Skip to main content

الفصل السادس - سدوا أفواه أسود

مع أن الإصحاح السادس من سفر دانيال يسجل حادثاً تاريخياً إلا أنه في ذات الوقت يحوي بين طياته حديثاً نبوياً.

فداريوس الملك المادي يرمز إلى الحاكم العالمي القادم حين يعلن نفسه إلهاً للعالم، ويطلب من الجميع عبادته وحده، ورفع الصلاة إليه، وتجاهل كل إله غيره. وقد كان عصيان أمر داريوس يعني الطرح في جب الأسود، وعصيان الحاكم العالمي القادم سيعني الموت المحقق "الذين لا يسجدون لصورة الوحش يقتلون" (رؤيا 13: 15)

وتحدي أمر الملك داريوس كان يتطلب الولاء التام لله، والإصرار على احتمال الموت لأجله، وهكذا خلال الضيقة العظيمة سيحتاج القديسون إلى الصبر والولاء الكامل للرب والعزم على الموت أفضل من قبول سمة الوحش أو السجود لصورته "هنا صبر القديسون هنا الذين يحفظون وصايا الله وإيمان يسوع" (رؤيا 14: 12) وأولئك الذين سيصبرون إلى المنتهى في تلك الفترة المظلمة سيخلصون جسدياً عند مجيء ابن الإنسان "ولكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص" (متى 24: 13) وفي نفس الوقت فإن الذين سيحسبون أهلاً للملك مع المسيح في ملكه الألفي السعيد سيقومون من قبورهم وهي يقيناً أعمق من جب الأسود وسيخرجون منها هاتفين "أين شوكتك يا موت. أين غلبتك يا هاوية" (1 كورنثوس 15: 55) لكي يملكوا مع المسيح ألف سنة كما أخذ دانيال سلطة عظمى بعد خروجه من جب الأسود.

والآن إلى تفسير الإصحاح السادس


حسد الشيطان

"حسن عند داريوس أن يولي على المملكة مئة وعشرين مرزباناً يكونون على المملكة كلها. وعلى هؤلاء ثلاثة وزراء أحدهم دانيال لتؤدي المرازبة إليهم الحساب فلا تصيب الملك خسارة. ففاق دانيال هذا على الوزراء والمرازبة لأن فيه روحاً فاضلة وفكر الملك في أن يوليه على المملكة كلها. ثم إن الوزراء والمرازبة كانوا يطلبون علة يجدونها على دانيال من جهة المملكة فلم يقدروا أن يجدوا علة ولا ذنباً لأنه كان أميناً ولم يوجد فيه خطأ ولا ذنب" (دانيال 6: 1 - 4)

يقول النقاد الذين يريدون هدم سفر دانيال والتشكيك في وحيه، إن الإصحاح السادس من هذا السفر النبوي العظيم يحوي تاريخاً زائفاً، لأنه يقدم الملك المادي داريوس باعتباره الملك الذي ارتقى عرش الملك بعد قتل بيلشاصر الملك، بينما التاريخ العالمي يسجل أن "كورش" الفارسي كان هو الملك الذي قاد الحملة التي هاجمت بابل وأنهى حكم الإمبراطورية البابلية.

وقد رد العلماء المسيحيون على هذا النقد، أظهروا بما لا يدع مجالاً للشك بأن سفر دانيال لا يتحدث عن مملكتي مادي وفارس كمملكتين منفصلتين، بل يتحدث عن مملكة متحدة تحت اسم المملكة المادية الفارسية وهذا واضح من الكلمات "فثبت الآن النهي أيها الملك وأمضى الكتابة لكي لا تتغير كشريعة مادي وفارس التي لا تنسخ" (دانيال 6: 8)

فالشعبان المادي والفارسي حسبا أمة واحدة.

وداريوس المادي الذي أكد الدكتور فريدريك تاتفورد أن "داريوس" ليس اسمه، لأنه ليس اسم علم بل لقب استخدمه عدة ملوك ومعناه "القاهر"، كما أكد الثقاة من علماء المسيحيين أنه المعروف باسم "جوبارو Gubaru". وقد جعله كورش الفارسي ملكاً على بابل والمنطقة الكلدانية المحيطة بها كما يتضح من النص القائل "في السنة الأولى لداريوس بن أحشو يروش من نسل الماديين الذي ملّك على مملكة الكلدانيين" (دانيال 9: 1) فهو قد ملّك بسلطة كورش الملك على مملكة الكلدانيين.

والماديون من نسل "ماداي" ابن يافث "بنو يافث جومر وماجوج وماداي" (تكوين 10: 2) وقد سجل قاموس الكتاب المقدس "أنهم اشتهروا بخيولهم وأفراسهم وكانوا يتصلون بالفرس في الجنسية واللغة والثقافة والتاريخ. وقد جاء الماديون إلى الحكم قبل الفرس، ولكن هؤلاء فاقوهم قوة وسلطاناً"

هذا هو داريوس الملك، وقد حسن عند أن يولي المملكة مئة وعشرين مرزباناً. والمرزبان عند الفرس هو الرئيس وكان بمقام أعلى من الوالي حيث تتقدم لفظة مرازبة لفظة ولاة (دانيال 3: 3).. "وحسن عند داريوس أن يولي على المملكة مئة وعشرين [رئيساً] يكونون على المملكة كلها. وعلى هؤلاء ثلاثة وزراء أحدهم دانيال.. ففاق دانيال على هذا الوزراء والمرازبة لأن فيه روحاً فاضلة وفكر الملك في أن يوليه على المملكة كلها" (دانيال 6: 1 - 3)

ووصف دانيال بأن فيه روحاً فاضلة يتكرر في هذا السفر (دانيال 5: 12). ويبدو أنه اشتهر بهذه الروح الفاضلة، وهي تعني روحاً ممتازة، أو سجايا نادرة حتى أن الملك فكر أن يوليه على المملكة كلها.

