Skip to main content

الأصحاح الثاني

الأعداد الاستهلالية تكشف لنا السر الذي طالما سعى الكثيرون باطلاً ليعرفوه؟ وهو: كيف يجدون معرفة الله؟ بينما السر في هذا الأمر بسيط. والمسيحي لا يلزمه أن يكون دارساً متبحراً ليفهم كتاب الحق؟ إنما الذي يعوزه هو حالة النفس؟ وليس الذهن المصقول. وقد أعطانا الله كلمته ويحثّنا أن نفتش فيها بالاعتماد على روحه القدوس الذي جاء لكي يرشدنا إلى كل الحق.

1. يا ابني إن قبلت كلامي؟ وخبأت وصاياي عندك؟ 2. حتى تميل أذنك إلى الحكمة؟ وتعطف قلبك على الفهم؟ 3. إن دعوت المعرفة؟ ورفعت صوتك إلى الفهم؟ 4. إن طلبتها كالفضة وبحثت عنها كالكنوز؟ 5. فحينئذ تفهم مخافة الرب؟ وتجد معرفة الله.

ليس الكلام هنا عن القراءة العابرة لكلمة الله؟ بل حث النفس على قبول هذه الأقوال. وهو شيء أكثر من مجرد البحث السطحي؟ فإن أقوال الله يجب أن تُقبَل في القلب. وهناك نخبئها. كذلك يجب أن نميل الأذن إلى الحكمة ونوجه القلب إلى الفهم. بينما الفم يدعو المعرفة ونرفع الصوت إلى ما يمنحنا فطنة روحية. وهكذا يتكرس الكيان بأجمعه للبحث عن الحق. وكما يحفر الناس الأعماق طلباً للفضة؟ ويبذلون أقصى الجهد لتعيين مواقع الكنوز؟ هكذا على الباحث المُجِد أن ينقب في كلمة الله؟ غير مكتفٍ بما يجده على السطح. وإذ نقدّر أقوال فمه أكثر من قوْتنا الضروري؟ فالنتيجة محققة؟ وهي «حينئذ تجد مخافة الرب وتجد معرفة الله».

وإننا لنخشى أن يتضاءل النشاط في دراسة الكتاب حتى بين أولئك الذين يتمسكون بالحق الثمين ويقدّرونه. وجيد أن نذكر أن دراسة المؤلفات التي تدور حول الكتاب أمر يختلف كل الاختلاف عن البحث في الكلمة نفسها. قد تكون المذكرات والتفاسير معينة في الدراسة ولا بأس بها؟ ولولا إيمان الكاتب بهذا لما كتب هذه الصفحات؟ على أنه إذا سمحنا لكتابات الأشخاص غير الموحى إليهم أن تأخذ مكان كلمة الإله الحي الصادقة؟ فإن النتيجة تكون ضارة بلا شك. ذلك أن نتيجة هذه الدراسة التي من جانب واحد؟ هي أن الناس يستقون أفكارهم من بعضهم البعض؟ عوض أن يستقوها من مستودع الحق ذاته؟ هذا المستودع الكبير. وينشأ عن هذا جميعه الحالة الذهنية الجافة التي على النقيض من الروحانية النشطة.

6. لأن الرب يعطي حكمة؟ من فمه المعرفة والفهم. 7. يذخر معونة للمستقيمين؟ هو مجن للسالكين بالكمال. 8. لنصر مسالك الحق وحفظ طريق أتقيائه. 9. حينئذ تفهم العدل والحق والاستقامة؟ كل سبيل صالح.

يرتبط البحث عن الحق؟ ارتباطاً وثيقاً؟ بالسير في الحق عند قبوله. فإنه متى توفرت العين البسيطة والقلب المخلص؟ إلى جانب الرغبة المُلِحة للعيش في قوة الحق المعلَن للنفس؟ فإن صاحب الحق يكون مخبأ وملجأ وحمى لخاصته؟ حافظاً إياهم في أمان وهم يطرقون مسالك الحق؟ وهكذا يحفظ سبيلهم. ولنعلم أنه بهذا السلوك ينمو الإنسان يومياً في معرفة البر والحق والاستقامة؟ بل وفي كل طريق صالح. وهذا يختلف اختلافاً واضحاً عن مجرد الانضمام العقلي إلى نوع معين من الأنظمة اللاهوتية أو المدارس التي تلقن علوم الكتاب المقدس. فليس المهم أن نتمسك بالحق؟ قدر ما هو مهم أن يمسك الحق بنا؟ وهناك فرق شاسع بين الحالتين. يكثر "المتمردون والمضلون" الذين يتكلمون "بالعظائم"؟ ويفتخرون بمعرفة التعاليم النبوية والتدبيرية أو الحقائق العقائدية؟ ولكن طرقهم ومسالكهم الفوضاوية تجلب العار على الأمور السامية الكريمة التي في زهو وإدعاء يفاخرون بها. يبدو عليهم أنهم يجترّون؟ ولكنهم يفشلون في إبراز الظلف المشقوق. ولا ريب أن الإصرار على مسالك مثل هذه يجفف الضمير ويقسي القلب إلى أن تفشل الخدمة الفاحصة في أن تترك أي انطباع عليهم.

