الأصحاح الحادي عشر
الموضوع الذي يعالجه أصحاحنا هو المفاضلة بين البر والإثم، الاستقامة والشر، وهو نفس موضوع الجزء الأكبر من الأصحاح السابق. كأن الله قد شاء في عجائب نعمته أن يستغل كل فرصة ليحذر الشبان وغير المختبرين، من المخاطر والأحزان والمتاعب التي سوف يتعرضون لها عندما يتمرد القلب ضد كلمته، وليضع أمامهم البركات والمباهج التي ينالونها بالخضوع للحكمة والحق، سواء في النواحي الزمنية أو الروحية.
1. موازين غش مكرهة الرب، والوزن الصحيح رضاه.
إن إلهنا يريد أن ينظم موازين الأرض على قياس موازين القدس. فإن الكمال المطلق هو ما يسره تعالى. فإن ميزان الغش ينبئ عن انعدام استقامة القلب. قد لا يكون الإنسان على دراية بالخطأ. ولكن حيث توجد مخافة الله قدام العينين فإن الإنسانيعمل له حساباً، فيتمم كل صفقة وكل عملية في حضرته تعالى. إنه لأمر خطير أن يتبع المسيحي أساليب العمل السائدة في العالم اليوم. وكم من الهوان نجلبه على اسم المسيح حين تُكتشف هذه الأساليب! ويحسن بنا أن نستعيد كثيراً ما كتب في الناموس «لا يكن لك في كيسك أوزان مختلفة كبيرة وصغيرة. لا يكن لك في بيتك مكاييل مختلفة كبيرة وصغيرة. وزن صحيح وحق يكون لك، ومكيال صحيح وحق يكون لك لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهك» (تث13:25-15). هكذا كان مقياس الله لشعب أرضي. فكم هو مخزٍ أن يقل مستوى الشعب السماوي عن هذا المستوى! قد يبدو أمراً هيناً أن تنقص قطعة القماش شبراً أو بوصة، وقد يقل وزن السلعة بعض الجرامات، وقد يحاول الشخص أن يهدئ ضميره بالقول: "هذا هو الأمر الشائع والناس لا يتوقعون غير ذلك". ولكن هذه التعليلات والتأويلات إنما تنبئ عن أخلاق سقيمة وضمير منحرف. إن رجلاً نظير زكا ليجعل هؤلاء يخجلون (لو8:19).
2 تأتي الكبرياء فيأتي الهوان، ومع المتواضعين حكمة.
ليس في نظر الله ما هو أبغض من الكبرياء من جانب خلائقه الذين ليس لهم مطلقاً ما يفتخرون به. وهذه هى سقطة إبليس، تعظم الذات وهي التي نكرهها إذا كانت في الآخرين، أما فيما يتعلق بنا، فسرعان ما نتجاوز عنه. وفي كل الأحوال فإن هذا الوضع ينبئ عن عدم التذلل والحكم على الذات قدام الله. لكن التواضع، تواضع القلب، هو برهان الحكمة الصحيحة. إنه ينبئ عن شخص تعلم أن يدين نفسه بحق في حضرة الله. وفي نبوخذنصر تصوير للجانبين المتقابلين (دا 4).
3. استقامة المستقيمين تهديهم واعوجاج الغادرين يخربهم.
حيث يكون هناك عزم القلب للسلوك في الحق، فإنه يمكن الاعتماد على روح الله للهداية والإرشاد. أما إذا كان القلب غادراً فلابد من التحطم والهلاك. إن المبدأ المرسوم هنا، هو على غاية من الخطورة لأنه يتغلغل في كل مراحل طريق المؤمن وخدمته. إن ما يعوز جماعات القديسين ليس هو الذكاء بقدر ما هو الكمال واستقامة القلب. قد نرى تكريساً صادقاً للمسيح، وإلى جانبه قليل من معارف الكتاب، ومع ذلك نرى مقدرة كبيرة على تمييز الأمور المتخالفة واستخدام القليل الذي بين يدي القديس لمجد الله. ومن الناحية الأخرى قد نرى ذكاء لامعاً وبجانبه عدم اكتراث شنيع وغدر في القلب، مما يؤدي في النهاية إلى الانهيار الروحي الأدبي. إن الضمير المرهف الخاضع لقيادة كلمة الله وروحه، هو الأمنية الكبرى (قارن عوبديا وآخاب في 1مل 3:18، 25:21).
