الأصحاح العاشر
القسم الثاني: 10 - 24: أمثال سليمان الحكيم
نحن مقبلون الآن على القسم الثاني من السفر، وبه ندخل في الجزء الأمثالي بالمعنى الأدق. قبل ذلك كنا نستمع إلى تحريض الحكمة لندخل البيت ونستفيد من مجموعة الإرشادات التي ضُمت معاً لإنارتنا فيما يتعلق بالسلوك المُرضي في جميع الظروف. ومن هنا تحاول الحماقة أن تجذبنا وتقصينا بصوتها الخادع الفاتن. وطوبى للإنسان (وخاصة الشاب، إذ يجب أن نذكر مرة أخرى أن هذا السفر هو لهداية وإرشاد الشاب) الذي يرفض صوت الحماقة وينجذب لصوت الحكمة، فيحاول أن يخصص لنفسه كل ما هو مدوّن هنا.
وحيث أن الكتاب المقدس حافل بالأمثلة التشبيهية لكل مثل تقريباً من الأمثال التي نحن مقبلون على التأمل فيها، لذلك سنشير في مذكراتنا هذه إلى الأشخاص أو الظروف التي تعلن المثل موضوع التأمل وتوضحه. ونقصد من وراء ذلك أن يتأثر القارئ بملء وغنى كلمة الله، ثم بالكيفية العجيبة التي تربط كل جزء فيها بسفر الأمثال.
1 أمثال سليمان - الابن الحكيم يسر أباه والابن الجاهل حزن أمه.
تُطالعنا هذه الكلمات بالمفتاح، الذي سوف يشار إليه بين وقت وآخر خلال السفر كله، وسيشار إليه في الأصحاح الأخير. الابن الذي يتصف بالحكمة يجعل أباه فرحاً، كما نرى في حالة سليمان نفسه (1أي12:22،2أي 7:1-12). ومن الناحية الأخرى نرى أن الأم هي التي تحس أكثر من غيرها بحماقة ولدها. انظر عيسو (تك26،27).
2 كنوز الشر لا تنفع أما البر فينجي من الموت.
لم يتخلَّ الله عن كرسيه كالحاكم الأدبي للمسكونة، ومن هنا الحصاد يتبع الزرع، كما أن الليل يعقبه النهار. «حجلة تحضن ما لم تبض (كذلك) محصل الغنى بغير حق. في نصف أيامه يتركه وفي آخرته يكون أحمق» (أر11:17). ومن الجهة الأخرى فإن البر - مهما تألمنا لأجله في عالم كهذا - «ينجي من الموت»، كما نجا نوح ومن معه من الموت في حادث الطوفان، وكما نجا كثيرون من الحوادث الأخرى. وسفر استير يصور لنا عدم نفع كنوز الشر في هامان، كما يصور كيف ينجي البر من الموت في مردخاي.
3. الرب لا يجيع نفس الصديق ولكنه يدفع هوى الأشرار.
ليكن من أمر الظروف الخارجية ما يكون، فإن نفس الصديق تسمو فوقها جميعاً، ولديها من الأسباب ما يدعوها للفرح في وسط التجربة. أما الأثمة فليست لديهم ثقة كهذه، وهواهم (أي رغبتهم) يؤخذ منهم في لحظة، حينما يبدو أنهم يوشكون أن يستمتعوا بهذا الهوى وهم مستريحين. وهاهي أنشودة النصرة لحبقوق خير مثل على الشق الأول (حب17:3-19)، كما أن مصير الغني الغبي يمثل جزء الصورة الأخير (لو16:12-21).
4. العامل بيد رخوة يفتقر، أما يد المجتهدين فتغنى.
إن الكتاب لا يساند الكسل، لكنه يوصي المسيحي أن يكون أبداً نشيطاً في غيرته. وأولئك بين التسالونيكيين الذين كانوا بلا ترتيب، نسوا هذه القاعدة (2تس7:3-12)، ؟فكتب لهم الرسول محفزاً إياهم «أن يشتغلوا بهدوء ويأكلوا خبز أنفسهم». إن الإيمان والكسل لا يمتزجان أحدهما بالآخر. وما يصفه الناس أحياناً بأنه إيمان، إنما هو في الواقع إدعاء. فإن الاجتهاد هو الرفيق الصحيح للإيمان، كما نرى بكيفية جميلة في راعوث الموآبية التي أخذت مكان الفقير والغريب بين الحصادين في حقل بوعز فارتفعت في الوقت المناسب (را 2-4).
