Skip to main content

رُومية الإصحاح الثَّامِن: الإنتِصار! - المبدأُ الرُّوحِيُّ الثَّالِث: نامُوس رُوح الحَياة في المسيحِ يسُوع

الصفحة 2 من 4: المبدأُ الرُّوحِيُّ الثَّالِث: نامُوس رُوح الحَياة في المسيحِ يسُوع

المبدأُ الرُّوحِيُّ الثَّالِث: نامُوس رُوح الحَياة في المسيحِ يسُوع

هُناكَ ثلاثُ حقائِق هامَّة في الجُملَةِ الإفتِتاحِيَّة منَ هذا الإصحاحِ الثَّامِن. فإذا رَجَعنا إلى ما بدأَ بُولُس بتعليمِهِ في العددِ السَّابِع عشَر منَ الإصحاحِ الأوَّل، فإنَّ كلمة "إذاً" تُقَدِّمُ للخُلاصةِ التي تَقُولُ بأنَّهُ لا دَينُونَة الآن على الذِينَ هُم في المسيحِ يسُوع، السَّالِكِينَ ليسَ بِحَسَبِ طبيعَتِهِم البَشَريَّة، بِدُونِ مُساعَدَةٍ منَ الله، بل بِحَسَبِ الرُّوح. لقد علَّمَ كُلٌّ من يسُوع وبُولُس أنَّ الذين لا يُؤمِنُونَ سيُدانُونَ لأنَّهُم لم يُؤمِنُوا (يُوحَنَّا 3: 18). وعَلَّما كِلاهُما أيضاً أنَّ الإيمان – بِعَمَلِ إبنِ اللهِ  المُتَمَّم من أجلِ الخلاص – يُزيلُ الدَّينُونَةَ الأبديَّة.

سيُظهِرُ بُولُس لاحِقاً في هذا الإصحاح أنَّ المسيحَ الحَيَّ المُقام لا يَدينُنا عندما نفشَلُ أو نُقَصِّرُ عن مِقياسِ تمجيدِ اللهِ في كُلِّ فكرَةٍ، كَلِمَةٍ، أو عمَل. إنَّهُ أبانا السَّماوِيّ الكامِل، ونقرأُ أنَّهُ مثل كُلّ أب صالِح، يُشفِقُ على أولادِهِ ويذكُرُ أنَّنا تُرابٌ (مزمُور 103: 14).

هل بإمكانِكُم أن تَتَصَوَّرُوا أباً أرضِيَّاً يُعَلِّمُ طفلَهُ المَشِي، وهُوَ ينتَهِرُ أو حتَّى يُعاقِبُ طفلَهُ عندَما يتعثَّرُ أو يسقُطُ خلالَ تعلُّمِهِ المَشي؟ لقد قامَ يسُوعُ بهذه المُقارَنة نفسِها عندما علَّمَ أنَّنا إذا تَعَلَّمنا كيفَ نُعطي أشياءَ صالِحَة لأطفالِنا، فعلينا أن نُدرِكَ أنَّ أبانا السَّماوِيّ سيُعطينا حتماً الرُّوحَ القُدُس وعلاقَةً معَ إلهِنا، عندما نطلُبُ منهُ ذلكَ (لُوقا 11: 11- 13). فهكذا آبٌ سماوِيٌّ صالِح لن يدينَنا عندَما نسقُط.

يُعَلِّمُ بُولُس حقيقَةً ثانِيَةً هامَّة عندما يُوافِقُ معَ قولِ يعقُوب أنَّ "الإيمان يعمَل" و "الإيمان يمشِي." (يعقُوب 2: 14- 26). فالإيمانُ وحدهُ يستَطيعُ أن يُخَلِّص، ولكنَّ الإيمانَ الذي يُخَلِّص لا يبقى وحدَهُ أبداً. وأُولئكَ الذين لن يُدانُوا لأنَّهُم مُتَبَرِّرُونَ بالإيمان، يُصادِقُونَ على إيمانِهِم بإظهارِ كَونِهِم لا يَسيرُونَ بِحَسَبِ الجَسَد بَل بِحَسَبِ الرُّوح. هُناكَ فرقٌ بينَ السُّلُوكِ بِحَسَبِ الجَسد وبينَ كَونِ الإنسان في الجَسد. فالسُّلُوك بِحَسَبِ الجَسد هُوَ خَيَارٌ قد يتَّخِذُهُ أشخاصٌ رُوحِيُّون. أمَّا كَونُ الإنسان في الجَسَد فهُوَ حالَةُ الإنسان غير الرُّوحِيّ أو الطَّبِيعيّ، بِدُونِ أيَّةِ علاقَةٍ معَ الله، والذي لا يَستَطيعُ أن يفهَمَ الأُمُورَ الرُّوحِيَّة (1كُورنثُوس 2: 14).

