Skip to main content

الفَصلُ الثالِث عشَر الرَّجُلُ عندَ البِركَة

لقد سبقَ وتَعَلَّمنا الكثير عن القيمة التي أولاها يسُوعُ للمُتأَلِّمِينَ والمَرضَى في هذا العالم، وكيفَ جاءَ ليَشفِيَ أمراضَهُم ولِكَي يَرُدَّ نُفُوسَهُم رُوحِيَّاً. لقد سبقتُ وأشرتُ إلى الشفاء الستراتيجيّ الذي تمَّ وصفُهُ في الإصحاحِ الخامس  من إنجيلِ يُوحَنَّا، حيثُ شفَى يسُوعُ رجُلاً لكَي يُسهِّلَ حِواراً معَ رِجالِ الدين. إذا نظَرنا أكثَرَ عن كثَب إلى هذا الشِّفاء، نجدُ قيمَةً أُخرى للمسيح تظهَرُ عندما تُعيدُ محبَّةُ المسيحِ الصحَّةَ لأحدِ أولئكَ الاشخاصُ المُتألِّمين الذي أولاهُم يسُوعُ قيمَةً كُبرى. هُنا نجدُ وصفَ يُوحنَّا لهذا الشفاء: "وبعدَ هذا كانَ عيدٌ لِليَهُودِ فَصَعِدَ يَسُوعُ إلى أُورشَليم. وفي أُورشَليم عِندَ بابِ الضَّأنِ بِركَةٌ يُقالُ لها بالعِبرانِيَّة بَيتُ حسدا لها خَمسَةُ أروِقة. في هذه كانَ مُضطجِعاً جُمهُورٌ كَثيرٌ من مرضى وعُمي وعُرج وعُسمٍ يتوقَّعُونَ تحريكَ الماء. لأنَّ ملاكاً كانَ ينزِلُ أحياناً في البِركة ويُحرِّكُ الماءَ. فمن نزلَ أوَّلاً بعدَ تحريكِ الماء كانَ يبرَأُ من أيِّ مرَضٍ إعتَراهُ.

"وكانَ هُناكَ إنسانٌ بهِ مرَضٌ منذُ ثمانٍ وثلاثِينَ سنَةً. هذا رآهُ يسُوعُ مُضطَّجِعاً وعَلِمَ أنَّ لهُ زَماناً كَثيراً فقالَ لهُ أتُريدُ أن تبرَأَ. أجابَهُ المَريضُ يا سَيِّدُ ليسَ لي إنسانٌ يُلقِيني في البِركة متى تحرَّكَ الماءُ. بل بَينما أنا آتٍ ينزِلُ قُدَّامِي آخر. قالَ لهُ يسُوعُ قُمْ. إحمِلْ سَريرَكَ وامشِ. فحالاً بَرِئَ الإنسانُ وحمَلَ سَريرَهُ ومَشى." (يُوحنَّا 5: 1- 9)

تُشيرُ اللُّغَةُ الأصليَّةُ إلى هذا الجمع من النَّاس، الجالِسينَ عاجِزينَ بجانِبِ البِركة. تَصِفُهُم إحدَى الترجمات "كجَمعٍ عظيمٍ من الضُّعفاء." كانُوا ينتظِرُونَ بجانِبِ البِركَةِ كُلَّ يومٍ، لأنَّهُم كانُوا يعتَقِدُونَ بما كانَ لرُبَّما خُرافَةً، أي أنَّهُ عندما تتحرَّكُ مياهُ هذه البِركة، وأحياناً تحرَّكت، إعتَقَدُوا أنَّ هذا كانَ يعني أنَّ ملاكاً دخلَ البِركة، وأوَّلُ مريضٍ يُلقِي نفسَهُ فيها سوفَ يُشفى.

ولكنَّ أحدَ هؤُلاء المُنطَرِحينَ بجانِبِ البِركة، صارَ لهُ هُناكَ ثمانٍ وثلاثينَ سنةً. ومن بينِ هذه الجُموع الغفيرة من المرضى والضُّعفاء، ركَّزَ يسُوعُ كُلَّ إهتِمامِهِ على هذا الرَّجُل وسألَهُ، "أتُريدُ أن تبرَأَ؟" إنَّ إطارَ هذه المُعجِزة يُثيرُ بِضعَةَ أسئِلة. فمن بينِ هذه الجُمُوع الغَفيرة من الضُّعفاء، لماذا إختارَ يسُوعُ أن يشفِيَ رجُلاً واحِداً فقط؟ ولماذا لم يشفِ يسُوعُ كُلَّ أُولئكَ المُنطَرِحينَ بجانِبِ البِركة؟ ولماذا سألَ يسُوعُ رجُلاً كانَ مطرُوحاً بجانِبِ هذه البِركَة لمُدَّةٍ ثمانٍ وثلاثِينَ سنَةً، إن كانَ يُريدُ أن يبرَأَ؟

إنَّ المُتَمرِّسينَ في مَجَالِ الصحَّةِ يقُولونَ أنَّ هذا السُّؤال لا ينبَغي أن يبدوَ في غيرَ مكانِهِ، كما يظهَرُ للوهلَةِ الأُولى. فبعضُ الناسِ هُم مُنشَغِلُونَ مهوُوسُونَ بِصِحَّتِهم طوالَ الوقت، ولكنَّهم لا يُريدُونَ بالحقيقَةِ أن يُصبِحوا أصِحَّاء. لاحظُوا أنَّ السؤالَ لم يكُن، "هل تُريدُ أن تكُونَ صحيحاً؟" بل كانَ السؤالُ، "هل تُريدُ أن تبرَأَ؟" فالشفاءُ يتطلَّبُ أكثَرَ من مُجرَّدِ رَغبَةِ الإنسان بأن يكُونَ صحيحاً. ينبَغي أن نعتَرِفَ بالحقيقَةِ الصارِخة أنْ وحدَهُ سُلطانُ يسُوع المسيح يستطيعُ أن يعمَلَ من أجلِنا ما يقدِرُ سُلطانُ المسيح أن يعمَلَهُ.