5. من يجمع في الصيف فهو ابن عاقل ومن ينام في الحصاد فهو ابن مخز.
هذا مبدأ ثابت يصدق على الزمان والأبدية. فإن انتهاز الفرصة واستغلال الوقت ينبئ عن حكمة، وإهمالها برهان الغباوة الحاضرة والهوان في المستقبل. ومن الأهمية بمكان أن يقدِّر الإنسان القيمة الحقة للفرصة الممنوحة له من الله. «مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة» (أف16:5). ولينتبه العامل في كرم الرب إلى هذه الكلمة؛ فالفرصة الحاضرة هي الوقت المناسب لجمع الحزم الغالية التي ستكون مبعث فرح في يوم الحصاد القادم على عَجَلْ! والذي ينام في فترة الحصاد الحاضرة سوف يجني الخجل والخسارة أمام كرسي المسيح. ويا له مثلاً حياً على النشاط والاجتهاد نجده في بولس طوال حياته، لقد كان في نشاط لا يتوقف واهتمام بالنفوس الثمينة. كما أن ديماس، وقد افتتن بمحبة العالم الحاضر، يعطينا صورة الشخص الذي يمضي لكي ينام ويترك الخدمة لأيدي أخرى، ومن الأسف أن عاره باق إلى اليوم (2تي10:4).
6. بركات على رأس الصديق. أما فم الأشرار فيغشاه ظلم 7. ذكر الصديق للبركة واسم الأشرار ينخر (أو يُبلىِ).
إن التقدير المتباين بين الأبرار والأشرار في الحياة لا يختلف عن تقدير ذكراهم بعد الموت. انظر إلى بولس في 2تيموثاوس17:4، حيث نجده واقفاً يحاكَم أمام نيرون الذي يصفه «بالأسد»، والذي أُنقذ يومئذ من فمه. فإنه على الرغم من وحدته والازدراء الواضح به، فإن البركات كانت تتقاطر على رأس عبد الرب البطل المغوار. ومن الجهة الأخرى انظر كيف كان الظلم يغشى فم مضطهده، تاركاً إياه بلا عذر أمام محكمة الناس والله. ومع أن كليهما قد مضى من المشهد، ولكن لتكن الأجيال شاهدة على ذكر كل منهما؛ أيهما بلى ذكره؟ وأيهما بقى ذكره مبعثاً للشكر؟
8. حكيم القلب يقبل الوصايا وغبي الشفتين (أو الغبي الثرثار) يُصرع.
تبدأ الحكمة كما رأينا بمخافة الرب. والذين يتدربون هكذا، هم على استعداد أن يتقبلوا وصاياه. وفيما يتعلق بالمسيحي، فهذه هي الطريقة التي بها يُظهر محبته للمسيح. أما الأحمق الثرثار،الذي يظن في نفسه الحكمة، كأنه لا يعوزه تعليم وتأديب، فلابد أن يتعلم من الحزن القادم. وفي نبوخذ نصر وبيلشاصر نرى المتناقضين. (دا 18:5-23).
9. من يسلك بالاستقامة يسلك بالأمان (أو بأمان) ومن يعوج طرقه يُعرّف.
إن السلوك باستقامة، معناه السير مع الله. ومهما يكن من سوء فهم في بعض الأحيان، فإن الصدّيق الذي يعيش بالاستقامة، سيرى أنه سلك في أمان. إن أهل العالم يعترفون بأن "الأمانة أحسن سياسة". أما بالنسبة لرجل الله فإن الاستقامة ليست سياسة، لكنها بهجة قلبه. وبالاستقامة يحمل الناس الأشرار على الاعتراف بأن طرقه فوق مستوى الشبهات كما نرى في يوسف بعد امتحانه العنيف (تك40،41). وعلى العكس تماماً، المنحرف الطرق، فمع أنه يسترها إلى حين، فلا بد أن تُكشف في آخر المطاف. انظر قضية صيبا (2صم1:16-4؛24:19-27).
10. من يغمز بالعين يسبب حزناً والغبي الشفتين يصرع.
منذ القديم كان الغمز بالعين معناه تكذيب ما تفوه به الشفتان. فذاك الذي أقواله تناقض نياته، هو سبب حزن للآخرين، وسوف يُصرع هو نفسه. ولقد كانت قبلة يهوذا تصرفاً من هذا النوع. ولنلاحظ أن الجملة الأخيرة هنا تماثل الجملة الأخيرة في ع8.