حقيقَةٌ ثالِثَة يُعَلِّمُها بُولُس في هذا التّصريح الإفتِتاحِيّ نَجِدُها في هاتَينِ الكَلِمَتَينِ اللَّتَينِ يستخدِمُهُما بُولُس حوالي مائَتي مرَّة في العهدِ الجديد. إحدَى الطُّرُق المُفضَّلَة عندَ بُولُس لوصفِ الخُطاة المُبَرَّرِين الذين إكتَشَفُوا هذا المبدأ الرُّوحِيّ الثَّالِث، هُو بالقَول أنَّهُم "في المسيح." بهذا التَّحديد يقصُدُ بُولُس أنَّهُم في المسيح، كما يَكُونُ الغُصنُ في الكَرمة، أو ثابِتاً في الكرمة، التي منها تَستَمِدُّ الحياةَ التي تُمَكِّنُ هذه الأغصان منَ الإِثمَار (يُوحَنَّا 15: 1- 16).

ثُمَّ يُقدِّمُ بُولُس مبدَأَهُ الرُّوحِيَّ الثَّالِث، عندما يكتُبُ قائِلاً: "نامُوس رُوح الحياة في المسيح يسُوع قد أعتَقَني من نامُوسِ الخَطِيَّةِ والمَوت." عندما يُخبِرُنا ماذا بإمكانِ هذا المبدأ أن يعمَلَ، يرجِعُ إلى مبدَئِهِ الثَّانِي، وهذه المرَّة يُضيفُ كَلِمَتَينِ على ذلكَ المبدأ. يُسَمِّيهِ "نامُوس الخَطيَّة والمَوت." يَربِطُ هذا الأمرُ بينَ مبادِئ بُولُس الرُّوحيَّة الأربَعة، وبينَ الفاتِحينَ الأربَعة الذينَ قدَّمَهُم في الإصحاحِ الخامِس. أتَذكُرُونَ الملك خَطِيَّة والمَلِك مَوت؟ فعاقِبَةُ المَوتِ دائماً تتبَعُ الخَطيَّة.

وتماماً كما كانَ الفاتِحَانِ الأوَّلانِ يُمَثِّلانِ الأخبارَ السَّيِّئة، والفاتِح الثَّالِث والرَّابِع يُمَثِّلانِ الأخبارَ السَّارَّة، هكذا أيضاً المبدآانِ الرُّوحِيَّانَ الأوَّلانِ يُمَثِّلانِ الأخبارَ السَّيِّئَة، والمبدأ الثَّالِث والرَّابِع يُمَثِّلانِ الأخبارَ السَّارَّة. الأخبارُ السَّارَّةُ عن هذا المبدأ أو النَّامُوس الرُّوحِيّ الثَّالِث هي أنَّهُ يُحَرِّرُنا من نامُوسِ الخَطِيَّةِ والمَوت. تَصَوَّرْ طائِرَةً تجارِيَّةً ضخمَة تهدُرُ على مَدرَجِ الإقلاع إلى أن تَصِلَ إلى السُّرعَةِ الكافِيَة فتُقلِعُ عنِ المَدرَجِ مُرتَفِعَةً كالمَصعَد، حامِلَةً على متنِها حوالي 375 راكِباً وعدَّة أطنان منَ الحقائِب والمعدَّات، ثُمَّ تُحَلِّقُ إلى إرتِفاعٍ يُناهِزُ العشرَة آلاف مِتراً.

ذاتَ مَرَّة، كُنتُ أُلقِي عِظَةً عن المبدأ الرُّوحِيّ الثَّالِث، وإستَخدَمتُ هذا الإيضاح. وإعتَرَفتُ أنَّني لم تَكُنْ لدَيَّ أيَّة فكرة عن كيفَ ترتَفِعُ الطَّائِرَةُ النَّفَّاثَةُ في السَّماء، رُغمَ أنَّني سافَرتُ فيها عدَّةَ مرَّاتٍ. فجاءَ بروفسور في الفيزياء، وكانَ رَجُلاً تقيَّاً وقد سَمِعَ عِظَتي، وشرَحَ لي لاحِقاً بكُلِّ أناةٍ كيفَ يحدُثُ هذا الأمر.