إن نجاح المؤمن في حياته الزمنية يأتي من رفقة الرب له كما نقرأ "وكان الرب مع يوسف فكان رجلاً ناجحاً" (تكوين 2: 39)

لقد كان من الممكن أن يقضي الغزاة الماديين على كل رؤساء الملك السابق بيلشاصر وبينهم دانيال، ولكن الله أنجح دانيال خلال حكم نبوخذ نصر وحتى حكم كورش الفارسي "إن كان الله معنا فمن علينا" (رومية 8: 31)

لكن النجاح له ضريبة، هي ضريبة حسد الحاسدين وحقد الحاقدين. والحسد يعني زوال النعمة من المحسود وتحولها إلأى الحاسد. والحسد خطية منتشرة بين الناس.. بين غير المؤمنين وبين المؤمنين الجسديين على السواء.

فعن حسد غير المؤمنين نقرأ الكلمات "مشحونين حسداً وقتلاً وخصاماً ومكراً وسوءاً" (رومية 1: 29)

وعن حسد المؤمنين الجسديين نقرأ "فإنه إذ فيكم حسد وخصام وانشقاق ألستم جسديين وتسلكون بحسب البشر" (1 كورنثوس 3: 3)

والحسد يفتت ويبلي عظام الحاسد كما نقرأ في سفر الأمثال "ونخر العظام الحسد" (أمثال 14: 30). كما أنه يدفع الحاسد إلى تدبير كل شر للمحسود "ومن يقف قدام الحسد" (أمثال 27: 4)

حسد الوزراء والرؤساء دانيال، وكانوا يطلبون عليه علة من جهة المملكة "فلم يقدروا أن يجدوا علة ولا ذنباً لأنه كان أميناً ولم يوجد فيه خطأ ولا ذنب" (دانيال 6: 4)

والمؤمن الأمين المدقق في سلوكه هو محط أنظار الناس حوله، كما كتب بولس الرسول للكورنثيين يقول "أنتم رسالتنا مكتوبة في قلوبنا معروفة ومقروءة من جميع الناس. ظاهرين أنكم رسالة المسيح مخدومة منا مكتوبة لا بحبر بل بروح الله الحي. لا في ألواح حجرية بل في ألواح قلب لحمية" (2 كورنثوس 3: 2 و 3)

"لأننا صرنا منظراً للعالم للملائكة والناس" (1 كورنثوس 4: 9) ولقد راقب الوزراء والرؤساء دانيال علهم يجدون فيه علة، أو خيانة، أو تصرفاً غير سليم من جهة المملكة ليرفعوا ما يجدوه إلى الملك ويتخلصوا منه وتقول الكلمة المقدسة "فلم يقدروا أن يجدوا علة" لقد بذلوا جهداً كبيراً في البحث عن علة وباؤا بالفشل الذريع..

وقد نسأل: لكن لماذا أرادوا التخلص من دانيال؟ وفي اعتقادنا أنهم أرادوا التخلص منه ليخلوا لهو الجو للرشوة والاختلاس دون حسيب أو رقيب.

لم يجدوا في دانيال على ولا ذنباً!

والسر وراء حياة دانيال النقية أنه "آمن بإلهه" (دانيال 6: 23) "والبار بإيمانه يحيا" (حبقوق 2: 4) "وهذه هي الغلبة التي تغلب العالم إيماننا" (1 يوحنا 5: 4).

وقد عاش دانيال أميناً لله، أمينا للملك، فأعطى ما لقيصر لقيصر وما لله لله.


كبرياء الإنسان

"فقال هؤلاء الرجال لا نجد على دانيال هذا علة إلا أن نجدها من جهة شريعة إلهه. حينئذ اجتمع هؤلاء الوزراء والمرازبة عند الملك وقالوا له هكذا. أيها الملك داريوس عش إلى الأبد. إن جميع وزراء المملكة والشحن والمرازبة والمشيرين والولاة قد تشاوروا على أن يضعوا أمراً ملكياً ويشددوا نهياً بأن كل من يطلب طلبة حتى ثلاثين يوماً من إله أو إنسان إلا منك أيها الملك يطرح في جب الأسود. فثبّت الآن النهي أيها الملك وأمضي الكتابة لكي لا تتغير كشريعة مادي وفارس التي لا تنسخ. لأجل ذلك أمضى لملك داريوس الكتابة والنهي" (دانيال 6: 5 - 9)

يقيناً أن هؤلاء الوزراء أكلهم الحسد أكلاً حتى باتوا وأصبحوا لا يفكرون ولا يدبرون إلا الأذى لدانيال، وبدلاً من أن يقضوا وقتهم في خدمة الملك والدولة وهذا هو واجبهم الأول، قضوا وقتهم في التآمر ضد دانيال.

