Skip to main content

الفَصلُ الحادِي عشَر "أنا هُوَ"

إنجيلُ يُوحنَّا هُوَ سيرَةُ حياةِ المسيح التي تُشدِّدُ على ما كانَ سيقُولُهُ عن نفسِهِ وعن رِسالَتِهِ في هذا العالم. في هذا الإنجيل، بإمكانِنا أن نتأمَّلَ بهذه التصريحات عن مُهِمَّةِ يسُوع، ومن ثَمَّ نُجِيبُ على السُّؤال الذي طرَحَهُ يسُوعُ على رُسُلِهِ: "من تَقُولُونَ أنِّي أنا؟" عندما نقُومُ بهذا، إن قُلنا نفس ما يقُولُهُ يسُوعُ عن نفسِهِ، نكُونُ نعتَرِفُ بيسوع المسيح.

لقد سبقَ وتعلَّمنا أنَّهُ في الإصحاحِ الثالِث من إنجيلِ يُوحنَّا، دعا يسُوعُ نفسَهُ بإبنِ اللهِ الوَحيد، وحلَّ الله الوَحيد لمُشكِلَةِ الخَطيَّة، ومُخَلِّصُ اللهِ الوحيد المُرسَل إلى العالم، ولكَ ولي بالتحديد. فإن كُنَّا نُريدُهُ أن يكُونَ مُخَلِّصَنا، علينا أن نعتَرِفَ بتِلكَ القِيَم التي أولاها يسُوعُ لنَفسِه.

في الإصحاحِ التالي من إنجيلِ يُوحنَّا، نقرَأُ عن حديثِ يسُوع معَ إمرأَةٍ عندَ بئرِ سُوخار، في قَلبِ السامِرة. وعندما سألتْهُ كيفَ يتكلَّمُ معَها، وهُوَ رجُلٌ يهُوديٌِّ وهي إمرأَةٌ سامِريَّة، أجابَها بالقَول، "لو كُنتِ تعلَمِينَ عَطِيَّةَ الله ومَنْ هُوَ الذي يَقُولُ لكِ أَعطِينِي لأشرَبَ، لَطَلَبتِ منهُ أنتِ فأعطاكِ ماءً حيَّاً." (يُوحنَّا 4: 10)

فسألتِ المرأَةُ يسُوعَ إن كانَ أعظَمُ من أبيهم يعقُوب، الذي أعطاهُم البِئر، فقالَ لها: "كُلُّ من يَشرَبُ من هذا الماء يَعطَشُ أيضاً. ولكن من يَشرَبُ من الماء الذي أُعطيهِ أنا فلَن يعطَشَ إلى الأبد." (يُوحنَّا 4: 13- 14) وبعدَ أن تأكَّدَت من أنَّ سُلطانَهُ لإعطاءِ هكذا ماء جعلَهُ أعظم من مُجرَّدِ إنسان، وبما أنَّهُ تكلَّمَ الحقَّ عن أنَّها ليسَ لدَيها زوجٌ، وأنَّها كانَ لديها سابِقاً خمسةُ أزواج، عندها دعتْهُ نَبِيَّاً (19).

تابَعَ يسُوعُ إرباكَها بأجوبَتِهِ على أسئِلتِها، إلى أن ذَكَرَت في النِّهايَة المَسِيَّا: "أنا أعلَمُ أنَّ مَسِيَّا الذي يُقالُ لهُ الَمسيح يأتي. فمتى جاءَ ذاك يُخبِرُنا بِكُلِّ شَيء." (25) عندَها أجابَها يسُوع، "أنا الذي أُكَلِّمُكِ هُوَ." (26)

فيما بعد، إعتَرَفَتِ المرأَةُ بالإضافَةِ إلى بعضِ الرِّجالِ السامِريِّين الذين كانت تعرِفُهم أنَّ يسُوعَ هُوَ المسيح: "إنَّنا لَسنا بعدُ بِسببِ كلامِكِ نُؤمِنُ. لأنَّنا قد سَمِعنا ونَعلَمُ أنَّ هذا هُوَ بالحقيقَة المَسيحُ مُخَلِّصُ العالم." (42) لقد إعتَرَفُوا (أي قالُوا نفسَ الشيء) بالقيمةِ التي أولاها يسُوعُ لِنَفسِهِ عندما تكلَّمَ معَ المرأةِ السامِريَّة، مُعتَرِفينَ بكونِهِ المَسِيَّا، المسيح، والمُخلِّصُ (الوَحيد) للعالم.

