Skip to main content

الفَصلُ الثَّالِث "مبادِئُ بُولُس الرُّوحِيَّة الأربَعة" - إعتِرافُ فَرِّيسيّ

الصفحة 5 من 5: إعتِرافُ فَرِّيسيّ

إعتِرافُ فَرِّيسيّ

يبدَأُ بُولُس هُنا المقطعَ الكِتابِيَّ الأكثَر شفافِيةً وصِدقاً حولَ مَوضُوع التَّقديس، أو الإنتِصار على الخَطيَّة. فكُلُّ مُؤمِنٍ يُصارِعُ معَ "الملِك خَطِيَّة" الذي يُريدُ أن يَسُودَ على حياتِنا إلى أن يَقومَ "المِلِك مَوت" بِتَدمِيرِ حياتِنا. تُرينا هذه الأعدادُ بِوُضُوحٍ كيفَ يُطَبِّقُ بُولُس هذا التَّعليم الكِتابِيّ عن التَّقديس على حياتِهِ.

فها هُوَ الآن يُلَخِّصُ ما سَبَق، وهُوَ في قَلبِ وجوهَرِ التَّعليم الذي بدَأَهُ عندما كتبَ العددَ الثَّانِي منَ الإصحاحِ الخامِس: "الذي بهِ أيضاً قد صارَ لنا الدُّخُولُ بالإيمانِ إلى هذه النِّعمَة التي نَحنُ فيها مُقيمُون ونَفتَخِرُ على رَجاءِ مَجدِ الله." تَذَكَّرُوا أنَّهُ هُنا بدأَ الرَّسُولُ بإخبارِ مُؤمِني رُومية – ونحنُ بالطَّبع – كيفَ بالإمكانِ الُوصُولُ إلى النِّعمة التي نحتاجُها لنَعيشَ بالطريقة التي يُتَوقَّعُ أن يَعيشَ بها الأشخاصُ الذينَ أُعلِنوا أبراراً.

لقدِ ألحَقَ بُولُس العددَ الإفتِتاحِيّ بِحَضِّهِ لقُرَّائِهِ على الفرح بكُلِّ ما يجعَلُ من نعمَةِ اللهِ يُمكِنُ الوُصُولُ إليها بالإيمان، حتَّى الآلام التي تُرغِمُنا على الوُصُولِ إلى نعمَةِ الله. ولقد تَبِعَ هذا الإستِعارَةُ المجازِيَّة عنِ الفاتِحينَ الأربعَة: الملك خَطِيَّة، الملك مَوت، الملك يسُوع، والمَلِك أنا وأنت، عندما يَحِلُّ رُوحُ اللهِ علينا ليَقُودَ حياتَنا وليَجعَلَنا مُنتَصِرين. ثُمَّ في الإصحاحِ 6، إستَخدَمَ إستِعاراتٍ مجازِيَّة عن المعمودِيَّة، المَوت، القِيامة، والعُبُودِيَّة، ليُقنِعَنا أنَّ الخطِيَّة لا ينبَغي أن تُسَيطِرَ على حياةِ المُؤمن الذي أُعلِنَ بارَّاً بالإيمان بيسُوع المسيح.

يُتابِعُ بُولُس تعليمَهُ النِّظامِيّ حولَ هذا المَوضُوع، بتقديمِهِ مبادِئَهُ الرُّوحيَّة الأربَعة. ويُوضِحُ بِحَيويَّةٍ تِلكَ المبادِئ معَ إعتِرافٍ شفَّافٍ، يُشارِكُ فيهِ صِراعَهُ الشَّخصِيّ. ثُمَّ يُشارِكُ بمفاتيحِ إنتصارِهِ، الذي يُمكِنُ أن يَكُونَ إنتَصارَنا أيضاً، عندما أوضَحَ أنَّ هذه الخطيَّة لن تَسُودَ على حياتِهِ أيضاً. يُمكِنُ إيجادُ هذا المَوضُوع إبتداءً منَ العدد 13 منَ الإصحاحِ الثَّامِن، وُصُولاً إلى نِهايَةِ الإصحاحِ الثَّامِن، ويُمكِنُ القَولُ بأنَّهُ يمتَدُّ إلى نهايَةِ الإصحاحِ الحادِي عَشَر من هذه التُّحفَة اللاهُوتيَّة.

خلالَ قِراءَتِكُم لهذا المقطَع الشَّفَّاف والصَّادِق الذي يتكلَّمُ عن حَياةِ بُولُس الشَّخصِيَّة، والذي يبدُو وكأنَّهُ مقطَعٌ مُختارٌ من مُفَكِّرَةِ الرَّسُول الرُوحيَّة – فَتِّشُوا على المبادِئ الرُّوحيَّة الأربَعة التي يُظهِرُها بُولُس هُنا. أيضاً تَذَكَّرُوا أنَّكُم تقرَأُونَ مُفَكِّرَةً رُوحِيَّةً لِرَجُلٍ أحَبَّ نامُوسَ اللهِ ولَرُبَّما حاوَلَ جاهِداً أكثَرَ من أيِّ رَجُلٍ آخر أن يحفظَ النَّامُوس.