وقد عرف هؤلاء الوزراء والرؤساء بما لا يدع الشك مجالاً أمانة دانيال لشريعة إلهه.. وتيقنوا أنه لن يصلي لإله غير إلهه، ولن يعطي ولاء قلبه لأحد سواه.

وهنا وجدوا الثغرة التي منها يمكن القضاء على دانيال، فاجتمعوا عند الملك ولجأوا إلى الضرب على وتر كبريائه، وطلبوا منه أن يجعل من نفسه إلهاً يُعبَد لمدة ثلاثين يوماً. ولم يفطن الملك إلى المؤامرة الكبرى.

وخدعته كبرياء قلبه.

"لأجل لك أمضى الملك داريوس الكتابة والنهي" (دانيال 6: 9) أمضى الكتابة والنهي وهو لا يعرف فداحة ما عمله.

هل يقدر أن يسمع لمدة ثلاثين يوماً أنين المظلومين، وصراخ المتألمين، وطلبات المصلين؟

هل يقدر أن يستجيب طلبة كل من يطلب منه طلبة، فيعزي الحزين، ويشفي المريض، ويجبر كسر القلوب، ويشبع حاجات النفوس؟

وهل هو موجود في كل مكان يمكن أن يسمع طلبات الطالبين؟

غبي هذا الملك!!

مغرور هذا الملك!!

لأن الإله المطلق الوجود هو الله الحي لا سواه، ولا شريك له، هو وحده الذي قيل عنه "يا سامع الصلاة إليك يأتي كل بشر" (مزمور 65: 2)

لكن الوزراء والرؤساء خاطبوا ناحية الضعف فيه.. خاطبوا كبرياء قلبه.. وانخدع الملك ووقع الأمر فأصبح كشريعة مادي وفارس التي لا تنسخ. وكلمة "نسخ" معناها تزال أو تبطل.

لقد أصبح أمر الملك ثابتاً لا يمكن إبطاله أو إزالته.


عجز السلطان

"فلما علم دانيال بإمضاء الكتابة ذهب إلى بيته وكواه مفتوحة في عليته نحو أورشليم فجثا على ركبتيه ثلاث مرات في اليوم وصلى وحمد قدام إلهه كما كان يفعل قبل ذلك. فاجتمع حينئذ هؤلاء الرجال فوجدوا دانيال يطلب ويتضرع قدام إلهه. فتقدموا وتكلموا قدام الملك في نهي الملك. ألم تمضي أيها الملك نهياً بأن كل إنسان يطلب من إله أو إنسان حتى ثلاثين يوماً إلا منك أيها الملك يطرح في جب الأسود. فأجاب الملك وقال الأمر صحيح كشريعة مادي وفارس التي لا تنسخ. حينئذ أجابوا وقالوا قدام الملك إن دانيال الذي من بني سبي يهوذا لم يجعل لك أيها الملك اعتباراً ولا للنهي الذي أمضيته بل ثلاث مرات في اليوم يطلب طلبته. فلما سمع الملك هذا الكلام اغتاظ على نفسه جداً وجعل قلبه على دانيال لينجيه واجتهد إلى غروب الشمس لينقذه. فاجتمع أولئك الرجال إلى الملك وقالوا للملك أعلم أيها الملك أن شريعة مادي وفارس هي أن كل نهي أو أمر يضعه الملك لا يتغير. حينئذ أمر الملك فأحضروا دانيال وطرحوه في جب الأسود. أجاب الملك وقال لدانيال إن إلهك الذي تعبده دائماً ينجيك. وأتى بحجر ووضع على فم الجب وختمه الملك بخاتمه وخاتم عظماؤه لئلا يتغير القصد في دانيال. حينئذ مضى الملك إلى قصره وبات صائماً ولم يؤت قدامه بسراريه وطار عنه نومه" (دانيال 6: 10 - 18)

لقد رأينا في الإصحاح الثالث شدرخ وميشخ وعبدنغو وهم يعلنون وفضهم للسجود لتمثال نبوخذ نصر وكيف نجاهم الله وأكرمهم. وهنا نرى رجلاً واحداً يرفض الصلاة لإنسان فيكرمه الله وينجيه ويستخدمه امجد اسمه.

لما علم دانيال بإمضاء الأمر الملكي بالطلب من الملك ولا سواه، أدرك أن هذا الوقت الذي يحتاج فيه أكثر من أي وقت مضى أن يصلي إلى الله.

كان الوقف دقيقاً، وكان امتحاناً لإعلان دانيال لله أكثر م أي شخص سواه.

"أعطوا.. ما لقيصر لقيصر وما لله لله" (لوقا 20: 25)

وقيصر له الحق في الضرائب.