يا تُرى ماذا عنَى للمرأَةِ أنَّها إكتَشَفَت أنَّها كانت تتكلَّمُ معَ المَسِيَّا؟ إنَّ سُؤالَنا يجِدُ جوابَهُ عندما نقرَأُ أنَّها تركت جرَّتَها – التي كانَت السبب الأساسي الذي من أجلِهِ جاءَت إلى البِئر – ومَضَت إلى المَدينَةِ لِتُخبِرَ الرِّجالَ عنهُ. في تِلكَ الحضارة، كانَ من الغَريبِ أن تتكلَّمَ إمرأَةٌ معَ الرِّجالِ عن أيِّ أمرٍ كان. حتَّى هي تعجَّبت من كونِ يسُوع قد تكلَّمَ إليها، رُغمَ أنَّها إمرأَةٌ سامِريَّة. هل كانَ مُمكِناً أنَّها كانت تعرِفُ هؤُلاء الرِّجال، لكونِها مُرتَبِطَةً معَهُم بعلاقَةٍ "مِهَنِيَّة"؟ يُخبِرُنا يسُوعُ أنَّهُ لم يأتِ إلى هذا العالَم من أجلِ الأبرار، بل من أجلِ الخُطاة (متَّى 9: 13).

إنَّ تجاوُبَ المَرأَة معَ مُقابَلَتِها معَ يسُوع، تضَعُ أمامَنا التحدِّي أن نُفكِّرَ بتجاوُبِنا نحنُ معَ إدِّعاءاتِ يسُوع في إنجيلِ يُوحنَّا. قالَ يسُوعُ للمرأَةِ أنَّها لو عرَفَت من هُوَ الذي كانَ يطلُبُ منها ليَشرَبَ، لكانت طلبت منهُ أن يُعطِيَها ماءَ الحَياة. تطبيقيَّاً، ينبغي أن يكُونَ هذا تحدِّياً لنا في كُلِّ مرةٍ نُصلِّي. فعندما نُصلِّي، نكُونُ نتكلَّمُ معَ اللهِ القَدير نفسه. وإن كُنَّا نُؤمِنُ أنَّنا نتكلَّمُ معَ اللهِ القَدِير، فماذا علينا أن نطلُبَ منهُ؟

يُتابِعُ يسُوعُ بإخبارِنا عبرَ إنجيلِ يُوحنَّا، عمَّن هُوَ، ولماذا جاءَ إلى هذا العالم. حتَّى أنَّهُ يقُولُ أنَّهُ مُعادِلٌ لله، عندما يقُولُ أنَّهُ يستطيعُ أن يعملَ كُلَّ ما يعمَلُهُ الله: "لا يَقدِرُ الإبنُ أن يعمَلَ من نفسِهِ شَيئاً إلا ما ينظُرُ الآبَ يعمَلُ. لأنْ مهما عَمِلَ ذاك فهذا يعمَلُهُ الإبنُ كذلكَ" (يُوحنَّا 5: 19). هذه الأُمور تشمَلُ إقامَة الموتى وإعطائِهم الحَياة، الأمرُ الذي اللهُ وحدَهُ يقدِرُ أن يعمَلَهُ.

إذا إدَّعَى إنسانٌ ما أنَّهُ معادِلٌ لله، سيسألُهُ الناسُ الذين حولَهُ بكُلِّ عفوِيَّةٍ، "هل بإمكانِكَ أن تعمَلَ ما يعمَلُهُ الله؟" أجابَ يسُوع على هذا السؤال قائِلاً، "نعم" وبرهنَ إدِّعاءَهُ. فلقد أقامَ يسُوعُ المَوتى، ولهذا برهَنَ مُساواتَهُ معَ الله، وأنَّهُ يستطيعُ أن يعمَلَ كُلَّ ما يستطيعُ اللهُ وحدَهُ أن يعمَلَهُ. بالنسبَةِ لرِجالِ الدين آنذاك، جعلَ يسُوعُ نفسَهُ مُعادِلاً لله (يُوحنَّا 5: 18)

عندما وصلَ هذا الحِوارُ الذي بدأَ يُوحنَّا تَسجِيلَهُ في الإصحاحِ الخامِس من إنجيلِهِ، عندما وصلَ إلى ذُروَتِهِ في نِهايَةِ الإصحاحِ الثامِن من إنجيلِ يُوحنَّا، أخبَرَنا يُوحنَّا أنَّ الصِّراعَ بينَ يسُوع ورِجال الدِّين أصبَحَ عدائِيَّاً. فحَمَلُوا حِجارَةً ليرجُمُوا يسُوع، عندما تكلَّمَ عن إبراهِيم قائِلاً أنَّهُ يَعرِفُهُ. فدفعَ هذا رِجالَ الدِّين ليسأَلُوا يسُوع، "ليسَ لكَ خُمسُونَ سنَةً بعد، أفَرَأَيتَ إبراهِيم. قالَ لهُم يسُوع الحَقَّ الحَقَّ أقُولُ لكُم قبلَ أن يَكُونَ إبراهِيم أنا كائِن." (يُوحنَّا 8: 57- 58)

