Skip to main content

الفَصلُ السَّادِس "التَّعريفُ الحَيُّ للإيمان"

عندَما يُريدُ اللهُ أن يُوصِلَ فِكرَةً عظيمَةً، يُغَلِّفُ تلكَ الفِكرَة في حياةِ شَخص. وكما أشرتُ سابِقاً، في أوَّلِ سفرٍ من أسفارِ الكتابِ المقدَّس، يُريدُنا اللهُ أن نستَوعِبَ مفهُومَ الإيمان. لِهذا، يُعَرِّفُنا على هذا الرَّجُل إبراهيم. عندما نَلتَقِي بهِ، نجدُ إسمَهُ أبرام، الذي يعني، "أب أبناء كَثيرين." ولكنَّهُ كانَ في الخامِسَةِ والسَّبعينَ من عُمرِهِ، ولم يَكُنْ لدَيهِ أيُّ إبن. تصوَّرْ هذا الرَّجُلِ العجُوز يُعَرِّفُ عن نفسِهِ بأنَّهُ "أبُو أبناءٍ كثيرين." لَرُبَّما سألَهُ النَّاسُ، "كم إبناً لدَيكَ أيُّها الشَّيخ العَجُوز؟"

ثُمَّ تصَوَّرُوهُ يَشرَحُ قائِلاً أنَّهُ لم يَكُنْ لدَيهِ أيُّ ولَد بتاتاً، ولكن إن كانَ بإمكانِكُم أن تَعُدُّوا نُجومَ السَّماء، أو الرَّمل الذي على شواطِئِ بحارِ هذا العالم، عندَها ستُكَوِّنُونَ فِكرَةً عمَّا سيَكُونُ عددُ نسلِهِ يوماً ما. وإذا سألُوهُ كيفَ عرفَ أنَّ هذا الأمر سيَتَحَقَّقُ، لَرُبَّما كانَ يُجيبُ سائِليه، "اللهُ أخبَرَني بِذلكَ!"

وإذا إستَفَضْتُم في إستِخدامِ خيالِكُم إلى ما هُوَ أبعد من ذلكَ، وتفكَّرتُم بأُولئِكَ النَّاس الذين رأوه بعدَ بِضعِ سنواتٍ وسألُوهُ، "يا أبرام، هل صارَ عندَكَ بَنين؟" لَرُبَّما كانَ يُجيبُ، "منذُ أن رأيتُكُم للمَرَّةِ الأخيرة، غَيَّرَ اللهُ إسمِي من "أبرام" إلى "إبراهيم"، الذي يَعني، أبو أُمَمٍ منَ البَنين!" وإذا أجابُوهُ بالقَول، "حسناً، ينبَغي أن يَكُونَ لدَيكَ إبنٌ واحِدٌ على الأقلّ." لَرُبَّما كانَ يُجيبُ، "كلا، بالحقيقَةِ ليسَ لي إبنٌ. ولكن..." ثُمَّ َيُكَرِّرُ مواعِيدَ اللهِ عن أنَّ نسلَهُ سيَكُونُ كنُجُومِ السماءِ في الكثرة وكالرَّملِ الذي على شاطِئِ البَحر.

المُعجِزَةُ هي أنَّ كُلَّ يَهُودِيٍّ، وكُلَّ عَرَبِيٍّ مُسلِم، وكُلَّ مَسيحيٍّ في هذا العالم، يعتَبِرُ أنَّ إبراهيمَ أباهُ. هل تَرونَ لماذا يَذكُرُ كُتَّابُ الأسفارِ المُقدَّسة إسمَ إبراهيم عندما يُحاوِلُونَ أن يُعَلِّمُونَا عنِ الإيمان؟

في دِراسَتِي لِسِفرِ التَّكوين، قُلتُ أنَّهُ في الإصحاحاتِ الأحد عشَر الأُولى من هذا السِّفر، يُسَجِّلُ اللهُ لنا بدايَة الكَون، الأرض، الرجُل، المرأة، الزَّواج، العائِلة، الخَطيَّة، النِّزاع، الحُكم أو الدَّينُونة، اللُّغات، والأُمَم القَديمة التي يعتَبِرُها اللهُ جديرَةً بالذِّكر. والإصحاحاتُ الثَّمانِية والثَّلاثُون الباقِيَة تُسَجِّلُ دراسَةَ ثلاثَةِ شَخصِيَّاتٍ، لأنَّ اللهَ يعرِفُ أنَّ النَّاسَ مُهتَمِّينَ بالأشخاصٍ، ونحنُ نتعلَّمُ مفاهِيمَ هامَّة عندما يُغَلِّفُ اللهُ هذه المفاهيم في غلافِ شخصِيَّاتٍ بَشَريَّةٍ.

