الأصحاح الخامس عشر
يستحيل على الإنسان أن يقدّر قوة الخير والشر الكامنة في طيات اللسان. فإن كلمة رقيقة لطيفة تستطيع أحياناً أن تكسر من حدة أسوأ الناس خُلقاً وأشدهم غضباً. بينما تعمل الملاحظة الحادة الجارحة على التفريق بين أصدقاء أعزاء طالت صداقتهم سنوات حتى تصدت لهذه الصداقة حادثة تافهة، كان يمكن أن تتحول إلى فرصة للنعمة والاحتمال من جانب كلا الطرفين لو أن المحبة سادت على عواطفهما.
1 الجواب اللين يصرف الغضب والكلام الموجع يهيج السخط. 2. لسان الحكماء يحسن (استخدام) المعرفة وفم الجهال ينبع حماقة.
ربما تعتبره تصرفاً لا يتفق مع الكرامة أن تسكت على الإهانة ولا تتحدى الأقوال الغاضبة. لكنك تحتاج إلى المزيد من قوة الخُلُق لكي تواجه بروح هادئة إنساناً ثائراً، وأن ترد على أقواله الجارحة المتسرعة بأقوال لطيفة هادئة؛ نعم تحتاج في هذا إلى قوة روحية بينما من السهل على أي إنسان أن يرد الإهانة بالإهانة. إن التصرف الأخير ينبئ عن شخص لم يتعلم أي تحكم في روحه، بينما ينبئ التصرف الأول عن إنسان يستأثر مشاعره. فإن الأقوال الجارحة إنما تزيد النار اشتعالاً بينما اللطف يهدئ غضب الآخر.
إن الحكيم يعرف كيف يستخدم المعرفة بحيث تكون للفائدة، ويعرف أيضاً متى يتكلم ومتى يسكت. أما الجاهل فهو يتحفز أبداً للجواب، نافعاً كان أو غير نافع.
ولنا في جواب جدعون على رجال أفرايم صورة كريمة للجواب اللين الذي يصرف الغضب، والحكمة التي تحسن استخدام المعرفة (قض 8: 1-3). وفي جواب يفتاح على نفس القوم صورة محزنة لحماقة استعمال الأقوال الجارحة في مثل هذا الموقف، الأقوال المهيجة للسخط (قض12: 1-6).
3. في كل مكان عينا الرب مراقبتين الطالحين والصالحين.
هي حقيقة حافلة بالتشجيع والتعزية للقلب المضنى المتعب الذي نظير هاجر في البرية يشعر أنه متروك من الجميع ما عدا واحد، لكنه يقدر أن يقول بثقة "أنت ايل رئي" أو "أنت يا الله تراني" وإذ أعرف أن عيناه على كل طرقي، فذلك شيء حلو حقاً حينما تتوفر الثقة والرجاء فيه، أما فيما يتعلق بالأشرار فإنهم إذ يعلمون أنهم لا يستطيعون أن يخبئوا شيئاً عن هاتين العينين اللتان تبصران كل شيء، فإن علمهم هذا ربما كان أكثر الأمور رعباً في عيونهم، ولا عجب فإن ذاك الذي يرى كل شيء هو القدوس والحق! والخطية التي لا يندم عليها الإنسان هي السبب في أنه يراه شيئاً مرعباً أن يكون تحت عين الله. أما ذاك الذي يقر بخطيته، وينحني قدام الله نادماً، فلا شيء يرعبه، لأن الخطية المعترف بها هي خطية مرفوعة، بفضل كفارة ربنا يسوع المسيح. وفي همسات داود في مزمور 139 خير تعليق على هذا العدد.
4. هدوء اللسان شجرة حياة واعوجاجه سحق في الروح.
ومن أسف أن اللسان المعوج أكثر شيوعاً من اللسان الهادئ. اللسان الأول يفرق الأخ عن أخيه ويزيد الثغرة اتساعاً. أما الآخر فيوحد ويربط، ويطيب ويفرح. وكشجرة حياة يكون لمن يتأملون في كلماته. إن اللسان الهادئ هو لسان صانع السلام. أما اللسان المعوج هو لسان زارع الخصومات بين اخوة. فليتنا نطمع في الأول ونهرب من الأخير. كان لإبراهيم لسان شفاء يوم قال «لا تكن مخاصمة... لأننا نحن أخوان» (تك13: 8). وشبع بن بكري كان بسبب لسانه المتسرع عاملاً على الانقسام في إسرائيل وجلب القضاء على رأسه (2صم20).