وقيصر له الحق في إصدار القوانين لصالح الدولة، وعلى المؤمن الأمين أن يخضع لهذه القوانين "لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة. لأنه ليس سلطان إلا من الله والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله. حتى إن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة" (رومية 13: 1 و 2) "فاخضعوا لكل ترتيب بشري من أجل الرب. إن كان الملك فكمن هو من فوق الكل. أو للولاة فكمرسلين منه للانتقام من فاعلي الشر وللمدح لفاعلي الخير" (1 بطرس 2: 13 و 14)

لكن ماذا لو تعارض قانون قيصر مع وصايا الله؟

إن بطرس الرسول الذي أوصانا بالخضوع لكل ترتيب بشري يقول لنا "ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس" (أعمال 5: 29)

وهكذا فعل دانيال.. لقد كان ولاؤه الأول لله، ولما تعارض قانون الملك مع وصية الله.. أطاع دانيال الله رغم معرفته بالخطر الذي سيتعرض له بسبب طاعته لله.

"فلما علم دانيال بإمضاء الكتابة ذهب إلى بيته وكواه مفتوحة في عليته نحو أورشليم فجثا على ركبتيه ثلاث مرات في اليوم وصلى وحمد قدام إلهه كما كان يفعل دائماً" (دانيال 6: 10)

وقد يخطر ببالنا سؤال: ألم يكن من الممكن أن يذهب دانيال إلى بيته ويغلق كواه، ويسدل الستائر على أبوابه ويصلي إلى إلهه؟!

لو فعل دانيال ذلك، لكان تصرفه خيانة الله..

ذلك لأنه لم يعتمد فتح كواه تحدياً للأمر الملكي بل كانت كواه مفتوحة، وإغلاقها يعني خوفه من الناس، وعدم أمانته لإلهه.

ولماذا كانت كواه مفتوحة نحو أورشليم؟

لقد كانت كواه مفتوحة نحو أورشليم إطاعة للكلمة الموحى بها من الله في كتابه.

عندما دشن الملك سليمان الهيكل الذي بناه، رفع لله هذه الصلاة "إذا خرج شعبك لمحاربة أعدائه في الطريق الذي ترسلهم فيه وصلوا إليك نحو هذه المدينة التي اخترتها والبيت الذي بنيت لاسمك. فاسمع من السماء صلاتهم وتضرعاتهم واقض قضاءهم." (2 أخبار 6: 34 و 35) [اقرأ أيضاً 2 أخبار 6: 34 و 49 و1 ملوك 8: 44 – 50]

وواضح من هذا النص أن أورشليم كانت في العهد القديم المدينة المقدسة لدى العبرانيين، ومهما بعدت المسافة بينهم وبينها كان عليهم أن يصلوا تجاه أورشليمن وهكذا فعل دانيال. أما في العهد الجديد فنحن تحت النعمة، وتحت النعمة لا يوجد مكان أفضل من الآخر نتجه إليه حين نرفع صلاتنا لله.

سألن المرأة السامرية المسيح قائلة "آباؤنا سجدوا في هذا الجبل وأنتم تقولون إن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه. قال لها يسوع يا امرأة صدقيني أنه تأتي ساعة لا في هذا الجيل ولا في أورشليم تسجدون للآب. أنتم تسجدون لما لستم تعلمون. أما نحن فنسجد لما نعلم. لأن الخلاص هو من اليهود. ولكن تأتي ساعة وهي الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق. لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له. الله روح. والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أو يسجدوا" (يوحنا 4: 20 - 24)

كان دانيال تحت الناموس، ولم يكن أمامه خيار إلا أن يصلي وكواه مفتوحة نحو أورشليم إطاعة لكلمة إلهه.

ومع معرفة دانيال بالخطر الآتي عليه لم يسمح لنفسه أن يتلاعب بمبادئ إلهه، أو أن يبتكر طريقاً جسدياً للنجاة بحياته، أو يقطع صلته بإلهه مصدر حياته وقوته والقادر على حمايته.

لقد كانت العادة التي سار عليها دانيال أن يصلي ثلاث مرات في اليوم، وليت أولاد وبنات الله يتعلمون هذا الدرس ويقدرون قيمة الصلاة والشركة مع الله مهما كانت مشاغلهم أ وعظمة مراكزهم. فدانيال كان من أعظم رجال السياسة والحكم لكنه كان في نفس الوقت من أعظم رجال الصلاة. (حزقيال 14: 14)

خصص دانيال مكاناً يلجأ إليه ساعة الصلاة، كان هذا المكان هو عليته المفتوحة الكوى نحو أورشليم. وقد طالبنا الرب بتخصيص مكان للصلاة في بيوتنا بكلماته "وأما أنت فمتى صليت فادخل مخدعك وأغلق بابك وصل إلى أبيك الذي في الخفاء. فأبوك الذي يرى في الخفاء هو يجازيك علانية" (متى 6: 6). وكان المكان الذي اختاره اسحق للتأمل هو الحقل "خرج اسحق ليتأمل في الحقل عند إقبال المساء" (تكوين 24: 63). ويسوع كان يذهب إلى موضع خلاء أو إلى البراري أو إلى الجبل ليصلي إلى الآب.

"وفي الصبح باكراً جداً قام وخرج ومضى إلى موضع خلاء وكان يصلي هناك" (مرقس 1: 35).

"أما هو فكان يعتزل في البراري ويصلي" (لوقا 5: 16).

"وفي تلك الأيام خرج إلى الجبل ليصلي. وقضى الليل كله في الصلاة لله" (لوقا 6: 12)

وجوناثان إدواردز، وتشارلس فني، وعمالقة الخدمة كان لكل منهم مكاناً مخصصاً للصلاة والشركة والاعتزال مع الله.

