Skip to main content

الفَصلُ الأوَّل هُوَ نفسُهُ

نسمعُ اليوم في أنحاءِ العالَمِ كافَّةً عن إختِفاءِ القِيَم، أو ما يُمكِنُ أن تُسمُّوهُ "فراغُ القِيَم،" أي فقدانُ البُوصلة الداخِليَّة التي بإمكانِها أن تقُودَ الناسَ إلى تِلكَ النوعيَّةِ من الحياة التي تستَحِقُّ العيشَ. فالقِيَمُ العائِليَّةُ تبدو وكأنَّها تَنهَارُ، إذ نجدُ الطلاقَ يتفشَّى كعدوَى بِنِسبَةٍ عالِيَة، ممَّا يترُكُ ملايين الأطفال بدُونِ الأمان والعِنايَة التي يجدُونَها عادَةً معَ والِديهم في الزيجاتِ المُستَقرَّة.

بِتعريفِ القامُوس، القيمَةُ هي "تلكَ النَّوعيَّة لأمرٍ ما، التي بِها نُحدِّدُ مِقدارَ أهمِّيَّةِ، أو منفَعَةِ، أو فائدِة هذا الأمر، وبالتَّالي مقدارَ الرغبَةِ بهِ." أُولئكَ الذين يُؤمِنُونَ بالله، يجدُونَ في اللهِ المبادِئَ الأدبيَّة المُطلَقَة، التي تُحدِّدُ لهُم ما هُوَ الصَّوابُ وما هُوَ الخطأ. فهل يستطيعُ أُولئكَ الذي يُؤمِنُونَ بالله أن يجِدُوا فيهِ القِيَمَ المُطلَقة التي تُحدِّدُ لهُم نظامَ القِيَم الذي يقُودُهُم إلى نوعيَّةِ الحياة التي أرادَهَا اللهُ لهم عندما خلقَهم، وعندما خلقَهُم إبنُهُ من جديد؟

لقد أجابَ يسُوعُ ذلكَ السُّؤال عندما قالَ، "أتيتُ لِتَكُونَ لهُم حياةٌ، ولِيَكُونَ لهُم أفضَل (يُوحنَّا 10: 10). فيسُوعُ لم يأتِ إلى العالَم فقط لكَي يمُوتَ عن خطايانا. بل جاءَ أيضاً لكَي يُريَنا كيفَ نعيش. إحدى الطُّرُق التي بها فعلَ هذا هي بتعليمِ وتوضيحِ مجمُوعَةٍ من القِيَمِ المُطلَقَة. فبينما نقتَفِي خُطوات أهمّ حياة عاشَها أحدٌ على الأرض، عبرَ الأناجيل الأربَعة، نجدُ يسُوعَ يُعرِّفُ ويُوضِحُ ويُعلِنُ بإستِمرار قِيَماً مُطلَقَة. فَسُرعانَ ما نُلاحِظُ قِيَمَ المسيح المُطلَقَة، علينا أن نعتَرِفَ بِهذه القِيَم.

وفي العهدِ الجديد، لا يُطلَبُ منَّا فقَط بأن نعتَرِفَ بِخَطايانا، بل يُطلَبُ منَّا أيضاً أن نعتَرِفَ بيَسُوع المسيح (متَّى 10: 32؛ رُومية 10: 9). تتألَّفُ كلمة "إعتِراف" في اللُّغةِ اليُونانيَّةِ من جَذرَين، وهُما: "قول المِثل". فعندما نعتَرِفُ بخطايانا، علينا أن نقُولَ الِمِثْل، أو أن نقولَ عن خطايانا نفس ما يقُولُهُ يسُوع عن خطايانا. عندما نعتَرِفُ بِيَسُوع المَسيح، علينا أن نقُولَ الأمرَ ذاتَهُ الذي يقُولُهُ هُوَ، أو أن نُوافِقَ معَهُ عندما يُوضِحُ أو يُعلِّمُ أو يُعلِنُ قيمَةً ما. علينا أن نعيشَ نفسَ القِيَم التي عاشَها هُوَ.