5. الأحمق يستهين بتأديب أبيه أما مراعي التوبيخ فيذكى.
الشاب عرضة لأن يعتبر معلوماته أرقى من معلومات أبيه، ناسياً أن أباه يسمو عليه في الاختبار. ومن مظاهر الحماقة الأليمة ألا يتعلم الأحمق ممن سبقه في الطريق. أما الذي يحترم التوبيخ ويشكر لأجله فإنه يقبل التقويم ويثبت وجود الحكمة الحقة عنده. قارن منسى بأبيه حزقيا (2مل18-21).
6. في بيت الصدّيق كنـز عظيم وفي دخل الأشرار كدر.
انظر شرح 14: 24. إن الغنى الحقيقي في بيت الصدّيقين، ومهما يكن دخل فاعل الشر، فإنه سوف يعانى قدراً وافراً من الكدر والحزن انظر عاخان (يش 7: 19-26).
7. شفاه الحكماء تذر معرفة أما قلب الجهال فليس كذلك.
بدلاً من النكات الباطلة والأقوال الجارحة، تنثر شفه الحكماء ما هو للفائدة والبركة. المعرفة الصحيحة هي التي تبني السامع، أما الغبي فإنما ينطق بما في قلبه ولا يفيد أحداً، بل هو في الواقع يؤذي. وفي بولس وعليم الساحر صورتان متناقضتان (أع 13: 6-12).
8. ذبيحة الأشرار مكرهة الرب وصلاة المستقيمين مرضاته. 9. مكرهة الرب طريق الشرير وتابع البر يحبه.
مكتوب «الذين هم في الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله». وعلى ذلك فإن ذبيحة الأشرار، وكذلك طرقهم جميعها، ليست سوى شر في عينيه. وقبلما يتسنى لله أن يتقبل شيئاً ما من الخاطئ، ينبغي أن الخاطئ يقبل الله أولاً؛ ينحني أمامه، ويطلب وجهه بإخلاص. وحيثما تتوفر الاستقامة والكمال في القلب، فإنه تعالى لابد أن يظهر رضاه، لأنه يُسر بالذين يتبعون البر.
ومن الأهمية بمكان أن يتحقق الخاطئ أنه، وقد ضل، أصبح فاسداً وغير نافع مطلقاً. ولذلك فإن الرب لا يطالبه بشيء، ولا يتقبل منه شيئاً إلى أن يَقبل هو أولاً العطية الممنوحة له من السماء؛ أى الرب يسوع المسيح. وإذ يقبله بالإيمان، فإن الحياة كلها تتغير، وحينئذ تكون كل خدمة حبية يقدمها لله، مقبولة وكريمة في عينيه. غير أن هذه الخدمة هي ثمر الحياة الجديدة، وليست جهداً من إنسان يسعى لنوال تلك الحياة.
وفي ضوء العددين اللذين أمامنا، يتضح كيف أنه مناقض للمكتوب أن نطالب غير المخلَّصين بأن يعطوا من مواردهم لتمويل عمل الرب، أو أن يبذلوا تضحيات من أجل المسيح، فإن كل ما يعطونه تلطخه الخطية، وهو غير ملائم لحضرته المقدسة (انظر مز66: 18).
10. تأديب شر لتارك الطريق. مبغض التوبيخ يموت 11. الهاوية والهلاك أمام الرب، كم بالحري قلوب بني آدم 12. المستهزئ لا يحب موبخه. إلى الحكماء لا يذهب.
