Skip to main content

الحياةُ في مجالَين

الصفحة 1 من 2

هل سبقَ ولاحَظتُم يَعسُوباً أو فراشَةً خَيَّاطَةً وهي تطيرُ، كيفَ تَستَخدِمُ أجنِحَتَها المُزدَوِجَة لتنتَقِلَ من زهرَةٍ إلى أُخرى؟ أحياناً تُحَلِّقُ مثلَ طائِرَة الهليكُوبتر، ثابِتَةً مُعَلَّقَةً في الفَضاء. وتستطيعُ هذه أو الفَراشَة الخَيَّاطَةُ أن تُحَلِّقَ بهذا الشَّكلِ طوالَ النَّهار. إنَّ هذه المَخلُوقات المُدهِشَة هي مُعجِزَةٌ بِحَدِّ ذاتِها في الطَّيرانِ النَّفَّاث، معَ أجنِحَتِها المُزدَوِجَة التي تَسمَحُ لها بالطَّيرانِ بِدُونِ توقُّف.

تقضِي الفَراشَة ُالخَيَّاطَةُ أوَّلَ أربَع سنواتٍ من وُجُودِها في قَعرِ مُستَنقَعٍ منَ المياه. فإذا قُمتُم كما يفعَلُ عُلماءُ الطَّبيعة، بإقتِطاعِ صُورَةٍ مَقطعِيَّة عن حياةِ اليَعسُوب تحتَ المياه في أُولى سني حياتِها، سوفَ تكتَشِفُونَ أنَّ هذه الحشَرة المائِيَّة مُزَوَّدَةٌ بجِهازَي تنفُّس. فاليَعسُوبُ الذي يعيشُ تحتَ الماء  لديهِ نظامٌ تنفُّسِيٌّ يسمَحُ لهُ بتنشُّقِ الهواءِ تحتَ الماء من خلالِ جسدِهِ الطَّويل الرَّفيع، وبإمكانِهِ إستخراجَ الأُوكسجين منَ الماء، تماماً كما تفعَلُ باقي الحيواناتُ المائِيَّة. وسوفَ تكتَشفُونَ أيضاً أنَّ هذا المَخلُوق المُدهِش لديهِ جهازٌ تنَفُّسِيٌّ آخر، سوفَ يُمَكِّنُه ذاتَ يَومٍ من تنفُّسِ الهواءِ مُباشَرَةً عندما يدخُلُ المجالَ الآخرَ من حياتِهِ.

فعندما تكتَمِلُ مرحَلَةُ الحياةِ المائِيَّة لليُعسُوب، يرتَفِعُ إلى سطحِ الماء، ويزحَفُ إلى اليابِسَة، حيثُ يُجفِّفُ أجنِحَتَهُ تحتَ الشَّمس، ويفرُدُ هاتَينِ المَجمُوعَتَين منَ الأجنِحَة الغريبة المُدهِشَة، ويبدَأُ بعَيشِ النِّصفِ الثَّاني المجيد من حياتِهِ. لقد صمَّمَ اللهُ هذا اليَعسُوب أو الفراشة الخَيَّاطة لتعيشَ حياتَها في بُعدَين أو مجالَين أو عالَمَين.

لدينا هذا القاسَمُ المُشتَرَك معَ اليَعسُوب. فبِحَسَبِ بولُس، نحنُ أيضاً صُمِّمنا من قِبَلِ اللهِ لنعيشَ في عالَمين أو مجالَين. يُعطينا اللهُ جسداً أرضِيَّاً لنعيشَ حياتَنا هُنا على الأرض، وسيُعطينا اللهُ جسداً سماوِيَّاً سوفَ يُؤَهِّلُنا لنَعيشَ إلى الأبد في المجالِ الأبديّ من وُجُودِنا الثَّانِي الذي خطَّطَ لهُ اللهُ بِعنايَتِهِ الإلهيَّة.