"فإنَّنا نعلَمُ أنَّ النَّامُوسَ رُوحِيٌّ، وأمَّا أنا فجَسَدِيٌّ مَبيعٌ تحتَ الخَطِيَّة. لأنِّي لستُ أعرِفُ ما أنا أفعَلُهُ، إذ لَستُ أفعَلُ ما أُريدُهُ، بل ما لَستُ أُريدُهُ فإيَّاهُ أفعَلُ. فإن كُنتُ أفعَلُ ما لَستُ أُريدُهُ، فإنِّي أُصادِقُ النَّامُوسَ أنَّهُ حَسَنٌ. فالآن لَستُ بعدُ أفعَلُ ذلكَ أن بَلِ الخَطيَّة السَّاكِنَة فِيِّ. فإنِّي أعلَمُ أنَّهُ ليسَ ساكِنٌ فيَّ أي في جَسَدِي شَيءٌ صالِحٌ. لأنَّ الإرادَةَ حاضِرَةٌ عندي، وأمَّا أن أفعَلُ الحُسنى فَلَستُ أجِدُ. لأنِّي لستُ أفعَلُ الصَّالِحَ الذي أُريدُهُ، بَلِ الشَّرّ الذي لَستُ أُريدُهُ فإيَّاهُ أفعَل. فإن كُنتُ ما لَستُ أُريدُهُ فإيَّاهُ أفعَلُ فَلَستُ بَعدُ أَفعَلُهُ أنا، بَلِ الخَطيَّة السَّاكِنَة فِيِّ. إذاً أجِدُ النَّامُوسَ لي حِينما أُريدُ أن أفعَلَ الحُسنى، أنَّ الشَّرَّ حاضِرٌ عندي. فإنِّي أُسَرُّ بِنامُوسِ اللهِ بِحَسَبِ الإنسانِ الباطِنِ. ولكنِّي أرى نامُوساً آخَرَ يُحارِبُ نامُوسَ ذهني ويَسبِيني إلى نامُوسِ الخَطيَّة السَّاكِن في أعضائي. وَيحي أنا الإنسان الشَّقِيّ. من يُنقِذُني من جَسَدِ هذا المَوت. أَشكُرُ اللهَ بِيَسُوع المسيح رَبِّنا. إذاً أنا نَفسي بِذهِني أخدِمُ نامُوسَ اللهِ، ولكن بالجَسَد نامُوسَ الخَطيَّة." (رومية 7: 14- 25)

الجُملَةُ الإفتِتاحِيَّةُ لبُولُس حِيالَ صِراعِهِ للتَّغلُّبِ على الخَطيَّة، مُرتَبِطٌ بما تعلَّمَهُ عن نفسِهِ. فهُوَ يكتُبُ قائِلاً: "أمَّا أنا فجَسَدِيٌّ مَبِيعٌ تحتَ الخَطيَّة." إنَّ كلمة "جسديّ" هي ترجَمَةٌ للكلمة اليُونانِيَّة "جسد." وهُوَ يتابِعُ قائِلاً لنا أنَّهُ لا يَسكُنُ فيهِ – أي في جَسَدِهِ – أيُّ شَيءٍ صالِح.

يستَخدِمُ بُولُس كَلِمَة "جسد" مراراً وتكراراً في كتاباتِهِ. لهذا فمنَ المُهِمِّ لنا أن نفهَمَ ما يقصدُهُ عندما يستخدِمُ هذه الكلمة. أحدُ مَشاهِيرِ مُفَسِّري ومُعَلِّمي الكتابِ المُقدَّس في جامِعَة إدنبره في سكوتلندا، كانَ يُؤمِنُ بأنَّ التَّعريفَ الدَّقيق لهذه الكلمة التي يستخدمِهُا بُولُس ينبَغي أن يَكُون: "الطَّبيعَة الإنسانِيَّة بِدُونِ مُساعَدَةِ الله."

عندما يختُمُ بُولُس بأنَّهُ لا يسكُنُ فيهِ أي في جسدِهِ أيُّ شَيءٍ صالِح، يقصُدُ أنَّهُ لا يَسكُنُ أيُّ شَيءٍ صالِح في طبيعَتِهِ الإنسانيَّة، عندما تَكُونُ طَبيعَتُهُ هذه غير مُساعَدَة منَ الله. علينا أن نُضيفَ أنَّ أُولئكَ الذين يعيشُونَ في الجسد، أو في طبيعَتِهِم البَشَريَّة بِدُونِ أيَّةِ مُساعَدَةٍ منَ الله، يعيشُونَ بحَسَبِ قيَمِ وفلسَفَةِ الطَّبيعَةِ البَشَريَّة التي ليسَ لها وُصُولٌ إلى النِّعمَةِ والحَقِّ المُعلَنانِ والمَنصُوح بهما في كلمةِ الله.

