Skip to main content

تمهيد لشرح الرسالة إلى الغلاطيين

أجمع علماء اللاهوت قاطبة أن بولس هو الذي كتب الرسالة إلى أهل غلاطية وذلك في أوائل الحلقة الخامسة للميلاد أي بعد صعود المسيح بنحو عشرين سنة. وقد سلم المسلمون بهذا القول على رغم كونهم لا يعتبرون الرسائل جزءاً من كتاب الله الموحى به . فلما كانت الرسالة إلى الغلاطيين على جانب عظيم من الأهمية رأينا أن نبحث فيها لنرى ما هي النتائج التي توصلنا إليها بصرف النظر عن مسألة نزولها.

الأحوال والظروف:

يمكننا معرفة الظروف والأحوال التي كتبت فيها هذه الرسالة من مراجعة نصها كما سترى فيما يأتي ولكي يدرك القارئ موضوع هذه الرسالة بوضوح أتم نبسط هنا ملخص الأحوال التي دعت إلى كتابتها.

في سنة 50 للميلاد كان بولس الرسول في منتصف سفرته التبشيرية الثانية. وكان قد بدأ تلك السفرة بزيارة جماعات "كنائس"[1] غلاطية الجنوبية (أعمال 16: 6) التي كان قد أسسها في سفرته الأولى (أعمال13: 14-23) فكان الغلاطيون مدينين لبولس بمعرفتهم إنجيل المسيح. وكانت غلاطية مقاطعة رومانية كبيرة في آسيا الصغرى لم يكرز بولس إلا في القسم الجنوبي منها أي القسم الذي عاصمته اليوم مدينة قونية أو أيقونية التي زارها بولس (أعمال14: 1).

واستمر بولس بعد سفرته الثانية (أعمال16: 6) يطوف بمكدونيا واليونان. وفي أثناء ذلك ساءت الأحوال في غلاطية لأسباب ملخصها أن جانباً من مسيحيي أورشليم وأصلهم من اليهود ومذهب الفريسيين كانوا يحاولون أن يقنعوا الغلاطيين بقبول آرائهم وهي أن الوثنيين المتنصرين هم غلف غير مختتنين فيجب عليهم أن يهودوا أولاً بالختان ثم يحفظوا كل فرائض الشريعة الموسوية. ولما كان حكم مجمع أورشليم منافياً لآرائهم استاءوا جداً (أعمال15) فنزلوا إلى غلاطية ليفسدوا عمل بولس كما حاولوا أن يفعلوا في أنطاكية ويكرزوا "بإنجيل آخر" أي بتعليم آخر فيما يختص بالخلاص فرأى بولس أن ذلك منافٍ للإيمان المسيحي الحقيقي القائل بأن الإنسان إنما يخلص بعمل الله في يسوع المسيح وليس بإقامة الطقوس والشعائر الخارجية كالختان وما أشبه. وكان الغلاطيون في خطر السقوط والارتداد عن الاعتقاد الحقيقي وفقدان الخلاص. فلما رأى ذلك الخطر العظيم محدقاً بالكنيسة التي أحبها وتعب من أجلها وعانى كثيراً في سبيل تقدمها[2] كتب إليها الرسالة المؤثرة التي نحن بصددها نحن الآن.

  ولزيادة الإيضاح قد اجتهدنا في عمل ترجمة منقحة لهذه الرسالة مأخوذة عن الأصل اليوناني. ولا حاجة للقول أن الترجمات ليست منزلة واجبة الإتباع بل إن كل ترجمة عرضة للتنقيح إذ قد يتفق أن دقائق النص لا ينطبق على الأصل سواء كان في مبناه أو في معناه ولذلك فكل من يحاول أن يأتي بترجمة جديدة يجب أن يضع أحد هذين الاعتبارين أو كليهما نصب عينه أي أن تكون الترجمة أقرب إلى الأصل في المعنى أو أفصح في المبنى.

ولا شك أن الترجمات العربية الحالية هي دقيقة جداً ولكن ذلك لا يمنعنا من محاولة ترجمة تظهر من خلالها الأمور الدقيقة المثبتة في الأصل اليوناني. وفضلاً عن ذلك قد توخينا في هذه الترجمة الجديدة أن نجعل المعنى أوضح. ومقابلة الترجمات العديدة تؤدي إلى الدرس والاستقراء.

إن اللغة اليونانية تختلف عن اللغة العربية كل الاختلاف ولذلك يضطر المترجم أحياناً إلى بسط النص لكي يظهر منه المعنى المقصود تماماً. لأنه كثيراً ما تعجز الترجمة الحرفية عن أداء المعنى المقصود بسبب ما بين اللغتين من الاختلاف والتفاوت فالترجمة الحرفية في هذه الحالة لا تفي بالغرض بل بالعكس. لذلك يجب استعمال الحكمة مع الدقة والدقة مع الحكمة.

[1]- "كنيسة" في الأصل كلمة سريانية معناها "جماعة" والكلمة اليونانية التي تؤدي معناها "مجمع" وحرفياً معناها "مدعوون من...". وعند استعمال هذه اللفظة قد تشير إما (1) إلى الجماعة المحلية مفرداً والجماعات المحلية جمعاً أو (2) إلى هيئة المؤمنين في كل العالم بحيث تعتبر كل جماعة محلية مفردة فرعاً فيه أو ممثل له. وبهذا المعنى كانت تستعمل مفردة فقط لأن وجود أكثر من كنيسة جامعة واحدة كان محالاً استحالة وجود أكثر من مسيح واحد.

[2]- الذي يريد أن يعرف وقت كتابة الرسالة بتدقيق أكثر فلينظر للتذييل على وجه في آخر الكتاب.

  • عدد الزيارات: 2206