Skip to main content

الفَصلُ الثَّانِي "نَوعانِ منَ العَبيد" - مُقَدِّمَة للإصحاح السَّادِس

الصفحة 2 من 3: مُقَدِّمَة للإصحاح السَّادِس

مُقَدِّمَة للإصحاح السَّادِس

إذ نقتَرِبُ من هذا الإصحاح، هُناكَ عددٌ ينبَغي وضعُهُ إلى جانِبِ الإستِعارَة التي يستَخدِمُها بُولُس: "أتَكَلَّمُ إنسانِيَّاً من أجلِ ضَعفِ جسدِكُم." (19) هُناكَ أيضاً حقيقَةٌ تُرَكِّزُ على مَوضُوعِ الإصحاح، وينبَغي أن يُدرَسَ الإصحاحُ بِكامِلِهِ في إطارِ هذه الحقيقة: "إذاً لا تَملِكَنَّ الخَطِيَّةُ في جسدِكُم المائِت... فإنَّ الخَطِيَّةَ لن تَسُودَكُم." (12، 14)

أربُطُوا الأعدادَ الأُولى من هذا الإصحاح بأفكارِ بُولُس الأخيرة في الإصحاحِ الخامِس. بما أنَّه أنهى الإصحاح الخامِس وهُوَ يكتُبُ أنَّهُ حَيثُ كَثُرَتِ الخَطيَّة، هُناك إزدَادَتِ النِّعمَةُ جدَّاً، بدأَ الإصحاحَ السَّادِسَ بسُؤالٍ تصوَّرَ أنَّ قُرَّاءَهُ قد يرغَبُونَ بأن يطرَحُوهُ عليه: "فماذا نَقُولُ؟ أنبقَى في الخَطِيَّة لِكَي تكثُرَ النِّعمَة؟" وكانَ جوابُهُ بالطَّبعِ، "حاشا". ثُمَّ يبدأُ بإستخدامِ الصُّوَر المجازِيَّة التي تُوضِحُ جوابَهُ المُوسَّع على هذا السُّؤال.

الصُّورَةُ المجازِيَّةُ الأُولى هي المعمُوديَّة. يُمكِنُ تفسيرُ هذا الإيضاح الذي يستَخدِمُهُ بُولُس بِطريقَتَين. أُولئِكَ الذين يُؤمِنُونَ بأنَّ التَّغطيس هُوَ الشَّكل الصَّحيح للمَعمُوديَّة، يعتَقِدُونَ أنَّ بُولُس يتكلَّمُ هُنا عنِ المعمُوديَّة التي أوصَى بها يسُوعُ في مأمُوريَّتِهِ العُظمى (متَّى 28: 18- 20). يكتُبُ بُولُس في رِسالَةٍ أُخرى أنَّنا جميعاً نُصبِحُ مُعَمَّدِينَ بالمسيح عندما نُؤمِنُ بالإنجيل (1كُورنثُوس 12: 13). يعتَقِدُ الكَثيرُونَ أنَّ بُولُس يكتُبُ عن معمُودِيَّتِنا في المسيح في هذه الأعداد. وكما هي الحالُ في مُعظَمِ الأَحيان، الجوابُ هُوَ أنَّ الخَيارَ ليسَ ما بينَ إمَّا كذا وإمَّا كَذا، بل ما بينَ الإثنانِ معاً، مُجتَمِعَينِ أو مُنفَصِلَين.

فعندما نتبرَّرُ بالإيمان، رُغمَ أنَّ هذا سِرٌّ لا نفهَمُهُ تماماً، ولكنَّنا نعتَمِدُ لِلمَسيح. ونَعتَمِدُ لمَوتِهِ وقيامَتِهِ. وكما يُخبِرُنا بُولُس في نهايَةِ الإصحاحِ الخامِس، نحنُ بمعنَىً ما جميعاً "في آدَم." فنحنُ في آدم عندَما أخطأَ الكائِنُ البَشَريُّ الأوَّل. فبِذلكَ الإنسان الأوَّل، وبإتِّحادِنا معَهُ وفيهِ، أخطأنا نحنُ جميعاً. وطالَما نحنُ نُعَبِّرُ فقط عن طَبيعَةِ آدمَ، أو طبيعَةِ جسدِنا، نحنُ جميعاً مُذنِبُونَ خُطاة، ونحتاجُ أن نتبرَّرَ بالإيمان.