مكتوب «كل شيء عريان ومكشوف لعيني ذلك الذي معه أمرنا» فالعالم غير المنظور، الذي هو بالنسبة للإنسان مظلم ومستور، هو مكشوف قدامه. وهو وحده الذي يفحص قلوب الناس ويمتحن الكلى. فإذ يرفضون التقويم فإن عينه تلاحظ انحرافهم، وسوف يحكم عليهم حسب أعمالهم. والمستهزئ وحده هو الذي يرفض التقويم والتوبيخ، ومن ثم يتجنب الحكماء لئلا يوبخوا طرقه الشريرة. لكن واحداً فقط لا يستطيع المستهزئ أن يتجنبه، إذ سوف يلتقي به إن عاجلاً أو آجلاً، أراد أم لم يُرِد. وما أشد خطورة حسابه عن الفرص المرفوضة والتأديب المتروك والنعمة المحتقرة. انظر البنّاء العاقل والبنّاء الجاهل (مت7: 24-27).
13. القلب الفرحان يجعل الوجه طلقاً وبحزن القلب تنسحق الروح.
الرجل السعيد هو صاحب القلب المستريح. ولذلك يستطيع أن يبتهج في كل وقت. ومثل هذا هو الذي وجد في المسيح ليس فقط مخلصاً، بل ونصيباً أبدياً. فإن الذي يلقي كل همه عليه، وقد تعلم أن يستودع كل أموره بين يديه، له دائماً القلب الفرحان والوجه الطلق. على أن القلب المثقل هو نصيب من يحاول أن يحمل أحزانه وهمومه اليومية، ويفشل في أن يلقي الكل على ذاك الذي يسر أن يحملها جميعها عنا. ولا شيء يسحق الروح مثل الحزن المكتوم، ولكن لا يجب أن يكون ذلك نصيب أي قديس لأن الرب يسوع، لم يحمل خطاياه فقط. بل يحمل أثقاله أيضاً. انظر بولس فى فيلبي 4.
14. قلب الفهيم يطلب معرفة وفم الجهال يرعى حماقة.
للطعام صلة كبرى بكياننا. وهي حقيقة تصدق أيضاً على المستوى الأخلاقي. فنحن نتكوّن مما نتغدى به، ونأكل ما تحن إليه قلوبنا. والفهيم يقدِّر المعرفة ويكرس نفسه لمتابعتها. أما الجاهل فلا يعنى بما يبني الأخلاق القويمة وما يحوّله عن طرقه الشريرة، بل هو يتغذى بالحماقة والبطل، وهكذا يصبح أكثر غباء وخواء عن ذي قبل.
فلينتبه الشاب المؤمن إلى هذا جيداً. هل تعلمتم أن تعرفوا المسيح؟ إذاً، فاتركوا وراءكم، وإلى الأبد، قدور لحم مصر. لا تحاولوا أن تغذوا الحياة الجديدة بكتابات العالم الدنيئة وملذاته الخاطئة. لأنكم إن فعلتم ذلك فلا نمو روحي لكم، بل ويلحقكم بكل يقين تحطيم روحي وأدبي. أما إذا جعلتم الرب أمامكم، ووجدتم طعامكم في كلمته وفيما هو للبنيان، فعندئذ تنمون في النعمة وفي معرفة الحق. تمثلوا بداود (مز119: 103،104) وبإرميا (إر15: 16) وبأيوب (أي23: 12). حذار أن تسمحوا لأنفسكم بالسقوط في طرق اللفيف الذي أضاع شهيته لطعام الملائكة واشتهى طعام مصر (عد11: 4-9).
15. كل أيام الحزين شقية أما طيب القلب فوليمة دائمة.
هذا العدد وثيق الارتباط بالعدد الثالث عشر. فالشخص الحزين الكئيب يرى الأيام مليئة بكل أسباب الحزن والكآبة. وهذه طريقة الحياة البائسة التي تنبئ عن انعدام الثقة في الله. ولكن حين يكون القلب طيباً فرحاً بالرب، تكون الأيام جميعها مشرقة، وتكون النفس في وليمة دائمة. هذه ليست خفة وطياشة بل هي الفرحة المقدسة الصادرة من نظرتنا إلى الله خلف الظروف. وقد دخل حبقوق وتعمق في هذا الطريق (حب3: 17،18).
16. القليل مع مخافة الرب خير من كنـز عظيم مع هم. 17. أكلة من البقول حيث تكون المحبة خير من ثور معلوف ومعه بغضة.
