Skip to main content

الفَصلُ الرابِع الدينُونة

الصفحة 1 من 2

ما هُوَ مفهُومُكَ للدَّينُونَة؟ كَثيراً ما نسمَعُ النُّكات المضحِكة عن الدينُونَة، ذلكَ لأنَّ الناسَ لا يأخُذُونَها على محمَلِ الجَدّ. ولكن بِحَسَبِ كلمةِ الله، الدينُونَةُ ليسَت مزحَةً. بعضُ المُؤمنين يُعطُونَ الإنطِباع أنَّ الدينُونَةَ ستَكُونُ بمثابَةِ إمتِحانٍ نِهائِيٍّ في اللاهُوت. تأمَّلْ بالقيمةِ التي وَضَعَها يسُوعُ على الدينُونة، وبنظرتِهِ لما ستكُونُ عليهِ الدينُونة: "ومتى جاءَ إبنُ الإنسانِ في مَجدِهِ، وجميعُ الملائِكَةِ القِدِّيسِينَ معَهُ، فحينئذٍ يجلِسُ على كُرسِيِّ مجدِهِ. ويجتمِعُ أمامَهُ جميعُ الشُّعوب فيُميِّزُ بعضَهُم من بعضٍ كما يُمَيِّزُ الرَّاعي الخرافَ منَ الجِداء. فيُقيمُ الخِرافَ عن يمينِهِ والجداءَ عن يسارِهِ.

ثُمَّ يقُولُ الملكُ للَّذينَ عن يمينهِ تعالَوا يا مُبارَكي أبي رِثُوا الملكوت المُعدَّ لكُم منذُ تأسيسِ العالم. لأنِّي جُعتُ فأطعمتُمُوني. عطِشتُ فسَقَيتُمُوني. كُنتُ غريباً فآوَيتُمُوني. عُرياناً فكَسوتُمُوني. مَريضاً فزُرتُمُوني. مَحبُوساً فأتيتُم إليَّ. فيُجيبُهُ الأبرارُ حينئذٍ قائِلين: يا رَبُّ متى رأيناكَ جائِعاً فأطعمناكَ أو عطشاناً فسَقيناكَ. ومتى رأيناكَ غَريباً فآويناكَ أو عُرياناً فكَسوناكَ. ومتى رأيناكَ مرِيضاً أو محبُوساً فأتينا إليكَ. فيُجيبُ المَلِكُ ويَقُولُ لهُم الحقَّ أقُولُ لكُم بما أنَّكُ فعلتُمُوهُ بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغِر فبِي فعَلتُم." (متى 25: 31- 40)

في هذا الوصف للدَّينُونَة، لا نسمَعُ عن اللاهُوت، بل عن العطفِ على المُتألِّمين. نسمَعُ التَّحدِّي بأن نُولي قيمَةً لأولئكَ الذين أولاهُم يسُوعُ قيمةً خلالَ حياتِهِ – المرضى، المُستوحدين، الجائعين، العطشانين، الفُقراء الذين ليسَ لهم ما يكفي ليلبَسُوا، والمساجين – الأشخاص المُتألِّمينَ في العالم الذين قضى معهُم يسُوعُ الكثيرَ من وقتِهِ على الأرض.

أشارَ يسُوعُ إلى هؤلاء كإخوتِه. فمن هُم هؤلاء الناس؟ في مُناسَبَةٍ مُعيَّنة، صرَّحَ يسُوعُ أنَّ أولئكَ الذين يعمَلُونَ إرادَةَ الله هُم أبُوهُ وأُمُّهُ وإِخوتُه (متَّى 12: 50). خلالَ الثلاثمائة سنة الأُولى من تاريخِ الكنيسة، كانَ أتباعُ المسيح يُعتَبَرُونَ خَارجِينَ على القانُون. لقد كانَ شعبُ اللهِ دائماً شعباً مُتألِّماً. فهل يُمكِنُ أن نعتَبِرَ هؤلاء هُم المُؤمنون المُضطَّهَدون المُتألِّمُون الذين عانوا بهذه الطريقة لكَونِهم يعمَلُونَ إرادَة الله؟ ولكن، كائنينَ من يكُونُون، فسوفَ نلتَقي بهم في القِيامَةِ، بحسبِ قولِ يسوع.

إيَّاكَ أن تُسيءَ الفهم. فنحنُ نعرِفُ أنَّ الخلاصَ ليسَ مَبنيَّاً على الأعمال الإجتماعيَّة الصالحة. فجوهَرُ ولُبُّ رسائِلِ بُولُس إلى أهلِ رُومية وغلاطية، يُشدِّدُ على إنجيلِ الحَقّ القائِل أنَّ إيمانَنا بما عملَهُ يسُوعُ على الصليب هُوَ أساسُ خلاصِنا. ولكنَّ جميعَ هذه الأسفار الكِتابِيَّة تتَّفِقُ على أنَّ الأعمالَ الصالِحَة والخدمات الإجتماعِيَّة تُعطي قيمَةً ومعنى لإيمانِنا الذي وحدَهُ يُخلِّصُنا.

إنَّ هذا المقطع من متَّى 25 يُحدِّثُنا عن الدَّينُونَة، بمعنى تقييم حياة المُؤمنين. تُعلِّمُ الأمثالُ الثلاثة في هذا الإصحاح أنَّ مجيءَ المسيح ثانِيَةً سيكُونُ دينُونَةً على كُلِّ إناءٍ فارِغ، وكُلِّ يَدٍ فارِغة، وكُلِّ قلبٍ فارِغ. جميعُ هؤُلاء الذين يعتَرفُونَ بالإيمان، ولكنَّ  آنِيتَهُم وأيديهم وقُلوبهم فارغة، الأمرُ الذي يُفرِّغُ إيمانَهم من قيمتِهِ ومعناهُ، سوفَ يسمَعُونَ الرَّبَّ يقُولُ لهم: "إذهَبُوا عنِّي يا مَلاعين إلى النَّارِ الأبديَّة المُعدَّة لإبليس وملائكتِهِ... بما أنَّكُم لم تفعلُوهُ بأحدِ إخوتِي هؤلاء الأصاغِر فبِي لم تفعلَوا." (متى 25: 41، 45).

فالسُّؤال الذي يطرَحُ نفسَهُ علينا هُو التالي: ما هي القيمة التي نضعُها على الأشخاصِ المُتألِّمينَ في هذا العالم؟ هل نُغذِّيهِم، ونكسُوهم، ونُعطيهم ليشرَبُوا، ونزورهم، وندعُوهم إلى منازِلِنا، ونُقدِّمُ لهم الضِّيافة، ونُساعِدُهُم ليُصبِحوا أصِحَّاء؟ هل قَلبُنا مَملُووءٌ بالعطفِ على المُحتاجين لمحبَّةِ الله؟ إنَّ الأشخاصَ المُتألِّمينَ في هذا العالم هُم جزءٌ من نظامِ قِيَمِ المسيح، لأنَّهُ جاءَ "ليُبشِّرَ المساكين...ليُنادِيَ للمأسُورينَ بالإطلاق، وللعُميِ بالبَصَر، وليُرسِلَ المُنسَحِقينَ في الحُرِّيَّة، وليكرِزَ بِسَنَةِ الرَّبّ المقبُولَة." (لُوقا 4: 18- 19).

  • عدد الزيارات: 5730