هذا ما قصَدَهُ يسُوعُ عندما قالَ لنيقُوديمُوس أنَّنا مُدانُونَ مُسبَقاً، ولهذا ينبَغي علينا أن نُؤمِنَ بهِ (يُوحَنَّا 3: 18). عندما تحدُثُ لنا هذه المُعجِزَة، نَكُونُ قد أصبَحنا عندَها في المسيح، وقدِ إعَتَمَدنا إلى مَوتِهِ وقيامَتِهِ. فكما نحنُ في آدمَ، هكذا أصبحنا الآن في المسيح. لهذا يُسمَّى يسُوعُ آدم الأخير (1كُورنثُوس 15: 45).

معمُودِيَّةُ المَاء، كما أوصَى بها يسُوع، هي مُجَرَّدُ ظِلٍّ لهذه المعمُوديَّة الرُّوحِيَّة العميقة. فعندما نُطيعُ مأمُوريَّةَ المسيح العُظمى ونعتَمِدُ، نعتَرِفُ بذلكَ بإيمانِنا بِيَسُوع، بالطريقَةِ التي أمَرَنا بها يسُوعُ أن نعتَرِفَ علناً بإيمانِنا بهِ.

ولكنَّ معمُوديَّةَ الماءِ تُشيرُ إلى حقيقَةٍ أعمَق. فالمَوتَى لا يقتَرِفُونَ الخطيَّة. وبُولُس يعرِفُ أنَّنا لسنا أمواتاً بعد، وأنَّنا لا نزالُ نُخطِئُ. فهُوَ يستَخدِمُ المعمُوديَّة كمُجَرَّدِ إيضاح. فإن كُنَّا أمواتاً، لن نُخطِئَ. وحيثُ تكُونُ الخَطِيَّةُ مَعنِيَّةً، حتَّى ولَو لم نَكُنْ أمواتاً، ولكن علينا أن نتصرَّفَ تجاهَ الخَطيَّة وكأنَّنا أمَواتٌ.

معمُودِيَّةُ الماءِ بالتَّغطيس تُوازِي وتُوضِحُ بِشَكلٍ جَميلٍ ما يتكلَّمُ عنهُ بُولُس في هذا الإصحاح. فهُوَ يُوَحِّدُ الشَّخصَ الذي يَعتَمِدُ معَ حقيقَتَينِ منَ الإنجيل: مَوت وقيامَة يسُوع المسيح. فعندَما ننزِلُ إلى الماء، نُقَدِّمُ بذلكَ إعتِرافَنا الشَّخصِيّ والعَلنيّ بالإيمانِ بمَوتِ يسُوع من أجلِ خلاصِنا.

مَعمُوديَّتُنا بالماءِ تُؤَدِّي إلى إعتِرافٍ أعمَق بالإيمانِ بمَوتِ وقيامَةِ مُخَلِّصِنا بطريقَةٍ جميلة. عندما نَنزِلُ إلى الماء، نعتَرِفُ بالإلتِزام بأنَّنا نَمُوتُ عنِ حياتِنا الماضِيَة بالخَطيَّة. وعندما نخرُجُ من مِياهِ المَعمُوديَّة، نعتَرِفُ بالإلتِزامِ بأن نحيا حياةً جديدَةً في علاقَةٍ معَ المسيحِ الحَيِّ المُقام، وهذه الحياة أصبَحَت مُمكِنَة بتلكَ العلاقَة.

