الفَصلُ الرَّابِع فيما يتعلَّقُ بالأُمُورِ الرُّوحيَّة
(1كُورنثُوس 12: 1- 11)
بينما نقتَرِبُ من الإصحاح 12، نَصِلُ إلى قسمٍ جديدٍ رَئيسيّ في هذه الرِّسالة الرَّاعويَّة الرائعة. الإصحاحات الأحد عشر الأُولى هي القسم التَّصحِيحيّ، وهُنا نقتَرِبُ من الإصحاحاتِ التَّعلِيميَّة في هذه الرِّسالة.
في الإصحاحات الأحد عشر الأُولى، يكتُبُ بُولُس حُلُولاً خاصَّةً لمشاكِلَ خاصَّة، بينما يُعالِجُ المشاكِل التي أُخبِرَ عنها من أهلِ خُلُوي، ومِنَ الرسالة التي إستَلَمَها من هذه الكَنيسة. ولكن الآن، في الإصحاحاتِ المُتَبَقِّيَة، سيُقَدِّمُ بُولُس حُلولاً رُوحيَّةً عامَّة يُمِكنُها أن تُنهِيَ المشاكِل في كنيسةِ كُورنثُوس وفي كنائِسِ اليومِ على حَدٍّ سواء.
الإصحاحاتُ الثلاثة الأُولى من قسمِ الحُلولِ الشامِلة هذا، يُمكِنُ تسمِيتُهُ، "مُهِمَّةُ الرُّوحِ القُدُس." يُخبِرُ بُولُس الكُورنثُوسيِّين، كما ويُخبِرنا نحنُ أيضاً، كَيفَ يُريدُ الرُّوحُ أن يعمَلَ في كنيسة.
لا يسَعُكَ إلا أن تتساءَلَ عن الحالَةِ الرُّوحيَّة التي كانَ فيها هؤُلاء الكُورنثُوسيِّون. لقد دعاهُم بُولُس "قِدِّيسين،" ورُغمَ ذلكَ تكلَّمَ فيما بعد عن كُلِّ مشاكِلِهم. ثُمَّ سمَّاهُم "جسديِّين" وأخبَرَهم أنَّهُم أطفالٌ في الرُّوح. عندما نَصِلُ إلى الإصحاح الثَّاني عشَر، نأخُذُ التحليلَ الذي يُقدِّمُهُ الرَّسُولُ بُولُس لحالَةِ الكُورنثُوسيِّين الرُّوحيَّة: لقد كانَ الكُورنثُوسيُّونَ جُهَّالاً رُوحيَّاً! لم يكُونُوا جُهَّالاً لحقيقَةِ الرُّوحِ القُدُس، بل كانُوا جُهَّالاً فيما يتعلَّقُ بمُهِمَّةِ الرُّوحِ القُدُس في الكنيسةِ المَحَلِّيَّة.
في الإصحاح 13، يُعالِجُ بُولُس ما يُسمَّى في أماكِنَ أُخرى "ثمرَ الرُّوح." (غلاطية 5: 22، 23) هُناكَ مُهِمَّتانِ أساسِيَّتانِ لِعَمَلِ الرُّوحِ القُدُسِ في حياةِ المُؤمنين. أحدُهُما هُوَ عملُ الرُّوحِ القُدُسِ فينا، والذي دعاهُ يسُوعُ بالولادَةِ الجديدة. ولكن إن بحثتُم على حرفِ الجرّ "على" بينما تقرَأُونَ سفرَ الأعمال، ستَرَونَ أنَّ الرُّوحَ يعمَلُ عملاً يَحِلُّ علينا، لكَي يعمَلَ من خلالِنا كأدواتٍ بَشَريَّة.
إنَّ عمَلَ الرُّوحِ القُدُسِ الذي يحِلُّ علينا يتَّحِدُ بالخِدمة. وبُرهانُ أو دليلُ عملِ الرُّوحِ فينا هُوَ ثَمَرُ الرُّوح. وبُرهانُ حُلُولِ الرُّوحِ القُدُسِ علينا لكي يستخدِمَنا في الخدمة هو ما يُسمِّيهِ بُولُس، "مواهِب الرُّوح." إنَّ مواهِبَ الرُّوحِ تُؤَهِّلُنا لأنواعٍ مُختَلِفَةٍ من الخدمة. يُخبِرُنا بُولُس في الإصحاح 12 كيفَ يعمَلُ الرُّوحُ القُدُسُ في كَنيسة.
يُقدِّمُ بُولُس حلَّهُ الرُّوحِيُّ الثَّاني في الإصحاح 13. هذا هُوَ إصحاحُ المَحبَّةِ العظيم في الكتابِ المقدَّس. يُخبِرُنا هذا الإصحاحُ أنَّ المحبَّةَ هي أعظَمُ بُرهانٍ عن عملِ الرُّوحِ فينا. وجَوهَرُ إصحاحِ المحبَّةِ هو أنَّ عملَ الرُّوحِ الذي حلَّ علينا لا يُمكِنُ بتاتاً أن يَحُلَّ محَلَّ ديناميكيَّة عمل الرُّوح فينا. هُناك مبدأٌ غالِباً ما يُطَبَّقُ في كلمةِ اللهِ وهُوَ التَّالي: "ليسَتِ القَضِيَّةُ إمَّا واحد أو الآخر، بل الإثنانِ معاً." علينا جميعاً أن نُصَلِّيَ لمُجعِزَةِ عملِ الرُّوحِ القُدُسِ فينا وعلينا.