11. فم الصدّيق ينبوع حياة وفم الأشرار يغشاه ظلم.
الصدّيق هو البار وحينما تكون الحياة بحسب البر، فإن أقوال الفم تكون بركة وإنعاشاً للآخرين. والإهمال في هذه الناحية كان سبباً في أن كثيرين ممن حاولوا أن يخدموا الإنجيل فقدوا القوة المطلوبة، وتجردت خدمتهم من الثمر. فإن شهادة الشفتين تسندها شهادة الحياة. ومن هنا، السبب في نقص القوة وانعدام النفع. ليس كافياً أن يُستخدم «الكلام الصحيح» - مجرد الكلام الصحيح - ليكون للبركة. أما إذا صدر هذا الكلام الصحيح من قلب له شركة مع الله، تؤيده شهادة طرقه التي في المسيح، حينئذ يثبت أن ذلك الكلام هو ينبوع حياة للسامعين العطاش بحق. وهكذا كانت خدمة صموئيل في الأيام المظلمة عقب موت عالي. (قابل الجملة الأخيرة مع الجملة الأخيرة في ع6).
12. البغضة تهيج خصومات والمحبة تستر كل الذنوب.
إن الرسول بطرس قد اقتبس الشق الأخير من هذا العدد حيث نقرأ «ولكن قبل كل شيء لتكن محبتكم بعضكم لبعض شديدة لأن المحبة تستر كثرة من الخطايا» (1بط8:4). وليس المقصود من هذا العدد، كما يزعم البعض في جهالة، أن الإحسان من جانب الشخص المذنب أمام الله، يكفر عن تعدياته، وهكذا يسترها في يوم الدينونة، بل المقصود هو أنني مدعو أن أستر وأغطي غلطات الآخرين لا غلطاتي. وليس عن طريق عدم الاكتراث بالشر، بل عن طريق معالجة أخي بإطلاعه على خطيته في أسلوب المحبة والنعمة، ومحاولة تدريب ضميره في حضرة الله، حتى يعترف، وبذلك تستر الخطية. ولكن إذا انعدمت المحبة، فمن المألوف أن يقوم الإنسان بدور النمام، الأمر الذي لا يؤدي إلا لمضاعفة الشر، لأن ترديد الخطية يدنس، وينتهي غالباً إلى سوء تفاهم وتعاسة طول العمر. وفي دواغ الأدومي نرى صورة البغضة التي تهيج الخصومات (1صم22). وفي تصرف ناثان مع داود نرى صورة محبوبة جميلة للمحبة التي تستر (2صم12).
13. في شفتي العاقل توجد حكمة، والعصا لظهر الناقص الفهم.
لست أظن أن هذين الشقين قد تمثلا على أضبط وجه أكثر مما تمثلا في سليمان نفسه وابنه رحبعام، فيما أصدرا من قرارات. فالأول إذ قد تدرب في حضرة الله، حصل على قلب حكيم وفهيم (1مل3). أما الآخر فإذ وثق في حكمته واعتمد على نصيحة رفاقه الأحداث، فإنه وجد أخيراً عصا لظهره (1مل12).
14. الحكماء يذخرون معرفة أما فم الغبي فهلاك قريب.
ليس من يلمس إمكاناته بكل وضوح مثل الحكيم الحقيقي. فإن التواضع والرغبة في التعلم على أيدي من هم كفاة للتعليم، هو الطابع الذي يميز الحكماء. لكن غرور الحمقى لا يعرف حدوداً وبأفواههم يكشفون هذا الغرور في آذان جميع الناس ذوي الرأي السليم. وثرثرتهم إنما تؤدي بهم إلى الهلاك. لقد تتبع تيموثاوس «منذ الطفولية» طرق الحكماء (2تي3). بينما سلك عليم الساحر طرق الحماقة والثرثرة (أع13).
15. ثروة الغني مدينته الحصينة. هلاك المساكين فقرهم.
وليعلم الأغنياء أن غناهم للزمان، وفي وقت السلام فقط، لأنه «لا ينفع الغنى في يوم السخط» (ص4:11)، وليعلم الاخوة الفقراء أن الفقر المادي لا يؤثر على مجد المستقبل. انظر الغني ولعازر (لو16).
16. عمل الصديق للحياة، ربح الشرير للخطية.