ولكي نبدَأَ بإعتِرافِنا بقِيمِ المسيح، المكانُ المُناسِبُ لنبدَأَ بذلكَ هُوَ بالقيمةِ التي أولاها هُوَ لنَفسِه. فمن وماذا قالَ يسُوعُ أنَّهُ هُو نفسُهُ يكُون، وكيفَ نعتَرِفُ بتلكَ القيمة للمسيح؟ نجِدُ الجوابَ على السُّؤال الأوَّل في الإصحاحِ الثالِث من إنجيلِ يُوحنَّا: "وليسَ أحدٌ صَعِدَ إلى السماء، إلا الذي نزلَ من السماء، إبنُ الإنسان الذي هُوَ في السماء... لأنَّهُ هكذا أحبَّ اللهُ العالمَ حتَّى بذلكَ إبنَهُ الوحيد، لكَي لا يهلِك كُلُّ من يُؤمِن بهِ بَل تكُونُ لهُ الحيَاةُ الأبديَّة." (يُوحنَّا 3: 13، 16).

لقد سمَّى يسُوعُ نفسَهُ بإبنِ الله، ولكنَّهُ لم يكُنْ إبن الله بنفس المعنى الذي بهِ نحنُ أبناء الله. فنحنُ نأخُذُ السَّلطان بأن ندعُوَ أنفُسَنا أبناء الله عندما نضَعُ إيمانَنا بيسُوع المسيح (1: 12)، ولكنَّ يسُوع هُوَ "الإبنُ الوحيد المَولُود من الله." إنَّهُ إبنُ اللهِ بطريقَةٍ لم ولن يُشارِكَهُ بها أحَد. فلقد صلَّى قبلَ موتِهِ، "والآن مجِّدني أنتَ أيُّها الآبُ عندَ ذاتِكَ بالمَجدِ الذي كانَ لي عندَكَ قبلَ كَونِ العالَم." (17: 5) إنَّ يسُوع هُوَ أكثَر من مُجرَّد يسُوع التاريخي الذي وُلِدَ في مِذوَدٍ وماتَ على صَليبٍ وهُوَ في الثالِثَةِ والثلاثينَ من العُمر. فلقد كانَ معَ اللهِ قبلَ كونِ العالم.

ولكنَّ يسُوع عمِلَ أكثَر من مُجرد تسمِيَة نفسهُ "إبن الله الوَحيد. فأكثَرُ تصريحٍ عقائديٍّ قامَ بها يسُوعُ على الأرض كانَ تصريحُهُ لمُعلِّمِ النامُوس نيقُوديمُوس. قالَ أنَّهُ "ينبَغي أن يُرفَعَ" (3: 14)، الأمرُ الذي يعني أنَّهُ ينبَغي أن يُصلَبَ على صَليب، "...كما رفعَ مُوسَى الحيَّةَ في البَريَّة." قالَ يسُوعُ لنيقُوديمُوس أنَّهُ ينبَغي أن يُرفَعَ لأنَّهُ كانَ إبن الله الوَحيد، وحلَّ الله الوحيد لمُشكِلةِ الخطيَّة في هذا العالم، والمُخلِّصُ الوحيد من الله.

عندما أعلَنَ يسُوعُ نفسَهُ بأنَّهُ مُخلِّصُ العالم، أضافَ التصريح العقائدي أنَّ فقط أُولئِكَ الذين آمنُوا بهِ سيخلُصُون. ولقد صَحَّ هذا ليسَ فقط على الذين رأوهُ يُرفَعُ أو يُصلَبُ جسديَّاً، بل أيضاً على العالمِ أجمَع: "لأنَّهُ لم يُرسِلِ اللهُ إبنَهُ إلى العالم ليَدينَ العالم، بل ليَخلُصَ بهِ العالم." (يُوحنَّا 3: 17).

