Skip to main content

الفَصلُ الثامِن عشَر أبناءٌ ضالُّون

بعدَ أن علَّمَ يسُوعُ الحلقَةَ الخارِجيَّة عن قِيمَةِ الدراهِمِ المفقُودَة، تابَعَ ليُقدِّمَ مَثَلَ الإبن الضَّال: "وقالَ. إنسانٌ كانَ لهُ إبنان. فقالَ أصغَرُهُما لأبيهِ يا أبي أعطِنِي القِسمَ الذي يُصيبُني من المال. فقسَمَ لهُما مَعيشتَهُ. وبعدَ أيَّامٍ لَيسَت بكَثِيرَة جمعَ الإبنُ الأصغَرُ كُلَّ شَيءٍ وسافَرَ إلى كُورَةٍ بَعيدَةٍ وهُناكَ بَذَّرَ مالَهُ بِعَيشٍ مُسرِف.

"فلَمَّا أنفَقَ كُلِّ شَيءٍ حدَثَ جُوعٌ شَديدٌ في تِلكَ الكُورَة فابتَدَأَ يحتاجُ. فمَضَى والتَصَقَ بِواحِدٍ من أهلِ تِلكَ الكُورَة فأرسَلَهُ إلى حُقُولِهِ لِيَرعَى خنازير. وكانَ يشتَهي أن يملأَ بطنَهُ من الخُرنُوب الذي كانت الخنازيرُ تأكُلُهُ. فلم يُعطِهِ أحَدٌ.

"فرجَعَ إلى نفسِهِ وقالَ كم من أجِيرٍ لأبي يفضُلُ عنهُ الخُبز وأنا أهلِكُ جُوعاً. أقُومُ وأذهَبُ إلى أبي وأقُولُ لهُ يا أبي أخطأتُ إلى السماءِ وقُدَّامَكَ. ولَستُ مُستَحِقَّاً أن أُدعَى لكَ إبناً. إجعَلْنِي كأحدِ أجراك. فقامَ وجاءَ إلى أبيه.

"وإذ كانَ لم يزَلْ بعيداً رآهُ أبُوهُ فتَحَنَّنَ وركَضَ وَوَقَعَ على عُنُقِهِ وقَبَّلَهُ. فقالَ لهُ الإبنُ يا أبي أخطَأتُ إلى السَّماءِ وقُدَّامَكَ ولستُ مُستَحِقَّاً بعدُ أن أُدعَى لكَ إبناً. فقالَ الأبُ لِعَبيدِهِ أخرِجُوا الحُلَّةَ الأُولى وأَلبِسُوهُ واجعَلُوا خاَتَماً في يَدِهِ وحذاءً في رِجلَيه. وقَدِّمُوا العِجلَ المُسمَّنَ واذبَحُوهُ فنَأكُلَ ونفرَحَ. لأنَّ إبني هذا كانَ مَيِّتاً فعاش وكانَ ضالاً فوُجِد. فابتَدَأُوا يفرَحُون." (لُوقا 15: 11- 24)

سبقَ ورأينا أنَّ هذا التعليم جاءَ في إطارِ مُحادَثَةٍ عفوِيَّةٍ بَينَ يسُوع والخُطاة والفَرِّيسيِّين. فبينما كانَ الفَرِّيسيُّون مُضطَّرِبينَ بسبب تعامُل يسُوع معَ الخُطاة، أجابَ يسُوعُ على غضبِهِم بتحدٍّ وضعَهُ أمامَهُم. وكأنَّ يسُوع كانَ يقُولُ لَهُم، "كُلّ ما تَرَونَهُ هُنا هُوَ خُطاةٌ وعشَّارُون، ولكنَّ اللهَ يَرى أبناءَ ضالِّين. بعضُ هؤلاء الخُطاة هُم أبناءُ الله، الذي إستَخدَمُوا إرادَتَهُم الحُرَّة بتبذيرِ عُمرِهم في العالم. ولكنَّ اللهَ إستَخدَمَ عواقِبَ هذه الخيارات الجاهِلَة، لكَي يُرجِعَ هؤُلاء الأبناء إلى بيتِ أبيهم. وهذا ما يَهُمُّ في السماء – والملائكةُ كُلُّها ستفرَحُ. فلماذا أنتُم لا تفرَحُون؟