فهل لديك مكاناً مخصصاً للصلاة؟

"ذهب إلى بيته.. فجثا على ركبتيه ثلاث مرات في اليوم" (دانيال 6: 10)

ومع أنني لا أحدد وضعاً معيناً للصلاة إلا أنني أعتقد أن الجثو هو الوضع المناسب للصلاة.

فيسوع وهو مثالنا الأعظم في كل شيء كان يجثو للصلاة "وانفصل عنهم نحو رمية حجر وجثا على ركبتيه وصلى" (لوقا 22: 41) واستفانوس أول شهداء المسيحية جثا على ركبتيه للصلاة "فكانوا يرجمون استفانوس وهو يدعو ويقول أيها الرب يسوع اقبل روحي. ثم جثا على ركبتيه وصرخ بصوت عظيم يا رب لا تقم لهم هذه الخطية" (أعمال 7: 59 و 60). وبطرس حين صلى في العلية التي رقد فيها جسد طابيثا، صلى جاثياً على ركبتيه "فأخرج بطرس الجميع خارجاً وجثا على ركبتيه وصلى" (أعمال 20: 36). وبعد أن ختم زيارته لصور شيعه التلاميذ هناك وجثوا جميعاً للصلاة "فجثونا على ركبنا على الشاطئ وصلينا" (أعمال 21: 5).

ما أجمل منظر النبي الشيخ دانيال وهو جاث يصلي إلى إلهه. اذكر دائماً أن أقصر مسافة بين أي مشكلة وحلها هي المسافة بين ركبتيك وأرض مخدعك.

في العلية صلى دانيال وحمد قدام إلهه.

والصلاة هي الدعاء إلى الله (تكوين 4: 26). وهي التوسل لله(قضاة 16: 28). وهي سكب النفس أمام الله (1 صموئيل 1: 15) وهي الطلب من الله (تكوين 25: 21). وهي طلب وجه الله (2 أخبار 7: 14) وهي البخور العطر الذي نرفعه لله (مزمور 141: 2 ورؤيا 5: 8). وقد حوت صلاة دانيال هذا كله، فهو في هذا الموقف الخطير الدقيق استودع نفسه لله بالصلاة "فإذاً الذين يتألمون بحسب مشيئة الله فليستودعوا أنفسهم كما لخالق أمين في عمل الخير" (1 بطرس 4: 19)

ومع الصلاة شكر دانيال الله "حمد قدام إلهه".. (دانيال 6: 10)

وكم من مرات تخلو صلواتنا من موسيقى الشكر..

ويخطر ببالنا السؤال: كيف يمكن لإنسان أن يشكر الله وهو يواجه الموت؟

والجواب: أن هناك دائماً ناحية منيرة في تجاربنا يحاول الشيطان جاهداً أن يخفيها عنا، ليحول شكرنا إلى تذمر.

لما هاجم الشيطان أيوب بعنف شديد، وأفقده ممتلكاته وأولاده.. كانت هناك ناحية منيرة في حياته هو أنه بقي صحيحاً وقوياً في جسده. وقد كان الشيطان يعرف هذه الناحية المنيرة (أيوب 2: 4 و 5) وفي كل تجربة تصيبنا ناحية مضيئة يمكننا أن نشكر الله لأجلها.

ويقيناً أن دانيال كان يرى هذه الناحية المضيئة، كان يرى وجود الله في حياته، وإحساسه برفقته والشركة معه يدفعه إلى الشكر الدائم في كل الظروف.

"أشكروا في كل شيء. لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم" (1 تسالونيكي 5: 18)

"لا تهتموا بشيء بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتعلم طلباتكم لدى الله. وسلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع" (فيلبي 4: 6 و 7)

وألا توجد في حياتنا بركات روحية وجسدية لا يمكن لأحد أن يأخذها منا؟

لقد عرف داود هذه البركات فشد أوتار حياته الداخلية وعزف أعذب موسيقى الشكر قائلاً: "باركي يا نفسي الرب وكل ما في باطني ليبارك اسمه القدوس. باركي يا نفسي ولا تنسي كل حسناته. الذي يغفر جميع ذنوبك الذي يشفي كل أمراضك. الذي يفدي من الحفرة حياتك الذي يكللك بالرحمة والرأفة. الذي يشبع بالخير عمرك فيتجدد مثل النسر شبابك" (مزمور 103: 1 - 5)

"صلى [دانيال] وحمد قدام إلهه كما كان يفعل قبل ذلك". لم تدفع الأزمة دانيال للصلاة. لقد كانت الصلاة عادته ولذته طول حياته.

وحين يطلب المؤمن الله أيام نجاحه يجده في أيام فشله.

وحين يطلب المؤمن الله وهو في أوج صحته يجده في أيام مرضه.

وحين يطلب المؤمن الله في أيام شبابه يجده في أيام شيخوخته.

لقد اعتاد دانيال أن يصلي ويحمد إلهه ثلاث مرات في اليوم.. فكم مرة تصلي كل يوم وكم مرة تحمد الرب؟

بينما كان دانيال يستمتع بأوقات الشركة مع الله، كان الملك داريوس يجتاز أزمة عجز تماماً عن وجود مخرج منها.