الإيمانُ هُوَ المفهُومُ الهامُّ الذي يُغَلِّفُهُ اللهُ في حياةِ إبراهيم. خلالَ قِراءَتِنا لِرسالَةِ رُومية، هذه التُّحفة اللاهُوتيَّة لبُولُس الرَّسُول، والتي تتكلَّمُ بِمُجمَلِها عن التَّبرير بالإيمان، بإمكانِنا أن نرى لماذا يُعطي اللهُ هذا المقدار منَ الأولويَّة في المساحَة الكِتابِيَّة ليُخبِرَنا عن شَخصٍ يُرينا ما هُوَ الإيمان. فالإيمانُ هُوَ إيجادُ الإنسانِ للهِ وثِقَتُهُ بهِ، وإيجادُ اللهِ للإنسان. إذا راجعتُم دِراسَتي لسفرِ التَّكوين، ستَجِدُونَ أنَّني أتعقَّبُ أثَرَ ما تعلَّمناهُ عنِ الإيمان، خلالَ قراءَتِنا عن كيفَ وجدَ اللهُ إبراهيم وكيفَ وجدَ إبراهِيمُ اللهَ الذي سبقَ وفتِّشَ عنهُ ووجدَهُ.

إذ يَجِدُ بُولُس الرَّسُول تعريفَهُ الحَيُّ للإيمان في شَخصِ إبراهيم، يُرَكِّزُ على واحِدَةٍ من أكثَرِ ظُهُورِاتِ الله الدّراماتيكيَّة لهذا الإنسان، عندما كانَ يُقارِبُ المئة سنة منَ العُمر. وكانَ اللهُ قد غَيَّرَ إسمَهُ للتَّوِّ، وكرَّرَ وعدَهُ عن نسلِ إبراهيم الذي سيَكُونُ مثلَ نُجومِ السَّماءِ ورملِ البَحرِ في الكَثرة. في مُناسَبَةِ ظُهُورِ اللهِ لإبراهيم، أظهَرَ اللهُ لإبراهيم، بطَريقَةٍ حرفِيَّةٍ وديناميكيَّة، أنَّ إلهَهُ كانَ في عهدٍ وثيقٍ معَهُ.

لم تَكُن القَوانين المُلزِمَة مَوجُودَةً في تلكَ الأيام التي سارَ فيها إبراهيم رحلَةَ إيمانِهِ. ففي تلكَ الأيَّام، إرتَبَطَ بقاءُ رَجُلٍ ثَرِيٍّ مثل إبراهيم على كَونِهِ في عَهدٍ، أو على المُعاهداتِ التي أقامَها معَ رجالٍ آخرينَ أغنياء وأقوياء مثلَهُ. فالحمايَةُ الوحيدَةُ التي تمتَّعَ بها رَجُلٌ مثل إبراهيم من مخاطِرِ اللُّصُوصِ والأعداء كانَ علاقَةَ العهدِ معَ رَجُلٍ آخر، بإمكانِهِ أن يَهُبَّ لِنَجدَةِ إبراهيم عندَ الحاجَة، مُجنِّداً لذلكَ الهَدَف الذين يستَخدِمُهُم ضدَّ العدوّ المُشتَرك.

وعندما كانُوا يدخُلُونَ في هكذا عهد، كانَ لدَيهم طَقسٌ معقَّد، كانَ يُصبِحُ رَسمِيَّاً وسارِيَ المفعُول عندَ مَسيرَةِ العهدِ وختمِ العهد الذي كانَ يقطَعهُ الطَّرفانِ لبَعضِهِما البَعض. كانَ إحتِفالُ قطعِ العهدِ يبدَأُ بِوُقُوفِ الطَّرَفَينِ مُقابِلَ بَعضِهِما البَعض، تتوسَّطُهُما ذَبيحَةٌ حيوانِيَّة. وكانت مسيرَةُ العهدِ تجري بعدَ أن يمشِيَ كُلٌّ منهُما وسطَ قِطعِ الذَّبيحة المفصُولَة إلى شِقَّين، ثمَّ يستَديرُ في دائِرَةٍ كامِلة، ثُمَّ يجتازُ عبرَ شِقَّي الذَّبيحَةِ ثانِيَةً ويدُورُ دورَةً ثانِيَة بالإتِّجاهِ المُعاكِس. فكانَ شَكلُ مَسيرَةِ العَهدِ يُشبِهُ عدد ثمانِيَة بالأجنَبِيَّة: 8.