4. لا ينفع الغنى في يوم السخط أما البر فينجي من الموت.
خاوية وباطلة هي ثقة الغني في غناه في يوم الغضب. سواء يوم يقضي الله على حياته على الأرض، أو يوم يصب جام غضبه كاملاً على الأموات الأشرار (انظر رؤ12:6-17،12:20-15). إنما البر وحده هو الذي ينجي من الموت؛ البر المحروم منه الإنسان في حالته الطبيعية. على أنه إذا صدّق شهادة الله بالإيمان، وبذلك حُسِب باراً في عيني الله، فإن البر العملي يصدر من الطبيعة الجديدة الممنوحة له بالولادة الثانية. إن نوحاً، وقد وُجد باراً حين انغمس العالم في الظلم والفساد، هو صورة واضحة للحق المعلن هنا (تك6).
5. بر الكامل يقوّم طريقه، أما الشرير فيسقط بشرّه 6 برّ المسقيمين ينجيهم، أما الغادرون فيؤخَذون بفسادهم. 7 عند موت إنسان شرير يهلك رجاؤه ومنتظر الأثمة يبيد 8 الصديق ينجو من الضيق ويأتي الشرير مكانه.
إن المجازاة التي هي ناموس من نواميس الله، سواء لهذا العالم أو في المستقبل، هى الدرس العظيم الذي تتناوله هذه الأعداد التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأعداد من 27 إلى 30 من الأصحاح السابق. مكتوب «الله لا يشمخ عليه. فإن الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً» (غل7:6) سواء من الجسد فسادا،ًأو من الروح حياة أبدية. ومكتوب أيضاً «الرب إله عليم وبه توزن الأعمال» (1صم3:2). لا شيء إلا ويلاحظه، الجميع ينالون مجازاة عادلة. فطريق الصديقين تنتهي بهم إلى مجد لا ينتهي، أما طريق الأثمة فإلى الحزن والويل. ومن يحاول أن يوقع الكامل في الشرك يقع هو في الشبكة التي أعدها. وليس أفضل من سفر استير في مجموعه مثلاً على ارشادات هذا القسم. كما أن اختبار دانيال مع المشتكين عليه يؤيد نفس المبدأ كما قلنا مرة. إن مجازاة عدالة الله سريعة ومحققة. وعبثا يحاول الإنسان أن يغيِّر أحكامه المقدسة العادلة فى كل معاملاته.
9. بالفم يخرب المنافق صاحبه وبالمعرفة ينجو الصديقون.
ليس لدى المنافق سوى فكر واحد، وهو أن يستر وضاعته وانحطاطه، مهما تكن النتائج التي تصيب الآخرين. ومن هنا يبدو استعداده لخلق الاتهامات الباطلة وإتلاف سلام الأبرياء، لكي يتسنى له الاحتفاظ بقناع العدالة لنفسه. على أن الصديق يستطيع أن يدع كل شيء بين يدي الله، الذي بطريقته، وفي وقته المعين، سيبرر عبده. ولعل قضية امرأة فوطيفار ويوسف كانت في ذهن سليمان وهو يكتب هذه الكلمات (تك39).
10. بخير الصديقين تفرح المدينة وعند هلاك الأشرار هتاف. 11. ببركة المستقيمين تعلو المدينة وبفم الأشرار تهدم.
مهما تكن خطايا الأفراد أو نـزعاتهم الشريرة، فإنهم يقدّرون في مجموعهم، ولو بدرجات متفاوتة، قيمة العدالة الوطنية والمحلية. ولذلك تراهم يرحبون بالحكام الحكماء والمنصفين، لأنه بواسطة هؤلاء ترتفع المدينة، بينما الحكام الأشرار الظالمون مكروهون ومنبوذون بسبب اضطهادهم الظـالم المكشوف هكذا فرح الشعب عند سقوط أبيمالك، كما فرحوا في يوم آخر برِفعة داود (قض9، 2صم 19).
12. المحتقر صاحبه هو ناقص الفهم. أما ذو الفهم فيسكت.