فالرجال الذين تآمروا ضد دانيال وجدوا الفرصة السانحة للقضائ عليه "فتقدموا وتكلموا قدام الملك في نهي الملك. ألم تمضي أيها الملك نهياً بأن كل إنسان يطلب من إله أو إنسان حتى ثلاثين يوماً إلا منك أيها الملك يطرح في جب الأسود. فأجاب الملك وقال صحيح كشريعة مادي وفارس التي لا تنسخ. حينئذ أجابوا وقالوا قدام الملك إن دانيال الذي من بني سبي يهوذا لم يجعل لك أيها الملك اعتباراً ولا للنهي الذي أمضيته بل ثلاث مرات في اليوم يطلب طلبته. فلما سمع الملك هذا الكلام اغتاظ على نفسه جداً وجعل قلبه على دانيال لينجيه واجتهد إلى غروب الشمس لينقذه فاجتمع أولئك الرجال إلى الملك وقالوا للملك أيها الملك أن شريعة مادي وفارس هي أن كل نهي أو أمر يضعه الملك لا يتغير. حينئذ أمر الملك فأحضروا دانيال وطرحوه في جب الأسود. أجاب الملك وقال لدانيال إن إلهك الذي تعبده دائماً ينجيك. وأتى بحجر ووضع على فم الجب وختمه الملك بخاتمه وخاتم عظمائه لئلا يتغير القصد في دانيال" (دانيال 6: 2)

أين الألوهية التي ادعاها الملك داريوس لنفسه؟

أين القوة الملكية التي تستطيع إخراجه من أزمته؟

أحمق الإنسان الذي يعتقد أنه المسيطر على ظروف حياته.

أحمق الإنسان الذي يدعي الألوهية لنفسه.

"عرفت يا رب أنه ليس للإنسان طريقه. ليس لإنسان يمشي أن يهدي خطواته" (إرميا 10: 23)

هكذا ظهر عجز السلطان الذي أراد أن يكون إلهاً للناس لمدة ثلاثين يوماً.

أدرك الملك غفلته وحقيقة المؤامرة التي حيكت ضد دانيال، واستخدمه رجاله في إتمامها و"اغتاظ على نفسه جداً" أو بمعنى آخر اغتاظ من نفسه.. قال: كيف كانت من الغفلة والحماقة حتى أوقع أمراً ونهياً مثل هذا؟ وحاول بكل الطرق القانونية أن يجد طريقاً لإنقاذ دانيال ولكنه فشل...

وعرف عندئذ أنه الإله الفاشل.

الإله الذي قيد نفسه بقانون لا يستطيع إلغاؤه وهو في ذات الوقت يقضي على دانيال أعظم الرجال أمانة وفضيلة ونزاهة بين رجاله.

ما أكبر الفرق بين عجز الإنسان وقوة وحكمة الله.

لقد وضع الله قانونه الذي لا يتغير "النفس التي تخطئ هي تموت" (حزقيال 18: 4)

ولما أخطأ الإنسان واستحق الموت، ظهرت حكمة الله وقوته في إنقاذ الإنسان بموت المسيح على الصليب.

"ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوباً لليهود عثرة ولليونانيين جهالة. وأما للمدعوين يهوداً ويونانيين فبالمسيح قوة الله وحكمة الله" (1 كورنثوس 1: 23 و 24)

أجل في الصليب احتفظ الله ببره وبرر الخاطئ الراجع إليه في ذات الوقت.

"وأما الآن فقد ظهر بر الله... بر الله بالإيمان بيسوع المسيح إلى كل وعلى كل الذين يؤمنون. لأنه لا فرق. إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله. متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح. الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره في الزمان الحاضر ليكون باراً ويبرر من هو من الإيمان بيسوع" (رومية 3: 21 - 26)

"يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه. ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء" (رومية 11: 33)

لكن الملك داريوس عجز عن إنقاذ دانيال. لأن الملك كان مجرد إنسان.

وأمر الملك فأحضروا دانيال الشيخ الأمين لإلهه، وطرحوه في جب الأسود.. ومن العجيب أ، الملك لم يخش على دانيال من الأسود، بل خاف عليه من رجاله الأشرار المتآمرين "وأتى بحجر ووضع على فم الجب وختمه الملك بخاتمه.. لئلا يتغير القصد في دانيال"

ومضى السلطان العاجز حزيناً إلى قصره.

وبات صائماً من فرط أساه.

ولم يؤت قدامه بسراريه.

وطار عنه نومه.

هذا هو الملك الذي أراد أن يكون إلهاً لمدة ثلاثين يوماً وإذا به يصل إلى هذه الخاتمة المحزنة في فترة ألوهيته.