إن الشخص الذي وجد فرحه في الرب يستطيع أن يفهم جيداً اختبار ذلك القديس العجوز الذي بسط على مائدته المتواضعة كسرة خبز وبصلة وقدحاً من الماء، ثم رفع عينيه إلى الله شاكراً «من أجل هذا كله، ومن أجل الرب يسوع». نعم، فإنه أفضل بكثير أن يكون لنا القليل على الأرض، وأن نعرف الله ونثبت في مخافته من أن تكون لدينا كنوز الأرض كلها، وملذات متنوعة، ومعها - جنباً إلى جنب - هم وبغضة. هكذا كان تفكير دانيال ورفاقه حين أبوا أن يتنجسوا بأطايب الملك (دا 1).
18. الرجل الغضوب يهيج الخصومة وبطيء الغضب يسكن الخصام.
لقد سبق أن ذكرنا العدد الأول من هذا الأصحاح بحقيقة الغضب وكيف يصرفه الجواب اللين. على أنه من الخير لنا أن تتردد على أسماعنا هذه الأقوال لأننا نستغرق وقتاً طويلاً في التعلم. إن الغضوب هو بالضرورة شخص متكبر وإلا فما كان يتهيج بسهولة لأي شيء يمسّه. والرجل المتواضع بطيء الغضب، إذ هو قد تعلم ألا يفكر في ذاته لأكثر مما ينبغي، ومن ثم فلا يتحفز لرد الإهانات والأخطاء. وازن بين الروح التي أظهرها شاول والتي أظهرها داود (1صم20: 30-34؛34: 8-22).
19. طريق الكسلان كسياج من شوك وطريق المستقيمين منهج.
إن ذهن الرجل الكسول ذاخر بالصعوبات، ويرى أن طريقه محوطة بالأشواك. وأنت تراه، ولديه العديد من المبررات التي يعتذر بها عن العمل فوراً بحسب ما يراه صحيحاً ومناسباً. أما المستقيم الذي يعرف واجبه، فإنه يواصل طريقه ويراها ممهدة قدامه كلما تقدم خطوة في أثر خطوة.
حين يأمرني الله فواجبي أن أطيع. إنه تعالى جعل نفسه مسئولاً عن إزالة العقبات من طريقي، أو عن منحي القدرة على التغلب عليها في حالة سماحه ببقائها. اسمع نشيد انتصار داود في مزمور18: 29 و2صموئيل30:22، ولكن المفارقة تاعسة مع العشرة الجواسيس (عد13).
20. الابن الحكيم يسر أباه والرجل الجاهل يحتقر أمه.
قارن ص10: 1. إن الابن الحكيم يُسِّر قلب أبيه إذ يستمع للتعليم ويمارس الفضيلة. أما الرجل الجاهل فيحسب نفسه أرقى من أمه ويتجاهل نصيحتها الحبية ومشورتها النافعة. (انظر ص30: 17).
21. الحماقة فرح لناقص الفهم أما ذو الفهم فيقوِّم سلوكه.
إن الغبي، إذ يفرح بالإثم، ويُصر على متابعة طريقه، برغم كل إنذار وكل رجاء، فإنه ينغمس في تصرفاته، فرحاً في حماقته. أما الرجل الكامل الذي يستأثر ذاته لخوف الله، فإنه يسلك بالاستقامة، رافضاً خديعة الملذات والمفاتن الخاطئة.
22. مقاصد بغير مشورة تبطل، وبكثرة المشيرين تقوم.
انظر ص 11: 14 وقارن ص24: 6.
سعيد هو الرجل الذي يلازمه التوفيق إذ يستأنس ذوي الفطنة والخبرة في الأمور الهامة وبخاصة أولئك الذين لهم اتصالات واسعة. انظر بولس وبرنابا (أع15).
23. للإنسان فرح بجواب فمه والكلمة في وقتها ما أحسنها.