بينما ينتَقِلُ بُولُس من صُورَةِ المعمُوديَّة إلى صُورَةِ موتِ وقيامَةِ المسيح، ومن ثَمَّ يتحدَّانا بأن نُطَبِّقَ إتِّحادَنا معَ مَوتِ وقيامَةِ المسيح على خَطِيَّتِنا وعلى حياتِنا في البِرّ، تَذَكَّرُوا العددَ الذي يُعتَبَرُ مفتاحَ فهمِ هذا الإصحاح: "أتكلَّمُ إنسانِيَّاً من أجلِ ضَعفِ جَسَدِكُم." (19) يعني هذا التَّصريح: "أنا أستَخدِمُ إيضاحاتٍ بَشَريَّة لأُساعِدَكُم على فهمِ حقائِقَ رُوحيَّة أُعَلِّمُكُم إيَّاها."

يسُوع المسيح هُوَ أعظَم مُعَلِّمٍ عرفَهُ هذا العالَمُ على الإطلاق، وكانَ المُعَلِّمَ الأعظَمَ بِدُونِ مُنازِعٍ في إستِخدامِ الأمثالِ والصُّوَر المجازيَّة. ومنَ الواضِحِ أنَّ بُولُس تعلَّمَ هذه النَّظرَة للتَّعليم منَ المسيحِ المُقام، الذي علَّمَ بُولُسَ في صحراءِ العَرَبِيَّة، بِحَسَبِ ما كتبَ بُولُس إلى الغلاطِيِّين (غلاطية 1- 2: 10). هذا العددُ المِفتاحِيّ للصُّوَر المجازِيَّة في هذا الإصحاح، هُوَ بِبساطَةٍ جَعْلُ التَّصريح الذي إتَّبَعَهُ بُولُس على خُطَى أعظَم مُعَلِّم سبقَ وعرَفَهُ هذا العالم، يُوضِحُ تعليمَهُ حرفِيَّاً.

تُوجَدُ كَلِماتٌ أُخرى في هذا الإصحاح التي تُعتَبَرُ مفاتِيحَ تُحَدِّدُ لنا طريقَةَ تفسيرِ وتطبيقِ هذه الإيضاحات التي يستَخدِمُها بُولُس عن صِراعِنا معَ الخَطِيَّة. أُنظُرُوا إلى العدد الخامِس، حيثُ يكتُبُ بُولُس أنَّنا علينا أن نَكُونَ مُتَشَبِّهينَ بِمَوتِهِ وقيامَتِهِ. وفي العددِ الحادِي عشَر، يكتُبُ بُولُس قائِلاً: "كذلكَ أنتُم أيضاً إحسِبُوا أنفُسَكُم أمواتاً عنِ الخَطيَّة، ولكن أحياءَ للهِ بالمَسيحِ يسُوع رَبِّنا." الكلمة اليُونانِيَّة التي إستَخدَمَها بُولُس هُنا، والتي تُرجِمَت "إحسِبُوا،" تتضمَّنُ في مُحتواها، كما يراها المُفسِّرُون، التَّالِي: "بنفسِ الطَّريقَة، إعتَبِرُوا أنفُسَكُم أمواتاً عن جاذِبيَّةِ وسُلطَةِ الخطيَّة، ولكن أحياءَ للهِ بالمسيحِ يسُوع رَبِّنا."

هذا أمرٌ بالِغُ الأهمِّيَّةِ بالنِّسبَةِ لكَ ولي، خلالَ دِراسَتِنا لهذا الإصحاح. فبُولُس لا يُخبِرُنا أنَّنا أمواتٌ بالمعنَى الحَرفِيّ للكَلِمَة. فالشَّخصُ المَيتُ لا يُخطِئ، ولا يتجرَّبُ أبداً بالخَطيَّة. فإن كُنَّا أمواتاً، لن تَعُودَ الخَطِيَّةُ تُشَكِّلُ مُشكِلَةً لنا بتاتاً. مُشكِلَتُنا هي أنَّنا لسنا أمواتاً عنِ الخَطيَّة. يُعلِِّمُ بُولُس أنَّنا ينبَغي أن نتجاوبَ معَ الخطيَّةِ وتجارِبِها وكأنَّنا أموات.