وإذا تكلَّمنا مجازِيَّاً، إذا كُنَّا سنأخُذُ "صُورَةً مَقطَعِيَّةً" لمُؤمِنٍ مُتَجَدِّد، سوفَ نكتَشِفُ أنَّ المُؤمِنَ المَولُودَ من جديد، مثلَ اليَعسُوب، مُزَوَّدٌ بجهازَينِ للحياة. فكُلُّ تلميذٍ حقيقيٍّ ليسُوع المسيح مُجَهَّزٌ بجَسَدٍ أرضِيّ، أو بجهازِ حياةٍ يسمَحُ للمُؤمِن بأن يعيشَ المجالَ الأوَّلَ من حياتِهِ. وسوفَ نكتَشِفُ أيضاً أنَّ كُلَّ مُؤمِنٍ حقيقيٍّ مُزَوَّدٌ بما يُسَمِّيهِ بُولُس "الخليقَة الجديدة"، أو "الإنسان الجَديد"، أو "الإنسان الدَّاخِليّ." بحَسَبِ بُولُس، عملُ الرُّوحِ القُدُس المُعجِزِيّ هذا، هُو أشبَهُ بالجِهازِ التَّنَفُّسِيّ الثَّانِي عندَ اليَعسُوب، الذي يَرمُزُ إلى الجسد الرُّوحي الذي سيُعطيهِ اللهُ لِكُلِّ المُؤمنين، والذي سيُمَكِّنُهُم منَ العَيشِ إلى الأبد.

اليَعسُوبُ هُوَ مُعجِزَةٌ في الطَّيرانِ النَّفَّاث في مجالِ حياتِهِ الثَّانِيَة. عندما يَقُومُ المُؤمِنُونَ منَ المَوت، وعندما يُعطينا اللهُ أجساداً رُوحيَّةً تُؤَهِّلُنا للبُعدِ الثَّانِي والأبديّ من حياتِنا، تصَوَّرُوا كيفَ سنَكُون!

قرابَةَ نهايَةِ العهدِ الجديد، في رِسالَةِ يُوحَنَّا الأُولى، يتأمَّلُ هذا الشَّيخُ والقِائِدُ المُسِنّ، الرَّسُولُ يُوحَنَّا حولَ من وماذا نكُونُ الآنَ كمُؤمِنين ومن وماذا سنكُونُ في المُستَقبَل. وهُوَ يُخبِرُنا بأنَّ ما سنَكُونُهُ لم يُعلَنْ بَعد، ولكنَّهُ سيَكُونُ رائِعاً يَفُوقُ كُلّ ما يُمكِنُنا أن نتخيَّلَهُ، لأنَّهُ في السَّماء، سوفَ نَكُونُ تماماً كما هُوَ المسيحُ الحَيُّ المقامُ الآن (1يُوحَنَّا 3: 1، 2)!

يَكتُبُ بُولُس بِطَريقَةٍ جميلَة أنَّ الخليقَةَ بأسرِها تتطلَّعُ بِشَوقٍ لتنظُرَ المُعجِزَةَ المجيدة عنِ الحالَةِ التي سنَكُونُ عليها. قِيلَ لي أنَّ التَّقَدُّمَ بالسِّنّ هُوَ ليسَ للجُبناء. فبَينما تختَبِرُ التَّقَدُّمَ بالسِّنّ، أو بينما تُلاحِظُ تلكَ العَمَلِيَّةَ في أُولئِكَ الذين تعرِفُهُم وتُحِبُّهُم، لا تَنسَ أبداً أنَّ الجَسَدَ ليسَ إلا "ثوباً أرضِيَّاً" للمُؤمن. فاللهُ يمنَحُنا جسداً يُمَكِّنُنا منَ العَيشِ هُنا على الأرض. واللهُ سوفَ يمنحُ كُلَّ تلميذٍ ليسُوع المسيح جسداً رُوحانِيَّاً، سيُؤَهِّلُنا للعَيشِ في السماء، عندما يَتِمُّ إستِعلانُنا كأبناءِ الله.

هذانِ العَدَدانِ اللذانِ يَربِطانِ بينَ نُمُوِّنا وإنتِصارِنا وبينَ الألَم والحالَةِ الأبديَّة، تَتبَعُهُما أعدادٌ عَميقَةٌ تُخبِرُنا بِبَعضِ الحقائِق المُدهِشَة عن هذا العالم الذي خلَقَهُ هذا العالَم ويحفَظُهُ. فأبناءُ اللهِ ليسُوا خليقَةَ اللهِ الوحيدة التي تحتاجُ عملَ اللهِ الخلاق المُستَمِرّ: "إذ أُخضِعَتِ الخَليقَةُ لِلبُطلِ، ليسَ طَوعاً بَل من أجلِ الذي أخضَعَها على الرَّجاء. لأنَّ الخَليقَةَ نفسَها أيضاً ستُعتَقُ من عُبُوديَّةِ الفَسَادِ إلى حُرِّيَّةِ مَجدِ أولادِ الله. فإنَّنا نعلَمُ أنَّ كُلَّ الخَليقَةِ تَئِنُّ وتَتَمخَّضُ معاً إلى الآن." (رومية 8: 20- 22)