هذا هو أسلوب العهد القديم في تقرير الحقيقة التي نتعلمها من رو 6:8 وهي أن «اهتمام الجسد هو موت ولكن اهتمام الروح هو حياة وسلام»؛ أي أن التفكير بالعقلية الجسدانية، نتيجته موت، بينما التفكير الروحي نتيجته حياة وسلام. والصدّيق هو الشخص الروحي، وجهده واهتمامه هو بحسب فكر الله، ومن ثم يؤدي إلى حياة. بينما كل ما ينتجه الشرير ليس إلا خطية في نظر القداسة الكاملة، لأن الخاطئ مثل نبع مسموم، قد يعطي ماءً بارداً براقاً، لكن عاقبته مرعبة وقاتلة. وها نحن نرى أول من قدّما قرابين وذبائح؛ قايين وهابيل، وهما يمثلان هاتين الحقيقتين (تك4).
17. حافظ التعليم هو في طريق الحياة ورافض التأديب ضال.
عندما يتعلم الإنسان ألا يثق في ذاته. بل يعتمد فقط على كلمة الله التي لا تخطئ، والتي كشفها الروح القدس؛ عند هذا فقط، تسير قدماه في طريق الحياة. ولاحظ أن الإشارة هنا ليست إلى الحياة الأبدية أو الخلاص الأبدي، بل إلى طريق الحياة التي تعينت سبيلاً لكل أولاد الله. ومثل هؤلاء لا يرفضون التأديب أو التوبيخ. وإنه لإشفاق عظيم من أخي القديس أن يوجّه انتباهي إلى أي جزء من حق الله، أكون قد فشلت في تنفيذه عملياً في حياتي. إذاً، فياليتني أتقبل التقويم بسرور لكي أبقى بمنجاة من إهانة ذاك الذي افتداني لنفسه. لقد رفض شاول التوبيخ فضاع ملكه (1صم23:15). أما داود، ففيه نرى، بغض النظر عن سقوطه أحياناً، قديساً اتصف بحفظ التعليم، ومن ثم سار في طريق الحياة.
18. من يخفي البغضة فشفتاه كاذبتان ومشيع المذمة هو جاهل.
الرياء، والنميمة، كلاهما بغيض. والتظاهر بالمحبة والصداقة، بينما القلب يحترق بنار البغضة، وإشاعة أقاويل شريرة، أمران يستوجبان اللوم العنيف والتوبيخ القاسي.
وإنه لأمر محزن أننا لا نجد بين القديسين اهتماماً خاصاً للقضاء على هذه العادة الذميمة، فإن الرب كثيراً ما أعلن في كلمته كراهيته لتلك الرذيلة الممقوتة بعبارات واضحة. وقد جاء في الشريعة «لا تسع في الوشاية بين شعبك» (لا16:19). قد تكون الحكاية صحيحة، غير أن ذلك لا يعفي الواشي. فإن أخطأ أخ أو أخت، فهنالك طريقة لمعالجة الأمر أفضل من إذاعة خطئه أو خطئها في أرجاء المحلة. والرب يرسم لنا معالم الطريقة التقوية للعلاج «لا تبغض أخاك في قلبك. إنذاراً تنذر صاحبك. ولا تحمل لأجله خطية» (لا17:19).
هذا شيء فاحص وخطير حقاً. أما إذا كانت الحكاية غير صادقة، فإنني إذا رددت الشر أكون شاهد زور. وحتى إذا كانت صحيحة، فإنني بترديدي لها أدنس الآخرين، وأضر نفس أخي المخطئ، الذي ربما كان من الممكن يتخلص من غلطته لو أنني ذهبت إليه بروح الوداعة لعلاجه. إن «الرجل اللئيم» هو الذي ينبش الشر. أما إنسان الله فيسعى لستره، إذ يقود المخطئ إلى التوبة والحكم على الذات.
لقد كان تصرف يوآب مع أبنير (2صم27:3) مثلاً على الطابع المرسوم في الحالة الأولى، وهو إخفاء البغضة بشفتين كاذبتين، بينما الذين اتهموا أرميا، يصورون الحالة الثانية وهي الجهل في إشاعة المذمة (أر11:37-15).
19. كثرة الكلام لا تخلو من معصية أما الضابط شفتيه فعاقل.