عندما نرى إنساناً يقصد أن يشعل الخصومة، يحسن أن يواجهه قديس قد تعلم في مدرسة ذاك «الذي إذ شُتِم لم يكن يشتِم عوضاً، وإذ تألم لم يكن يهدد؛ بل كان يسلم لمن يقضي بعدل» (1بط23:2). أما إذا قابلنا النميمة والقسوة بالاحتقار أو الغضب - ولو كانا جديرين بذلك - فنحن إنما نقدم وقوداً للهيب. أما سبيل الحكمة والبركة، فهو أن نمضي بهدوء كما فعل داود يوم سبّه شمعي بن جيرا (2صم16) ونسلّم الكل لله. (انظر شرح ص 22:20).
13. الساعي بالوشاية يفشي السر والأمين الروح يكتم الأمر.
إن الوشاية، أو نقل المذمة، حتى ولو كانت صحيحة، أمر بالغ الأذى. فإذا كانت هناك غلطة، فإن إنذار المحـبة بينك وبين أخيك وحدكما، وكتمان الغلطة عن الآخرين، هو تصرف يطابق فكر الله.
وبهذه المناسبة، نجد في خروج 37 كلمة ذات أهمية؛ فإن الأعداد من 17-24 تتناول صنع المنارة للهيكل، أو الخيمة. ومن بين القطع اللازمة للمنارة، مما أعده موسى، الملاقط والمنافض، كما نقرأ في ع23، حيث «صنع سرجها سبعة وملاقطها ومنافضها من ذهب نقى» وهنا أشياء ذات قيمة عظيمة وخطيرة.
فما من سراج يبقى مشتعلاً طويلاً بدون استخدام الملاقط. ومن هنا رأى الله في حكمته أن يعد موسى شيئاً كهذا، قد يبدو في الظاهر بلا قيمة. قد يظنه الإنسان أمراً زهيد الأهمية؛ كيف أن النور يحتاج إلى خدمة الملقط، وكيف كان يمكن استخدام الملقط الأسود بعد ذلك. ولكن في نظر الله لا شيء بدون قيمة مما له صلة بمجد ابنه العزيز أو سعادة ورخاء شعبه.
لقد كانت الملاقط مصنوعة من الذهب النقي، وهو المعدن الذي يرمز إلى المجد الإلهي، ويشير أيضاً إلى البِرّ الكامل. قد يحدث أن واحداً من قديسي الله يفقد نضارته، ولا يعود يضيء لامعاً لله، كما كان من قبل. والكاهن، ومعه الملاقط الذهبية، هو الذي عُهدت إليه هذه العملية الدقيقة الشاقة، عملية " تنفيض" السرج. «أيها الاخوة إن انسبق إنسان فأُخذ في زلة ما فأصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة ناظرا إلى نفسك لئلا تجرب أنت أيضاً» (غلا1:6)، وبهذه الطريقة تتم عملية "التنفيض" بحسب فكر الله، ويعود نور الأخ يضيء مرة أخرى، وبأكثر لمعان.
ولكن ماذا بعد ذلك؟ هل نذيع للملا غلطة الأخ ونجعلها موضوع مناقشة عامة؟ اسمع يا أخي؛ ففي أيام المنارة لم تكن هناك ملاقط فقط، بل كانت هناك أيضاً منافض (أي أواني يلقى فيها رماد السرج). وكانت هذه المنافض من ذهب أيضاً! فكان على الكاهن أن يلقي في هذه المنافض الذهبية تلك القطع السوداء القذرة التي كان قد أزالها من الفتيلة. ولو أنه جال ينشر الرماد على ملابس رفاقه الكهنة، الملابس النظيفة، فإنه يعمل على تدنيسها. إنما الواجب أن تُستر تلك القذارة في المنافض! ألا نعثر فى هذا كلنا مراراً كثيرة؟
كم من الحزن والألم كان يمكن أن يُعفى منهما الكثيرون بين الجماعات، لو أن الكهنة استخدموا المنافض! فإننا من كل جانب نسمع عن خصومات وشقاقات بسبب الوشاية، والعجيب أننا على استعداد دائماً لأن نصغي إلى ما نعلم أنه يدنس. ليت بيننا كثيرين يستطيعون مواجهة الواشي الذي يقصد أن يدنس "ويسوّد" ثياب كهنة الله القديسين البيضاء الناصعة كالثلج! (انظرص23:25).