بَينَما كانَ هَؤُلاء يَسيرُونَ مَسيرَةَ العهد، كانُوا يَضَعُونَ سَيفاً ويُحَمُّونَهُ بالنَّارِ جانِباً. ثُمَّ كانُوا يختُمُونَ العهدَ بوضعِ السَّيفِ المُحمَّى بالنَّارِ على ساعِدِ كُلٍّ منَ الطَّرفَينِ المُتعاهِدَين. وكانَ هذا بالطَّبعِ يحرُقُ ويترُكُ سِمَةً تبقى على جِلدِ حامِلِها مدى الحياة. فعندما كانَ الأعداءُ المُحتَمَلُونَ يَرَونَ علامَةَ عهدٍ، كانُوا يَعرِفُونَ أنَّ هكذا شَخص كانَ في عَهدٍ معَ قُوى أُخرى إمَّا مُساوِيَة لهُ أو أقوَى منهُ. فإذا هاجَمُوهُ، كانَ عليهِم أن يُحارِبُوا أيضاً الطَّرفَ الآخر الذي تعاهَدَ معَهُ الذي يُحارِبُونَهُ.

جميعُ ظُهُوراتِ اللهِ لإبراهيم، حيثُ وعدَ اللهُ إبراهيم بأنَّ نسلَهُ سيَكُونُ كثيرَ العدد، كانت بمثابَةِ عهدٍ قطَعَهُ اللهُ معَ إبراهيم. في الإصحاحِ الخامِس عشَر من سفرِ التَّكوين، كَرَّرَ اللهُ عهدَهُ لإبراهيم، وأمرَهُ بأن يُعِدَّ ذَبيحَةً. ثُمَّ أوقعَ على إبراهيم سُباتاً عميقاً.

عندَما أيقَظَ اللهُ إبراهيم من سُباتِهِ، رأى إبراهِيمُ شُعلَةً منَ النَّارِ تتجوَّلُ فوقَ الذَّبيحَةِ التي أعدَّها، والتي تتبَعُ بمَسيرَتِها شكلِ ثمانِيَة بالأجنَبِيَّة، إشارَةً إلى العهد. عبرَ هذه الصُّورَة المجازِيَّة المَهُوبَة، كانَ اللهُ يَقُولُ لإبراهيم، "أنا في عهدٍ معكَ." بعدَ ذلكَ نقرَأُ العَدَدَ الذي يقتَبِسُهُ بُولُس من تفاصِيلِ هذا الإختِبار: "آمنَ إبراهِيمُ باللهِ، فحَسِبَهُ لهُ بِرَّاً." (تكوين 15: 6، 22؛ رُومية 4: 3).

قِصَّةُ هذا الرَّجُل كما هِيَ مُدَوَّنَةٌ في سفرِ التَّكوين، تُغَطِّي حوالَي خمسةً وعشرينَ سنَةً من حياتِهِ. نحتاجُ أن نتذكَّرَ أنَّ اللهَ يُريدُنا أن نقرَأَ هذه القصَّة بكامِلِها، ومن ثَمَّ أن نُدرِكَ أنَّ القِصَّةَ بكامِلِها مُدَوَّنَةٌ لتُظهِرَ لنا ولتُخبِرَنا بِتَعريفِ كلِمَةٍ واحِدَة: إيمان.

يُرَكِّزُ بُولُس فَقَط على عددٍ واحِدٍ من هذه القِصَّة الرَّائِعة، الذي يُعلِنُ أنَّهُ عندما رأى إبراهيمُ الشُّعلَةَ الخارِقَةَ للطبيعة تتحرَّكُ فوقَ قِطَعِ الذَّبيحة، صدَّقَ اللهَ. فهُوَ لم يُؤمِن فقط بِوُجُودِ اللهِ، بل آمنَ بعهدِ اللهِ معَهُ. كانَ إلهُهُ يَقُولُ لهُ شَيئاً، فآمنَ بما قالَهُ لهُ الله. عندما رأى اللهُ أنَّ إبراهيمَ آمنَ بهِ وصدَّقَهُ، قدَّمَ التَّصريحَ أنَّهُ حَسِبَ إيمانَ إبراهيمَ لهُ بِرَّاً.


التَّطبيقُ الأساسيُّ

التَّطبيقُ الأوَّلِي الذي يَقُومُ بهِ بُولُس عنِ إبمانِ إبراهيم في هذا الإصحاح، هُو عندما رأى اللهُ أنَّ إبراهيمَ آمنَ بهِ، فأعلنَ اللهُ إبراهيمَ بارَّاً. وخلالَ قيامِهِ بهذا التَّطبيق، يُوضِحُ الرَّسُولُ بُولُس ويُطَبِّقُ الحقيقَةَ التي رأيناها في الإصحاحاتِ الأربَعة الأُولى من هذه الرِّسالة. لقد أخبَرَنا في هذه الإصحاحات ما عَمِلَهُ اللهُ في ومن خلالِ المسيح، وما يُريدُ اللهُ منِّي ومنكَ أن نعملَ حيالَ هذا الأمر. فاللهُ يُريدُنا أن نُؤمِنَ ونَثِقَ بهِ عندما يُخبِرُنا بما عمِلَهُ من خلالِ يسُوع المسيح.