إنه لأمر عجيب أن يفرد الله في كتابه جزءاً كبيراً لموضوع الكلام. إن التحفز للكلام قلّما يوجد حيث لا تزحف الخطية. وضبط الشفتين، وإن كان مسألة عسيرة في الغالب، إلا أنه جزء من الحكمة الصحيحة. ورسالة يعقوب تخصص أصحاحاً بجملته (ص3) لموضوع "اللسان". ذلك العضو الصغير الذي لا يضبط. على أن إنسان الله يزن أقواله، ذاكراً أنه سيعطي حساباً عن كل كلمة بطالة، متذكراً القول «بكلامك تتبرر وبكلامك تدان» (انظر جا1:5-7).
20. لسان الصدّيق فضة مختارة. قلب الأشرار كشيء زهيد.
هنا نرى القلب واللسان كمترادفين، لأن أحدهما يتحكم في الآخر. فإن لسان الصدّيقين ينبئ عن قلب خاضع لله. فأقواله ذات قيمة. أما قلب الأشرار فتكشف عنه أحاديثهم الباطلة المعوجة. هكذا كانت الحال مع سيمون الساحر، بينما توبيخ بطرس له يرسم لسان الصدّيق الذي هو فضة مختارة (أع 23:8).
21. شفتا الصدّيق تهديان كثيرين أما الأغبياء فيموتون من نقص الفهم.
إن أحاديث الصدّيق، ليست فقط خالية من الحماقة وأقوال النميمة، بل هي أيضاً نافعة إيجابياً؛ إن تكلم الصدّيق فللبنيان، إذ يتبارك الآخرون لأن شفتيه تطعمان كثيرين. ولكن الأمر ليس هكذا مع الأغبياء. فحديث الجاهل الغبي تافه، عديم القيمة ينقصه الفهم لكي يتعلم من القادرين على التعليم. ومرة أخرى يعرض للذاكرة صموئيل وشاول؛ فقد كانت كلمات الأول وسيلة بركة للألوف، لكن شاول الشقي الذي مسحه، فشل في أن يستفيد لنفسه فمات في غباوته (انظر أيضاً ع31،32).
22. بركة الرب هي تغني ولا يزيد معها تعباً.
في يمين الرب «نعم إلى الأبد» (مز11:16). وغباوة لا يعبر عنها، تلك التي تقود الإنسان للتحول عن الرب وعن الغنى الذي لا يستقصى الخالي من الحزن والوجع (1تي10:6)، إلى التوافه والأباطيل التي يقدمها العالم والشيطان، والتي لا تترك في آخر المطاف سوى الألم وخيبة الأمل! إن بركة الرب لنا هي في طريق الطاعة. ومن أسف أنه حتى المسيحيون يفقدونها بسبب التساهل وعدم الاكتراث بالشر العملي والتعليمي. ومثل هؤلاء سوف يلومون أنفسهم لا محالة، لأنهم إذ يسيرون بنور نارهم والشرار الذي أوقدوه، في الوجع يضطجعون (إش11:50).
لكن ليس المعنى أن بركة الرب تكفل عدم الضيق في عالم كهذا، بل أنه مهما تكن التجربة، فإن المؤمن يستطيع أن يتقبل كل شيء من يد الرب المحب، وهكذا لا يعرف الحزن. لقد دخل حبقوق وبولس بدرجة كبيرة في البركة التي يتكلم عنها صاحب الأمثال هنا (حب3، في4).
23. فعل الرذيلة عند الجاهل كالضحك. أما الحكمة فلذي فهم.
إن الشيء الذي ينفر منه العاقل خائفاً، يمارسه الأحمق، ليس فقط بسرور، بل وبلذة إيجابية شيطانية. أما ذو الفهم، الذي يسيطر خوف الرب على قلبه وذهنه، فيتصرف بحكمة بطريقة كاملة. وقد كان بلعام من ذلك الصنف غبياً أحمقاً، بينما كان فينحاس رجلاً ذا فهم، استطاعت حكمته أن تمنح نعمة الرب (عد 31،25).
24. خوف الشرير هو يأتيه وشهوة الصدّيقين تُمنح 25. كعبور الزوبعة فلا يكون الشرير (أو هكذا الشرير لا يكون)، أما الصدّيق فأساس مؤبد.
إن هذين المثلين هما في الواقع مثل واحد، يوازن بين انتظار ونهاية الصدّيقين والأشرار. فالشرير مهما تظاهر بالشجاعة، ففي قلبه خوف يفزعه دائماً ويقلقه من الكارثة المقبلة. إنه، وبحق، يخشى المستقبل لأن الدينونة التي لا ترحم هي نصيبه. أما شهوة الصدّيقين فمن المؤكد أنها تمنح لهم بركة إلى الأبد.