والعهد الجديد يوضح الأسلوب الإلهي لعلاج غلطة الأخ «إن أخطأ إليك أخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما. إن سمع منك فقد ربحت أخاك» (مت 15:18). ولو أن الاخوة رفضوا بإصرار أن يميلوا بآذانهم إلى شكايات بعضهم ضد البعض إلى أن يتم تنفيذ هذا الشرط الأول، لكانت تلك خطوة موفّقة في استبعاد الوشاية. وكان يمكن ربح إخوة كثيرين لو اقتربنا منهم في علاقتنا الكهنوتية مع الله نحن الذين نحمل في أيدينا الملاقط والمنافض الذهبية.
لكن ماذا إذا رفض الأخ؟ حينئذ «خذ معك أيضاً واحداً أو اثنين»، وإذا ظل في عناده، فالإجراء الأخير هو «قُلّ للكنيسة»؛ ولكن هذا الإجراء لا يمكن الالتجاء إليه إلا بعد فشل جميع الخطوات السابقة.
بهذا التصرف المطابق لكلمة الله، يمكن إعفاء أشخاص أبرياء كثيرين من الخزي والتعاسة، ويمكن استرداد كثير من الشاردين الذين غرقوا في الحمأة. وبها أيضاً يتمجد الله ويُكرم ربنا يسوع لأنه هو القائل «فإن كنت وأنا السيد والمعلم قد غسلت أرجلكم، فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض.. . إن عَلِمتُم هذا فطوباكم إن عَمِلتُموه» (يو14:13،17).
14. حيث لا تدبير يسقط الشعب أما الخلاص فبكثرة المشيرين.
إن الاعتماد الكلي على رأيك الشخصي هو منتهى الحماقة. فإنه حتى أحكم الناس وأتقاهم، كثيراً ما يقعون في أخطاء وهفوات الفطنة والفراسة، لأن العصمة حلم طالما استغرق فيه الناس (من حيث تصرفات الفرد وحده). لكن وزن الأمر في حضرة الله، وأخذ مشورة الأشخاص الذين حصلوا بالتدريبعلى الروحانية الكافية لتمييز الأمور المتخالفة؛ هو تصرف الحكمة. لقد أضاع رحبعام القسم الأكبر من مملكته يوم ازدرى بهذه الحقيقة الهامة (1مل12)، ومن أجل ذلك أيضاً تكبد الكثيرون خسائر فادحة، حين رفضوا النصيحة والمعونة.
15. ضرراً يُضرّ من يضمن غريباً، ومن يبغض صفق الأيدي مطمئن.
لقد كُتبت هذه الأقوال قبل الصليب بعدة قرون لكي تحذر الناس مما لا يزال إلى يومنا علة فشل وخراب في قطاع الأعمال. فإن كفالة وضمانة الغريب تصرف كله خطورة، الأمر الذي تعلمه الكثيرون في حزن (راجع شرح ص 6: 1-5).
16. المرأة ذات النعمة تحصل كرامة والأشداء يحصلون غنى.
كما أن القوة البدنية تُمكّن الإنسان من الاحتفاظ بثروته ضد الغزاة، كذلك تتبرهن قوة الشخصية، حتى في الإناء الأضعف، بقدرتها بالنعمة على الخضوع والتسليم، لا بالدفاع عن حقوقها؛ وبذلك تحصِّل كرامة. كثير من الناس يخشون أن يفقدوا إعجاب الآخرين بهم إذا تصرفوا باللطف والاتضاع. ومن أجل ذلك يلتحفون بالكبرياء والكرامة الباردة، التي إنما تجعل منهم، آخر الأمر، موضوع سخرية، إن لم يكن موضوع كراهية واشمئزاز. فلا شيء أحب وأدعى للإعجاب من الروح الوديع الهادئ، سواء في البيت أو في الاجتماع أو في معاملاتنا مع العالم. هذا يظهر بوضوح ويلمع في أبيجايل (1صم25).