إن الجواب الذي لا يخلف وراءه ندماً، هو كلمة مقولة في وقتها. إن الأقوال الصادقة ليست بالضرورة أقوالاً في وقتها. فكم من أحزان وأوجاع في القلب تخلفت، سواء للمتكلم أو للآخرين، بسبب تكرار ما هو في ذاته صادق وصحيح، ولكن كان من الواجب ألا يتجاوز اثنين ويصل إلى ثالث. لكن الكلمة في وقتها كريمة ونافعة تنعش السامع وتفرح من ينطق بها. وهنا نفكر في جواب أليهو الذي كان في وقته بعد تخرصات أصحاب أيوب الثلاثة الباطلة!
24. طريق الحياة للفطن إلى فوق للحيدان عن الهاوية من تحت.
الهاوية هي مقر الأرواح؛ عالم غير المنظور. لا يقصد بها الحكيم هنا موضع العذاب والعقاب المستقبل، بل يقصد بها، كما كان يعتقد مؤمنو العهد القديم، ظلام ما وراء القبر. وبقدر ما كان العمر الطويل بركة موعودة للعبراني الأمين، بهذا القدر عينه كان قطعه مبكراً من الحياة الحاضرة كارثة يرهبها. ومن هنا يقال أن طريق الحياة يبعد المستقيم عن الهاوية. فالذين يطأون هذه الطريق يُحفظون لشيخوخة مكرّمة في الأرض الموهوبة من الله لشعبه الأرضي. ولنا في قضية حزقيا صورة واضحة لحالة الذهن القديمة بالنسبة للموت، تلك الحالة التي كانت مألوفة بين الأشخاص الأتقياء المخلصين في التدبير الماضي. (انظر إش38،2مل20).
25. الرب يقلع بيت المتكبرين ويوطد تخم الأرملة.
مكتوب «لأن الرب عالٍ ويرى المتواضع. أما المتكبر فيعرفه من بعيد» (مز 138: 6). أجل، فإن وجهه أبداً ضد من يرفعون أنفسهم، ولكنه منذ القديم كان معوان اليتيم والأرملة اللذين يثقان في محبته وعنايته. وهو تعالى يريد لشعبه المسكين أن يعتمد على نعمته بكل بساطة واثقاً أن قلبه هو من نحوه باستمرار. أما المتعجرف المنتفخ، فلا حق له في رعايته واعتباره وإشفاقه، بل بيته سيسقط وكبرياؤه ستذبل. وازن القضاء على بيت كنياهو (إر 22: 30) مع عناية الرب بأرملة صرفة صيدا (1مل 17: 10-16)
26. مكرهة الرب أفكار الشرير. وللأطهار كلام حسن.
تأملنا قبلاً في تقدير الرب لذبيحة الأشرار وطرقهم. والآن نتعلم أن نفس أفكارهم هي أيضاً مكرهة عنده، عند ذاك «الذي عيناه أطهر من أن تنظرا الشر» لكن حديث الأطهار يسره لأنه فيض قلب متدرب في التقوى. ولنا الصورتان في يوحنا 6: 68-71.
27. المولع بالكسب يكدر بيته والكاره الهدايا يعيش.
طالما كان قبول الرشوة شركاً تعرض له الأشخاص الذين لهم أماكنهم في كراسي القضاء، أو الذين يدعون للشهادة. والجشع والطمع كم كانا سبباً لهدم كثيرين، لخرابهم شخصياً، ولفضيحة وهوان الذين يحملون اسمهم، أي ذرياتهم. أما كاره الهدايا، أي الشخص الذي يأبى بكل شدة أن يكون سلعة تباع (لأن الهدية في مثل هذه الحالة هي ثمن شرائه) فإنه يعيش.
لم ننسَ قصة العسكر الذين كانوا يحرسون قبر سيدنا. فقد أسكتتهم الرشوة، وكان ذلك مدعاة لهوانهم الأبدي. ومن الجانب الآخر نرى صموئيل في قامته المديدة يتحدى إسرائيل أن يشهدوا ضد كماله من هذه الناحية (1صم12: 3،4).
28. قلب الصدّيق يتفكر بالجواب وفم الأشرار ينبع شروراً.