أجابَ الرَّجُلُ أنَّهُ فَقَدَ كُلَّ أمَلٍ بالشِّفاء قائلاً: "يا سَيِّد، ليسَ لي إنسانٌ يُلقِيني في البِركة متى تحرَّكَ الماء. بل بَينَما أنا آتٍ ينزِلُ قُدَّامِي آخَر." (7)

لقد فقدَ هذا الرَّجُلُ كُلَّ أملٍ بقُدرَةِ البِركة على شِفائِهِ. ولقد أدرَكَ أنَّهُ لم يكُنْ وَحيداً، وبينما كانَ يزحَفُ تجاهَ البِركَةِ ليصِلَها قبلَ الآخرين، فَقَدَ كُلَّ أملٍ بأنَّ البِركَةَ ستُقدِّمُ لهُ الشِّفاء. وبعدَ أن فَقَدَ الأملَ من البِركَة، بدَأَ يُفَتِّشُ عن مصادِرَ أُخرى لِشِفائِه. من المُحتَمَلِ جدَّاً أنَّهُ كانَ يُصلِّي إلى الله لكَي يَشفِيَهُ مُباشَرَةً، بدُونِ حاجَةٍ إلى خُرافَةِ بركةِ بيتِ حسدا العاجِزة. كانَت هذه هي الحالُ التي وجدَهُ عليها يسُوع – ينتَظِرُ بَرَكَةً، التي وجدَهَا في يسُوع.

أشخاصٌ كَثِيرُونَ ينظُرُونَ إلى خارِجِ سُلطانِ اللهِ لينالُوا الشِّفاء. لديهم عدَّةُ "بِرَك بيت حسدا" التي ليسَ بإمكانِها أن تمنَحَهُم الشفاءَ المُتكامِل الذي يحتاجُونَهُ ويطلُبُونَهُ. وهكذا يلجَأُونَ إلى المادِيَّةِ وإلى إشباعِ الذَّات. ويتطلَّعُونَ إلى تشكيلَةٍ من "الشَّافِين،" الذين يظهَرُونَ بشتَّى الأشكالِ والأحجام، ولكنَّهُم لا يتطلَّعُونَ إلى الله. وكما كانت الحالُ معَ هذا الرَّجُل عندَ بِركَةِ بيتِ حسدا، فقط عندما نتطلَّعُ إلى ما هُوَ أبعَد من "بِرَكِ بيتِ حسدا" ونضعُ إيمانَنا بسُلطانِ المسيح وحدَهُ، عندها فقط سيكُونُ بإمكانِنا أن نبدَأَ بإختِبارِ الشفاء من الداخِل إلى الخارِج، بالطريقَةِ التي وحدَهُ المسيحُ يستطيعُ أن يشفِيَنا بها.

إنَّ تطبيقَ هذه القصَّة هُوَ مُزدَوِجٌ. أوَّلاً، علينا أن نسألَ أنفُسَنا قبلَ كُلِّ شَيءٍ، إن كُنَّا نُريدُ أن نبرَأ، وبعدَ ذلكَ إن كُنَّا نُؤمِنُ أنَّ المَسيحَ وحدَهُ يستطيعُ أن يشفِيَنا. ثانِياً، علينا أن نسألَ أنفُسَنا إن كُنَّا نُقَيِّمُ كُلَّ الأشخاصِ المُتَألِّمين الآخرين في العالم، كما فعلَ يسُوع.

قبلَ هذا المقطَع ببِضعَةِ أعدادٍ، نجدُ يسُوعَ يتحدَّى تلاميذَهُ بأن يُطَبِّقُوا محبَّتَهُم للأشخاصِ المُتَألِّمين، أمثال المَرأَة السامِريَّة التي كانت مُستَعِدَّةً لتنالَ المياهَ الحيَّة: "أما تقُولُونَ إنَّهُ يكُونُ أربَعَةُ أشهُرٍ ثُمَّ يأتي الحصاد. ها أنا أقُولُ لكُم إرفعُوا أَعيُنَكُم وانظُرُوا الحُقُولَ إنَّها قدِ إبيَضَّت للحصاد." (4: 35) هُناكَ أشخاصٌ في شتَّى أنحاءِ العالم حاضِرونَ لِقُبُولِ شِفاءِ الخلاص – إنَّهُم مثلُ الحقُول اليانِعة، الحاضِرة للحصاد. ويسُوعُ يضعُ أمامَنا التحدِّي بأن نعمَلَ في هذه الحُقُول، لنُوصِلَ خَلاصَهُ وشِفاءَهُ الرُّوحِي إلى هؤلاء الناس أمثال المرأة التي كانت عندَ البِئر، والرجُل الذي كانَ عندَ بالبِركة. فهل تعتَرِفُ بالقيمةِ التي أولاها يسُوعُ للأشخاصِ المُتألِّمِينَ الذي يتطلَّعُونَ إلى ما وراء آبارِهم وبِرَكِهم، مُنتَظِرينَ الشفاء الذي وحدَهُ المسيحُ يقدِرُ أن يُحقِّقَهُ في حياتِهم.

  • عدد الزيارات: 2752