يستَخدِمُ بُولُس حياةَ وإيمانَ إبراهيم ليُظهِرَ لنا ماذا يعني أن نُؤمِنَ باللهِ عندما نسمَعُ ما عمِلَهُ اللهُ من أجلِنا بالمسيح. يُخبِرنا بُولُس هُنا ما جَوهَرُ معناهُ أنَّ اللهَ نظَرَ إلى إبراهيم، وإبتَسَمَ وقالَ، "لقد أخبَرتُ هذا الرَّجُل العَجُوز شيئاً، وهُوَ آمنَ بِي وصَدَّقَني. ولقد أعجَبَني هذا! لهذا فسوفَ أُعلِنُهُ بارَّاً، لأنَّني أخبَرتُهُ بِشَيءٍ فصدَّقَني وآمنَ بي."

هذه الرِّسالَة هي بمُجمَلِها عنِ التَّبرير، الذي هُوَ مُعجِزَةُ اللهِ بإعلانِ الخُطاةِ أبراراً. يُطَبِّقُ بُولُس تعليمَهُ عنِ التَّبريرِ بالإيمان، وذلكَ بِتَقديمِ هذا المِثال عن إيمانِ إبراهيم. هذا التَّطبيق هُوَ أنَّنا عندَما نسمَعُ الأخبارَ السَّارَّةَ أنَّ اللهَ سيُعلِنُنا أبراراً، بِبَساطَةٍ لأنَّنا آمنَّا بإنجيلِ يسُوع المسيح، علينا أن نُؤمِنَ باللهِ تماماً كما آمنَ إبراهيمُ باللهِ، فأعطاهُ اللهُ عَطِيَّةَ البِرّ.

يُتابِعُ بُولُس بالقَولِ أنَّنا عندَما نفعَلُ هذا، نختَبِرُ ونُعَبِّرُ عن الإيمان نفسِهِ الذي كانَ تمتَّعَ بهِ إبراهيم عندما آمنَ باللهِ، فحَسِبَهُ اللهُ لهُ بِرَّاً. كُلُّ من يُؤمِنُ كما آمنَ إبراهيم، هُوَ واحِدٌ من أبناءِ إبراهيم. فعندما نُؤمِنُ بإنجيلِ التَّبرير الذي أعلَنَهُ بولُس في هذهِ الرِّسالة، نُصبِحُ "يَهُوداً بالرُّوح."

ثُمَّ يُتابِعُ بُولُس بمُخاطَبَةِ اليَهُود الذينَ يُشبِهُونَ شاوُل الطَّرسُوسِيّ، الذي كانَهُ هُوَ في الماضِي، عندما يُشيرُ إلى أنَّ اللهَ أعلنَ إبراهيمَ بارَّاً قبلَ أن يختَتِنَ إبراهيمُ: "وأخذَ علامَةَ الختانِ، ختمَاً لبِرِّ الإيمان، الذي كانَ في الغُرلَةِ، لِيَكُونَ أباً لِجَميعِ الذينَ يُؤمِنُونَ وهُم في الغُرلَةِ كَي يُحسَبَ لهُم أيضاً البِرّ. وأباً لِلختانِ للذينَ ليسُوا منَ الخِتانِ فقط بل أيضاً يسلُكُونَ في خُطُواتِ إيمانِ أبينا إبراهيم الذي كانَ وهُوَ في الغُرلَة." (رُومية 4: 11، 12).

كانَ الخِتانُ ختمَ العَهدِ بينَ اللهِ وإبراهيم. ولكن، تماماً كما أنَّ المعمُوديَّةَ لا تُخَلِّصُنا، بل هي ختمُ عهدِ إيمانِنا معَ الله للخلاصِ، يُشَدِّدُ بُولُس على نُقطَةِ أنَّ الخِتانَ لم يُحَقِّقْ البِرَّ لإبراهيم، ولا لأيٍّ من نسلِهِ من بعدِهِ.

يُشيرُ بُولُس إلى هذه النُّقطَة عينِها عندما يَشرَحُ معنى الكلمة التي تُخبِرُنا أنَّ هذا البِرّ كانَ "محسُوباً" على إبراهيم. فبِحَسَبِ بُولُس، لا تعني الكلمةُ أنَّنا قدِ إكتَسَبنا البِرَّ مثل الأُجرة التي نكتَسِبُها على نهارِ عمَلٍ جَيِّد. بَل تعني بالتَّحديد العَكس. فهذا البِرّ كانَ هِبَةً مَمنُوحَةً مجَّانِيَّاً على إبراهيم لأنَّهُ آمنَ بالله.