إن الرجل السالك في خوف الله يزن أقواله، لئلا يهين سيده بعبارة متسرعة، ويكون عائقاً عوضاً عن أن يكون معيناً. أما الشرير فليس لديه مثل هذا الاعتبار، فيتكلم بكل ما يأتي على لسانه مهما يكن الأذى الذي يخلفه. الناس يفتخرون غالباً بصراحتهم - أو ما يزعمونه صراحة - بينما هم في الواقع إنما يكشفون عن حالة ضمائرهم غير المروّضة. لأنهم إذا كانوا فعلاً ينتبهون إلى قيمة الأقوال، فكان يجب عليهم أن يزنوها قبل أن ينطقوا بها، وهكذا يوفرون كثيراً من المساوئ والحزن. إن كون الأمر صحيحاً لا يعنى بالضرورة أن يكون موضوعاً ملائماً للمناقشة، يُنقل من شخص إلى آخر. والشخص التقي يتأمل بعناية دلالة الكلام، ومدى ما ينطوي عليه من خير أو شر، قبل أن ينطق بما لا يمكن سحبه أو الرجوع عنه بعد ذلك بأية صورة. وازن بين أليشع وبني الأنبياء في أريحا (2مل2: 15-18).
29. الرب بعيد عن الأشرار. ويسمع صلاة الصديقين.
ليس من حق الأشرار أن يتوقعوا أي إحسان من عند الرب. وهو - تبارك اسمه - لا يعدهم بسماع صراخهم. وحين يأتي يوم ضيقهم لن يجدوا من يدعونه. وقديماً حين تحول إليه إسرائيل الوثني في ضيقاتهم، رفض توسلاتهم وأحالهم على الآلهة التي كانوا يعبدونها حتى يتعلموا معنى تحولهم عنه (قض10:10-16).
لكنه تعهد أن يسمع صلاة الصدّيقين، والسماع عنده هو الاستجابة. والرجل الذي يجد مسرته في الله حينما تصفو الحياة، يجده صديقاً قريباً منه عندما يخيم الظلام على نفسه، لكن عليه ألا ينسى ما هو مكتوب «إن ثبتم فيّ وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم». انظر يشوع في جبعون (يش10: 12-14).
30. نور العينين يفرح القلب، الخبر الطيب يسمن العظام.
إن إنجيل مجد الله المبارك هو "خبر طيب" «الإيمان بالخبر والخبر بكلمة الله» (رو10: 17). وكما أن النور كريم للعين، هكذا كريم هذا الخبر العظيم للنفس التي تشتاق طويلاً للخلاص من الضمير المثقل. والخبر الطيب المرسل من السماء للناس الخطاة هو عن ابن الله يسوع المسيح «الذي أُسلِم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا». وهو شخص حي، ذاك المقدم للإنسان في الإنجيل. والثقة به وإدراك عمله يفرح القلب و«يسمن العظام». انظر سجان فيلبي (أع16: 29-34).
31. الأذن السامعة توبيخ الحياة تستقر بين الحكماء. 32. من يرفض التأديب يرذل نفسه ومن يسمع للتوبيخ يقتني فهماً. 33. مخافة الرب أدب حكمة وقبل الكرامة التواضع.
إن الشخص الذي له القدر الكافي من التواضع بحيث يكون شاكراً للتوبيخ وقت الضلال، هو شخص حكيم. على أن مثقفى الدنيا متكبرون جداً بحيث لا يقبلون الوعظ. وإذ هم يرون أنفسهم أرقى وأرفع من الشخص الذي يريد، في خوف الله، أن يصلح أخطاءهم؛ فإنهم يتحولون عنه بأنفة. وإذ يفعلون ذلك يظهرون أنهم يرذلون أنفسهم.
إنما أولئك الذي يسمعون التوبيخ هم وحدهم الذين يقتنون فهماً. وإذ يثبتون في خوف الرب، يعتبرونه جزءاً من الحكمة أن يعترفوا بغلطاتهم، فيقبلوا الوعظ وكأنه من الرب نفسه إذ «قَبْل الكرامة التواضع» ومن يأخذ مكان الاتضاع وإنكار الذات يُرفع في الوقت المناسب. انظر تاريخ يوسف العجيب (تك37-50).
- عدد الزيارات: 5648