17. الرجل الرحيم يحسن إلى نفسه والقاسي يكدر لحمه.
الروح اللطيفة الغافرة، هي التي يمتدحها صاحب الأمثال هنا. فبهذه الروح يتبارك ويستفيد، ليس الآخرون فقط، بل صاحبها أيضاً. بينما تعود الصلابة والقسوة على صاحبهما، الذي لن يكون إلا شقياً تعساً في نفسه، لأنه بالكيل الذي به يكيّل، يُكال له. وقد كان يوآب من هذا الطراز (1مل5:2،6)، بينما نرى فى اسحق العكس (تك26).
18. الشرير يكسب أجرة غش، والزارع البر أجرة أمانة 19. كما أن البر يؤول إلى الحياة كذلك من يتبع الشر فإلى موته. 20. كراهة الرب ملتوو القلب ورضاه مستقيمو الطريق. 21. يد ليد لا يتبرر الشرير. أما نسل الصديقين فينجو.
إن إلهنا يُسرّ بالمستقيمين، ولذلك فمجازاتهم محققة. وباطلاً يحاول الإنسان أن يدفع عن نفسه الدينونة القادمة بكل تأكيد، ولو تحالفوا معاً ضد عدالة القدير، فلابد أن الانتقام يتبع سبيلهم الأثيم. لكن النجاة ستأتي للصديقين في الوقت المناسب. ولنا في سنحاريب وحزقيا صورتان تعبران عن المبدأ الخطير الذي تعرضه هذه الأعداد (2أى 32).
22. خزامة ذهب في فنطيسة خنـزيرة المرأة الجميلة العديمة العقل.
تنافر وتناقض لا نهاية له! إن تآلف الجمال مع الفضيلة أمر محبوب جداً، كما في رفقة وأبيجايل (تك24،1صم25). أما إذا خلا من العقل، فإنه أمر محزن للغاية. راجع تاريخ إيزابل الأسود (1مل 18،19،21،2مل9).
23. شهوة الأبرار خير فقط. رجاء الأشرار سخط.
إن قلب الأبرار إنما «يمتلئ بأفكار السلام لا الشر». والرب من السماء يمنحهم أكثر مما تشتهي قلوبهم «لأن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده» (رو28:8). أما انتظار الشرير فليس إلا دينونة لنفسه.. . إنه يذخر لنفسه غضباً في يوم الغضب. لاحظ ص10: 28 وانظر إرميا وصدقيا (إر16:17،1:34-3).
24. يوجد من يفرق فيزداد أيضاً ومن يمسك أكثر من اللائق وإنما إلى الفقر. 25. النفس السخية تسمن والمروي هو أيضاً يروى.
هذا هو البرنامج الإلهي للزيادة والاتساع. مثل الفلاح الذي يبذر البذور على الأرض بعد انحسار المياه عنها ليحصد غلة وفيرة «بعد أيام كثيرة». هكذا الرجل العارف لصلاح قلب الله، فهو إذ يفرّق الآن إلا أنه سيحصل على زيادة حقيقية فيما بعد. بينما الرجل الذي يحاول بجشع أن يحتفظ لنفسه بكل شيء، سيجد أن تصرفه يؤول إلى الخراب التام. والروح القدس يتناول هذا الموضوع في 2كورنثوس9 كمبدأ إلهي ثابت، ويطبّقه على موضوع الإحسان المسيحي. والرسول بولس يقتبس معنى ما جاء في العددين 24،25 من أصحاحنا هذا، إذ يقول، «هذا وإن من يزرع بالشح، فبالشح أيضاً يحصد. ومن يزرع بالبركات، فبالبركات أيضاً يحصد. كل واحد كما ينوي بقلبه ليس عن حزن أو اضطرار. لأن المعطي المسرور يحبه الله» (2كو6:9،7). ثم يستطرد ليؤكد للقديسين أن ذاك الذي يلاحظ كل ما يعمل لمجده، سيقدم بوفرة لكل من يستغلون بسخاء كل ما يودع إليهم لبركة الآخرين. وقد تذوقت كنيسة فيلبي فرح هذه الخدمة، التي أدّوها للرب (في10:4-19)؟. وفي نابال، مَثَل حماقة الطمع والمشغولية بالذات (1صم 10:25،11،38)
26. محتكر الحنطة يلعنه الشعب. والبركة على رأس البائع.