أحدُ المُشاة الذي أفَرَطَ بِشُربِ الكُحُول، كانَ أوَّلَ واصِلٍ إلى مَشهَدِ حادِثٍ سَير. وكانَ يُوجَدُ رَجُلٌ مُصابٌ منَ الحادِث، وهُوَ يزحَفُ على جانِبِ الطَّريق قائِلاً، "إدعُو لي إسعاف! إدعُو لي إسعاف." فأجابَ الشخصُ السَّكران، "إذاً أنتَ إسمُكَ إسعاف." عندما نُواجِهُ تجارِبَ الخَطيَّة، يتحدَّانا بُولُس قائِلاً لنا، "إدعُوني شَخصاً مَيِّتاً."

مثل آخرينَ كثيرِين، عندما تجدَّدتُ، لن أنسى أبداً أُولئكَ الذين كانُوا أصدِقائِي في الخطيَّة، وكم حَزِنُوا عندما أخبَرتُهُم أنَّني لن أنضَمَّ مُجدَّداً إليهِم للسُّلُوكِ في طريقَةِ الحياةِ الخاطِئة القديمة. وعندَما أخبَرتُ واحداً منهُم أنَّني قَرَّرتُ أن أدرُسَ اللاهُوت إستِعداداً لخدمَةِ الرَّب، قالَ لي أنَّهُ كانَ يتألَّمُ كثيرَاً بِسَبَبِ توبَتي، لأنَّني أصبَحتُ كشخصٍ مَيِّتٍ بالنِّسبَةِ لهُ. وأضافَ مُنتَحِباً: "وكانَ لديكَ شخصِيَّةٌ مُحَبَّبَة."

عندما إنضَمَمتُ إلى جامعَةٍ مسيحيَّة لأدرُسَ الكتابَ المُقدَّس، أخذتُ بركةً وتشجيعاً في واحِدٍ من أُولى المُحاضَرات التي إستَمعتُ إليها، وذلكَ من خلالِ شَيءٍ قالَهُ بُولُس للغلاطِيِّين في ختامِ رسالَتِهِ لهُم. لقد أعلنَ أنَّهُ بِسَبَبِ صليبِ المسيح، العالَمُ صُلِبَ بالنَّسبَةِ لبُولُس، وصُلِبَ بُولُس بالنِّسبَةِ للعالم. بِكَلماتٍ أُخرى، الصَّليبُ جَعلَ هذا العالم شَيئاً ميِّتاً، وجعلَهُ يبدُو كشَخصٍ مَيِّت بالنِّسبَةِ للذينَ يعرِفُونَهُ في العالم (غلاطية 6: 14).

إحدى الحقائِق الأساسيَّة التي يُشدِّدُ عليها بُولُس هُنا، هي الحقيقَةُ التي شَدَّدَ عليها في الإصحاحِ الثَّاني. هذه الحقيقَةُ هي أنَّهُ علينا أن لا نَقُومَ بمُمارَسَةِ أيَّةَ فريضَةٍ دينيَّة، بدُونِ الحقيقَة المُمَثَّلَة بتلكَ الفَريضَة أو الطَّقس. فمعمُودِيَّتُنا بالنِّسبَةِ لإعترافِ إيمانِنا، هي مثل الخِتانِ بالنِّسبَةِ لليَهُودِيّ. علينا أن لا نُفَرِّغَ إعتِرافَنا بالإيمانِ من خلالِ فرَضيَةِ المعمُوديَّة من معناهُ الرُّوحيّ، وأن لا نجعَلَ منهُ طقساً دينيَّاً فارِغاً منَ المعنى، ولا علاقَةَ لهُ بإيمانِنا ولا بإختِبارِنا للعَيشِ بِقُوَّةِ المسيح القائم منَ الأموات.

إجعَلْ وُجهَةَ النَّظَر هذه تَقُودُكَ في تفسيرِكَ وتطبيقِكَ هذه الصُّوَر المجازِيَّة المُوحاة والعميقة، التي يستَخدِمُها بُولُس في هذا الإصحاح.

خُلاصَةُ ما يُعَلِّمُهُ بُولُس في الإصحاحِ السَّادِس
الصفحة
  • عدد الزيارات: 7273