لِكَي نُتَرجِمَ هذه الأعداد الثَّلاثَة، علينا أن نفهَمَ سُقُوطَ الجنسِ البَشَريّ، كما هُوَ مَوصُوفٌ في الإصحاحاتِ الأُولى من سفرِ التَّكوين، وفي الإصحاحِ الأوَّلِ من هذه الرِّسالَة التي كتبَها بُولُس إلى أهلِ رُومية. عندما يُخطِئُ الإنسانُ، يَتَلَطَّخُ كُلُّ ما يَلمَسُهُ الإنسانُ بخَطِيَّتِهِ هذه. نحنُ نرى نتائِج الخَطيَّة البَشَريَّة على البِيئَة، بطُرُقٍ كثيرَةٍ مُتَنَوِّعَةٍ اليوم. فالطَّمَعُ البَشَرِيُّ يُلَوِّثُ مِياهَنا والهواءَ الذي نتنفَّسُهُ والطَّعام الذي نأكُلُهُ.

بِحَسَبِ وقائِعِ الخلق، تأثَّرَ هذا الخَلقُ دينامِيكيَّاً بِسُقُوطِ الإنسان. هذه الأعدادُ تَقُولُ بِبَساطَةٍ أنَّهُ عندما يكتَمِلُ فداءُ الإنسان، سيكُونُ هُناكَ فداءٌ نِهائِيٌّ وكامِلٍ لهذا العالم. فعندما نُفدَى، نُصبِحُ خلائِقَ جديدَة. ولقد علَّمنا بُولُس في هذه الرِّسالَة أنَّ إنسانَنا العَتيق ينبَغي أن يَمُوتَ، لكَي تبدَأَ حياتُنا الجديدة. يُعَلِّمُنا الكتابُ المُقدَّسُ أنَّهُ يوماً ما، سوفَ يخلُقُ اللهُ سماءً جديدَةً وأرضاً جديدَةً يسُكُنُ فيها البِرّ. (2بُطرُس 3: 13)

يُخبِرُنا بُولُس هُنا في الإصحاحِ الثَّامِن من رسالَتِهِ إلى أهلِ رُومية، أنَّ الخليقَةَ الحاضِرَة تَئِنُّ وتَتَمخَّضُ للوُصُولِ إلى الخليقَةِ الجديدة. "وليسَ هكذا فقط بل نحنُ الذين لنا باكُورَة الرُّوح، نحنُ أنفُسُنا أيضاً نَئِنُّ في أنفُسِنا مُتَوقِّعِينَ التَّبَنِّي فِداءَ أجسادِنا. لأنَّنا بالرَّجاءِ خَلَصنا. ولكنَّ الرَّجاءَ المَنظُورَ ليسَ رَجاءً. لأنَّ ما ينظُرُهُ أحدٌ كيفَ يرجُوهُ أيضاً. ولكن إن كُنَّا نرجُو ما لَسنا ننظُرُهُ فإنَّنا نتوقَّعُهُ بالصَّبر." (رُومية 8: 23- 25).

هُنا يرجِعُ بُولُس إلى مَوضُوع فدائِنا النِّهائي والكامِل. وهُوَ يكتُبُ قائِلاً أنَّنا نخلُصُ برجاءِ قيامَةِ الأجساد. وهُوَ يقصُدُ أنَّنا بِمعنىً ما لن يكتَمِلَ فداؤُنا نِهائِيَّاً، إلى أن نَقُومَ ونَصِلَ إلى الحالَةِ الأبديَّة. فالأشخاصُ الأتقِياءُ يمُوتُونَ، ونحنُ نتساءَلُ غالِباً لماذا لم يُشفَوا؟

نَجِدُ الجوابَ جُزئِيَّاً في هذه الأعداد. فتماماً كما أنَّ فِداءَهُم لن يكتَمِلَ نهائِيَّاً إلى أن يَصلُوا إلى الأبديَّة، فإنَّ شِفاءَهُم أيضاً لن يكتَمِلَ إلى أن يَقوُموا ويَصِلُوا إلى السماء. عندما يُعطيهِمِ اللهُ الجسدَ الرُّوحِيَّ الذي سيُمَكِّنُهُم منَ العَيشِ في السَّماء، فإنَّ شِفاءَهُم وفداءَهُم سيَكتَمِلانِ تماماً. 

صَلِّ على أيَّةِ حال
الصفحة
  • عدد الزيارات: 6011