إن حجز السلع التموينية عن الجماهير، بينما الشعب يحتضر بسبب افتقاره إليها، وذلك طلباً للغنى بطرق خاطئة، إنما هو تصرف يستحق ما سيقع من لعنات. وقد رأينا حالة كهذه في نابال، الذي إذ كان يعيش في رخاء، رفض أن يشارك داود ورفقاؤه عندما كان شاول يطاردهم. لكن في يوسف، الذي خصص موارد مصر لصالح العالم الذي اجتاحته المجاعة، نرى التصرف الذي يمتدحه الشق الأخير من العدد.
وإذا كان محتكر الحنطة تقع عليه في هذا العالم لعنات المحتضرين جوعاً، فماذا تكون الحال مع الشخص الذي، وهو يمتلك خبز الحياة، ولديه معرفة نعمة الله الغنية الكريمة، ومع ذلك لا يعنى مطلقاً بحالة الجماهير الفقيرة من كل جانب، ممن يذهبون إلى الموت الثاني، بحيرة النار؟ ومن العبث الاحتجاج بأنهم يعرفون ولا ينتبهون ولا يطيعون؛ فإن المسيحي مسئول ومطالب أن ينذر ويكرز ببشارة الخلاص، ويطلب إلى الهالكين أن يتصالحوا مع الله. ونحن مدينون لجميع الناس بسبب الكنـز المسلَّم لنا. وكم سيكون محزناً حساب أولئك الذين يعيشون لأنفسهم، محتكرين الحنطة، التي فيها وحدها تسديد حاجة المحتضرين روحياً بسبب الجوع الروحي. لكن البركات على رأس أولئك الذين لهم في تقديم نعمة الله المجانية للناس، نفس الاهتمام الذي نلمسه في رجال الأعمال الذين يعملون على تسويق ما بين أيديهم من سلع.
27. من يطلب الخير يلتمس الرضا. ومن يطلب الشر فالشر يأتيه.
مرة أخرى يحدثنا صاحب الأمثال عن مجازاة الله العادلة. فإن الساعي وراء الخير سوف يجازى طبقاً لأمانته في محاولة إحاطة رفاقه بالبهجة والفرح. أما صانع الأذى الذي يفرح بالإثم ويطلب خراب قريبه، فإنه هو نفسه سيخرب. ولعل اعتراف ادوني بازق خير مثال لهذا المبدأ (قض5:1-7). كما أن في كالب مثلاً على الشق الأول من هذا العدد (يش6:14-13).
28. من يتكل على غناه يسقط. أما الصديقون فيزهرون كالورق.
إن أولئك الذين يصيبون نجاحاً في العالم هم عُرضة لأن يلقوا رجاءهم على «غير يقينية الغنى» ومن هنا كانت الحاجة لأن يتذكروا باستمرار سوء مصير المتكلين على أموالهم مثل ذلك الغني الغبي (لو16:12-21).
إن الغنى الجدير بهذه التسمية هو الغنى الروحي لا الغنى المادي. فالمؤمن الحقيقي - وليس ذو المال - هو الغني بحق؛ إذ له غنى المسيح الذي لا يُستقصى. انظر أيضاً الرجل المطوَّب في المزمور الأول.
29. من يكدِّر بيته يرث الريح. والغبي خادم لحكيم القلب.
عندي أن الرجل الذي يكدر بيته هو الذي يترك مثلاً سيئاً لأولاده الذين يأتون بعده. مكتوب عن الرب أنه في طريق القضاء يفتقد ذنوب الآباء في الأبناء إلى الجيل الثالث والرابع من مبغضيه، ليس فقط من حيث توارث العلل البدنية، كما هي الحال مع ابن السكير مثلاً، الذي يولد ومعه الميل الموروث للمرض، بل أن الأولاد يقلدون طرق آبائهم السيئة التي تجلب عليهم الخراب والدمار، وهذا ظاهر جداً في قضية يربعام بن ناباط «الذي جعل إسرائيل يخطئ» (1مل12-15).
