Skip to main content

الفَصلُ الرَّابِعُ "وصفَةٌ لأجلِ السَّلام"

الصفحة 1 من 5

كتَبَ أحدُ المُؤلِّفِينَ المُفضَّلينَ عندي أنَّهُ بالنِّسبَةِ للمُؤمن، "الألَمُ والمُعاناة لا مَفَرَّ منهُما، أمَّا التَّعاسَة فهِيَ إختِيارِيَّةٌ. إن كُنتَ تُريدُ أن تَلتَقِيَ بِإنسانٍ لديهِ أسبابٌ كافِيَةٌ منَ النَّاحِيَةِ الدُّنيَوِيَّة أن يكُونَ تَعيساً، إفتَحْ العهدَ الجَديد وإقرأْ كتابَات بُولُس الرَّسُول. تكلَّمْ عنِ الألَمِ والمُعاناة. في رِسالَتِهِ الثَّانِيَة إلى الكُورنثُوسيِّين، يفتَحُ الرَّسُول العَظيمُ لنا نافِذَةً على سِيرَةِ حياتِهِ، حيثُ نرى نَوعِيَّةَ الحياة التي عاشَها كأعظَمِ مُرسَلٍ في تاريخِ كنيسةِ يسُوع المسيح، عندما كتبَ قائِلاً: "لقد عَمِلتُ بِكَدٍّ وسُجِنتُ أكثر من أيّ شخصٍ أعرفه. ضُربتُ بالسَّوط مرّاتٍ عديدةٍ وواجهتُ الموتَ كثيراً. خمس مرّاتٍ ضربني اليهود تسعاً وثلاثين جلدةً. ثلاث مرّاتٍ ضُرِبتُ بالعِصِيّ. ورجمتني عِصابةٌ مرّةً واحدة فتُركتُ بين حيٍّ وميت (أعمال 14). تعرّضَتْ سفينتي للغرق ثلاث مرّاتٍ عندما كنتُ في البحر طوال الليل وخلال النهار التالي (أعمال 27، 28). وقطعتُ أميالاً عديدة شاقّة وكثيراً ما تعرَّضتُ لخطرٍ كبير من فيضانات الأنهار واللصوص وشعبي الخاص، ومن الوثنيّينَ أيضاً. واجهتُ أخطاراً عديدة من العصابات في المدن، وواجهتُ الموت في الصحاري والبحار الهائجة، ومن الناس الذين ادّعوا أنّهم إخوة في المسيح لكنّهم ليسوا كذلك. عِشتُ في الألم والإرهاق، وأمضيتُ لَيَالٍ كَثِيرةً قَلِقَاً وأَرِقاً. وكثيراً ما عانيتُ الجوعَ والعطشَ، وكثيراً ما ارتجفتُ من البرد لأنّي ما كنتُ أملِكُ ما يكفي من الثياب لأستَدفِئَ." (2كُورنثُوس 11: 23- 27).

يُوجَدُ تعليمٌ مغلُوطٌ يُروِّجُ لهُ البَعضُ، يَقُولُ أنَّ اللهَ يُرِيدُنا أن نَكُونَ جَميعاً أصِحّاءَ، أغنِياء، وسُعداء. ولكنَّ الرَّسُولَ بُولُس لن يُوافِقَ أبداً معَ هذا التَّعليم الذي يُسمَّى "لاهوت الإزدِهار"، وكذلكَ لا يُوافِقُ عليهِ يسُوع نفسُهُ. قالَ يسُوع، "في العالم سيَكُونُ لكُم ضِيقٌ..." (يُوحَنَّا 16: 31)

كتَبَ بُولُس في رِسالَتِهِ إلى أهلِ فِيلبِّي، أنَّهُ حتَّى في خِضَمِّ الإختِباراتِ الصَّعبَة، كانَ لديهِ سلامٌ... سلامُ اللهِ الذي يَفُوقُ كُلَّ عقلٍ، أو سلامٌ لا يُعقَل، لأنَّهُ خارِقٌ للطبيعة. تُرينا دِراسَةٌ مُعَمَّقَةٌ لرِسالَةِ فيلبِّي أنَّ هذا السَّلام الذي كانَ بُولُس يختَبِرُهُ، كانَ سلاماً مُرتَبِطاً بالفَرَح. فحتَّى ولو كانت رِسالَةُ فِيلبِّي قد كتبَها بُولُس عندما كانَ في السِّجن، فإنَّ هذه الرِّسالَة القَصيرة تُسَمَّى "رِسالَة الفَرح" لأنَّها تذكُرُ الفَرَحَ سبعَ عشرَةَ مرَّةً.

إن كُنتُم تَشعُرُونَ مِثلِي، قد تَقرَأُونَ سَردَ بُولُس لهذه الضِّيقاتِ التي إجتازَ فيها بُولُس، وتَسأَلُون، "كيفَ يُمكِنُ أنَّهُ كانَ في سلامٍ بينما كانَ يُعانِي من كُلِّ هذه الضِّيقاتِ؟" ينبَغي أن نَكُونَ شاكِرينَ لكَونِ الرُّوحِ القُدُس قد أرشدَ بُولُس ليَترُكَ لنا جواباً مُوحَىً بهِ منَ اللهِ على هذا السُّؤال.

نَجِدُ جَوابَهُ في الإصحاحِ الرَّابِع من رِسالَتِهِ إلى الفِيلبِّيِّين. في ذلكَ الإصحاح، كتبَ بُولُس ما أُسَمِّيهِ "وصفَة لِلسَّلام،" التي لا تَشرَحُ فقط كيفَ كانَ قادِراً أن يَكُونَ في سَلامٍ رُغمَ الظُّروفِ الصَّعبَةِ التي كانَ يجتازُها، بل تَصِفُ أيضاً تلكَ النَّوعيَّة منَ السَّلامِ لكَ ولي، بِغَضِّ النَّظَرِ عن ظُرُوفِنا.

هذه النَّوعِيَّة منَ السَّلام، التي يُسمِّيها الكتابُ المُقدَّسُ "سلامَ الله،" هي حالَةٌ مُستَمِرَّةٌ منَ السَّلامِ، التي يحفَظُ اللهُ فيها المُؤمن. وقبلَ أن ننظُرَ إلى وَصفَةِ بُولُس لهذه الحالَة منَ السلام، التي فيها يحفَظُهُ المسيحُ المُقامُ بِوضُوحٍ، أوَدُّ أن أكتُبَ ثلاثَ تعليماتٍ نحتاجُ أن نعتَرِفَ بها وأن نُطَبِّقَها بِبَساطَةٍ، بَينما نَدرُسُ ونُطَبِّقُ وصفَةَ بُولُس للسلامِ في حياتِنا.

أوَّلاً، هذه الحالَةُ منَ السَّلامِ، هي سلامُ اللهِ الذي ينبَغي أن يُتَعلَّمَ؛ ثانِياً، إنَّهُ سلامٌ ينبَغي أن يُقبَلَ في إطارِ علاقَةٍ معَ المسيح؛ وثالِثاً، تُوجَدُ شُرُوطٌ ينبَغي أن تُلَبَّى بينما نُطَبِّقُ هذه الوَصفة للسَّلامِ معَ الله.

سَلامٌ ينبَغي أن يُتَعَلَّمَ
الصفحة
  • عدد الزيارات: 9245