Skip to main content

مصدر سلطة بولس في إعلان تلك البشارة (1: 11- 2: 2)

استاق بولس حديثه ليثبت أن رسالته لم تكن من بشر بل من الله بدليل أنه لم يخالط قادة المسيحيين مخالطة تذكر تكفي لتلقيه مبادئ رسالته منهم أو أن يتعلم شيئاً منهم. فقال "فإني أعرّفكم أيها الأخوة" أعضاء كنيسة غلاطية "البشارة" أي الكرازة "التي بشرت بها" بينكم "أنها ليست بحسب البشر" فهي إذاً من الله فيجب أن تقبل ويؤمن بها ومن مال عنها فقد مال عن الله "لأني لا من البشر تسلمتها" كم لم يتسلمها الرسل أيضاً "ولا علمت بها" في مدرسة مثلاً "بل كانت بإيحاء يسوع المسيح" مصدر كل وحي وإعلان. لاحظ الإشارة الصريحة بأن يسوع المسيح هو أكثر من نبي وأكثر من مبشر أي أنه جوهر إلهي موحٍ لا موحى إليه! وقد تقدم بولس لإثبات دعواه فقال "فإنكم سمعتم" عندما عرفتموني لأول مرة "بسيرتي قبلاً في الديانة اليهودية أنني كنت أفرط" أي اهتدائي فجأة. وصيغة الفعل في الأصل اليوناني تدل على عدم تمام الفعل "باضطهاد كنيسة الله" واللفظة اليونانية تعني فئة مختارة مدعوة من العالم "وأتلفها" كما يتلف الجيش الظافر المدينة "وأتقدم في الديانة اليهودية على كثيرين من أترابي في جنسي" أي أمتي اليهودية (إذ كنت أشد) منهم (غيرة على تقاليد آبائي) التي منها مسألة الختان هذه وحفظ فرائض الناموس الموسوي.

  فما هو والحالة هذه سبب هذا التغيير المدهش؟ وكيف أصبح شاول اليهودي بولس المسيحي؟ ترى الجواب فيما يلي:

"ولكن لما سر الله الذي فرزني من بطن أمي" فرزاً طبيعياً وأدبياً "ودعاني بنعمته" عندما هداني "أن يكشف" أي (يميط اللثام) وهو معنى الكلمة اليونانية الحرفي "ابنه" يسوع المسيح كلمته الذي هو مجموعة إعلاناته ومرآة ذاته تعالى ولذلك يسمى (بالابن) "بي" أي في داخل قلبي أو بواسطة اهتدائي المشار إليه "فللحال" بدون أخذ دروس أو تعليمات عن ديانتي الجديدة "لم أتشاور" أي لم أتفاوض بقصد الاستشارة "مع لحم ودم" أي مع معلم من البشر في دمشق "ولا صعدت إلى أورشليم إلى الذين هم رسل قبل" كبطرس وغيره لأخذ تعليمات منهم "بل انطلقت إلى العربية" أي إلى قسم من الصحراء الواقعة إلى جنوبي دمشق ولا يعرف المحل الذي انطلق إليه بالتمام. وكان قصده أن يسترشد الله وحده بخصوص الإعلان الجديد في ذلك المكان المقفر بعيداً عن كل مصدر تعليم بشري "ثم رجعت ثانية إلى دمشق. ثم أني بعد ثلاث سنين" من تاريخ اهتدائي "صعدت إلى أورشليم" لأول مرة "لا تعرف بصفا" لا بقصد مشاورته "فمكثت عنده خمسة عشر يوماً" وهي مدة لا تكفي للتعلم والاستفادة "وأما غيره من الرسل فلم أرَ أحداً ما عدا يعقوب" رئيس الجماعة في أورشليم "أخي الرب" يسوع حسب الجسد. وقد ورد ذكر التقائه هذا يعقوب في سفر الأعمال 9: 26-28. وقد رأى بولس أن هذه الجزئيات أي التفاصيل على غاية من الأهمية فأردفها باليمين الآتية وهي قوله "وإن الذي أكتبه إليكم فهاأنذا بحضرة الله" وهو مؤدي الترجمة اليونانية لهذه اليمين "لا أكذب فيه" أي في أقل جزئيات الكلام الذي كتبته "ثم جئت إلى أقاليم سورية وكيليكية" راجع سفر الأعمال 9: 30 و 11: 25، 26 وذلك يتناول خدمته في طرسوس أولاً ثم مع برنابا في أنطاكية "وكنت لا أزال غير معروف بالوجه عند جماعات اليهودية التي في المسيح" حتى أستطيع أن أقف على التعاليم المتداولة بينهم "وإنما كانوا يسمعون فقط" ولا يعلمون عياناً "أن مضطهدنا سابقاً هو الآن يبشر بالمعتقد" وفي اليونانية (بالإيمان) ومعناها (1) الإيمان الباطني (2) الأمور التي يؤمن بها أي المعتقد وهو المعنى المقصود هنا "الذي كان يحاول إبادته" وعبارة (يحاول إبادته) في الأصل اليوناني كلمة واحدة "فكانوا يمجدون الله بي" أي بسبب العمل العجيب الذي رأوه فيَّ "ثم بعد مدة أربع عشرة سنة" من تاريخ اهتدائي وزيارتي الأولى إلى أورشليم "صعدت مرة أخرى إلى أورشليم مع برنابا" انظر أعمال 11: 27-30 "آخذاً معي تيطس أيضاً" وهو أحد يونانيي أنطاكية الذين تنصروا ولم يكن مختتناً "وإنما صعدت عن إيحاء" لأن نبياً كان أنبأهم بقحط مقبل فرأوا من الضرورة إرسال الأموال لمساعدة فقراء أورشليم المنكوبين "وبسطت لهم" في أورشليم "البشارة التي أبشر بها بين الأمم" وفي الترجمات الأخرى (الإنجيل الذي أكرز به بين الأمم) وقد توهم البعض كما قلنا آنفاً أن بولس استعمل كلمة (إنجيل) هنا بمعناها الاصطلاحي مشيراً إلى (كتاب) معين وهو زعم ظاهر بطلانه من القرينة نفسها فقس المعنى الظاهر هنا على ما تقدم في ص1: 11 "ولكن على انفراد" أي ليس للكل "للوجهاء" وليس في مؤتمر رسمي "لئلا أكون ساعياً أو قد سعيت عبثاً" أي خشية ألا أحصل على رضى هؤلاء الرجال فيما يختص ببعض الرسالة. فإنه لو لم يتم هذا الاتفاق لأصبحت ثمار عمله والجماعة المسيحية في خطر جسيم.

  • عدد الزيارات: 1945