إن الغبي مهما ارتفع مقامه، هو خادم لحكيم القلب. فليست المظاهر الخارجية الخلابة وأبهة المركز هي التي تجعل الإنسان حكيماً حقاً. فحينما التقى دانيال وبيلشاصر وجهاً لوجه (دا5)، وحين واجه بولس فستوس (أع24)، أيهما كان أعظم؟
30. ثمر الصديق شجرة حياة. ورابح النفوس حكيم.
شجرة حياة للهالكين، هكذا ثمر الصدّيق (أع 48:13). إن الحياة والانتعاش والفرح كلها مقدّمة للجميع ليقبل الهالك ويدخل في دائرة البركة. هكذا "يربح الحكيم النفوس". وليس المقصود هو وصف رابح النفوس بأنه حكيم (كما يُفهم من الترجمة العربية)، بل إن الحكماء الحقيقين بحسب فكر الله، يكونون قنوات بركة للآخرين، يكونون رابحين للنفوس. فالحكمة، ليست في مجرد المعرفة الكتابية، أو إدراك المبادئ الإلهية، مع ما لهذه من قيمة لا تقدر بل في القدرة على السلوك في قوة هذه الحقائق بحيث تخدم الرجال والنساء والأطفال، حتى يُربحوا للمسيح وحقه. وإزاء هذا الامتحان، ما أقل الحكماء!
وواضح أن ربح النفوس، ليس هو تلك الوظيفة الرسمية للكسب المادي، إنما ربح النفوس هو علم من العلوم الإلهية، يتطلب استعداداً قلبياً حازماً في حضرة الله، ودراسة عميقة مستوفاة لحاجة النفوس وحق الله كما هو مقدم لتسديد تلك الحاجة. ومرة أخرى نرى في بولس، بين جميع رابحي النفوس، مثالاً عظيماً، حيث يقول «صرت للكل كل شيء لأخلص على كل حال قوماً» (1كو19:9-23). هذه هي الحكمة التي تعوزنا كثيراً لكي تحول الناس من سلطان الشيطان إلى الله.
21 هو ذا الصدّيق يجازى في الأرض فكم بالحري الشرير والخاطئ؟
هذه هي العبارة التي اقتبسها الرسول بطرس (ولو من الترجمة السبعينية) في رسالته الأولى، حيث يقول «لأنه (الآن) الوقت لابتداء القضاء من بيت الله فإن كان أولاً منا فما هي نهاية الذين لا يطيعون إنجيل الله؟ وإن كان البار بالجهد يخلص فالفاجر والخاطئ أين يظهران؟» (1بط17:4،18). وبمقارنة العدد 18 من رسالة بطرس بالعدد الذي أمامنا في سفر الأمثال نجد ضوءاً كثيراً ينير الاقتباس كما استخدمه بطرس. فالمقصود بخلاص البار بالجهد، أي بصعوبة، هو خلاصه على الأرض من التأديب، وليس خلاصه الأبدي من الدينونة. وذلك أن الأبرار والأشرار هم على السواء في هذا المشهد رعايا حكومة الله. فإذا كان البار التقي لا يُعفى من التأديب، بل يُعاقَب ويُجازى هنا على الشر الذي يفعله حينما يتحول قلبه، ولو قليلاً، عن الرب، فماذا يكون الحال مع الشرير والفاسد علناً؟ إن دينونته ستكون حقاً دينونة مرعبة. ومن الناحية القومية نرى هذا في قضية إسرائيل، الأمة البارة التي عوقبت من أجل خطاياها بدرجة ما، وهكذا الحال أيضاً مع أدوم المتكبر المضطهد المتحدّي الذي أبعد عن روحه خوف الله، فقد دانه الله. وقضى عليه (اقرأ نبوة عوبديا).
وإذا كان الله لا يعفي أولاده مطلقاً، إذا سلكوا بعناد في طرقهم الخاصة «لأن الذي يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل ابن يقبله» (عب6:12)، فكيف يخطر بالبال أن الأشرار يقدرون أن يتحدّوا الله دون أن ينالهم عقاب! قد تُبطئ الدينونة، لكن من المحقق أنها تُنفَّذ في الوقت المعين (رو5:2).
- عدد الزيارات: 3561