قوة الإيمان

"ثم قام الملك باكراً عند الفجر وذهب مسرعاً إلى جب الأسود. فلما اقترب إلى الجب نادى دانيال بصوت أسيف. أجاب الملك وقال لدانيال يا دانيال يا عبد الله الحي هل إلهك الذي تعبده دائماً قدر على أن ينجيك من الأسود. فتكلم دانيال مع الملك يا أيها الملك عش إلى الأبد. إلهي أرسل ملاكه وسد أفواه الأسود فلم تضرني لأني وجدت بريئاً قدامه وقدامك أيضاً أيها الملك لم أفعل ذنباً. حينئذ فرح الملك به وأمر بأن يصعد دانيال من الجب فأصعد دانيال من الجب ولم يوجد فيه ضرر لأنه آمن بإلهه" (دانيال 6: 19 - 23)

على عكس الملك نبوخذ نصر كان الملك داريوس. فالملك نبوخذ نصر حين تحداه الرجال الثلاثة شدرخ وميشخ وعبدنغو قال لهم "ومن هو الإله الذي ينقذكم من يدي" (دانيال 3: 15) فهو رغم الحلم الذي رآه، ورغم تعبير دانيال لحلمه، ورغم اعترافه بأن إله دانيال وشدرخ وميشخ وعبدنغو هو إله الآلهة ورب الملوك وكاشف الأسرار (دانيال 2: 47) إلا أنه لم يؤمن بقدرة الله على كل شيء.. أما الملك داريوس فقال لدانيال "إن إلهك الذي تعبده دائماً هو ينجيك" (دانيال 6: 16)

وكلمات الملك داريوس لدانيال ترينا أن دانيال اشتهر بعبادته الدائمة لله. بثبات حياته الروحية وعلاقته بإلهه ووصلت شهرته في هذه الدائرة إلى الملك نفسه.

وقد تنازع الملك عاملان، عامل الإيمان في أن دانيال يقدر على أن ينجيه، وعامل الخوف على دانيال من أن تفترسه الأسود.

لقد قضى الملك ليلة سوداء وهو يلوم نفسه على غفلته، وعلى أنه كان السبب في طرح دانيال في جب الأسود، بينما قضى دانيال ليلة مضيئة مع الملاك الذي جاء لسد أفواه الأسود.

والملائكة هم خدام الله، والكتاب المقدس من تكوينه إلى رؤياه ملآن بحركة الملائكة ومتابعة حركة الملائكة تملأ قلب المؤمن بالاطمئنان.

"لأنك قلت أنت يا رب ملجأي. جعلت العلى مسكنك. لا يلاقيك شر ولا تدنو ضربة من خيمتك. لأنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك في كل طرقك. على الأيدي يحملونك لئلا تصدم بحجر رجلك" (مزمور 91: 9 - 12)

"ملاك الرب حال حول خائفيه وينجيهم" (مزمور 34: 7)

"باركوا الرب يا ملائكته المقتدرين قوة الفاعلين أمره عند سماع صوت كلامه" (مزمور 103: 20)

"الملائكة.. جميعهم أرواحاً خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عبرانيين 1: 13 و 14)

"الصانع ملائكته رياحاً وخدامه لهيب نار" (مزمور 104: 4)

مع ملاك أرسله الله من السماء لسد أفواه الأسود قضى دانيال ليلته..

هل نام عاجلاً من أحد الأسود وسادة ومن الآخر غطاء في الجب البارد؟

أو قضى ليلته يتحدث إلى الزائر السماوي الذي أضاء الجب المظلم بنوره الملائكي؟

الذي ندريه أن الملاك سد أفواه الأسود.

ويسجل كاتب الرسالة إلى العبرانيين هذا الحادث، مؤكداً أن الإيمان كان هو السر في نجاة دانيال فيقول "وماذا أقول أيضاً لأنه يعوزني الوقت إن أخبرت عن.. الأنبياء الذي بالإيمان سدوا أفواه الأسود" (عبرانيين 11: 32 و 33)

جاء الملك داريوس باكراً عند الفجر إلى جب الأسود، ولما اقترب من الجب قال "يا دانيال عبد الله الحي هل إلهك الذي تعبده دائماً قدر أن ينجيك من الأسود" (دانيال 6: 20)

لقد كان تبديد اليهود عقاباً لهم بسبب كثرة خطاياهم، لكن الأمناء منهم كانوا شهوداً لله، أعلنوا اسمه للأمم البعيدة، وهكذا عرف الملك المادي داريوس الله الحي، وعرف دانيال عبده الذي يعبده دائماً.

"أنتم شهودي يقول الرب وعبدي الذي اخترته لكي تعرفوا وتؤمنوا بي وتفهموا أني أنا هو. قبلي لم يصور إله وبعدي لا يكون. أنا أنا الرب وليس غيري مخلص" (أشعياء 43: 10 و 11)

لكن الملك داريوس كان آسفاً لأنه لم يختبر شخصياً قدرة إله دانيال في الإنقاذ فسأل دانيال "هل إلهك الذي تعبده دائماً قدر على أن ينجيك من الأسود؟"

وقد رد دانيال على الملك من داخل الجب "يا أيها الملك عش إلى الأبد. إلهي أرسل ملاكه وسد أفواه الأسود فلم تضرني" ويجدر بنا هنا ملاحظة أن الملك يقول لدانيال "هل إلهك.. قدر أن ينجيك؟" لقد عرف عن الله ولكنه لم يتخذه إلهاً له، أما دانيال فأجاب "إلهي" وطوبى للإنسان الذي الله إلهه، والذي له ارتباط شخصي، ومعرفة قلبية حقيقية لهذا الإله. قال داود مخاطباً الله "يا الله إلهي أنت" (مزمور 63: 1)

لقد أنقذ الله دانيال من أفواه الأسود لأنه كان بريئاً قدامه، وكان بريئاً قدام الملك فهو لم يرتكب أية خيانة ضد الملك أو ضد الدولة، ولم يوجد في دانيال ضرر "لأنه آمن بإلهه".. وكما أن النار لم تأت رائحتها على الرجال الثلاثة حين ألقاهم رجال نبوخذ نصر الأشداء في الأتون المتقد، كذلك لم تمس الأسود المفترسة الجائعة جسد دانيال. مبارك اسم الرب إلى الأبد.