إن الشرير سرعان ما يمضي فلا يكون، كما تمر الزوبعة مستعجلة. وليس معنى هذا فناء الشرير، بل إنه يمضي من الأرض إلى أبدية مظلمة مليئة بالحزن. أما الصدّيق فأساسه أبدي، هو حق الله الذي لا ينتهي. ولنا في دانيال والمشتكين عليه تصوير لكل من الصدّيق والشرير، ونهاية كل منهما (دا 6، انظر أيضاً متى24:7-27).
26. كالخل للأسنان وكالدخان للعينين كذلك الكسلان للذين أرسلوه.
كما أن الحامض القوي يجعل الأسنان تضرس، وكما أن الدخان يلهب العينين، هكذا هو أمر يهيج كثيراً جداً، أن تضع ثقتك في شخص لا يعبأ بنجاح أو فشل مهمته. وكم أثبت مبعوثو الرب أنهم كسالى، إذ يداعبون العالم ويتحولون إلى التوافه، عوض أن يواصلوا طريقهم بعزم القلب. (انظر لوقا20:19-26 عن العبد غير الأمين).
27. مخافة الرب تزيد الأيام، أما سنو الأشرار فتقصر. 28. منتظر الصدّيقين مفرح أما رجاء الأشرار فيبيد. 29. حصن للاستقامة طريق الرب، والهلاك لفاعلي الإثم. 30. الصدّيق لن يزحزح أبداً والأشرار لن يسكنوا الأرض.
مرة أخرى، في الأربعة الأعداد هذه، نرى موازنة بين الصدّيقين والأشرار، سواء في الزمان الحاضر، أو في المستقبل. إن مخافة الرب تطيل العمر الآن، لأن عدم تبصر الأشرار وآثامهم تحطم كيانهم الجسماني وتقصر أيامهم. وفي الأبدية ستكون البهجة هي رجاء الصدّيقين الذي يتحقق لهم، بينما الانتظار الباطل الذي يراود أذهان الأشرار يبيد، ونصيبهم دينونة أبدية.
إن القوة تكمن في طريق الرب، والهلاك والويل هما لأولئك الذين يطأون طريق الخطية. في الدهر الآتي سوف يبقى نصيب الصدّيقين، إنهم لا يتزحزحون. أما فاعل الشر فلا ميراث له في الملكوت المجيد الذي سيقام يومئذ. ففيما يتعلق بالعالم الحاضر والمستقبل لن يكون الأثمة رابحين بل خاسرين إذ أنهم بعناد يرفضون كلمة الحياة. بينما «التقوى نافعة لكل شيء، إذ لها موعد الحياة الحاضرة والعتيدة». وكم ذا من شهود على كلا الجانبين يؤيدون هذه الحقائق الخطيرة؛ قايين وهابيل، نوح وعالم ما قبل الطوفان، إبراهيم وعشيرته الوثنية،اسحق وإسماعيل، يعقوب وعيسو، يوسف والمشتكون عليه؛ كل من ذكروا في أول أسفار الكتاب، وعدد كبير في الأسفار الأخرى، يشهدون على التناقض الكبير الذي تعززه شهادة الاختبار في كل العصور.
ويختم الأصحاح بمثلين آخرين عن اللسان، وهما مترابطان معاً:
31. فم الصدّيق ينبت الحكمة. أما لسان الأكاذيب فيقطع. 32. شفتا الصدّيق تعرفان المرضى وفم الأشرار أكاذيب.
لقد رأينا فيما سلف طريق الفريقين ونهايتهما. ومرة أخرى نتعلم عن الفارق في أحاديثهما التي تكشف عن حالة القلب. فالحكمة، والكلام المقبول المرضي، تصدر من شفتي الصدّيق مثل مجاري رقراقة من نبع نقي. لكن الأكاذيب تنساب مثل تيار نجس من لسان شرير، ولسوف تسكتها الدينونة العتيدة. هوذا إيزابل أخطر المعالم التي تفسر وتعلن حقيقة هذه الكلمة فيما يتعلق بالأشرار. أما إيليا الذي أبغضته، فهو المثل الحلو على الجانب الآخر.
- عدد الزيارات: 5252