سادساً: أفق المزامير
لاشك أن كل دارس للكتاب يرى بوضوح أن أفق المزامير هو أفق يهودي لا يتفق مع امتيازات العهد الجديد والبركات الروحية السماوية التي للكنيسة.
ونورد بعض الأدلة على ذلك:
(1) كانت العبادة اليهودية في الهيكل أو بيت الله ونجد في سفر المزامير القدس _ الأقداس _ المقادس بينما سجود المؤمنين في العهد الجديد في القداس السماوية. في ذات محضر الله. كما قال الرب يسوع للمرأة السامرية: "لا في هذا الجبل ولا في لأورشليم تسجدون للآب".
(2) ترد بعض أسماء لله في سفر المزامير ولكن ليس من بينها اسم الآب لأن الذي أعلن اسم الآب هو الابن "الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبّر" (يوحنا 1: 18). وقد قال بالنبوة في مزمور 22 "أخبر باسمك إخوتي وفي وسط الكنيسة اسبحك"
والعجيب أن أسماء الله الواردة في سفر المزامير في الأقسام الخمسة تتفق مع محتويات كل قسم كما سبق أن أشرنا:
1_ أدون: معناها الرب قي القوة
2_ أدونيم: المقطع (يم) في العبري هو صيغة الجمع
3_ أيل: الله القوي المنتصر.
4_ ايلوهيم: الله القوة الخالق وهي أول كلمة يبدأ بها الكتاب في اللغة العبرية في البدء خلق الله (ايلوهيم) أي المثلث الأقانيم
5_ ايلوه: معناها الله في لاهوته الواحد وهي مفرد ايلوهيم. ايلوه الواحد بالمباينة مع الآلهة الكثيرة الكاذبة (الأوثان)
6_ عليون: معناها الله العلي المرتفع _ وقد جاء في قول ملكي صادق عندما بارك إبراهيم "مبارك أبرام من الله العلي مالك السماوات والأرض"
7_ ياه: هي قصيدة شعرية لاسم يهوه _ يهوه الله إله العهد. أو الله الواجب الوجود. الكائن ويهوه معناه أنا هو الكائن ولذلك كان هذا الاسم موضع احترام وتبجيل فعندما سألوا المسيح في البستان وقال لهم "أنا هو" سقطوا على وجوههم.
8_ شداى: معناها كلي القدرة _ شديد القوة. كما قال لإبراهيم "أنا الله القدير سر أمامي وكن كاملاً".
هذه هي بعض أسماء الله العبرية في العهد القديم وهي موزعة على أقسام المزامير الخمسة:
الكتاب الأول: الخليقة
الكتاب الثاني: الفداء
وهكذا فكل كتاب يرد فيه اسم الله متفقاً مع طبيعة الكتاب.
ونلخص فيما يلي بعض المفارقات بين أفق المزامير والعهد الجديد:
أولاً _ مكان العبادة في العهد القديم كان في الهيكل. أما في العهد الجديد فالعبادة ليست في مكان معين بل "حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة إلى اسمي فهناك [1] أكون في وسطهم" (مت 18: 20)
ثانيا:ً لا يذكر اسم الله كالآب في سفر المزامير ولكنه يذكر في كل أسفار العهد الجديد.
ثالثاً: لا تذكر الكنيسة في العهد القديم إذ كانت سراً مخفياً في فكر الله ولم يبدأ بناؤها إلا في يوم الخمسين بحلول الروح القدس.
رابعاً: البركات المذكورة في سفر المزامير _ بركات أرضية للشعب الأرضي وستتمتع بها البقية التقية في الملك الألفي. أما بركات العهد الجديد فهي بركات روحية في السماويات تتمتع بها الكنيسة.
خامساً: الرجاء في سفر المزامير هو إنقاذ البقية التقية من اليهود من أعدائهم وهم (النبي الكذاب المرتد واتباعه والوحش الخارج من البحر (الأمم) وبسط سلطان الرب عليهم وإدخالهم إلى بركات الملك الألفي.
سادساً: مجيء المسيح في سفر المزامير هو الظهور بالمجد والقوة. أما موضوع الاختطاف والقيامة الأولى فلا ذكر لهما في سفر المزامير.
سابعاً: لغة المزامير لا تتفق مع لغة النعمة التي تكلم بها الرب يسوع له المجد قائلاً أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم.. صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويضطهدونكم". ولا تتفق مع المثال الذي تركه لنا الرب يسوع بحياته الذي "إذ شتم لم يكن يشتم عوضاً" والذي صلى لأجل قاتليه قائلاً "اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون".
ثامناً: لغة المزامير لا تتفق مع الحقائق المعلنة في العهد الجديد فمثلاً يقول داود".. روحك القدوس لا تنزعه مني "أما المؤمن في العهد الجديد فلا ينزع منه الروح القدس وإن كان بسبب سقوطه يمكن أن يحزن الروح القدس أو يطفئه.