أمر الملك وقد غمره الفرح بإصعاد دانيال من الجب وتأكد كل من رآه بعد خروجه من الجب أن الأسود المتوحشة لم تمسه.


عقاب المتآمرين

"فأمر الملك فأحضروا أولئك الرجال الذين اشتكوا على دانيال وطرحوهم في جب الأسود هم وأولادهم ونساءهم ولم يصلوا إلى أسفل الجب حتى بطشت بهم الأسود وسحقت عظامهم" (دانيال 6: 24)

لو عرف الأشرار مدى ما يجلبه شرهم لتابوا عن ارتكاب الشر.

قال داود عن الإنسان الشرير "كره جباً. حفره فسقط في الهوة التي صنع. يرجع تعبه على رأسه وعلى هامته يهبط ظلمه" (مزمور 7: 15 و 16) وقال كاتب الأمثال "من يحفر حفرة يسقط فيها ومن يدحرج حجراً يرجع عليه" (أمثال 26: 27)

وقال بولس الرسول "لا تضلوا. الله لا يشمخ عليه. فإن الذي يزرعه الإنسان إياه يحصده أيضاً" (غلاطية 6: 7)

هكذا حصد المتآمرون الزرع الذي زرعوه بفارق واحد أن دانيال آمن بإله قادر سد أفواه الأسود، أما هم فلم يجدوا إلهاً يلجأون إليه في وقت محنتهم. "ولم يصلوا إلى أسفل الجب حتى بطشت بهم الأسود وسحقت عظامهم" ويجدر بنا أن نلاحظ هنا أن طرح الأولاد والنساء في جب الأسود مع الرجال المتآمرين لم يكن بحسب الناموس الإلهي، لأن ناموس الله يقول "لا يقتل الآباء عن الأولاد ولا يقتل الأولاد عن الآباء. كل إنسان بخطيته يقتل" (تثنية 24: 16) لكن شريعة مادي وفارس الوثنية كانت تحتم القضاء على المجرم وأفراد أسرته.


الأمر الملكي للسكان

"ثم كتب الملك داريوس إلى كل الشعوب والأمم والألسنة الساكنين في الأرض كلها. ليكثر سلامكم. من قبلي صدر أمر بأنه في كل سلطان مملكتي يرتعدون ويخافون قدام إله دانيال لأنه هو الإله الحي القيوم إلى الأبد وملكوته لن يزول وسلطانه إلى المنتهى. هو ينجي وينقذ ويعمل الآيات والعجائب في السموات وفي الأرض. هو الذي نجى دانيال من يد الأسود" (دانيال 6: 25 - 27)

مؤمن واحد أمين لإلهه. لا يحب حياته حتى الموت يمكن أن يكون سبباً لمجد الله في أماكن كثيرة، بل في إمبراطورية واسعة بأسرها.

خرج دانيال سالماً. لكن الملك داريوس أصدر أمراً وفي أمره طلب

الارتعاد والخوف قدام إله دانيال.

وخوف الله هو بداية الحكمة..

"مخافة الرب رأس المعرفة" (أمثال 1: 7)

"وتخاف سكان الأقاصي من آياتك" (مزمور 2: 11)

أعلن أنه الإله الحي القيوم إلى الأبد أي أنه الإله الذي لا ند ولا شبيه له، وهو الباقي إلى الأبد.

وأعلن أن ملكوته لن يزول.

وأن سلطانه إلى المنتهى

وأعلن أنه ينجي وينقذ ويعمل الآيات والعجائب في السموات وعلى الأرض.

كل هذا أعلنه الملك لأن الله "نجى دانيال من يد الأسود"

ويختتم الإصحاح بالكلمات

"فنجح دانيال هذا في ملك داريوس وفي ملك كورش الفارسي" (دانيال 6: 28)

والنجاح يأتي للمؤمن من الله.

فهو البركة التي وعد بها الرب من يلهج ويتأمل في كلمته نهاراً وليلاً (مزمور 1: 3)

وهو بركة رفقة الرب لنا "وكان الرب مع يوسف فكان رجلاً ناجحاً" (تكوين 39: 3) "لأن الرب كان معه ومهما صنع كان الرب ينجحه" (تكوين 39: 3)

وهو البركة التي نحصل عليها إذا طلبنا الرب "عزيا.. كان يطلب الله في أيام زكريا الفاهم بمناظر الله وفي أيام طلبه الرب أنجحه الله" (2 أخبار 26: 5)

ودانيال كانت فيه كل هذه الامتيازات، لذلك فقد نجح في حياته السياسية كما نجح في حياته الروحية. وأعظم نجاح هو نجاح المؤمن في حياته الروحية.

  • عدد الزيارات: 24766