والأعداد التالية ترسم الاتجاه الصحيح لكل من يتمسك فعلاً بالحق ونتائجه المباركة:

10. إذا دخلت الحكمة قلبك ولذّت المعرفة لنفسك 11. فالعقل يحفظك والفهم ينصرك 12. لإنقاذك من طريق الشرير ومن الإنسان المتكلم بالأكاذيب 13. التاركين سبل الاستقامة للسلوك في مسالك الظلمة 14. الفرحين بفعل السوء المبتهجين بأكاذيب الشر 15. الذين طرقهم معوجة وهم ملتوون في سبلهم.

إن دخول الحكمة والمعرفة إلى القلب؟ واستمتاع النفس بلذائذهما؟ يهب التمييز الذي يقي من الشر؟ كما يعطي الفهم أو التمييز الذي يصون من السبل الباطلة.

وهنالك عدوان يترصدان خطوات الشاب؟ أحدهما الشرير؟ وهو هنا في الأعداد التي أمامنا. وثانيهما؟ المرأة الأجنبية؟ التي سيأتي ذكرها في الأعداد التالية.

أما الشرير؟ فهو الذي يسلك في كبرياء قلبه وبالاستقلال عن الله. وهو يبدو؟ في نظر الشاب؟ إنساناً جذاباً يروق للعقل الطبيعي. غير أن متابعة الشرير معناها "ترك سبل البر" و"السير في طرق الظلمة". ولكن حين يملك حق الله قلب الإنسان؟ فإنه يخلصه من الشرير ويحفظه من طرق الإرادة الذاتية ويبصّره بالطرق المعوجة والسبل الملتوية.

لكن هذا؟ ليس العدو الوحيد الذي يسعى للتغرير بالجهال والبسطاء؟ فإن كلمة الله معطاة أيضاً:-

16. لإنقاذك من المرأة الأجنبية من الغريبة المتملقة بكلامها. 17. التاركة أليف صباها والناسية عهد إلهها.

سوف نرى لمحات عن هذه المرأة الأجنبية على صفحات هذا السفر بين الفينة والأخرى. فمن هي؟ هل هي تنطق بغير الدنس والرجاسات؟ إن حقيقة هذه المخلوقة النكدة تبدو واضحة في مطلع الفقرات الخاصة بها. فهي عدو الآداب والفضيلة التي تواصل في يومنا - كما في يوم سليمان - تجارتها اللعينة في أجساد الشباب الغافلين؟ وفي نفوسهم. وإذ هي تهجر «أليف صباها» وتنسى «عهد إلهها» تستسلم لملذات دنسة؟ وشهوات تهلك النفس.

18. لأن بيتها يسوخ إلى الموت وسبلها إلى الأخيلة 19. كل من دخل إليها لا يؤوب ولا يبلغون سبل الحياة.

هذا صحيح؟ فإن الذين اشتبكوا وسقطوا في طرق الدنس؟ يعيشون حياتهم مضروبين ضربة لا يستطيعون التخلص منها. وذكريات الحفلات الآثمة؟ والدناسات القبيحة؟ تبقى؟ أمد الدهر؟ مثار خزي وحزن. وعلى قدر جدية التوبة؟ يثقل الشعور بوخزات الماضي.

أما وقد عالجنا هذا جميعه؟ أفليس من دلالة أخرى نستقيها من هذه التحذيرات الكثيرة عن المرأة الأجنبية؟ بلى فهنالك دلالة ثانوية. فكما وجدنا في الشرير صورة الاستقلال عن الله؟ المبدأ العقلي معربداً هائماً على وجهه؟ كذلك نجد في المرأة الأجنبية صورة الديانة الزائفة التي سوف تتركز في «بابل العظيمة أم الزواني ورجاسات الأرض» (رؤ5:17) وما أضل طرقها وما أكثر حيلها؟ وأخدع توسلاتها! وكم هو صحيح أن يقال «إن بيتها يسوخ إلى الموت وسبلها إلى الأخيلة». إنما كلمة الله هي وحدها التي تصون النفس من مفاسدها. وتحفظ الخطى في سبل الحياة.

20. حتى تسلك في طريق الصالحين؟ وتحفظ سبل الصديقين 21. لأن المستقيمين يسكنون الأرض؟ والكاملين يبقون فيها 22. أما الأشرار فينقرضون من الأرض؟ والغادرون يُستأصلون منها.

الذي نجده أمامنا هنا؟ ليس الرجاء السماوي؟ بل الأرضي. فإن سفر الأمثال؟ كباقي أسفار العهد القديم؟ يتحدث عن الأرضيات؟ لأن السماويات لم تكن مُعلَنة بعد. فنصيب الأتقياء من الشعب الأرضي هو الذي نقرأ عنه هنا. فهم يسكنون الأرض يوم تُستأصل منها الأمم الآثمة والغادرون. أما نصيبنا فأفضل بكثير؟ فلنا ميراث محفوظ لأجلنا في السماوات؟ حيث دخل يسوع كسابق لأجلنا.

وما أعظم مسئوليتنا في أن تكون خطواتنا مطابقة لكلمة الله الحي.

  • عدد الزيارات: 3860