ثُمَّ يَربِطُ بُولُسُ بينَ وُعودِ عهدِ اللهِ لإبراهيم، بِخُصُوصِ نسلِهِ الذي سيَكُونُ مثلَ نُجُومِ السَّماءِ في الكَثرة وكالرَّملِ الذي على شاطئِ البَحر، وبينَ الحقيقةِ المَجيدة أنَّ كُلَّ أُولئكَ الذين آمنُوا بإنجيلِ التَّبريرِ بالإيمان هُم أولادُ إبراهيم. فكون إبراهيم كانَ مَوعُوداً بأنَّهُ سيَكُونُ أباً لجماهيرَ منَ الأُمم، عندما لم يَكُنْ مختُوناً بعد، يعني أنَّهُ لم يكتَسِبْ بِرَّهُ من خلالِ الختان. يعتَقِدُ بُولُس أنَّ الوعدَ أُعطِيَ لإبراهيمَ أيضاً، لأنَّهُ صَوَّرَ حقيقَةَ كَونِهِ أبي الذين في الختان، أو الأُمَم الذين يُؤمِنُونَ باللهِ عندما يخبِرُهُم اللهُ بما فعلَهُ لأجلِهِم بالمسيح.

كتبَ بُولُس عن هذه الحقيقة عَينِها للغلاطِيِّين (غلاطية 3: 6- 9). يقصُدُ بُولُس ما فَحواهُ أنَّ الإلهَ نفسَهُ الذي أعطى الإيمانَ لإبراهيم، يُعطي موهِبَةَ الإيمانِ لأُولئكَ الذين يُؤمِنُونَ بالإنجيل (أفسُس 2: 8، 9؛ فيلبِّي 1: 29). وقد يقصُدُ أيضاً أنَّهُ تماماً كما كانَ اليَهُودُ مُختارِينَ منَ الله ليَكُونُوا خُدَّامَ المسيا والكلمة المُرسَلة منهُ، فكذلكَ إختارَ منَّا أيضاً أُولئكَ الذين يُؤمِنُونَ اليومَ بأن يَكُونُوا خُدَّامَ كَلِمَتِهِ المُدَوَّنَة وكلمة الحَيَّة، يسُوع المسيح الحَيّ المُقام (يُوحَنَّا 15: 16؛ أفسُس 1: 4).

خُلاصَةُ هذا العَرضِ المَنطِقي المُوحى بهِ عن كيفيَّةِ إعلانِ اللهِ خُطاةً نظيرَكَ ونظيري وجعلِهِم أبراراً، والذي تأمَّلنا بهِ في هذه الإصحاحاتِ الأربَعة الأُولى، نَجِدُها بالحقيقَةِ في العددِ الأوَّل منَ الإصحاحِ الخامِس، عندَما كتبَ بُولُس يَقُولُ: "فإذ قد تبَرَّرنا بالإيمان، لنا سلامٌ معَ اللهِ بِرَبِّنا يسُوع المسيح."

يُذَكِّرُنا هذا بمبدأَ دَرسِ الكتابِ المُقدَّس، الذي يقَولُ بأنَّهُ علينا أن لا ندعَ تقسيمَ الإصحاحاتِ يقطَعُ تسلسُلَ أفكارِنا، أو تسلسُلَ المَنطِقِ الكتابِيّ لكاتِبٍ مثل بُولُس الرَّسُول. قالَ أحدُهُم أنَّنا عندما نقرأُ كتاباتِ الرَّسُول بُولُس، في كُلِّ مرَّةٍ يستَخدِمُ فيها الحرف "فَ"، علينا أن نتوقَّفَ ونرى سببَ وضعِهِ هذا الحرف هُناك. فهذا الحرف يُقدِّمُ عادَةً لخُلاصَةٍ أو لخُطوَةٍ هامَّةٍ في منطِقِ الحقيقَةِ التي يُعَلِّمُها. يبدَأُ الإصحاحُ الخامِسُ بهذا الحرف، "فإذ،" الأمرُ الذي ينبَغي أن يدفَعَنا لنَنظُرَ إلى الوراء، إلى آخِرِ أمرٍ كتبَهُ قبلَ ذلكَ.

حُجَّةُ أو تعليمُ هذه التُّحفَة اللاهُوتيَّة لبُولُس، تبدأُ بالحقيقَةِ في العددِ السَّادِس عشَر منَ الإصحاحِ الأوَّل، حيثُ أعلنَ بُولُس أنَّهُ لا يستَحي بإنجيلِ المسيح. ثُمَّ كتَبَ ذلكَ العدد السَّابِع عشر الذي بدأَ ثَورَةً لاهُوتِيَّةً في قَلبِ مارتن لُوثَر، والذي أدَّى إلى الإصلاحِ اللاهُوتيِّ البروتستانتِيّ في أُورُوبا والعالَمِ أجمَع.