في الإصحاح 14، يُعلِّمُنا بُولُس عن الترتيب الذي ينبَغي أن يسُودَ بينَنا، عندما يعمَلُ الرُّوحُ القُدُسُ عملَهُ فينا وعلينا. هذه الإصحاحاتُ العَظيمَةُ، حيثُ يُعلِّمُ بُولُسُ الكُورنثُوسيِّين، ويُعلِّمُنا نحنُ أيضاً عن الأُمُورِ الرُّوحِيَّةِ، تُشكِّلُ قلبَ هذه الرِّسالة.
يُقدِّمُ بُولُس حَلَّهُ الرُّوحي الرِّابِع في الإصحاح 15، حيثُ يكتُبُ تُحفَةً لاهُوتيَّةً عنِ القِيامة. ليسَ فقط عن موت وقيامةِ المسيح، والتي هي إنجيلُ يسُوع المسيح الذي يُخَلِّصُنا، بل أيضاً عن قيامتِنا نحنُ، سواءٌ قيامتنا في آخِرِ الأيَّام، أو في إختِبارِ قُوَّةِ القيامَةِ يوميَّاً، الأمرُ الذي يُعطينا نُصرَةً على الخطيَّة.
سوفَ يُقدِّمُ بُولُس حلاً رُوحيَّاً خِتامِيَّاً في الإصحاح 16، عندما يُعطي تعليماتٍ لجَمعِ تقدِمَةٍ للإخوت المُتألِّمينَ في أُورشَليم. الإصحاحُ الأخيرُ من هذه الرِّسالة هُوَ أكثَرُ من مُلحَقٍ أو إصحاحٍ ختامِيٍّ أو تحَيَّات ختاميَّة. يَضَعُ بُولُس عن قصدٍ التلمَذَةَ بينَ الأُمُورِ الرُّوحيَّةِ التي تُشكِّلُ حُلُولاً شامِلَةً لمشاكِلِ هذه الكنيسة.
إذاً لدينا توجِيهاتٌ تَصحيحيَّةٌ لما يُسمِّيهِ بُولُس "الجسَديَّات" في إصحاحاتهِ الأحد عشر الأُولى من هذه الرِّسالة، وحُلولٌ رُوحيَّةٌ عامَة لِكُلِّ مشاكِلِ الكنيسةِ في كُورنثُوس وفي كنائسنا اليوم، وذلكَ من الإصحاحات 12 إلى 16.
هُناكَ مُلاحظتانِ علينا أن نُقَدِّمَهُما في هذا القسم الثَّاني من رِسالَةِ بُولُس الرَّسُول الأُولى إلى أهلِ كُورنثُوس. كتبَ بُولُس يقُولُ أنَّهُ من الخطأ أن نجهَلَ مُهِمَّةَ الرُّوحِ القُدُس. والتحذيرُ الذي نسمَعُهُ عبرَ رسائِلِ بُولُس بكامِلها هُوَ، "لستُ أريدُكُم أن تجهَلُوا." تأكَّدُوا من أن تُلقُوا نظرَةً أُخرى على نهايَةِ الإصحاحِ الرَّابِع عشَر، حيثُ يكتُبُ بُولُس قائِلاً: "إن كانَ أحدٌ يَحسِبُ نفسَهُ نَبِيَّاً أو رُوحِيَّاً فَليَعلَمْ ما أكتُبُهُ إليكُم أنَّهُ وَصايا الرَّبّ. ولكن إن يَجهَلُ أحدٌ فَليَجهَل." (1كُورنثُوس 14: 37، 38).
يُقدِّمُ بُولُس حقائِقَ رُوحيَّةً راِئعة في هذه الأصحاحاتِ الثلاثة، وفي نهايتها يقُولُ ما معناهُ: "إن كُنتُم أشخاصاً رُوحِيِّينَ بِحَقّ، عندها ستَعتَرِفُونَ بأنَّ الحَقائقَ التي كتبتُها هُنا هي وصايا الرَّب. ولكن بعدَ أن أكُونُ قد شارَكتُها معكُم، إذا بَقيتُم جُهَّالاً، فالسببُ هُوَ أنَّكُم تختارُونَ أن تَكُونُوا جُهَّالاً، وأنا أختارُ أن أحتَرِمَ إختِيارَكُم وأتُرَكَكُم في جهلِكُم."
يكتُبُ بُولُس في إصحاحاتِ الحُلُولِ الرُّوحِيَّةِ الشامِلة هذه، أنَّهُ من الخَطَأ أن نتجاهَلَ مُهِمَّةَ الرُّوحِ القُدُس. فإن كُنتُم تَفهَمُونَ من دراسَةِ هذه الإصحاحاتِ كيفَ يُريدُ الرُّوحُ القُدُسُ أن يعمَلَ في هذا العالم، وإختَرتُم أن تجهَلُوا عملَ الرُّوحِ القُدُس، فأنتُم تكُونُونَ غير طائعين، وقد تُفَوِّتُونَ على أنفُسِكُم خدمةً رائعةً كمُؤمنين. ويُخبِرُنا بُولُس أيضاً أنَّهُ من الخَطأِ أن نُؤلِّهَ بعضَ مواهِبِ وعلاماتِ الرُّوحِ القُدُس.
- عدد الزيارات: 3168