كانَ الأبُ في هذا المثَل مُتَسامِحاً لدَرَجَةِ أنَّهُ سمَحَ لإبنِهِ بأن يُمارِسَ إرادَتَهُ الحُرَّة، وهذه هي الطريقة التي يتجاوَبُ بها اللهُ معَنا. فهُوَ يسمَحُ لنا بأن نتَّخِذَ خياراتِنا الجاهِلَة، حتَّى ولو كانت هذه الخَياراتُ مُتعارِضَةً معَ إرادَتِه. وهُوَ يسمَحُ بعواقِبِ خياراتِنا الجاهِلَة التي تُرجِعُنا إلى نُفُوسِنا، وتجعَلُنا نُغَيِّرُ إتَّجاهَنا، ونُقرِّرُ العودَةَ إلى مَشيئَةِ الآبِ لِحياتِنا.

إن كُنتَ كالإبنِ الضَّالّ، وإن كُنتَ في الكُورَةِ البَعيدة، تُبَدِّدُ حياتَكَ بعَيشٍ مُسرِف، لتُصبِحَ نتيجَةُ حياتِكَ الآثِمة مثل "مائِدَة عواقِب وَخيمة،" طعاماً مصنُوعاً من الأعشابِ المُرَّة، عندها عليكَ أن تُدرِكَ أنَّ أباكَ السماوِيّ يُحِبُّكَ. حتَّى ولو كانَ مُتَساهِلاً لدرجةِ أنَّهُ سمَحَ لكَ بأن تتَّخِذَ هذه الخَيارات الخاطِئة، ولكنَّهُ يتألَّمُ عندما يراكَ تُبَدِّدُ سنِي حياتك. ولكنَّ الأخبارَ السارَّة هي أنَّهُ مُستَعِدٌّ أن يأتِيَ إليكَ راكِضاً لكي يستَقبِلَكَ بدفءٍ عندما ترجِعُ إلى نفسِكَ، وتبدأُ بالسيرِ رُجُوعاً إلى بيتِ الآب. وعندما يراكَ لا تزالُ بعيداً، سوفَ يركُضُ إليكَ ويغمُرُكَ بِذِرَاعَيهِ.

هل تعتَرِف بالقيمةِ التي يُوليها المسيحُ للأبناءِ الضَّالِّين؟ وإن لم تكُنْ إبناً ضالاً، ولم تختَبِرْ أبداً هذا النَّوع من الحياة، هل لَدَيكَ محبَّة المسيح في قَلبِكَ للأشخاصِ الضَّالِّين؟ وهَل تفرَحُ عندما يرجِعُ هؤلاء الضَّالُّون؟ إنَّ رِجالَ الدِّين لم يعتَرِفُوا بمَحَبَّةِ المسيح لأبناءِ اللهِ الضَّالِّين. إنَّهُم لم يتراجَعُوا فقط عن الإحتِفالِ بعودَةِ الضَّالِّين. بل كانُوا مُستَائِينَ من الإحتِفال. ولم يستطيعُوا أن يَرَوا في هؤُلاء إلا عشَّارينَ وخُطاةً في حلقَةِ يسوع الداخِليَّة.

إن كُنَّا نعرِفُ ونلمُسُ محبَّةَ المسيح، الذي يحيا في قُلوبِنا اليوم، سنكتَشِفُ أنَّهُ يتحدَّانا بأن نستَقبِلَ ونقبَلَ الأبناءَ الضَّالِّين عندما يرجِعُونَ إلى بَيتِ الآب. فدعُونا، كما يفعلُ الملائكَةُ في السماء، أن نفرَحَ عندما يتُوبُ أبناءُ اللهِ الضَّالِّين ويرجِعُونَ. ومثل الآب نفسه، دعُونا نغمُرُهُم، ونطرَحُ جانِباً إنكارَهُم بأنَّهُم يستَحِقُّون أن ينتَمُوا إلى عائِلَةِ الله، وأن نُلبِسَهُم الخاتَمَ والثَّوب، وأن نقومَ بإعدادِ إحتِفالٍ عظيم! لأنَّ أبناءَ وبنات اللهِ كانُوا ضَّالِّينَ فَوُجِدوا، وكانَوا أمواتاً فعاشُوا.

  • عدد الزيارات: 2856