عندما بدَأَ هذه الأُطرُوحة اللاهُوتيَّة عنِ التَّبرير، لم يُصَرِّحْ فقط أنَّ شَيئَين أُعلِنا في الإنجيل لا يَستَحي بهِما، لا بَل هُوَ مُتَشَوِّقٌ للكِرازَةِ بهما: بِرُّ الله وغضبُ الله علىكُلِّ إثم. ولقد كتبَ أيضاً أنَّ هذا البِرّ هُوَ "من إيمانٍ لإيمانٍ" قبلَ أن يقتَبِسَ من عِظَةِ حبقُّوق العظيمة: "لأنَّ البارَّ بالإيمانِ يحيا!" (رومية 1: 17؛ حبقُّوق 2: 4).

لقد كانَ يُعلِنُ بِجرأَةٍ وبطريقَةٍ مُختَصَرَةٍ التَّصريحَ اللاهُوتِيّ الذي طَوَّرَهُ بِعُمقٍ في هذه الإصحاحاتِ الأربَعة الأُولى: أنَّ هذا البِرّ، المُعلَن في الإنجيل، هُوَ بِرٌّ يُكتَسَبُ ويُختَبَرُ بالإيمان. ولقد كتبَ يَقُولُ ما معناهُ: " من إيمانٍ يَقُودُ لإيمانٍ أكثَر." وكما أشَرتُ سابِقاً، سوفَ يكتُبُ في رسائِلِهِ الأُخرى أنَّ هذا الإيمان مُعطَى لنا منَ الله (أفسُس 2: 8، 9؛ فيلبِّي 1: 29). تعلَّمَ بُولُس من يسُوع أنَّ الإيمانَ هُوَ عَطِيَّةٌ منَ الله.(متَّى 13: 11- 17)

تَذَكَّرُوا أنَّ حقيقَةَ البِرّ بالإيمان في هذا العدد الذي تكلَّمَ ديناميكيَّاً لقَلبِ مارتن لُوثر، لأنَّهُ كانَ يُحاوِلُ، والكنيسَةُ كانت تُعَلِّمُ، أنَّهُ منَ المُمكِنِ والضَّرُورِيّ أن نكسَبَ خلاصَنا بالأعمالِ الصَّالِحَة. نحتاجُ أن نُحافِظَ على هذا البِرّ بالإيمانِ، جاعِلينَ الحقَّ خلفيَّةً لهذه الإصحاحاتِ الأربَعة الأُولى.

لقد سبقَ ورأينا أنَّهُ يُقدِّمُ خُطَّةً مُفَصَّلَةً يُعلِنُ اللهُ فيها الخُطاةَ أبراراً. هذه الخُطَّة تتضمَّنُ صَليبَ المسيح، قيامَتَهُ، نعمَةَ الله، الإيمان وحتَّى الأعمال الصَّالِحة، التي تُفَعِّلُ الإيمان الحقيقيّ. ولكن لاحِظُوا أنَّهُ تماماً كما يُقَدِّمُ مُحامٍ قَضِيَّتَهُ أمامَ محكَمَةٍ قانُونيَّة، يختُمُ عرضَهُ في الإصحاحِ الرَّابِع معَ مثالِ إبراهيم. هذه هي طريقَتُهُ لتقوِيَةِ الأفكارِ الخِتامِيَّة في الإصحاحِ الثَّالِث – أنَّ البِرَّ المُعلَنَ في الإنجيل يُكتَسَبُ بالإيمان وليسَ بالأعمال.

النُّقطَةُ الأخيرَةُ التي يُعلِنُها بُولُس في هذا العَرض للتَّبريرِ بالإيمان، مُعَبَّرٌ عنهُ في هذه الكلماتِ المِفتاحِيَّة منَ الإصحاحِ الخامِس: "فإذ قد تَبَرَّرنا بالإيمان، لنا سلامٌ معَ اللهِ بِرَبِّنا يسُوع المسيح." العَدَدُ الثَّانِي في هذا الإصحاحِ الخامِس يُقدِّمُ الإصحاحات الأربَعة التَّالِيَة من هذه التُّحفة اللاهُوتيَّة الرَّائِعة. وسوفَ أحتَفِظُ بتفسيرِي لهذا العدد للكُتَيِّبِ المُقبِل. 


تطبيقٌ شَخصِيّ

في بِدايَةِ هذا الكُتَيِّب، وفي مُقدِّمَتي واللمحة العامَّة التي قدَّمتُها عن رسالَةِ بُولُس الرَّسُول هذه إلى أهلِ رُومية، شجَّعتُكَ أيُّها القارِئُ العزيز أن تُصَلِّيَ إلى الله لكَي يتكلَّمَ إليكَ، خلالَ دِراسَتِكَ معي لهذا السِّفر الرَّائِع من أسفارِ العهدِ الجديد. فإذ قد تكلَّمَ إلى أشخاصٍ مثل لُوثر، أُوغسطِينُوس، ووِسلي، وآخرينَ كُثُر عبرَ هذه الرِّسالَة لبُولُس الرَّسُول، أودُّ أن أسأَلَكَ ما إذا أعلنَ اللهُ لكَ شَخصيَّاً هذه الحقيقَة المجيدة أنَّهُ ليسَ بإمكانِكَ أن تُضيفَ أيَّ شَيءٍ على ما أكمَلَهُ يسُوعُ على الصَّليبِ من أجلِ خلاصِكَ؟ فهل عرَّفكَ اللهُ على ما هُو، وما يَدينُهُ، وما يعرِفُهُ، وما عمِلَهُ وما يُريدُكَ أنتَ أن تعمَلَهُ؟

