتيجَةً لهذه الرُّؤيا السماوِيَّة.
بعدَ أن تركَ بُولُس فِيلبِّي، أصبَحَت فِيلبِّي كنيستَهُ المُفضَّلَة. والكلمةُ التي تَصِفُ الرابِطَ بينَ بُولُس وكنيسة فيلبِّي هي كلمة "شَرِكَة." ويُشيرُ بُولُس إلى كنيسةِ فيلبِّي بعبارَة "شَرِكَةٌ في الإنجيل." (فيلبِّي 1: 5) هذه صُورَةٌ جميلَةٌ عمَّا ينبَغي أن تكُونَهُ كُلُّ كنيسةٍ اليوم. فالكنيسَةُ هي مُؤسَّسَة تُوجَدُ لِخَيرِ غَيرِ أعضائِها، لأنَّ هدَفَها هُوَ تطبيقُ المأمُوريَّة العُظمى وإيصال الإنجيل إلى العالم الخارِجي.
كانت كنيسةُ فيلبِّي كنيسةَ بُولُس النمُوذَجِيَّة، لأنَّها كانت كنيسةً إرسالِيَّة. بإمكانِكُم أن تروا هذا في الإصحاحِ الأوَّل من الرِّسالة، إذا لاحظتُم كم مرَّةً ذكرَ بُولُس كلمة إنجيل.
إنَّ رِسالَةَ بُولُس إلى الفِيلبِّيِّين ليسَت بالحقيقَةٍ رسالةً تعليميَّة؛ بَل هي رسالَةُ محبَّة. إنَّها رسالةُ شُكرٍ جميلَةٌ ومُوحَى بها. فلقد كانت كنيسةُ فيلبِّي مركزَ دعم بُولُس لمُساعدتِهِ مالِياً بينما كانَ يخدُمُ شُعوباً في مُدُنٍ أُخرى.
إنَّ رِسالَةَ بُولُس إلى الفِيلبِّيِّين كانت أيضاً واحِدَةً من "رسائِلِ السجن." فالرسائِلُ إلى أهلِ أفسُس، فيلبِّي، كُولُوسِي، فيلمُون، وتيمُوثاوُس الثانِيَة، تُسمَّى جميعُها رسائِلَ السجن، لأنَّها كُتِبَت عندما كانَ بُولُس في السجن. تابَعَ المُؤمِنُونَ الفِيلبِّيُّون دعمَ بُولُس خِلالَ سجنِهِ، بإرسالِهم لهُ تقدِمات. ولِكَي يشكُرَ بُولُس الفِيلبِّيِّين على تقدمتِهم، كتبَ لهُم قائِلاً، "لَستُ أطلُبُ العَطِيَّة بَل أطلُبُ الثَّمرَ المُتكاثِرَ لِحِسابِكُم." (فيلبِّي 4: 17) لقد عرفَ بُولُس أنَّ اللهَ سيُكافِئُ الفيلبِّيِّينَ كثيراً على إرسالِهم مُساعدةً لهُ.
تُقدِّمُ لنا الإصحاحاتُ الأربَعة من فِيلبِّي وصفاً للحياةِ المُتَشَبِّهَة بالمسيح. إنَّ موضُوعَ الإصحاح الأوَّل هُوَ "فلسَفَة ورغبَة العيش مثل المسيح." هُنا يُظهِرُ لنا بُولُس من حياتِهِ الشخصيَّة كيفَ نعيشُ كأتباع ليسُوع المسيح.
في الإصحاحِ الثاني يكتبُ بُولس عن "نماذِج الحياة المُتَشبِّهة بالمسيح." يُعطينا بُولُس عِدَّةَ أمثِلَة عن أشخاصٍ شكَّلُوا كُلاً من الفلسفَةِ والرغبَةِ بالإقتِداءِ بالمسيح.
في الإصحاحِ الثالِث، يكشِفُ بُولُس عنِ "القصد والمُكافَأة للإقتداءِ بالمسيح." وكما فعلَ أكثرَ من مرَّة في سفرِ الأعمال، ذكرَ ثانِيَةً إختِبارَهُ على طريقِ دمشق. هذه المرَّة ركَّزَ على نتائج هذا الإختِبار. وخلالَ ذلك يُخبِرُنا كيفَ يُمكِنُ معرِفة إرادة الله. يُسمِّي بُولُس إرادَةَ الله "جعالَة دعوة الله العُليا في المسيح يسُوع." (فيلبِّي 3: 14) يُخبِرُنا كيفَ نجدُ هذه المُكافأة أو الجعالة، أي كيفَ نكتَشِفُ لنُفُوسِنا دعوة الله العُليا في المسيح يسُوع.
في الإصحاحِ الرابِع، يضعُ بُولُس أمامَنا إصحاحاً عمَلِيَّاً جداً، الذي يُمكِنُنا تَسمِيتُهُ "توصِيَةُ بُولُس للإقتِداءِ بالمسيح." بكلماتٍ عمليَّةٍ جداً، يُخبِرنا بُولُس كيفَ نعيشُ في المسيح، ونُركِّزُ أفكارَنا على موضُوع حفظ الله لنا في حالةِ السلام الشخصيّ.
وإذا نظَرنا من هذا المِنظار، دعُونا نَنظُرُ الآن إلى رسالة بُولُس إلى كنيستِهِ المُفَضَّلَة، إصحاحاً بعدَ الآخر.
- عدد الزيارات: 16476