مقدمة
الواعظ الملكي في سفر الجامعة؟ بعد أن تحدث بأسلوبه الدقيق الشامل عن قصة جهده المضني في طلب السعادة «تحت الشمس»؟ وقد باءت جهوده بالخيبة؟ حتى طالما ردّد مرثاته المشهورة «باطل الأباطيل الكل باطل وقبض الريح»؟ ينبه أولئك الذين يرغبون في تجنب المسالك الملتوية التي سلكها هو؟ إلى دراسة هذه المجموعة من الأمثال التي «بحثها وأتقنها».
إن السبعة الأعداد الأخيرة من ذلك السفر؟ أي الجامعة؟ تصلح مقدمة للسفر السابق له؟ سفر الأمثال فيقول فيها:
«باطل الأباطيل قال الجامعة الكل باطل. بقي أن الجامعة كان حكيماً وأيضاً علّم الشعب علماً ووزن وبحث وأتقن أمثالاً كثيرة. الجامعة طلب أن يجد كلمات مُسرة مكتوبة بالاستقامة؟ كلمات حق. كلام الحكماء كالمناسيس وكأوتادٍ منغرزةٍ أربابُ الجماعاتِ قد أعطيت من راعٍ واحدٍ. وبقي فمن هذا يا ابني تحذر. لعمل كتب كثيرة لا نهاية والدرس الكثير تعب للجسد. فلنسمع ختام الأمر كلُّهُ. اتقِ الله واحفظ وصاياه لأن هذا هو الإنسان كلُّهُ. لأن الله يُحضرُ كل عملٍ إلى الدينونة؟ على كل خفي إن كان خيراً أو شراً» (جا8:12-14).
هذه الكلمات تطالعنا بالقصد الإلهي من سفر الأمثال. فإن الله يريد أن ينجي كل من ينتبه إلى ما هو مدَّون في هذا السفر من الاختبارات التي تكسر القلب ومن التيهان على غير هدى لذلك الرجل الذي اُختير لكتابتها.
توجد وسيلتان ندرك بهما خواء وبُطل العالم؟ وحقيقة طابع الخطية إحداهما وأكثرهما شيوعاً؟ هو أن يسلك الإنسان بنفسه الطريق الشائك. وحينئذ يتجرع مرارة الانحراف عن الله. غير أن السبيل الأقوم هو أن نتعلم الدرس في حضرة إلهنا وأن نتقبل ما تقوله كلمته. وهكذا يتسنى للتلميذ المطيع أن يقول «من جهة أعمال الناس فبكلام شفتيك أنا تحفظت من طرق المعتنف»(مز4:17).
إن مرارة خيبة أمل سليمان؟ وظلام شكوكه؟ وقلبه الكئيب كنتيجة لثقته في حكمته الشخصية؟ تلك النتيجة المصوَّرة بوضوح في سجل عواصف نفسه؟ لا يمكن أن تكون نصيب أولاد الله الذين يحفظون خطواتهم في الحق.
إن مجموعات الحكمة والوصايا البشرية؟ مهما يكن قدرها؟ ليست سوى أفكار أناس مثلنا. لكن الكتاب المقدس؟ معلم الحكمة؟ فيقدم لنا ذات نسائم روح الله؟ وهذا فضل عظيم. فإذ نفكر في ذاك الذي أوجد الأكوان؟ والذي صنع الفداء بعدما سقط الإنسان؟ والذي سيخلق أخيراً سماءً جديدة وأرضاً جديدة يسكن فيها البر؟ أكرر إذ نفكر في ذاك العالي والسامي الساكن الأبد وهو يتنازل بالنعمة ليعطي إرشادات شأن تفاصيل دقيقة لحياة خلائقه هنا على الأرض؟ لهو مدعاة لعبادة وإعجاب إلى الأبد.
ويا لها من أهمية سوف تطبع كل ما أجريه من عمل إذا كان الله الذي خلقني وفداني؟ لا يستحي أن يعلمني كل ما يتصل بنواحي سلوكي المختلفة؟ في وسط أسرتي؟ ومكاني في المجتمع؟وأساليبي في العمل. فالكل تحت بصره. وإذا تصرفت طبقاً لسفر الأمثال فإنني «أتعقل في طريق كامل» في نواحي علاقاتي المختلفة في الحياة.
إن الذين يستخفون كثيراً بالحقائق السماوية؟ بينما يفشلون في الدخول في نواحيها العملية؟ قد يبدو ذلك في نظرهم أنه مجرد صرخة بعيدة من مرتفعات بولس إلى منخفضات سليمان. ولكن المسيحي الذي يأبى على نفسه أن يكون كافرايم «خبز ملة لم يقلب» (هو8:7)؟ بل يمسك بميزان الحق؟ في هذا المسيحي؟ تجد وصايا وإنذارات سفر الأمثال مع حقائق رسالة أفسس الثمينة مكانها اللائق بها.
إن «العصابة من اسمانجوني» التي كان يضعها الإسرائيلي التقي على هدب أذيال ثيابه تمثل الطابع السماوي الذي يطبع سلوك المؤمن؟ وسفر الأمثال هو بمثابة هذه العصابة؟ عندما ينعكس عليها نور العهد الجديد؟فيظهر السلوك الملائم للإنسان الذي مات؟ ودُفن؟ وأُقيم مع المسيح. حقاً؟ إن هذه التعاليم المجيدة لم تتقرر في العهد القديم؟ فإنها من خصائص الحق الذي أعلنه الرسول بولس. ولكن كما يتم مطالب الناموس البارة فينا نحن السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح؟ هكذا المؤمن الذي يتعمق؟ داخلاً في حقيقة الخليقة الجديدة؟ يقدّر تقديراً بالغاً تلك التعليمات التي يراها في هذا السفر العملي العظيم الذي هو أحد أسفار العهد القديم. وهو كغيره من كتب الوحي «كُتب لإنذارنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور».
أما عن تكوين السفر؟ فواضح أنه لم يكن قد وصل إلى حالته الراهنة إلا في أيام حزقيا؟ بمعنى أنه لم يتخذ شكله كسفر في تلك الأيام كما نفهم من ص1:25 حيث يرد القول «هذه أيضاً أمثال سليمان التي نقلها رجال حزقيا ملك يهوذا».
- عدد الزيارات: 4464