اللهُ بارٌّ. واللهُ يَدينُ الإثم. واللهُ يعرِفُ أنَّهُ لن يَكُونَ بمقدُورِكَ، ولا بمليون سنَةً، أن تعمَلَ أعمالاً صالِحَةً لتجعَلكَ بارَّاً بشكلٍ كافٍ لتخليصِ نفسِكَ. لهذا أرسَلَ اللهُ إبنَهُ الوحيد ليَمُوتَ على الصَّليبِ عنِّي وعنكَ. وعندما يُخبِرُكَ من خلالِ بُولُس في هذه الرِّسالَة المُوحاة، عمَّا عمِلَهُ لأجلِكَ، تَجِدُ أنَّ اللهَ يُريدُكَ أن تُؤمِنَ بهِ.

عندَما أخبَرَ اللهُ إبراهيمَ أمراً، آمنَ إبراهيمُ بالله. لهذا، أعلنَ اللهُ إبراهيمَ بارَّاً. في هذه الإصحاحاتِ الأربَعة الأُولى من هذه الرِّسالَة لبُولُس الرَّسول إلى أهلِ رُومية، يُخبِرُكَ اللهُ أمراً. يَقُولُ اللهُ لكَ أنَّ إيمانَكَ بمَوتِ يسوع المسيح – الذي قدَّمَ نفسَهُ على الصَّليبِ لأجلِكَ كحَمَلِ الله – هُوَ الأساسُ الوحيدُ الذي على أساسِهِ يُمكِنُهُ أن يُعلِنَكَ بارَّاً. هل تُؤمِنُ بما يَقُولُهُ لكَ الله؟

إذ أختُمُ هذا الكُتَيِّب، أدعُوكَ لتستخدِمَ مُخَيِّلَتِكَ، وتُقارِنَ خلاصَكَ بواسِطَةِ كونِكَ إنساناً صالِحاً، معَ قُدرَتِكَ على السِّباحَةِ لإجتيازِ المُحيط، من شاطِئ أميركا وُصُولاً إلى أُورُوبا. الأشخاصُ اللاأخلاقِيُّونَ الأشرار لن يتمكَّنُوا ولا حتَّى من الإبتِعادِ عن الشَّاطِئ الأميركي. والأشخاصُ ذوي الإستِقامة المُعتَدِلَة، قد يتجاوَزُونَ الشَّاطِئَ قَليلاً، وقد يَصِلُونَ بضعَةَ أمتارٍ أبعد من الشَّاطِئ بإتِّجاهِ المُحيط. والأشخاصُ الأخلاقِيَّونَ والصَّالِحُونَ جدَّاً، أمثال غاندي، قد يَكُونُونَ مثلَ السَّبَّاحِينَ الماهِرين، الذي قد يَصِلُون في سباحَتِهِم إلى بضعِ كيلومتراتٍ إضافِيَّة. ولكنَّهُم جميعَهُم سيغرَقُونَ مُنهَكي القُوى وهُم لم يبتَعِدُوا بعدُ عن شاطِئِ أميركا إلا بِضعَةَ كيلومترات ولا تزالُ تفصِلُهُم عن أُورُوبا آلاف الكيلومترات.

كتبَ بُولُس إلى الغلاطِيِّين، أنَّهُ إن كانَ الإنسانُ قادِراً أن يتبرَّرَ بأعمالِهِ الصَّالِحَة، فإنَّ هذا سيَعني أنَّ يسُوعَ ماتَ على الصَّليب بِدُونِ هَدَف. (غلاطية 2: 20، 21) عندما تساقَطَ عرَقُ يسُوع وكأنَّهُ قطراتٌ منَ الدَّم، صَلَّى قائِلاً، "أيُّها الآبُ، إن أمكَن، فلتَعبُرْ عنِّي هذه الكأسُ. ولكن، ليسَ كما أُريدُ أنا، بل كما تُريدُ أنتَ." (متَّى 26: 39). لقد كانَ يطلُبُ منَ أبيهِ السَّماوِيّ ما جَوهَرُ معناهُ، أنَّهُ إن كانَت تُوجدُ أيَّةُ خُطَّةٍ أُخرى لإتمامِ خلاصِ العالم، بدُونِ إرسالِهِ إلى الصَّليب، فالرَّجاء إتمام الخلاص بهذه الطريقة.