تاسعاً: تقول بعض المزامير لله: لماذا تقف بعيداً. لماذا تختفي في أزمنة الضيق؟ كما تعبر عن الله كأنه ساكن في الظلام بينما في العهد الجديد بعد أن شق حجاب الهيكل واتضح الطريق أمام المؤمن فإنه يدخل إلى ذات حضرة الله بكل ثقة للسجود في الأقداس السماوية. يقول المرنم في مزمور 119: 120 "اقشعر لحمي من رعبك ومن أحكامك" وهذه لا تتفق مع الثقة في محبة الله الموضحة في العهد الجديد. والثقة أيضاً في يوم الدين. "لأنه كما هو هكذا نحن في هذا العالم" "ومحبة الله تطرح الخوف إلى خارج" وفي مزمور 119: 119 نقرأ "لا تحزني من رجائي" بينما في رومية 5 يأتي القول "والرجاء لا يخزى".
عاشراً: في لغة المزامير نجد طلب الانتقام من الأعداء ففي مزمور 10: 15 يقول صاحب المزمور "أحطم ذراع الفاجر" _ وفي مزمور 18: 40 _ 42 نقرأ "مبغضي أفنهم فاسحقهم كالغبار قدام الريح" وفي مزمور 85 "اللهم كسر أسنانهم في أفواههم". فهل يصح لنا نحن مؤمني العهد الجديد أن نقول هذا مهما ضايقنا الأعداء واضطهدونا هل نقول "كسر أسنانهم في أفواههم ليذوبوا كالماء" ويفرح الصديق إذا رأى نقمة الرب ويغسل خطواته بدم الشرير.
أيضاً نقرأ في مزمور 137: 8 و 9 "يا بنت بابل المخربة طوبى لمن يمسك أطفالك ويضرب بهم الصخرة"
هذه صلوات تتفق فقط مع طلب النقمة من الأثيم الذي هو المرتد، النبي الكذاب، ابن الهلاك الذي سيضطهد البقية التقية في زمان الضيقة العظيمة والرب يوافق على طلب النقمة هذا لأنه عند ظهوره سيقبض عليه هو والوحش ويطرحهما حيين في بحيرة النار.
كانت بعض الكنائس تستعمل نظم المزامير في التسبيحات والعبادة قبل أن يلمع رجاء مجيء المسيح لاختطاف الكنيسة وقبل أن تتضح للأذهان بركات الكنيسة ومقامها السماوي في المسيح لكن الآن نرى بوضوح أن منطوق معظم هذه المزامير لا يصح أن نرنم به ولا يتفق مع روح العهد الجديد كما سبقت الإشارة.
أما المزامير التي يجوز الترنم بها الآن فهي المزامير التي تحرض على الاتكال على الله، والثقة فيه، وانتظار الرب، والصبر له والفرح فيه (في الرب).
ولا ننسى عند دراسة سفر المزامير الناحية النبوية من حيث أن كثيراً من النبوات قد تمت بالكامل وبحذافيرها كما سبق ورأينا في القول "وفي عطش يسقونني خلاً. وعلى ثيابي ألقوا قرعة". وهي أشياء دقيقة جداً تمت بالكامل. وباقي النبوات لا بد أن تتم ونلاحظ أنه في بعض المزامير يتكلم صاحب المزمور عن اختبار شخصي له ثم ينتقل فجأة إلى الناحية النبوية وإلى الكلام عن اختبارات ستجوز فيها البقية التقية في زمان الضيقة في المستقبل.
إن دارس الكتاب المقدس ينبغي أن يدرس العهد الجديد دائماً ولا يهمل دراسة العهد القديم لأن العهد الجديد طعام يومي نتغذى به يجب أن نتلذذ في دراسته بشخص الرب يسوع المسيح ونستنشق عبير رائحته رائحة أدهانه الطيبة كما ندرس معه سفر المزامير _ هذا السفر الذي في دراسته تمتلئ نفوسنا بهجة وشبعاً وقوة لخدمة الرب.
وإذا كان التسبيح عملاً لائقاً مبهجاً لمؤمن العهد القديم كما رأينا فكم بالحري يليق بنا نحن أن نرنم أكثر ونفرح أكثر كما يقول الرسول "وأقول أيضاً افرحوا" وذلك بغض النظر عن الظروف التي نجتاز فيها إذ بعد أن يقول الرسول بولس "وأقول أيضاً افرحوا" يوصينا أن لا نهتم بشيء. لأنه ما الذي يعيق الفرح؟ هو إلههم. لذلك يقول لا تهتموا بشيء بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتعلم طلباتكم لدى الله وسلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع وبذلك نكون فرحين كل حين في الرب.
وإذا كان هذا لائقاً بنا هنا فإن فرحنا في السماء سيكون عظيماً جداً كما أن عمل المؤمنين في السماء ليس الصلاة ولا درس الكتاب. لكن التسبيح فقط سنبدأ بالترنيمة الجديدة "مستحق أنت ..................... لأنك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة وجعلتنا لإلهنا ملوكاً وكهنة..." سنبدأ بالترنيمة الجديدة ولن تنتهي تسبيحاتنا إلى أبد الآبدين.
- عدد الزيارات: 4729