هذا التَّعريفُ لهُ تطبيقاتٌ عمليَّةٌ بالِغَةُ الأهمِّيَّة من قِبَلِ أيِّ مُؤمِنٍ يُريدُ أن يَعيشَ بإستِقامَةٍ، لأنَّهُ قد تبرَّرَ بالإيمان. عندما ينظُرُ بُولُس إلى قَلبِهِ، نراهُ صادِقاً وشَفَّافاً حِيالَ ما يراهُ في طبيعَتِهِ الإنسانيَّة. وليسَ فقط أنَّهُ لا يَجِدُ أيَّ شَيءٍ صالِح، بل يكتَشِفُ نامُوساً آخر، الذي عندما يَرغَبُ بأن يعمَلَ الصَّلاح، يرى الشَّرَّ حاضِراً عندَهُ.

بِكَلماتٍ أُخرى، عندما نظَرَ إلى داخِلِ طبيعَتِهِ البَشَريَّة، إكتَشَفَ نامُوسَ الخَطِيَّة. يُوافِقُ بُولُس مع ما قالَهُ لهُ نامُوسُ اللهِ أن يعمَلَهُ وآمنَ أنَّ نامُوسَ اللهِ كانَ صالِحاً. بالحقيقَة، لقد أحَبَّ نامُوسَ الله. ولَرُبَّما قالَ في نفسِهِ، كَفَرِّيسيٍّ بالِغِ الإنضِباط، أنَّ حفظَ النَّامُوس كانَ يعتَمِدُ بِبَساطَةٍ على قُوَّةِ الإرادَة. ولكنَّهُ الآنَ يُخبِرُنا أنَّهُ بِسَبَبِ نامُوسِ الخَطِيَّةِ هذا، إكتَشَفَ أنَّهُ عندما قَرَّرَ أن يُطيعَ نامُوسَ الله، قَرَّرَ في النِّهايَةِ أنَّ المُشكِلَةَ في قُوَّةِ إرادَتِهِ كانت أنَّ إرادَتَهُ كانت بإستِمرار معدُومَةَ القُوَّة.

ولقد إستَنتَجَ أيضاً أنَّ نامُوسَ الخَطِيَّةِ كانَ في حَربٍ معَ ما يُسَمِّيهِ "نامُوس ذهنِهِ." إنَّهُ يشهَدُ إلى أنَّ معرَكَتَهُ معَ الخَطِيَّة لم تُحسَم في ميدانِ قُوَّةِ إرادَتِهِ، ولا في قُواهُ العقليَّة الجَبَّارَة. فبعدَ إعترافِهِ اليائِس بأنَّهُ إنسانٌ شَقِيٌّ ساقِط، نَجِدُه يصرُخُ طالِباً الإنقاذ. ثُمَّ يُعلِنُ أنَّ المَعرَكَةَ معَ الخَطيَّة هي حَربٌ رُوحِيَّةٌ، ولا يُمكِنُ أن تُربَحَ بمُجَرَّدِ النَّظَرِ إلى الدَّاخِل. بِحَسَبِ بُولُس، لا هُوَ ولا نحنُ لن نَجِدَ بمُجَرَّدِ النَّظَرِ إلى داخِلِنا، أيَّ شَيءٍ يَمنَحُنا القُوَّة لنَربَحَ معارِكَنا معَ الخَطيَّة. فمعارِكُنا معَ الخَطِيَّة ستُربَحَ فقط عندما يُضيفُ اللهُ بُعداً رُوحيَّاً لطبيعَتِنا البَشَريَّة. هذا يعني أنَّه عندما نتبرَّرُ بالإيمان، نامُوسُ الخَطيَّة لن يُنزَعَ من جسَدِنا.

وإذ ينتَقِلُ إلى الإصحاحِ التَّالِي، نَجِدُهُ سيُعلِنُ الأخبارَ السَّارَّةَ أنَّنا عندما نتبرَّرُ بالإيمان، سيُضافُ شَيءٌ رُوحِيٌّ خارِقٌ للطَّبيعَة ومُعجِزِيٌّ إلى جَسَدِنا. ولكن، حتَّى بعدَ أن تحدُثَ مُعجِزَةُ الإضافَةِ هذه، سوفَ يتبقَّى علينا أن نتعايَشَ معَ الحقيقَةِ الصَّعبَة أنَّ نامُوسَ الخَطيَّة سيبقَى حاضِراً معنا، طالَما لا زِلنا نَعيشُ في هذه الأجساد البَشَريَّة. عندما يحيا المسيحُ الحَيُّ المُقَامُ في قُلُوبِنا، من خِلالِ مُعجِزَةِ الرُّوحِ القُدُس، سوفَ نكتَشِفُ عندَها أنَّ الذي فينا هُوَ أعظَمُ منَ الذي يُحَرِّكُ فينا قُوَّةَ الخَطيَّة – أي الشِّرِّير – وسوفَ نكتَشِفُ إنتِصارَنا وغَلَبَتنا في المسيح.

الصفحة
  • عدد الزيارات: 10244