كانَ تفسيرُهُ يعني أنَّهُ عندما تهدُرُ الطَّائِرَةُ الضَّخمَةُ على مدرَجِ المطار، يدفَعُها زُخمُ مُحَرِّكاتِها للُوصُولِ إلى سُرعَةٍ يتفوَّقُ معها قانُونُ الطَّيران النَّفَّاث المعروف بِ Aerodynamics، أي قانُون الدَّفع النَّفَّاث على قانُونِ الجاذِبيَّة. وعندما يتفوَّقُ قانُونُ الدَّفعِ النَّفَّاث على قانونِ الجاذِبيَّة، ترتَفِعُ الطَّائِرَةُ في السَّماءِ وتُحَلِّقُ إلى إرتِفاعِ عشرة آلاف متراً، وتجتازُ آلافَ الكِيلومترات، إلى أن تَصِلَ إلى غايَتِها المَنشُودة.

الآن تأمَّلُوا بهذا المبدأِ أو النَّامُوسِ الرُّوحِيِّ الثَّانِي، نامُوس الخَطيَّة والمَوت، وأنظُرُوا إليهِ على أساس أنَّهُ قانُونُ "الجاذِبيَّة الرُّوحِيّة،" الذي يشُدُّ بنا إلى أسفَل، ولا يسمَحُ لنا بالتَّحليقِ رُوحيَّاً. عندَما يُقَدِّمُ بُولُس مبدأَهُ الرُّوحيّ الثَّالِث، يكتُبُ قائِلاً أنَّ نامُوسَ رُوحِ الحياةِ في المسيح يسُوع هُوَ أشبَهُ بقانُونِ الدَّفعِ النَّفَّاث رُوحيَّاً، الذي يَرفَعُنا ويجعَلُنا نُحَلِّقُ فوقَ سُلطَةِ وعواقِبِ نامُوسِ الخَطيَّةِ والمَوت.

الأخبارُ السَّارَّةُ من هذا المبدأ أوِ النَّامُوسِ الرُّوحيِّ الثَّالِث، تُشَكِّلُ جزءاً من العهدِ الجديد منذُ كتابَتِهِ. ألا يتوجَّبُ علينا إذاً أن نتوقَّعَ من كُلِّ المُؤمنينَ المُبَرَّرِينَ أن يُحَلِّقُوا فوقَ نامُوس ِوعواقِبِ الخطيَّة؟ ما هُوَ الإختبارُ الواقِعيُّ للكَثيرِ منَ الخُطاةِ الذين تبرَّرُوا بالإيمانِ ويُواظِبُونَ على حُضُورِ كنائِسِنا؟

إستِناداً إلى مُلاحَظاتِ شخصٍ إستَمَرَّ في خدمَةِ رعايَةِ الكنائِس كَقَسِّيسٍ لأكثَرِ من نِصفِ قَرن، أنا مُقتَنِعٌ أنَّ الجوابَ الصَّادِق والبَسيط على هذا السُّؤال هُوَ أنَّ الكثيرِينَ منَّا، في مُعظَمِ الأحيان، نُشبِهُ طائِرَةً ضخمَةً تقبَعُ على مَدرَجِ مَطارِ الحياة، وهِي مُزَوَّدَةٌ بمُحَرِّكاتٍ ضَخمَة قادِرة على حَملِها وجعلِها تتغلَّبُ على قانُونِ الجاذِبيَّة الرُّوحيَّة، ولكنَّ هذه الطَّائِرَة تبقَى تهدُرُ وتهدُرُ وتهدُرُ بِضَجيجٍ عالٍ لعشرينَ، ثلاثِينَ، أربَعين عاماً، أو لنهايَةِ حياتِنا، بدُونِ أن ترتَفِعَ قَيدَ أُنمُلَةٍ واحِدَةٍ عنِ المدرَج! فلماذا نحنُ لا نُحَلِّقُ فوقَ كُلِّ ما هُوَ مُمَثَّلٌ بنامُوسِ الخَطيَّةِ و المَوت، رُغمَ كَونِ كِلفَةِ التَّحليق الباهِظَة قد سُدِّدَ ثَمنُها بالكامِل؟ 

المبدأُ الرُّوحِيُّ الرَّابِع: مبدأُ
الصفحة
  • عدد الزيارات: 9438