لم يكُنْ هُناكَ أدنَى شَكّ في أذهانِ رِجالِ الدين عمَّن كانَ يسُوع وماذا قالَ عن نفسِه. ورِجَالُ الدِّينِ في أيَّامِنا الحاضِرة يُشكِّكُونَ بأقوالِ يسُوعَ عَن نفسِه. قالَ أحدُهُم، "أنا أُؤمِنُ أنَّهُ كائِنٌ، بينما الآخَرُونَ لا يُؤمِنُونَ أنَّهُ كانَ. وبينما هُم غَيرُ مُتَأكِّدينَ من أنَّهُ عمِلَ، فأنا أُؤمِنُ أنَّهُ لا يزالُ يعمَلُ الآن." فأصغِ إلى بعضِ أقوالِ يسُوع عن نَفسِه، واقرَأْ إنجيلَ يُوحنَّا، ومن ثمَّ قرِّرْ لنَفسِكَ بماذا تُؤمِنُ عن كُلِّ تصاريح يسُوع عن نفسِه في إنجيلِ يُوحنَّا، حيثُ يقُولُ في يُوحنَّا 10: 30، "أنا والآبُ واحِد." في الإصحاحِ الرابِع عشر، أجابَ يسُوعُ على طَلَبِ فيلبُّس لرُؤيَةِ الآب، بالقَول، "أنا معَكُم زَماناً هذه مُدَّتُهُ ولم تعرِفْنِي يا فِيلبُّس؟ الذي رآني فقد رأى الآب فكَيفَ تقُولُ أنتَ أرِنا الآب؟... صَدِّقُوني أنِّي في الآب والآب فيَّ." (يُوحنَّا 14: 9، 11) عندما صَلَّى الرَّبُّ يسُوعُ الصَّلاة العظيمة التي يُسجِّلُها يُوحنَّا في الإصحاحِ السابِع عشر من إنجيلِهِ، قالَ، "والآن مَجِّدْنِي أنتَ أيُّها الآب عِندَ ذاتِكَ بالمَجدِ الذي كانَ لي عِندَكَ قبلَ كَونِ العالَم." عبرَ الأناجيل، وخاصَّةً إنجيل يُوحنَّا، نجدُ يسُوعَ يُصرِّحُ عن لاهُوتِهِ ويضعُ نفسَهُ على مُستَوى الآب.

عاشَ هذا الرَّجُل فقط لمُدَّةِ ثلاثٍ وثلاثِينَ سنَةً. ولكنَّهُ تركَ أثرَاً عميقاً على العالم، لدرجَةِ أنَّهُ لمُدَّةِ ألفَي عام بعدَهُ، أضحى التاريخُ البَشريُّ ينقَسِمُ إلى ما قبله وما بعده.

كانَ C. S. Lewis كاتِباً إنكيزيَّاً تَقيَّاً خدَمَ بينَ المُشَكِّكِين، وكانَ مُدافِعاً عظيماً عن الإيمانِ المَسيحيّ، وأخبَرَنا ما معناهُ أنَّنا عندما نتأمَّلُ بتصريحات يسُوع هذه عن نفسِه، نجدُ أمامَنا خَيارانِ لا ثالِثَ لهُما: فعلينا إمَّا أن نُوافِقَ معَ يسُوع وندعُوَه كما كانَ وكما قالَ هُوَ عن نفسِهِ، أو أن ندعُوَهُ كاذَبَاً ومجنُونا. عندما ننظُرُ بتَمَعُّنٍ إلى تصريحات يسُوع هذه عن نفسه، يُصبِحُ من المُستَحيلِ ومن غَيرِ الصُّدقِ أن نُنكِرَ أنَّ يسُوعَ كانَ تماماً ما قالَهُ عن نفسِه، وأنَّهُ لم يكُن سوى مُجرَّد رَجُلٍ ومُعلِّمٍ عَظيم.

لقد قالَ يسُوعُ أنَّهُ إبنُ اللهِ، مُساوٍ للآب، والطريقُ الوَحيدُ الذي من خِلالِهِ نستطيعُ أن نَنالَ الخلاصَ والحَياةَ الأبديَّةَ. فإن لم تَعتَرِفْ بالقِيمَةِ التي أولاها يسُوعُ لِنفسِهِ، عليكَ أن تُقَرِّرَ أنَّهُ كانَ كاذِباً وأعظَمَ مُزَيِّفٍ عرَفهُ العالم. أو بإمكانِكَ أن تكُونَ لطيفاً وتقول أنَّهُ كانَ مجنُوناً. ولكن من تقُولُ أنَّهُ هُوَ؟ وهل تُوافِقُ على كونِهِ تماماً كما قالَ عن نفسِه؟ وهَلْ ستَعتَرِفُ بالقيمةِ التي أولاها يسُوعُ لنَفسِهِ، وتدعُوهُ اليوم ليكُونَ ربَّكَ؟

  • عدد الزيارات: 2698