نقرَأُ في سفر العدد 21: 6- 9 أنَّ شعبَ إسرائيل كانُوا يمُوتُونَ من لَدْغِ الأفاعي، نتيجَةً لِشعُورِ اللهِ حيالَ تذمُّرِهم المُستَمِرّ. ولكنَّ اللهَ أمرَ مُوسى بأن يَرفَعَ حيَّةً نُحاسيَّةً، التي كانت ستُسبِّبُ الشفاءَ لكُلِّ من تطلَّعَ إليها بالإيمان. قالَ يسُوع أنَّهُ بهذه الطريقة نفسِها، كانَ ينبَغي أن "يُرفَعَ... حتَّى أنَّ كُلَّ من يُؤمن بهِ وهُوَ يُرفَعُ على الصليب، تكُونُ لهُ الحياة الأبديَّة." (يُوحنَّا 3: 14، 15).

عندما قامَ يسُوعُ بهذه الإدِّعاءات، كانَ يقُولُ لنيقوديمُوس كيفَ يُمكِنُ للإنسانِ أن يُولدَ ثانِيَةً. لقد أعطى يسُوعُ جوابَين على هذا السؤال. أوَّلاً، أخبَرَ نيقُوديمُوس أنَّ دَورَ الله في ولادَةِ النفسِ ثانِيَةً هُو أمرٌ لا يُمكِنُ فهمُهُ، وهُوَ مثل الرِّيح: "فالريحُ تهُبُّ حيثُ تشاء وتسمَعُ صوتَها، ولكنَّكَ لا تعلَمُ من أينَ تأتي ولا إلى أينَ تذهَب؛ هكذا كُلُّ من وُلِدَ من الرُّوح." (يُوحنَّا 3: 8). هكذا وصفَ يسُوعُ دَورَ الله في مُعجِزَةِ إختِبار الولادَةِ الثانية.

بِمعنىً ما، كانَ يقُولُ يسُوعُ أنَّنا لن نفهَمَ أبداً دورَ الله في الولادَةِ الجديدة. ولكنَّهُ قالَ أيضاً أنَّ للإنسانِ دَورٌ في ولادتِهِ الجديدة. إنّهُ مسؤولٌ أن يُؤمِنَ: "لأنَّهُ هكذا أحبَّ اللهُ العالَمَ حتَّى بذلَ إبنَهُ الوحيد، لكي لا يهلِكَ كُلُّ من يُؤمِنُ بهِ، بل تكُونُ لهُ الحياةُ الأبديَّة." (يُوحنَّا 3: 16). إنَّ إختِبارَ الوِلادةِ يتحقَّقُ ظاهِريَّاً من خلالِ إيمانِنا (أي دورِنا) ومن خِلالِ قوَّة الله الخلاقة (دور الله).

إنَّ يسُوعَ المسيح هُوَ مُخلِّصُ العالم. لقد جاءَ ليفدِيَ العالم من الخطيَّة، ولكي يخلُقَ حَياةً في أُولئكَ الذين يُؤمِنُونَ بأعظَمِ التصريحاتِ العقائِديَّة التي صرَّحَ بها يسُوعُ عمَّن كانَ ولماذا جاءَ إلى هذا العالم. هل تُؤمِنُ بما قالَهُ يسُوعُ عن نفسِه؟ وهل تعتَرِفُ بالقِيَم التي أولاها يسُوعُ لنَفسِهِ؟ إنَّهُ ينتظِرُ جوابَكَ على تصريحاتِهِ عن نفسِه، لأنَّهُ يتُوقُ لغُفرانِ خطاياك، وليبدَأَ معَكَ مُعجِزَةَ الولادَةِ الجديدة في حياتِكَ.

  • عدد الزيارات: 3065