وبالحقيقة، لقد أجابَ الآبُ السَّماوِيُّ أنَّهُ لا تُوجَدُ أيَّةُ طريقَةٍ أُخرى، وأنَّهُ أرسَلَ إبنَهُ ليَمُوتَ على الصَّليب. ألا يُصبِحُ الأمرُ عندَها غيرَ معقُولٍ أن نَقُولَ للهِ أنَّهُ ما كانَ ينبَغي أن يُرسِلَ إبنَهُ إلى الصَّليب، لأنَّهُ كانَ بإمكانِنا أن نُخَلِّصَ أنفُسَنا بأعمالِنا الصَّالِحَة؟

كُلُّ من يُؤمِنُ بالخلاصِ بالأعمال، ينبَغي أن يُجيبَ على الأقلّ على ثلاثَةِ أسئِلَة: كيفَ يُمكِنُكَ أن تعلَمَ متَى تَكُونُ قد حقَّقتَ ما يكفي منَ الأعمالِ الصَّالِحَةِ الكافِيَة لخلاصِكَ؟ وكيفَ يُمكِنُكَ أن تتأكَّدَ من خلاصِ نفسِكَ، وإن كانَ بإمكانِكَ أن تُخَلِّصَ نفسَكَ بأعمالِكَ الصَّالِحَة، فلِماذا ماتَ يسُوعُ على الصَّليب؟

وكما آمنَ إبراهيمُ بما قالَهُ اللهُ، ومُنِحَ لهُ البِرُّ الذي بالإيمان، هل تُؤمِنُ بأنَّ اللهَ سيُعلِنُكَ بارَّاً إذا آمنتَ بما أخبَرَكَ بهِ اللهُ في هذه الإصحاحات الأربَعة الأُولى من رِسالَةِ بُولُس إلى أهلِ رُومية؟ وحولَ سُلطَةِ هذه الكلمات المُوحاة، كتبَ بُولُس للكنيسَةِ الأُولى في رُوما، أنَّ اللهَ أخبَركَ بأنَّهُ سيُعلِنُكَ بارَّاً، إذا آمنتَ بما يَقُولُهُ لكَ. فهل أنتَ مُستَعِدٌّ لتُؤمِنَ باللهِ، ولِتَتَبَرَّرَ بالإيمان؟

إن كانَ الأمرُ كذلكَ، أدعُوكَ لتُصَلِّيَ – أي تتكلَّم معَ الله، كما فعلتُ أنا منذُ سنواتٍ عدَّة. "أيُها الآبُ السَّماوِيُّ المُحِبّ، أعتَرِفُ أنَّني خاطِئ، وأنا أُؤمِنُ بإبنِكَ يسُوع المسيح ليَكُونَ مُخَلِّصِي. أنا أضَعُ كُلَّ إيمانِي في مَوتِهِ على الصَّليب وفي قيامَتِهِ منَ المَوت لغُفرانِ كُلِّ خَطِيَّةٍ من خطَاياي. وها أنا الآن أترُكُ كُلَّ خطاياي وأرجِعُ عنها. أُريدُ أن أتصالَحَ معكَ وأن أُنهِيَ طلاقِي عنكَ. الآن وفي هذا المكان، أُعلِنُ بالإيمانِ أنَّ يسُوعَ المسيح  هُوَ رَبِّي ومُخَلِّصِي، وأُسَلِّمُ لهُ حياتِي، بِدُونِ شُرُوطٍ، لتَكُونَ تحتَ قيادَتِهِ وسيطَرَتِهِ. إجعَلْ حياتي تكُونُ في إنسجامٍ كامِلٍ معَ الخُطَّةِ العَظيمة التي أردتَها دائماً لِحَياتِي. ساعِدني بينما أتبَعُ إبنكَ يسُوع المسيح، لأتَّكِلَ على سُلطتِهِ وقُوَّتِهِ، ولأحيَا لمَجدِهِ ولمجدِكَ. شُكراً على منحِي هذا الخلاص الأبديِّ العَظيم. آمين."

إن كُنتَ قد صَلِّيتَ هذه الصَّلاة، أدعُوكَ لتَكتُبَ إلينَا ولتُعلِمَنا بذلكَ، ثُمَّ أن تنضَمَّ إلى كنيسَةٍ محَلِّيَّة تُؤمِنُ بكلمَةِ اللهِ وتُعَلِّمُها.

إن كُنتَ أصلاً مُؤمِناً باللهِ وتابِعاً ليسُوع المسيح، أدعُوكَ لتَكُونَ كَبُولُس، ولتُشارِكَ الأخبارَ السَّارَّةَ معَ كُلِّ من يُمكِنُ أن يُعلَنَ بأنَّهُ بارٌّ، ولِتَتمتَّعَ بالسَّلامِ الأبديِّ معَ الله

  • عدد الزيارات: 8260